كم كان جميلًا لو أنه كان على رأس الجمهورية رئيس يترأس في قصر بعبدا اللقاء الأوروبي والقبرصي، في حضور متكامل لكل السلطات التشريعية والتنفيذية.
هذا ما قرأناه ما بين السطور. وهذا ما كان يتمناه الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس ورئيسة المفوضية الأوروبية اورسولا فوديرلاين، اللذين عقدا اجتماعين منفصلين مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

لقد قيل الكثير من الكلام في هذين اللقاءين، وهو كلام مهم ويمكن التأسيس عليه لبناء قاعدة صلبة لملف النازحين السوريين الموجودين بكثافة فوضوية لا تعود بالنفع لا على لبنان ولا على السوريين أنفسهم ولا على الدول الأوروبية.
ما قاله الرئيس ميقاتي في هذا اللقاء التأسيسي المهم سبق أن قاله في أكثر من مناسبة، وهو سيقوله بقوة أكبر في مؤتمر بروكسيل، خصوصًا أنه وضع النقاط على الحروف النافرة في ملف شائك "يشكّل ضغطًا كبيرًا على الشعب اللبناني برمته وعلى كل القطاعات اللبنانية". فلبنان وصل إلى مرحلة يمكن القول فيها إن الكأس قد طفح، ولم يعد في مقدوره تحمّل المزيد، وهو "الذي تحمّل ويتحمّل "منذ اندلاع المعارك في سوريا عام 2011، العبء الأكبر بين دول المنطقة والعالم في موضوع استضافة النازحين". فهل يعي العالم الذي يتعاطف إنسانيًا مع هؤلاء النازحين ماذا يعني أن يعيش على أرض بلد صغير بحجمه الجغرافي، كما هو واقع لبنان، ما يوازي ثلث أعداد سكّانه ممن هم غير أهله، "مع ما يترتب على ذلك من أعباء وتحديات تضاعف من أزمة لبنان الاقتصادية والمالية وتهالك بناه التحتية".
وما لا يمكن التغاضي عنه أو السكوت عنه هو الواقع، الذي يبدو أنه "الأخطر" الناتج عن تصاعد النفور بين النازحين السوريين، وبينهم وبين بعض المجتمع اللبناني المضيف نتيجة الاحداث والجرائم التي ارتفعت وتيرتها وباتت تهدد أمن لبنان واللبنانيين واستقرار الأوضاع فيه". وما يحصل في أكثر من منطقة لبنانية، وبالأخصّ في المناطق، التي يمكن اعتبارها بمثابة مربعات أمنية، قد يشكّل تهديدًا متصاعدًا للاستقرار العام. فإذا تطّورت الحوادث التي لا تزال حتى الآن فردية إلى حوادث جماعية في الأماكن التي تسيطّر عليها الروح العشائرية، حيث لا تزال تسود فيها أنظمة خاصة بها، وقد تبدو في بعض الأحيان خارجة عن سلطة الدولة المركزية، فإن الأمور ستأخذ مناحي مختلفة، مع العلم أن بعض التقارير الأمنية والمخابراتية يشير إلى أن السلاح الفردي والمتوسط قد أصبح في متناول جميع النازحين بحجّة حماية أنفسهم من أي اعتداء قد يطال مخيماتهم، إلاّ أن حقيقة الأمر هي أن ثمة خلايا إرهابية لا تزال تتحين الفرص بهدف زعزعة الاستقرار العام في البلاد، مستفيدة من بعض الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي يعيشها اللبنانيون، إذ يُعتقد أنه من السهل تسجيل اختراقات معينة في صفوفهم تمهيدًا لتوجيه ضربتهم، التي يمكن الإفادة منها لتوسيع هذه الاختراقات في اتجاه العديد من دول المنطقة، "ولا يفوتني في هذا اللقاء أن اذكّر  بما طرحته في كل الاجتماعات واللقاءات الدولية التي اعقدها، ولا سيما مع الاتحاد الاوروبي، حيث كنت أحذر من ان كرة النار المرتبطة بملف النازحين لن تنحصر تداعياتها في لبنان بل ستمتد الى اوروبا لتتحول الى أزمة اقليمية ودولية. ونحن على قناعة ثابتة بأن أمن لبنان من أمن دول اوروبا والعكس، وان تعاوننا الجدي والبنّاء لحل هذا الملف يشكل المدخل الحقيقي لاستقرار الأوضاع".
فلبنان الذي عانى في السابق الكثير من الوجود الفلسطيني المسلح والفوضوي داخل المخيمات وخارجها، مع ما نتج عنه من فرز دموي على الساحة اللبنانية، غير مستعد لأن يعيد تجربة ما عاشه اللبنانيون قبل أحداث العام 1975 الدموية وخلالها وبعدها، ولكن هذه المرّة بنسخة سورية. وكما صمد جميع اللبنانيين في وجه المخططات الخارجية لتحويل بلادهم كوطن بديل للفلسطينيين ونجحوا، وإن دفعوا أثمانًا باهظة، فهو قادر على مواجهة أي محاولة لـ "سورنة" لبنان. "إننا نرفض ان يتحوّل وطننا الى وطن بديل وندعو اصدقاءنا في الاتحاد الأوروبي الى الحفاظ على قيمة لبنان والمضي في حل هذا الملف جذريا وبأسرع وقت، انطلاقا من المعرفة المتبادلة بيننا وبين الاتحاد الاوروبي ودول العالم بأن مدخل الحل سياسي بامتياز". فالوضع في سوريا، وفي معظم المناطق التي شهدت في السابق توترات واشتباكات مسلحة، هي اليوم أفضل بكثير من بعض المناطق في الجنوب، التي تتعرّض قراه لقضف إسرائيلي متصاعد، فـ "المطلوب كمرحلة اولى  الاقرار اوروبيًا ودوليًا بأن اغلب المناطق  السورية بات آمنا ما يسهل عملية اعادة النازحين، وفي مرحلة اولى الذين دخلوا لبنان بعد العام 2016 ومعظمهم نزح الى لبنان لأسباب اقتصادية بحتة ولا تنطبق عليهم صفة النزوح". فلبنان المستقرّ يعني أن الدول المحيطة به ستكون مستقرّة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الأوروبية، التي تخشى أن تصبح شواطئها تعجّ بالنازحين السوريين. وما يحصل اليوم على شواطئ قبرص ليس سوى عيّنة مما قد يصيب معظم الدول الأوروبية إن لم تسارع إلى مساعدة لبنان لطي هذه الصفحة وإيجاد حل عاجل لمعاناة ما يقارب المليوني نازح سوري في مختلف الأراضي اللبنانية. المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

شغور مقعد الرئيس في لبنان يقلق البابا فرنسيس

نقل أمين سر الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين إلى المسؤولين اللبنانيين، قلق البابا فرنسيس لجهة عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان حتى الآن، متحدثاً عن عقد داخلية كثيرة، وأعرب عن اعتقاده بأن الحلّ لأزمة الرئاسة يبدأ من مقرّ إقامة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

 

الأمين المساعد لجامعة الدول: نتضامن مع لبنان بعد التصعيد الإسرائيلي في الجنوب الرئيس التركي: نتنياهو ومن معه يوجهون أنظارهم نحو لبنان لشن حرب هناك

 

ويعاني لبنان شغوراً في سدة رئاسة الجمهورية منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022. وفشل البرلمان 12 مرة بانتخاب رئيس للجمهورية، وتعثرت المباحثات الداخلية عند رفض بعض القوة لحوار طالب رئيس البرلمان بعقده يجمع القوى السياسية، يسبق الدعوة لجلسات مفتوحة لانتخاب رئيس.

 

وغداة مشاركته اللقاء الديني - السياسي الموسع في بكركي، التقى بارولين، الأربعاء، برئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وقال بعد لقائه بري: «أعتقد أن الحلّ لأزمة الرئاسة يبدأ من هذا المقرّ، فالأفرقاء المسيحيون يتحملون المسؤوليّة طبعاً، ولكنّهم ليسوا وحدهم في السلطة، وعلى الآخرين تحمّل مسؤولياتهم». وأكد وجود «عقد داخلية كثيرة تمنع انتخاب رئيس للجمهورية».

وبعد لقائه ميقاتي، أعرب عن سعادته لزيارة لبنان «الذي يراهُ البابا فرنسيس بلداً للعيش المشترك والأخوي». وقال بارولين: «البابا فرنسيس قلقٌ لجهة عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان حتى الآن».

 

وأكد أمين سر الفاتيكان أن «رئيس الجمهورية يمثل وحدة البلاد، وعلى المسؤولين السياسيين أن يقوموا بواجبهم لانتخاب رئيس جديد». وأشار إلى أنّ «الشرق الأوسط يعيش فترة عصيبة، والبابا الذي لديه علاقات دائمة مع الفلسطينيين والإسرائيليين يدعو لإحلال السلام، ووقف الصراع وإطلاق الرهائن في غزة، وإيصال المساعدات من دون عوائق إلى القطاع الفلسطيني». ورأى بارولين أنّ «كل حرب تترك العالم أسوأ مما كان عليه، وهي بمثابة استسلام أمام قوى الشر».

 

وتعهّد بأنه سيحمل إلى البابا فرنسيس «الدعوة لزيارة لبنان، ونأمل أن يتمكن من ذلك، ويحمل المصالحة إلى هذا البلد».

وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال في اللقاء الصحافي المشترك مع بارولين، إنه سعد لما سمعه من الكاردينال عن متابعة البابا فرنسيس اليومية لشؤون لبنان، «ومحبته لوطننا وشعبه وتثمينه لرسالته المميّزة في الشّرق بوصفه ملتقى للأديان والثّقافات والتّلاقي بين مختلف العائلات الرّوحيّة»، وشكره على «متابعته الدؤوبة والمستمرة لمختلف الهموم والشجون اللبنانية».

 

وقال ميقاتي: «ثمة أولويات تجمعنا مع الكرسي الرسولي وتهدف إلى حماية لبنان وشعبه وترسيخ الأمن والتعافي الاقتصادي. ومن هذه الأولويات، انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن؛ لأن استمرار الفراغ يتسبب بتداعيات على المستويات كافة»، و«إعادة بناء الدولة ومؤسساتها والاحتكام إلى الدستور من أجل المصلحة اللبنانية المشتركة، وتعزيز العيش المشترك»، و«العمل على تثبيت الاستقرار الداخلي، وإيجاد حل للأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة منذ سنوات».

 

وأشار ميقاتي إلى أنه من الأولويات أيضاً «السعي بكل الوسائل المتاحة لعدم تحويل لبنان ساحة للنزاعات المسلحة انطلاقاً من الجنوب، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وذلك من أجل وضع حد لأطماع إسرائيل التوسعية، وبالتالي عدم ربط استقرار لبنان ومصالحه بصراعات بالغة التعقيد وحروب لا تنتهي»، و«الحرص على أفضل العلاقات مع الدول الصديقة والداعمة للبنان في هذه الظروف الصعبة، وفي مقدمها حاضرة الفاتيكان التي قدّمت ولا تزال تقدّم الدعم والمساعدة والاهتمام بشخص قداسة الحبر الأعظم وكبار المسؤولين».

 

وجدد ميقاتي الدعوة للبابا لزيارة لبنان، «لأن جميع اللبنانيين ينتظرون هذه الزيارة وينظرون إليها، بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بوصفها أملاً جديداً لهم، ومن أوائل عوامل الانفراج». وقال: «يشجعنا ما تفضلتم به خلال لقائنا عن أهمية المحافظة على الوفاق الوطني بين اللبنانيين، وضرورة توفير كل مقومات النجاح له؛ لأن به خلاص اللبنانيين وقدرتهم على المحافظة على وطنهم واحداً موحداً».

 

وعلى هامش زيارة بارولين، وجه البطريرك الماروني بشارة الراعي نداء إلى البطاركة والمطارنة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات، والإقليميّين والإقليميّات، أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، قال فيه: «إنّنا بنتيجة اجتماعنا حول الكردينال بييترو بارولين، أمين سرّ دولة الفاتيكان، اتّخذنا توجيهاً بإقامة الصلوات يومي السبت والأحد المقبلين 29 و30 حزيران في جميع كنائسنا في لبنان والأراضي البطريركيّة وبلدان الانتشار؛ من أجل إنهاء الحرب في غزّة وجنوب لبنان، وإحلال سلام عادل وشامل فيهما».

 

 

مقالات مشابهة

  • ميقاتي يخوض معركة اخرى على الجبهة الرسمية للبنان!
  • أردوغان: تركيا تقف إلى جانب لبنان
  • أردوغان يبحث مع ميقاتي التهديدات الإسرائيلية للبنان
  • ميقاتي اتصل باردوغان: نثمن دعم تركيا المستمر للبنان
  • زكي التقى ميقاتي: تحديات كبيرة تواجه لبنان وندعو إلى التوافق
  • شغور مقعد الرئيس في لبنان يقلق البابا فرنسيس
  • في الشمال... أمن الدولة تتابع عمليّات إخلاء القرى من النازحين السوريّين
  • البيسري في دمشق يبحث ملفات النازحين
  • أزمة المياه العادمة تهدد حياة النازحين وسط قطاع غزة
  • رغم الحملة الأمنيّة... سوريّون يحصلون على وظائف