يُصرّ وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن على ضرورة إنجاز صفقة التبادل الآن، ولكنّه يُبرّئ إسرائيل من المسؤولية عن التعطيل، ويُلقي التهمة على حركة حماس، التي ينتظر الجميع ردّها على آخر المبادرات.
تائه بلينكن، حين يضطرّ لتبرير استعجاله إتمام صفقة، طال أمد انتظارها، فهو تارةً يُبدي حرصاً على عدم توسُّع دائرة الحرب، خصوصاً في الجنوب اللبناني، وتارةً يضرب على وتر المساعدات الإنسانية، ومنع اجتياح رفح ويتجاهل عن عمد مسألتين:
الأولى، أنّه لم يبقَ أمام الإدارة الأميركية، وموعد الانتخابات الرئاسية سوى أشهر قليلة، حتى تتمكن هذه الإدارة من تحقيق الإنجاز الكبير الذي تنتظر أن يحسّن فرص الرئيس جو بايدن في المنافسة.
الأمر يتعلّق بصفقة تؤدّي إلى تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية، ما سيفتح الباب أمام توسيع دائرة "اتفاقات أبراهام" بانضمام دول أخرى عربية وإسلامية.
ينطوي هذا الإنجاز في حال تحقيقه على أبعاد إستراتيجية هامّة في سياق سعي الولايات المتحدة لضمان مصالحها في هذه المنطقة الحيوية، ولقطع الطريق أمام تقدّم النفوذ الصيني والروسي.
وفي حال تحقيق هذا الإنجاز، فإنّه سيشكّل مكافأة لإسرائيل، التي انتظرت طويلاً، وكانت تعتقد أنّ الطرق ممهّدة لتحقيقه لولا الانفجار الذي وقع في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، وقد يشكّل مثل هذا الإنجاز في حال تحقيقه، التعويض الذي ينتظره نتنياهو، لإضفاء مشهدٍ انتصاري بعد رحلة الفشل الطويلة التي قادها لتحقيق انتصار حاسم، يرى الكثيرون أنّه أقرب إلى المستحيل.
بإمكان الإدارة الأميركية أن تضع بين يدَي نتنياهو وحكومته إنجازاً ملموساً ومُكتملاً، مقابل وعود أميركية، بفتح مسارٍ سياسي نحو "حلّ الدولتين".
الفلسطينيون يعرفون أكثر من غيرهم أنّ الإدارة الأميركية فقدت الحدّ الأدنى من المصداقية، إزاء وعود كثيرة وأقّل أهمية من "حل الدولتين"، الذي سيتمّ ترحيله عملياً، إلى زمنٍ آخر مفتوح، بعد أن تنتهي الانتخابات الأميركية.
نتنياهو المحكوم لمعادلة صعبة، حيث تشكّل حكومته قيداً عليه، فهو إن وافق على صفقة التبادل قد يخسر تحالفه الحكومي الفاشي، وإن رفض وأصرّ على تلبية مواقف سموتريتش وبن غفير، وتحوّل إلى رفح، خسر بيني غانتس وآيزنكوت، وفتح المجال لمزيد من الاحتجاجات الداخلية المتصاعدة.
الإغراءات الأميركية لنتنياهو لا تتوقّف عند ذلك، فهو يتوسّل دور الولايات المتحدة، لمنع صدور مذكّرات اعتقال بحقه وبعض زملائه من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وأيضاً تقف الولايات المتحدة حائلاً أمام أيّ تحقيق مستقل فيما يتعلّق بجرائم المقابر الجماعية التي تمّ الكشف عنها في مستشفيات غزّة وخان يونس.
المسألة الثانية، التي يتجاهل بلينكن أهمّيتها تتعلّق بما تشهده الساحة الأميركية من حراكات داعمة للحقوق الفلسطينية وينضمّ إليها عديد نواب الحزب الديمقراطي، والنخب السياسية، والأكاديمية والفنّية.
الجامعات الأميركية الكبرى، تشهد احتجاجات طلّابية واسعة، تستقطب أكاديميين، وتحرّك الشارع الأميركي، خلف حرم الجامعات. ثمة خشية من تحرّك الطلبة، في مجتمع يضجّ بالتناقضات، والعنصرية، والعرقية، خاصة وأنّ الحراك الطلّابي بدأ يؤثّر على عديد الجامعات الفرنسية والبريطانية، وربما يمتدّ إلى دول أوروبية أخرى.
وفيما تصرّ الولايات المتحدة على استخدام الشرطة والقمع لفضّ الاحتجاجات فإنّ المحتجين يزدادون إصراراً على مطالبهم، ولا يُظهرون استعدادات للاستسلام والرضوخ أمام حالة القمع.
الشرطة استنفرت قوّات كبيرة لقمع الاحتجاج الطلّابي والأكاديمي في جامعة كاليفورنيا وجامعات أخرى، ما يعني أنّ المسألة تتعدّى هدف إيصال رسائل للمحتجّين في الجامعات الأخرى، بما يفضح طبيعة الديمقراطية التي تتغنّى بها الإدارات الأميركية، بعد أن سقطت منظومتها القيمية، فيما يتعلّق بحقوق الإنسان، والقانون الدولي، وحقوق الأقلّيات، وحرّية التعبير.
أظهرت بعض المشاهد، وجود قنّاصة من الشرطة، وثلاثة من أفرادها يتناوبون بالضرب بالهراوات، على سيّدة في شارع خلفي يظنّون أنّهم بعيدون عن أعين وسائل الإعلام.
في الواقع فإنّ الاحتجاجات الطلّابية، تقلق نتنياهو، الذي شبّهها بالتحريض على اليهود في الجامعات الألمانية قبل الحرب العالمية الثانية.
هو يدرك مدى خطورة هذا الحراك الذي يحفر في وعي الرأي العام الأميركي إزاء الرواية الإسرائيلية التي ظلّت تسيطر على وعي الرأي العام لعشرات السنوات في الدول التي لولا دعمها لإسرائيل لكانت الأخيرة في وضع لا تُحسد عليه.
حين يتعلّق الأمر بالرواية الإسرائيلية أو الفلسطينية، ويظهر في المشهد طلّاب وأكاديميون يهود يشاركون في الاحتجاجات، فإنّ على كلّ السياسيين في إسرائيل أن يتحسّسوا خطراً إستراتيجياً أكيداً.
هذه هي القضية الفلسطينية، وهذه هي إسرائيل بكلّ خصائصها ومواصفاتها وقيمها، وادّعاءاتها، وتزويرها للحقائق وكذبها، تتجلّى بوضوح شديد فيما تمارسه من جرائم تفوق قدرة البشر على التحمُّل.
لقد ارتكبت الولايات المتحدة حماقات كبرى، حين قامت بغزو أفغانستان وبعدها العراق، ثم اضطرّت إلى انسحابات ذليلة بعد أن مارست أبشع أنواع القتل والتشريد والتدمير.
دفعت الولايات المتحدة أثماناً باهظة اقتصادية وعسكرية وبشرية، ومعنوية خلال غزواتها الفاشلة، لكن كلّ ذلك، لم يشكّل الصدمة الكبرى للرأي العام الأميركي.
هذه المرّة الأمر يختلف حين تتورّط الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في حربٍ بشعة تؤدّي من بين نتائج أخرى إلى عزل الحليفين على المستوى الدولي، وتترك تصدُّعات قوية في مجتمعاتهما الداخلية.
إذ لا يبدو أنّ احتجاجات الطلبة أمر عارض أو طارئ، أو أنّ آثارها تزول حين تضع الحرب أوزارها. صدق وزير اقتصاد الاحتلال حين قال: "إنّ الرأي العام الأميركي هو تهديد وجودي لإسرائيل".
(الأيام الفلسطينية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بلينكن الحرب غزة حرب بلينكن مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة اقتصاد صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
من المصارعة إلى التعليم.. هذه مرشحة ترامب للوزارة التي يريد إلغاءها
اختار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ليندا ماكمان، الرئيسة السابقة لاتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي"، لتولّي حقيبة التعليم، الوزارة التي يعتزم إلغاءها والتي يدور حولها نزاع شرس بين التقدميين والمحافظين.
وقال ترامب في بيان إنّ ماكمان هي "مدافعة شرسة عن حقوق الوالدِين"، مضيفا "سنعيد التعليم إلى الولايات المتحدة، وليندا ستقود هذا الجهد".
ومنذ فوزه في الانتخابات التي جرت في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر، بدأ الرئيس السابق الذي سيتسلم السلطة مجددا في 20 كانون الثاني/ يناير، بتعيين كوادر إدارته المقبلة، وقد اختار لملء بعض المراكز أسماء فاجأت كثيرين.
وفي بيانه اعتبر ترامب أنّه "بصفتها وزيرة للتعليم ستكافح ليندا بلا كلل" من أجل منح كل ولاية أميركية مزيدا من الحريات التعليمية و"تمكين الآباء من اتخاذ أفضل القرارات التعليمية لعائلاتهم".
وتشهد الولايات المتحدة انقساما حادا حول موضوع التعليم إذ ترفض الولايات التي يقودها جمهوريون نشر المبادئ التي يدافع عنها الديموقراطيون من مثل حقوق المرأة والأقليات وحقوق المثليين.
وماكمان، سيدة الأعمال البالغة من العمر 76 عاما، سبق لها وأن شغلت منصب وزيرة شؤون الشركات الصغيرة وذلك في مستهل ولاية ترامب الأولى، وتحديدا بين العامين 2017 و2019.
وتعتبر هذه المرأة أحد أركان الحلقة الضيقة لترامب الذي اختارها أيضا لتكون أحد قادة فريقه الانتقالي الذي سيتولى السلطة من الديموقراطيين.
ولا تتردّد ماكمان في وصف ترامب بـ"الصديق"، وهي مانحة رئيسية للحزب الجمهوري وقد ساهمت ماليا في دعم ترشيح ترامب للسباق الرئاسي منذ 2016، أولاً في الانتخابات التمهيدية الحزبية ومن ثم في الانتخابات الوطنية.
وهذه السيدة متزوجة من فينس ماكمان، وريث اتحاد المصارعة العالمية الترفيهية "دبليو دبليو إي".
وهذا الاتحاد هو شركة عملاقة تأسّست في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تصبح ماكمان في 1993 رئيستها ومن ثم مديرتها العامة في 1997.
واستقالت ماكمان من هذه المنظمة في 2009 لتجرب حظها في عالم السياسة.
أمام زوجها فقد بقي على رأس الاتحاد حتى كانون الثاني/يناير الماضي حين اضطر للاستقالة بعد أن تقدمت موظفة سابقة بشكوى ضده بتهمة الاعتداء جنسيا عليها.