بيان من اتحاد عموم دار البديرية ولاية شمال كردفان
تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
اتحاد عموم دار البديرية
ولاية شمال كردفان
بيـــــــــــــــان
يقول تعالي (أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير) صدق الله العظيم
أهلنا الصابرون المرابطون الأوفياء بدار عموم البديرية تحية الصمود والنضال.
تعلمون أن اتحادكم الوليد ظل يتابع الانتهاكات المتكررة لقوات الدعم السريع والتي شملت التقتيل والتهجير والتعدي على الانفس والأموال والإذلال والإستيطان وغيرها من الموبقات التي تمارس داخل دار البديرية، وظل اتحادكم على الدوام يحذر المليشيا من تلك الاعتداءات الجائرة داخل المنطقة، ومددنا حبل الصبر حيال ما يحدث ويبدو أن المليشيا ظنت أن حبل الصبر الممدود هو ضعف وهوان من أهالي المنطقة فتمادت في الإعتداءات المتكررة فقتلت ونهبت وشردت وأذلت وأعتدت على الزرع والضرع وأمتدت أياديها حصاراً على أهلنا بمدينة الأبيض فقطعت المياه والخدمات وأتلفت الزروع وقطعت الأشجار واستولت على الممتلكات.
أهلنا الكرام.
تابعتم وشهدتم المجزرة البشعة التي قامت بها المليشيا تجاه أهلنا بقريتي فوري والاريت يوم الثلاثاء 30 /4 /2024م والتي استشهد فيها 16 شهيدا من خيرة شباب المنطقة بالإضافة لعدد من الجرحى في حادث مؤلم انتهكت فيه كل القيم الانسانية والقوانين الدولية.
إن المليشيا عادت لتمارس سلوكها البربري الجبان وسط العُزَّل بطريقة وحشية لم تراعِ فيها حرمة الدماء وانتهاك العروض ولا الاعراف والتقاليد السائدة منذ القدم بيننا وبين الجهات التي تمثل الآن حواضن لتلك الفئة الباغية.
ونحن إذ ندين هذا السلوك الهمجي نؤكد بأننا بعد اليوم لن نقف مكتوفي الأيدي وسنقوم بواجبنا تجاه حماية أهلنا بكل ما نملك ونحمِّل تلك الحواضن المسؤولية الكاملة وما يترتب عليها من تبعات.
أخطأ المتفلتون عندما زعموا أن دار البديرية سهلة المنال فإمتدت أياديهم لاهلنا في القرى وهذا الاعتداء ويؤدي إلى المواجهة بيننا وبينهم، وستدفع ثمنها الحواضن التي تأوي وتجند وتتناسي الأعراف والتقاليد التي تجمعنا والمسارات والطرق التي تربطنا والمخارف والدمر التي تضمنا.
إن سماحة إنسان المنطقة ومثاليتَهُ وخُلُقهُ النبيل جعله يرحِّب بكل بشاشة ويستقبل كل من هُجِّر بسبب الاحتكاكات القبلية قبل الحرب ويُفسح له مستقرا ومقاما في المنطقة، إلا أن هذه السماحة أولدت الأطماع في نفوس البُغاة وظنوا أن أرض البديرية هي المستوطنة الجديدة للهاربين منهم ومحضناً للمنزوين ومخباً للمتفلتين، ولكن نقول لمن يظن أن دار البديرية هي المقر الجديد لحواضنهم المهجرة أخطأتم التقدير فدار البديرية بعد اليوم ستكون بركانا يتفجر ونارا تستعر وفيالق تتوغل الاحراش وفرسانا يتقدمون الصفوف وايادٍ قابضة علي الزناد، فلن تكون الدار ملاذا للمجرمين أو مأوي للمتفلتين أو مرعى للناهبين أو مخبأ للمتمردين أو مسرحاً للعمليات.
ونحن في هذا الموقف نترحم على شهدائنا جميعا من النظارة ومن قواتنا المسلحة والاجهزة الامنية ونؤكد أن دماءهم التي روت الارض ستكون دافعا لنا للنزال حتى نلقى النصر أو نلحق بهم بإذن الله.
وعطفا على ما تقدم أجتمعت أجهزة الاتحاد بوجود وكلاء الامارة ولفيف من الاعيان والرموز وقرر الاجتماع الآتي :
– تأكيد وقفتنا ومساندتنا للقوات المسلحة وهي تخوض معركة الكرامة ضد مليشيا الدعم السريع دفاعا عن الأرض والعرض
– تجديد المناشدة السابقة للأجهزة الأمنية بأن تقوم بواجبها في بسط الأمن والاستقرار وتأمين الموسم الزراعي بالمنطقة توسيع الرقعة الأمنية لتشمل كافة أرجاء محلية شيكان ونحن نعينها على ذلك.
– ندعو جميع أبناء المنطقة في الداخل والخارج لمناقشة المستجدات بالمنطقة مع أعلى المستويات.
(وسيعلمُ الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون)
إتحاد عموم دار البديرية / الخميس الموافق 2 /5 /2024م الأبيض
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
المليشيا والدولة في السودان
عبد الله علي إبراهيم
(استغرب بعضهم قولي على الجزيرة مباشر أن من حق الجيوش توظيف مليشيات لأغراضها دون أن تتخلى عن احتكارها للسلاح الذي هو خصيصتها في الدولة الحديثة. والترخص في احتكار السلاح هو ما ارتكبه نظام الإنقاذ لا بخروج الدعم السريع من رحمه كما يذاع، بل لأنه جعله جيشاً ثانياً شريكا في حمل السلاح باستقلال. فكانت المليشيات قبله تنشأ بجانب الجيش ثم تنفض متى فرغت من مهمتها ليومها. ولكن الإنقاذ تعاقدت مع الجنجويد لا فكاك. ولو كانت القراءة عادة فينا لما استغرب هذا البعض مني قولي. فكنت نظرت في مادة المليشيا منذ 56 عاماً خلال عرضي لكتاب "مذبحة الضعين" (1987) لسليمان بلدو وعشاري أحمد محمود. وحررت هذه المادة في باب من كتابي "الثقافة والديمقراطية" (1996) في فصل عنوانه "أخرجت البادية أثقالها وقالت الصفوة مالها!" بعنوان جانبي هو "جدل القبيلة والدولة". وأنشر هنا طرفاً من الفصل عن سيرة الدولة المركزية السودانية والمليشيا في التاريخ).
وصفت بلين هاردن استخدام الدولة السودانية لـ "المليشيات القبلية"، في حربها ضد قوات الحركة الشعبية، بأنها الحرب بأدنى تكلفة. وليس هذا صحيحاً وحسب، بل أن هذه الحرب الرخيصة أيضاً ظلت أداة تاريخية تلجأ لها الدولة السودانية مع قوى البادية السودانية الخارجة على سلطانها. فغالباً لم يكن في مقدور هذه الدولة أن تطال تلك القوى في بواديها المستغلقة المستعصية. وكثيرًا ما وجدت تلك الدولة نفسها مضطرة للتحالف مع جماعات أخرى في نفس البادية لها خصومة مؤكدة مع تلك القوى الخارجة على الحكومة. وهذه الخصومة هي التي تجعل حلفاء الحكومة حريصين على ملاحقة الخارجين على الحكومة وترويعهم في بيئة لا قبل للدولة لشقها وفرض أدوات سيطرتها عليها.
وأستطيع من خبرتي بتاريخ عرب الكبابيش بشمال إقليم كردفان أن أدلل على رسوخ نسق تحالف الدولة القاصرة مع نظم اجتماعية وسياسية أدنى مثل القبيلة والطائفة لتصفية معارضيها في بيئات البادية والهوامش المستعصية. فقد طلبت الإدارة التركية في السودان (1821-1881) من بعض فروع الكبابيش أن لا يهبطوا مع بقية الكبابيش إلى النهر في موسم الصيف ليبقوا بجهات الصافية ونواحيها بشمال كردفان لردع أعراب دارفور، وبني جرار، خاصة الذين كانوا يقطعون طرق القوافل بين كردفان ودارفور. وواضح أنه لم يكن خافٍ على تلك الإدارة قوة إغراء هذا العرض على الكبابيش. فبين الكبابيش وبني جرار عداء مستحكم انتهي بتجريد بني جرار من دارهم بشمال كردفان، واحتلال الكبابيش لها ولياذ بني جرار بدارفور. والأكثر إغراءً في هذ العرض هو إباحة الإدارة التركية لفروع الكبابيش المأمورة بمطاردة بني جرار الغنائم التي تجنيها من قتالها لبني جرار وقبائل دارفور.
ووظفت دولة المهدية (1881-1898) خصومات الكبابيش في حملتها لإخضاع الكبابيش وكسر ثورتهم. فقد استخدم الخليفة عبد الله زعماء وقوى من قبائل حمر ودار حامد والكواهلة وبني جرار، وهي القبائل ذات الثارات على الكبابيش، في طور أو آخر من أطوار حربه وملاحقته للشيخ صالح فضل الله، زعيم الكبابيش المعارض، حتى قضى عليه وعلى ثورته.
وتحالفت الحكومة الإنجليزية مع الكبابيش خلال العقدين الأولين من هذا القرن، حين تطابقت استراتيجية الحكومة في حصر وضبط السلطان علي دينار، سلطان دارفور، مع استراتيجية الكبابيش للتوسع غرباً حتى مطالع حدود دارفور الشرقية. ولأن الكبابيش كثيرًا ما يخاطرون في نواحي دارفور المعادية، أصبحوا في نظر الحكومة حراس الأحراش الغربية، والمصدر الرئيسي للمعلومات الرسمية لما يجري هناك. فحين يغزو الكبابيش قبائل دارفور فمن الممكن تسويغ ذلك على أنه انتقال لما يكون قد وقع عليهم من تلك القبائل. ولم تشجع الحكومة السودانية غزوات الكبابيش في العلن ولكنها متواطئة في تفهم دوافعها ونفعها له على أية حال. ولذا لم تجد الحكومة السودانية نفسها بحاجة إلى اتخاذ خطوات حاسمة لزجر الكبابيش وهو زجر كان سيصعب على الحكومة ومؤكد أنه قليل الأثر.
وحين قررت حكومة السودان إزاحة السلطان علي دينار عن حكم دارفور وضم دارفور للسودان كان للكبابيش موقع في خطة الإبعاد والضم. وقد زودت الحكومة فرسان الكبابيش بالسلاح والعتاد. ومع أن دور الكبابيش لم يكن كبيرًا في الحملة إلا أن فرسانهم فتحوا دارفور منن الشمال بينما دخلت قوات حكومة السودان من الوسط.
ومن المهم التذكير أن استخدام الدولة للمؤسسة القبلية العسكرية في حربها للحركة القومية الجنوبية تكتيك حكومي قديم. فقد عبأت حكومة الفريق عبود (1958-1964) قبائل المورلي في الجزء الجنوبي الشرقي من السودان لقطع الطريق أمام وصول قوات الأنانيا الأولى إلى مناطق القبائل النيلية من مركز قوتها في شرق الاستوائية.
ibrahima@missouri.edu