الثورة نت:
2024-11-14@04:34:48 GMT

التعايش المدني والإسلام

تاريخ النشر: 3rd, May 2024 GMT

مع كل مرحلة جديدة في حياة الأمة يفترض أن يكون هناك مرحلة متطورة وجديدة من الوعي بالحقائق التاريخية، وبالقراءة الفاحصة للفكر الإسلامي، حتى لا نتخلف عن الركب، ويسبقنا العالم من حولنا بقيم نحن أحق بها ولكننا تركناها وأعاد العالم من حولنا إنتاجها فتقدم وتراجعنا.
فالهجرة النبوية – مثلا – من مكة إلى المدينة لم تكن حدثا عابرا في فكر الكثير من أرباب الفكر الإسلامي، فلم يكد حديثهم يتجاوز وصف الرحلة، وتتبع الروايات حول الحدث، والبعض يرى في الكثير منها بعدا عقائديا، والآخر بعدا تشريعيا، والبعض بعدا أخلاقيا، ولم نجد من يقرأ الحدث في أبعاده النظرية والرمزية، ولا في إشارات الانتقال التي كان يرمز إليها الفعل .


فالهجرة لم تكن إلا انتقالا من حال دل عليه المكان بكل دلالاته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولذلك غفل الفكر العربي عن تفسير الحالة تفسيرا منطقيا يتسق ورسالة الإسلام كرسالة سماوية خاتمة للبشرية، ذلك أن إيماننا المطلق بالله يرى أن الله كان قادرا أن يزرع المحبة في قلوب كفار فريش ويجعل منهم أمة تتقبل الرسالة وتبشر بها العالم من حولها، لكن حدث العكس، فقد كانت قريش بكل مدلولات المكان الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بيئة طاردة للرسالة وغير قابلة للتحولات وحالات الانتقال التي يحملها الرسول الأكرم للبشرية، لذلك كانت الهجرة تعبيرا عن المناخ الملائم للإسلام بدلالة اسم المكان الجديد ” المدينة ” وتعبيرا عن رفض المحمول الثقافي للقرية، ومثل ذلك ثابت بالنص، فالقرآن حين يتحدث عن مكة فهو لا يتجاوز ملفوظ القرية إلى غيره وحين يتحدث عن يثرب كمكان جديد حاضن للرسالة المحمدية فهو يسميها بالمدينة وفي ذلك دلالة حضرية ذات بعد نظري عميق لم يقف عنده أرباب المذاهب ولا علماء الكلام كما وقفوا عن باب الطهارة والنجاسة وباب النكاح.
فالهجرة تشكل حالة انتقال من عصبية القرية إلى روح التعايش المدني الذي شكلته يثرب بتعددها الثقافي وبقيم التعايش الذي أسسته صحيفة المدينة وهي وثيقة كانت تنظم العلاقة بين أطياف المجتمع في المدينة من مهاجرين وأنصار وعرب مشركين ويهود ونصارى وهذه الوثيقة تمثل أول دستور لتأسيس الدولة الإسلامية الجديدة، معنى ذلك أن الإسلام مدني بطبعه، وجوهره التعايش والسلم والتسامح،
هذا المعنى الكبير الذي اشتغل عليه الفكر الإنساني، وتأسس بثورات في المجتمع الإنساني كالثورة الفرنسية وغيرها نحن كعرب وكمسلمين كنا أول من وضع مداميكه الأولى وصرفنا فكرنا عنه بالصراعات، وملأنا الفراغ بالغرائز التي طال جدالنا الفكري حولها تبريرا وتفنيدا وتشريعا وقياسا وإجماعا .
لا أعتقد أن فكرة التاريخ الهجري كانت فكرة عفوية غير مدعومة بالعناية الالهية بل ندرك عناية الله فيها حتى يقيم الحجة على الذين يتخذون الدين ومصالح البشر لهوا ولعبا وعبثا فكريا، وحتى يتذكر المسلمون كل عام جديد أن الهجرة صيرورة زمنية وحالة انتقال من عصبية القرية وغبنها واستغلالها وتمايزها الطبقي وعبوديتها إلى فضاء الإسلام وحريته ومساواته بين الخلق في الحقوق والواجبات، فكل فكرة مدنية معاصرة اشتغل عليها المفكرون عبر القرون والأزمنة نجد له جذرا في الفكر الإسلامي سواء في مصادر التشريع أو غيرها، فعهد الأمم المتحدة في حقوق الانسان وجدناه اسما ومصطلحا ومعنى وقيما ومبادئا في عهد الإمام علي عليه السلام للأشتر، ومبدأ المساواة نجده في السير مبثوثا لمن ألقى السمع أو كان بصيرا فالأمام علي عليه السلام يقف بين يدي القاضي وكان أميرا للمؤمنين دون أن يمنعه سلطانه من الامتثال للحق، وهذا نجده اليوم في العالم من حولنا – ونحن من سبق العالم اليه – ولكننا تركناه وتمثلوه .
ما يجب أن ندركه في هذا المخاض العسير الذي تمر به الأمة أن الذات تشعر بفراغ وبفقدان حلقات مهمة في سلسلة التراكم التاريخي والامتداد الحضاري وترميم المتصدع وإعادة الحلقات المفقودة إلى سياقها الحقيقي يتطلب جهدا مضاعفا فالذات التي تشعر بالفراغ الحضاري والفراغ التاريخي لا يمكنها التفاعل مع اللحظة الحضارية الجديدة لأنها تشعر بفقدان القيمة وتشعر بالاغتراب الحضاري والاغتراب التاريخي وبالتالي الاغتراب عن اللحظة الجديدة
والاشتغال على قيم السلام الاجتماعي والتماسك في عرى الأمة يتطلب مهارات ذهنية وثقافية وقواعد منطق سليم، لذلك فالفرق التي تشتغل على حالات الانقسام الاجتماعي، وتحاول تعميق ثقافة الثأر والعداوات على أسس مذهبية وطائفية تشكل خطرا على مستقبل الأمة.
لذلك نقول أن التركيز على بناء الإنسان بناء سليما يجب أن يكون من أولويات المرحلة، وتفعيل دور المؤسسات الثقافية – بكل تعددها الاجتماعي والثقافي والعقدي – للقيام بوظائفها في البناء الإنساني ويفترض أن يأخذ حظه من الاهتمام والتركيز والعناية، وإذا كنا نردد في خطاباتنا أن الإنسان هو هدف التنمية ومحورها، فمثل ذلك التوجه يقتضي التركيز وبشكل محوري على أساسيات البناء وأدواته وتحسين جودة الأداء وإطلاق العنان لخاصيتي الإبداع والابتكار.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: العالم من

إقرأ أيضاً:

رمضان عبد المعز: القرآن يحث على التعايش السلمي والتسامح بين الناس

قال الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، إن أبشع طائفة جاءت في تاريخ الإنسانية، وصفها القرآن في آيات متعددة، بأن هؤلاء هم من يسعون في الأرض فسادًا، وكلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله، ودائمًا يحاولون الإفساد والتخريب.

استمرار الفساد في الأرض 

وأضاف عبد المعز، خلال حلقة برنامج «لعلهم يفقهون»، المذاع على قناة «dmc»، أن الفساد الذي يقومون به مستمر، «وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا»، ليس لمرة واحدة، بل هو فعل مضارع يفيد الاستمرارية.

وأشار إلى الجرائم التي ارتكبها هؤلاء الأشخاص وفقًا لما ذكره القرآن، مثل نقض الميثاق، لعنهم من رحمة الله، قساوة قلوبهم، وتحريف الكلمة عن مواضعها، مشيرًا إلى أنهم يغيرون في أحكام الله وآياته، وفي النهاية، قال الله: «فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ».

القرآن لا يحرض على عداء الآخرين

وأوضح أن الناس الذين يحاولون التقليل من قيمة القرآن الكريم أو تفسيره بشكل يروج للكراهية تجاه الآخرين هم بعيدون عن الفهم الصحيح للدين، محذرا من أن القرآن لا يحرض على عداء للآخرين، بل على التعايش والتسامح، وفي بداية سورة التغابن، يقول الله تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ»، وهذه دعوة للتفاهم بين الناس مهما اختلفت معتقداتهم.

وأكد أن القرآن الكريم لا يدعو للعداء تجاه الآخر؛ بل يدعونا جميعًا للتعامل بالحسنى مع الآخرين، بل وأكثر من ذلك، إلى أن نكون محسنين في تعاملنا معهم.

مقالات مشابهة

  • جلسة حوارية بـ”تريندز” تشدّد على دور مراكز الفكر في صياغة السياسات
  • أكثر من مفاجأة كانت تنتظر هاني فرحات ودنيا جمعة في ظهورهما الأول
  • فنادق ميركيور تطلق عروضاً مميزة لتجارب الطعام لمدة 1,000 ساعة احتفاءً بفروعها التي تصل إلى 1,000 وجهة في مختلف أنحاء العالم
  • جباليا… المدينة التي قهرت جنود الاحتلال الصهيوني
  • ما الذي نعرفه عن المقاتلات الأمريكية التي تقصف الحوثيين لأول مرة؟
  • مساعد وزير الخارجية: تعزيز التعاون بين مصر ومراكز الفكر والدراسات الاستراتيجية الأمريكية
  • ماذا لو كانت “إسرائيل” داخل أراضي الولايات المتحدة؟!
  • رمضان عبد المعز: القرآن يحث على التعايش السلمي والتسامح بين الناس
  • "خريجي الأزهر" تختتم دورة "تفكيك الفكر المتطرف" لأئمة بريطانيا
  • رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي: أخاطبكم باسم لبنان للتعبير عن هول الكارثة التي نعيشها هذه الأيام جراء العدوان الإسرائيلي الذي نشر الموت والدمار في انتهاك صارخ للقانون الدولي