تتصاعد مخاوف أهالي قطاع غزة من تدهور صحة أطفالهم النفسية بسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل للشهر السابع على التوالي، سيما في وقت تتصاعد فيه حدة الكارثة الإنسانية والتهديدات المحيطة بحياتهم، حسبما خلص إليه تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" بعدما تحدثت مع عشرات الآباء والأطفال الغزيين.

وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب، تراود أطفال قطاع غزة أسئلة كثيرة لا يستطيع آباؤهم الإجابة عليها، حول متى سيتوقف القتال؟ وكم عدد الليالي التي سينامون فيها على الأرض؟ ومتى يمكنهم العودة إلى المدرسة؟ ولا يزال البعض يسأل عن زملاء الدراسة الذين استشهدوا.



وأضافت أن الكبار لا يعرفون ماذا يقولون، ويشعرون بالعجز واليأس والإرهاق، وقد أنهكهم التحدي المتمثل في معالجة الجروح الظاهرة وتلك التي يحاول أطفالهم إخفاءها.

وأشارت الصحيفة إلى أنها تحدثت مع 21 أبا وطفلا من 15 عائلة في غزة بين كانون الثاني /يناير ونيسان /أبريل من العام الجاري، في حين أن كل حالة فريدة من نوعها، وصف الرجال والنساء والأطفال جميعا تجارب متشابهة بشكل لافت للنظر؛ حيث تسببت الحرب في خسائر فادحة لأحبائهم وصحتهم العقلية.


وقال محمد النباهين، وهو أب لأربعة أطفال من مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، إن الشعور بالعجز يقتل الأمهات والآباء.

وبحسب حديث النباهين وآباء آخرين للصحيفة، فإنهم كانوا يدركون بشكل مؤلم أن جهودهم لحماية أسرهم قد تكون عديمة الجدوى، وأن التخلي عن وجباتهم الخاصة لن يحمي أطفالهم من الجوع، وأن اتباع أوامر الإخلاء لن يضمن سلامتهم.

وأوضحت الصحيفة، أنه من بين أكثر من 34 ألف فلسطيني استشهدوا، كانت غالبيتهم من النساء والأطفال. وقد فر حوالي 1.7 مليون فلسطيني من منازلهم، 850 ألفا منهم من الأطفال، وفقًا لليونيسف، معظمهم سيرا على الأقدام، مثقلين بحقائب الظهر وحقائب الظهر المملوءة على عجل.

وقال النباهين إن عائلته بالكاد نجت من غارة جوية بالقرب من منزلهم في مخيم البريج في الأسابيع الأولى من الحرب، ولكن مع انتقالهم من مكان إلى آخر، كان أطفاله الأربعة يسألون باستمرار عن الألعاب التي تركوها وراءهم.

وخلال توقف القتال لمدة أسبوع في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، وافق النباهين على اصطحاب أطفاله إلى المنزل لاستعادة ما في وسعهم، لكنهم وجدوا أن كل شيء قد دُمر، وبدأوا في البكاء، وفقا للصحيفة.

وقال ابنه أحمد البالغ من العمر 13 سنة، إنه لا يستطيع أن يصدق أنه لم يمت بعد.

ونقلت الصحيفة عن النباهين، شعوره بالخجل الذي تسرب إلى داخله بينما كان أحمد يتحدث، موضحًا أنه لا يملك سوى ذراعه ليخفيهم به عن الموت، وعندما بلغت ابنته تالا العاشرة من عمرها في كانون الأول/ديسمبر طلبت الهدايا، لكن الأسرة بالكاد كانت قادرة على تحمل تكاليف الوجبة اليومية.

بالنسبة للعديد من أطفال غزة، هذه ليست حربهم الأولى، وقد نجا أشخاص تقل أعمارهم عن 18 سنة من أربع جولات سابقة على الأقل من الصراع، معظمهم لم يغادروا الجيب المحاصر قط، لكن آباءهم حاولوا بناء عوالم مختلفة لهم.

وقالت رشا فرحات (47 سنة) للصحيفة، إنها علمت أطفالها الأربعة الثقافة الفلسطينية وجمال غزة، وقرأوا الكتب معًا، ثم بحثوا في المكتبات العامة، وأضافت أن الرحلات إلى الشاطئ أعطتهم لحظات للتنفس.


وغادرت العائلة مدينة غزة متوجهة إلى خانيونس في 14 تشرين الأول/أكتوبر، آملين أن تصبح المدينة الواقعة في جنوب غزة أكثر أمانًا، والآن في رفح؛ حيث يقيم أكثر من مليون من سكان غزة على طول الحدود المصرية، يقيمون بين أناس بالكاد يعرفونهم، وقد تساءلت الفتيات عن سبب عدم تمكنهن من العودة إلى المنزل، لكنهن توقفن عندما أخبرهن أحد الجيران أن منزلهن قد اختفى.

وأشارت الصحيفة إلى أن حبيبة، 10 سنوات، تتمنى لو أحضرت معها المزيد من الملابس والألعاب. وتحاول رشا فرحات إخفاء خوفها عن أطفالها، لكنهم يلاحظون الخوف.

وقالت رشا فرحات إنها تحاول أن تبقى قوية، لكنها تخشى أن يخونها جسدها مع فقدان الوزن.

وأفادت الصحيفة أنه مع قيام "إسرائيل" بتقييد تدفق المساعدات إلى غزة، والفوضى التي تعيق توزيع الإمدادات التي تصل، واجه 95 بالمائة من سكان القطاع "مستويات أزمة الجوع" في شهر أذار/مارس، وقالت اليونيسف إنه في الشمال المدمر، يعاني طفل واحد من بين كل ثلاثة أطفال تقل أعمارهم عن عامين من سوء التغذية الحاد.

وبحسب أديل خضر، المديرة الإقليمية لليونيسف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن وفيات الأطفال التي كان يُخشى حدوثها تحدث بالفعل، ومن المرجح أن تتزايد بسرعة ما لم تنته الحرب، وقالت السلطات الصحية المحلية إن 28 طفلاً توفوا بسبب سوء التغذية أو المضاعفات المرتبطة بالجفاف حتى أوائل نيسان/أبريل.

ونقلت الصحيفة عن جانتي سويريبتو، الرئيسة التنفيذية لمنظمة إنقاذ الطفولة، قولها إن الآباء يستيقظون ليقرروا: هل يقفون في طابور للحصول على الخبز لمدة ست ساعات؟ أم يبقوا ويحافظوا على تماسك الأسرة؟

وأوردت الصحيفة أن صفية أبو حبن، وهي جدة لـ12 طفلاً من مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة وتعيش الآن في خيمة في رفح، تحاول أن تخلق لحظات من التحرر للأطفال؛ حيث تحكي لهم القصص، وتحاول توفير أقلام تلوين حتى يتمكنوا من الرسم، ولكن لم يعد هناك شيء من هذا القبيل في الأسواق بعد الآن.

وتكافح ميار، حفيدتها البالغة من العمر 12 سنة، للتأقلم مع محيطها الجديد، مؤكدة أنها تشعر بالغربة في هذا المكان.

وأضافت الصحيفة أنه في خيمة مجاورة، كان محمد العرير (33 سنة) يبحث دون جدوى عن طبيب نفسي يمكنه تهدئة الرعب الليلي الذي يعاني منه أطفاله.

وأوضح العرير أنه انتشل أطفاله من تحت الأنقاض، وهم الآن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، ويصرخون طوال الليل، ولديهم شعور دائم بأنهم ما زالوا تحت الأنقاض.


وأكدت الصحيفة أن بعض الآباء يشعرون بالقلق من أنهم يفقدون أطفالهم بسبب عوالم خاصة بعيدة عن متناولهم، فالأطفال الذين كانوا يثرثرون ذات مرة إلى ما لا نهاية أصبحوا الآن صامتين، ولديهم أفكار لن يشاركوها.

وقالت نوال نتات (47 سنة) في حديثها للصحيفة، إن ابنتها المراهقة بدأت تتبول لا إراديًا، تعيش في ساحة مدرسة البنات في رفح، محاطة بالغرباء، ولا تريد سوى أن تكون بمفردها، متجاهلة إخوتها والضوضاء المحيطة بها، ولا تعرف نتات كيف تتحدث معها.

ونقلت الصحيفة عن محمود الشرقاوي (34 سنة)، أنه هو الذي انسحب من أطفاله الثلاثة الصغار، خوفًا من أسئلتهم وخجلًا من عدم قدرته على إعالتهم، موضحًا أنه كان قريبًا جدًا منهم في السابق، لكن قلبه كان يؤلمه عندما غمرتهم مياه الأمطار وكانت أطرافهم ترتجف، ولم يتمكن من توفير الدفء لهم.

والأسر النازحة بعيدة عن أطبائها المعتادين، وغالباً لا يتوفر علاج للأطفال الذين يعانون من حالات صحية طويلة الأمد، وقد استهدفت إسرائيل العديد من المستشفيات في القطاع، بدعوى أنها تستخدم من قبل المسلحين، الأمر الذي أدى إلى انهيار نظام الرعاية الصحية المهترئ بالفعل، وفقا للتقرير.

وقالت هبة هنداوي (29 عامًا)، إن ابنتها أمل البالغة من العمر 10 سنوات ولدت بثقب في قلبها، ما يجعلها أكثر عرضة لخطر الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية، وعندما سمعوا الطائرات الحربية، كانت أمل تخبر أمها أنها تعتقد أن قلبها قد يتوقف إذا سقطت القنابل على مسافة قريبة جدا؛ كانت أم الثلاثة تعانق طفلها وتؤكد لها أنها آمنة.

وبحسب هبة فإنها تخبرها بذلك، لكنها متأكدة من أن قلبها قد يتوقف بالفعل.

وأشارت الصحيفة إلى أنه مع اقتراب فصل الصيف، بدأ عمال الإغاثة يخشون من تأثير ارتفاع درجات الحرارة، وقال فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأونروا إن طفلين على الأقل ماتا في الآونة الأخيرة بسبب الحرارة.

وتهدد "إسرائيل" الآن باجتياح رفح، التي تقول إنها المعقل الأخير لحماس، ولكنها أيضًا الملاذ الأخير للعديد من العائلات الفلسطينية.

وقالت نتات في حديثها للصحيفة، إنها استنفدت الطرق لتشرح لأطفالها ما يحدث لهم، ولا يوجد أي مبرر منطقي. موضحة أنهم دائمًا ما يسألون عن سبب مواجهتهم هذا فقط في غزة، ويقولون إنه يجب أن يكون لهم الحق في العيش مثل الأطفال في بقية العالم.

وبالنسبة لنبيلة شنار (51 عاما)، فإن الطريقة الوحيدة لتهدئة الخوف هي أن تكون صادقة مع أطفالها، مشيرة إلى أنه لا يمكن إنكار وجود ضرر عليهم، لذا فهي تحاول أن تجعلهم أكثر شجاعة، حسب الصحيفة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة فلسطيني فلسطين غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصحیفة أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

أكثر من 9 آلاف صحافي عبر العالم يشوّهون صورة الجزائر!

بدا المشهد سرياليا يستعصي على الوصف لتراجي ـ كوميديته، التي تثير الضحك حد البكاء! تراجيدي يثير البكاء على بلد بحجم الجزائر ورأسمالها التاريخي.. وكوميدي يثير الضحك على المسؤولين الذين يحاولون الضحك على ذقون الجزائريين، بينما هم المضحكة نفسها، من كبيرهم إلى صغيرهم والذين يصرون على العبث بالجزائر، وتشويه صورتها.

وزير الاتصال (الإعلام) الجزائري، محمد مزيان، أثار جدلا واسعا وموجة تعليقات مستغربة وساخرة، هذا الأسبوع، عندما ادعى أن هناك أكثر من 9 آلاف صحفي عبر العالم يشوهون صورة الجزائر!

الوزير كان يتحدث خلال ما سميت بمحاضرة بعنوان "الاعلام التنموي أداة مساعدة لإنجاح التنمية بكل أبعادها" في إطار فعاليات ندوة وطنية بعنوان "الجامعة الجزائرية والإعلام التنموي" بالمدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الاعلام بالعاصمة الجزائرية.

وقد زعم الوزير بأن "الجزائر مستهدفة وأنه على الدولة أن تتدخل لدعم وسائل الإعلام، متحدثا عن أهمية دور التلفزيون الرسمي في صد هذا الاستهداف.

كما دعا وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية لتوظيف مراسلين وموفدين ومقيمين بالخارج للعمل على صد تلك "الهجمات".

بدا الوزير "مدهشا حد الدهشة" وهو يتكلم لنحو 45 دقيقة، ولا يتوقف ـ وبلغة جسد "تقول ما تقول"ـ عن تكرار "سأقول كلاما خطيرا هنا"، وكان فعلا يقول كلاما خطيرا ليس لصحته إنما كمعبر عن وضع البلاد مع منظومة الحكم في ما تسمى بـ"الجزائر الجديدة والمنتصرة"!

من أخطر ما قاله الوزير "المحاضر"، أن هناك أكثر من 9 آلاف صحفي عبر العالم يشوهون صورة الجزائر!  وقد طلب الوزير من وسائل الإعلام أن تذيع "كلامه الخطير" عبر قنواتها وجرائدها ليطلع عليه الجزائريون! لكنه لم يكشف أية تفاصيل عن هؤلاء الصحافيين الذين يستهدفون الجزائر ويتآمرون عليها عن سبق إصرار وترصد! وقبل ذلك وبعده: كيف استطاع عدَّ عددهم الكبير جدا؟! وهي مهمة مستحيلة، بل مثيرة للسخرية بكل المقاييس!

المفارقة أن الوزير، الذي استحضر ببعض الفخر أنه كان أستاذ إعلام في الجامعة الجزائرية، أكد في "محاضرته" على أهمية ذكر المصادر، واستشهد بأستاذه في الجامعة، وزير الخارجية والثقافة الجزائري الأسبق الراحل بوعلام بسايح، الذي كان يحرص على الدقة ويسأل دائما: من أين لك بهذه المعلومة؟!

وهو السؤال الذي كان من المفترض أن يطرحه الوزير المحاضر "الأكاديمي" والديبلوماسي السابق على نفسه، هو الذي تحدث عن "الثقافة الأخلاقية" و"الأخلاق" و "أخلاقيات المهنة"، وقد ألف كتابا حتى بعنوان "الاتصال والأخلاق والقرية العالمية" (إصدارات "دار الحكمة" الجزائر 2006)، بحسب سيرته الذاتية.

واللافت أنه هناك مفارقة في كلام الوزير "السريالي" بالنظر لسيرته الذاتية، التي هي فعلا حافلة فهو حاصل دكتوراه دولة في علوم الإعلام والاتصال (جامعة الجزائر 2001)، وماجستير في الصحافة (جامعة الجزائر 1994)، دراسات متخصصة في الاقتصاد الدولي (جامعة أورليان، فرنسا2000)، وإجازة في التاريخ (جامعة الجزائر 1984)، وبكالوريا آداب (الجزائر 1980). وكان أستاذا بمعهد الصحافة، وقبلها أستاذا بمعهد التاريخ بجامعة الجزائر، قبل أن يلتحق بالسلك الديبلوماسي ويتقلد عدة مناصب آخرها منصب سفير في موزمبيق.

وإن كان الوزير نفسه اعترف في "محاضرته" أن الشهادات في الغرب هي للتحصيل الشخصي، وليس بالضرورة تؤهلك للحصول على عمل صحافي إن لم يكن لك مهارات في الكتابة الصحافية. والمحير هنا أن الوزير كان يتحدث عن الغرب كمرجع مهني، بينما يلمح له كمصدر للمؤامرات، التي تستهدف تشويه الجزائر!

وقد عيُن محمد مزيان وزيرا للاتصال، في نوفمبر الماضي، خلال التعديل الحكومي الأخير، للرئيس عبد المجيد تبون، خلفا للوزير السابق وأستاذ الإعلام د.محمد لعقاب (ومؤلف الكتب عن الإعلام والصحافة المحترفة!) ، والذي لم يكن جوهر خطابه يختلف عن ترديد خطاب خلفِه (وهي أسطوانة السلطة) عن "المؤامرات الخارجية" التي تستهدف الجزائر. وإن كان لعقاب ـ (الذي كان مسؤول الإعلام في الحملة الانتخابية لتبون في رئاسيات 2019، قبل أن يعينه مستشارا في الرئاسة ويقيله، ثم عضوا بمجلس الأمة) لم يصل إلى "تراجي ـ كوميدية" القول إن هناك أكثر من 9 آلاف صحفي عبر العالم يشوهون صورة الجزائر!

وبلغة الأرقام "الخرافية" بالمناسبة فقد كرر تبون مرارا وتكرارا وبافتخار أن عدد الصحافيين في الجزائر يصل إلى 8500 صحفي، وأن هناك 180 جريدة يومية (لا وجود لهذا العدد المهول في الواقع!) يتم دعمها إلى جانب عشرات المواقع و20 قناة تلفزيونية خاصة، والإذاعات والقنوات التلفزيونية الحكومية. فإذا كانت كل هذه "الترسانة" لا جدوى لها أمام هذه المؤامرات الخارجية.. فما جدواها إذن؟

وحتى في "التشيات" (التملق) للرئيس تبون فقد فاق وزير الاتصال الجديد سلفه. فقد كان لعقاب يحث الأذرع الإعلامية الجزائرية على إبراز "إنجازات الرئيس"، الذي قال إنه "يبكي من أجل الشعب والطبقة المتوسطة"، بينما خلفه مزيان لم يتوقف في كلمته عن ترديد "سأقول كلاما خطيرا" ليقول مثلا أنه خلال أربع سنوات فقط (من حكم تبون) تم توزيع 1.8 مليون سكن.. وخلال 20 سنة تم توزيع 5 ملايين سكن"، وبحديثه عن إنجازات 20 سنة (في إشارة لوزارة تبون للسكن)، فالوزير مزيان يشيد هنا بحكم ما يصفها تبون نفسه "العصابة" خلال رئاسة الرئيس الراحل السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان الوزير تبون نفسه في عهده (في 2017) يقسم بأنه "برنامج فخامة الرئيس بوتفليقة وبأنه لن يتوقف أحب من أحب وكره من كره"، وكان يرد حينها على الإعلامية الجزائرية في قناة "الجزيرة" خديجة بن قنة، التي قال لها "الله لا يردها"! لكنه "تصالح" معها بعد سنوات عندما أصبح رئيسا، بل ونزل ضيفا عندها في حوار (في 2023) بدا "مرتبا جدا"، لكنها طرحت عليه فيه للأمانة سؤالا محرجا عن الإعلام والتضييق الحاصل فيه.

استفحلت الرداءة الإعلامية والبروباغندا المثيرة للسخرية مع الغلق والقمع والتضييق والسجن والمتابعات، حيث مازال يقبع في الحبس مثلا واحد من الكفاءات الإعلامية الجزائرية، وهو عبد الوكيل بلام، وبتهم خطيرة بينها "الإرهاب" فقط لأنه عبَّر عن رأيه بكل سلمية!الوزير مزيان تحدث أيضا عن منحة البطالة كإحدى إنجازات تبون (رغم كل الجدل حولها)، وأن الجزائر من الدول القليلة في العالم التي تمنحها، وذهب لذكر رقم كاذب بشكل مفضوح، عندما زعم أنه من مليوني بطال الذين يحصلون على المنحة ـ(الزهيدة في الحقيقة)ـ تم توفير 500 ألف منصب عمل لهؤلاء، بينما في الحقيقة أن الأرقام الرسمية لمجلس المحاسبة تتحدث عن توفير 5905 منصب عمل فقط!

وكان تبون أنهى، مؤخرا، بموجب مرسوم رئاسي مهام عبد القادر بن معروف، الذي تجاوز الثمانين من العمر من منصبه كرئيس لمجلس المحاسبة، في إطار إحالته على التقاعد. لكن كثيرين ربطوا تنحية بن معروف، الذي يشغل المنصب منذ ثلاثين عاما، بكل مفارقات ذلك، ليس بسبب سن الرجل إنما بتقرير وصف بالصادم لمجلس المحاسبة عن أرقام منحة البطالة ينسف الخطاب الرسمي.

ووفقا للتقرير فإنه لم يتم تنصيب سوى ما نسبته 0.3 % مستفيداً من منحة البطالة في مناصب شغل، بحيث لم يتم تنصيب إلا 5905 مستفيداً في مناصب شغل من أصل إجمالي ما يقارب 1.9 مليون مستفيد.

و"السريالي" أن الوزير مزيان نفسه، الذي لم يتوقف عن تكرار "أنه يقول كلاما خطيرا"، اعترف أنه في الإنجازات التي يتحدث عنها "الواقع يقترب فيها من الخيال"! وهو "الخيال" نفسه، الذي جعله يحصي بشكل "خيالي" أكثر من 9 آلاف صحافي عبر العالم يزعم أنهم يشوهون صورة الجزائر! 

والحقيقة هو أن مثل هذا "الكلام الخيالي" هو الخطير، وهو الذي يشوه صورة الجزائر، كما أن ممارسات السلطة برموزها وأذرعها الإعلامية أكبر تشويه لصورة الجزائر. فالواقع في هذه "الجزائر الجديدة والمنتصرة المزعومة" وفي مقدمها في قطاع الوزير نفسه، أنه ازداد تدهورا مقارنة بعهد بوتفليقة نفسه، الذي شغل تبون بالمناسبة خلاله ولأشهر (بين 1999 و2000) منصب وزير للاتصال والثقافة. فقد استفحلت الرداءة الإعلامية والبروباغندا المثيرة للسخرية مع الغلق والقمع والتضييق والسجن والمتابعات، حيث مازال يقبع في الحبس مثلا واحد من الكفاءات الإعلامية الجزائرية، وهو عبد الوكيل بلام، وبتهم خطيرة بينها "الإرهاب" فقط لأنه عبَّر عن رأيه بكل سلمية!

أليس هذا الواقع المشوَّه هو أكبر تشويه للجزائروبأكثرـ (مجازا وليس عدا)ـ من 9 آلاف مرة ؟!

*كاتب جزائري مقيم في لندن

مقالات مشابهة

  • أكثر من 200 قناة تليفزيونية تنقل طواف الإمارات إلى العالم
  • توتر خلال لقاء بين هاليفي ومجندات خرجن من غزة.. اتهمن الجيش بمحاولة قتلهن
  • توتر بلقاء بين هاليفي ومجندات خرجن من غزة.. اتهموا الجيش بمحاولة قتلهن
  • انخفاض إنتاج البن في البرازيل يؤدي إلى ارتفاع أسعاره في جميع أنحاء العالم
  • أبوظبي تستقبل سفناً حربية من أنحاء العالم بمرسى «أدنيك» استعداداً لانطلاق نافدكس 2025
  • أبوظبي تستقبل سفناً حربية من مختلف أنحاء العالم استعداداً لـ "نافدكس وآيدكس"
  • العالم يتحدث: رفض مصري عنيد لمطالب ترامب.. والقاهرة وعمان يفضلان الأمن القومي على المساعدات الأمريكية
  • أكثر من 9 آلاف صحافي عبر العالم يشوّهون صورة الجزائر!
  • مسيرة روسية أصابت منشأة تحمي المفاعل المتضرر في تشرنوبيل
  • بلدية غزة: الاحتلال دمّر أكثر من 70% من البنية التحتية