أصدر مرصد الأزهر العالمي للفتوى بياناً آشار فيه بالرد على ادعاء قُدرة الإنسان على جذب ما أراد من الأرزاق دون سعي لها، أو التنبؤ بمستقبله من خلال حركة الكواكب، أو معرفة الغيب، أو قدرته على ترك جسمه المادي ولقاء الموتى أو لقاء أجسام نورانية وشيطانية بجسمه الأثيري عن طريق بعض الطقوسِ، أفكار وممارسات تخالف صحيح الدين والعلم، وتُضلل العقل، وتُسوِّل الجرائم لمرتكبيها، وامتهانها جريمة والكسبُ منها حرام.

وأشار مرصد الأزهر الي أن الإسلام حفظ النَّفس والعقل، وحرَّم إفسادهما، وأنكر تغييب العقل بوسائل التغييب المادية كالمُسكِرات التي قال عنها سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مُسكِر خمر، وكل مسكِر حرام» [أخرجه أبو داود].

فقد رأى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا علَّق في عضده حلقة من نحاس، فقال له: «وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟»، قال: من الواهنة -أي لأشفى من مرض أصابني-، قال صلى الله عليه وسلم: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا». [أخرجه أحمد وغيره]

وكانت العرب في الجاهلية تزعم أنها ترى جِنًّا في الصحارى، يتراءى للمارين فيها ويتمثل في صور شتى ويضلهم عن طريقهم، يدعى (الغول) فأبطل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الخرافة، وقال: «ولا غُول» [أخرجه مسلم]، وليس المراد هو نفي وجود الجن، وإنما المعنى أنه لا ينبغي للمسلم أن يعلق قلبه وعقله بضلال، ولا أن يتَّبع الخيالات والخرافات، ويعتقد فيها النَّفع والضُّر من دون الله.

كما جعل الإسلام الرضا بقدر الله واحدًا من أركان ستة قام عليها الإيمان بالله سبحانه، مع ضرورة السَّعي للأهداف، والأخذ بالأسباب المشروعة وحُسن الظَّن في الله سبحانه، حتى تأتي العبدَ أرزاقُ الله بطاعة لا بمعصية، فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته.

وجعلَ ادعاءَ معرفة الغيب منازعةً لله فيما اختص به نفسه، واتباعَ العرافين ضربًا من الضلال الذي يفسد العقل والقلب، ويُشوش الإيمان، وعَدَّ الكسب منه كسبًا من حرام.

إن ما ينتشر في هذه الآونة من أفكار وطقوس وإيحاءات تدعم الخرافات والوساوس والتخيلات، وما يدعو إليه كثير من مدربيها، من قدرة الإنسان على معرفة الغيب، أو جذب كل ما أراد من الأرزاق بمجرد التفكير فيها دون سعي إليها من خلال ما يسمى بـ «قانون الجذب»، أو قدرته على خوض تجربة الاقتراب من الموت وترك جسمه المادي والطيران بجسمه الأثيري ومقابلة أشخاص في أزمان غابرة ورؤية أجسام ملائكية أو شيطانية من خلال ما يسمى بـ«الإسقاط النجمي»، أو أن النجوم فاعلة مُدبرة مؤثرة في مستقبل الإنسان ومصيره، لهي أفكار ضالة مُضِلَّة أودت بعقول كثير من الناس، بل وبحياتهم، وأدخلت الكثير منهم في أنفاق مظلمة من الإلحاد والاكتئاب والفقر والفشل والجريمة، أو في نوبات مزمنة من الاضطراب العقلي والنفسي والسلوكي، وقد ينتهي المطاف بأحدهم إلى إيذاء نفسه أو أهله، وقد تدفعه هذه الخرافات إلى قتل النفس التي حرّم الله، بزعم الراحة من الدنيا وعناءاتها.

كل هذا يجعل امتهان هذه الأنماط المذكورة جريمة، والتكسب منها محرمًا، ويَقضِي ألَّا نراها -فكرًا وسلوكًا- إلا كجُملةٍ من المُخالفات الدينية، سيَّما وأن عامة هذه الطقوس المذكورة مُستجلَبَة من أديان وثنية، إضافة إلى أنها تصطدم والعلم التجريبي، الذي لا يعترف بمنهجيتها في استنتاجاتها المُدَّعاة.

وخلاصة الأمر، أن الطقوس والأفكار المذكورة، ما هي إلا صورة مستحدثة من الدجل والخرافة والكهانة، أطلَّت على مجتمعاتنا في ثياب مهندمة منمقة، وبكلمات مرتَّبة منظَّمة تشبه كلام العلماء والعقلاء وليست منه في شيء، بل في طياتها الجهل والإثم، وصدق الحق سبحانه إذ يقول: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُون}. [الأنعام: 21]واللهَ نسأل أن يحفظنا بحفظه، وأن يعافينا في ديننا ودنيانا، وأن يهديَنا سُبل الرَّشاد.وَصَلَّىٰ اللَّه وَسَلَّمَ وبارَكَ علىٰ سَيِّدِنَا ومَولَانَا مُحَمَّد، وَعَلَىٰ آلِهِ وصَحبِهِ والتَّابِعِينَ، والحَمْدُ للَّه ربِّ العَالَمِينَ.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: التنبؤ بالمستقبل مرصد الأزهر صلى الله علیه وسلم

إقرأ أيضاً:

حكم لبس الكمامة في الصلاة بالشرع الشريف

قالت دار الإفتاء المصرية، إنه لا يوجد مانع شرعًا من لبس الكمامة أثناء الصلاة؛ تحرُّزًا من وجود عدوى أو فيروس، ولا يدخل ذلك تحت تغطية الفم والأنف المنهي عن تغطيتهما في الصلاة؛ بل هو عذرٌ من الأعذار المبيحة، وحالة من الحالات المستثناة من الكراهة؛ كالتثاؤب المأمور بتغطية الفم طروِّه من المصلي.

 

 وأجاز الفقهاء حالات أخرى يستثنى فيها تغطية الفم والأنف في الصلاة؛ كالحرِّ والبرد ونحوهما من الأعذار العارضة؛ لأن النهي هو عن الاستمرار فيه بلا ضرورة؛ بل أجاز بعضهم استمراره في الصلاة لٍمَن عُرفَ أنه من زيِّه، أو احتيجَ له لعمَلٍ أو نحوه. وقد ثبت ضرر هذا الفيروس وسرعة انتقاله عن طريق المخالطة؛ فيكون اتِّقاؤه والحذر منه أشد، فتتأكد مشروعية تغطية الأنف والفم بالكمامة في جماعة الصلاة؛ حذرًا من بلواه، واجتنابًا لعدواه، واحترازًا من أذاه.

 

حكم تغطية الفمِ والأنف في الصلاة

ونهى الشرع الشريف عن تغطية الفمِ والأنف في الصلاة؛ لِما في ذلك من شغل عن الخشوع وحُسن إكمال القراءة وكمال السجود؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السَّدْلِ في الصلاة، وأن يُغَطِّيَ الرجلُ فاهُ" أخرجه أبو داود في "السنن"، والبزار في "المسند"، وابن حبان في "الصحيح"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، والبيهقي في "السنن الكبرى".

 

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَضَعَنَّ أَحَدُكُمْ ثَوْبَهُ عَلَى أَنْفِهِ فِي الصَّلَاةِ، إِنَّ ذَلِكُمْ خَطْمُ الشَّيْطَانِ» أخرجه الطبراني في معجميه "الأوسط" و"الكبير"، ورواه ابنُ وهب في "الجامع" و"الموطأ" وأبو داود في "المراسيل" عن وهب بن عبد الله المعافري مرسلًا.

وعن عبد الرحمن بن الْمُجَبَّرِ "أنه كان يرى سالم بن عبد الله، إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي، جبذ الثوب عن فيه جبذًا شديدًا، حتى ينزعه عن فيه" رواه مالك في "الموطأ".

قال العلامة الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (2/ 336، ط. دار الفكر): ["وأن يُغَطِّيَ الرجلُ فاهُ"، أي: فمه في الصلاة، كانت العرب يتلثمون بالعمائم، ويجعلون أطرافها تحت أعناقهم، فيغطون أفواههم كيلا يصيبهم الهواء المختلط من حرٍّ أو برد، فنهوا عنه؛ لأنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود] اهـ.

والكراهة الواردة في هذه الآثار كراهة تنزيهية لا تمنع صحة الصلاة، والفقهاء مختلفون علة النهي التي يدور معها وجودًا وعدمًا؛ فقيل: لأنها عادة جاهلية، وقيل: لِما فيها من التشبه بالمجوس، وقيل: لِما فيها من معنى الكِبر. كما أن النهي عن تغطية الفم في الصلاة ليس على إطلاقه؛ فالفقهاء متفقون على أنه يُشرَعُ للمصلي إذا تثاءب في صلاته أن يغطي فَمَهُ؛ التزامًا بالأدب في مناجاة الله، ودفعًا للأذى والضرر، وذهب بعضهم إلى أن أصل الكراهية لمن أكل ثومًا ثم تلثَّمَ وصلى على تلك الحالة:

قال الإمام السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 39، ط. دار المعرفة): [إن ترك تغطية الفم عند التثاؤب في المحادثة مع الناس تعد من سوء الأدب؛ ففي مناجاة الرب أولى] اهـ.

وقال العلامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (1/ 216، ط. دار الكتب العلمية): [ويكره أن يغطي فاه في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك؛ ولأن في التغطية منعا من القراءة والأذكار المشروعة؛ ولأنه لو غطى بيده فقد ترك سنة اليد، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فِي الصَّلَاةِ»، ولو غطاه بثوب فقد تشبه بالمجوس؛ لأنهم يتلثمون في عبادتهم النار والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التلثم في الصلاة، إلا إذا كانت التغطية لدفع التثاؤب: فلا بأس به] اهـ.

والتثاؤب عذرٌ من الأعذار التي تُعرض للمصلي، يدخل فيه من كان في معناه، مما تدعو إليه الحاجة؛ كالحَرِّ أو البردِ أو نحوهما؛ فيأخذ حكمه من استثناء التغطية والاتِّقاء، فالمراد من النهي عن التغطية: الاستمرار فيه بلا ضرورة، أما عروضها ساعة لعارضٍ أو لحاجة؛ يدخل ضمن الرخصة والجواز، ولذلك أجاز العلماء التلثم في الصلاة لٍمَن عُرفَ أنه من زيِّه، أو أُحتيجَ له لعمَلٍ أو نحوه:

فعن قتادة: "أن الحسن كان يُرَخِّصُ في أن يصلي الرجل وهو متلثم إذا كان من بردٍ أو عذرٍ" أخرجه عبد الرزاق في "المصنف".

 

مقالات مشابهة

  • مرصد الأزهر: التشكيك فى الإسراء والمعراج تشكيك في القرآن .. فيديو
  • فضل ختم القرآن في رمضان بالشرع الشريف
  • دعاء الجمعة الأولى من شعبان.. يزيد الرزق ويفرج الهم
  • دعاء استقبال شهر شعبان .. ردده الآن مفتاح الفرج الرزق ويقضي جميع الحوائج الصعبة
  • حكم لبس الكمامة في الصلاة بالشرع الشريف
  • رؤية السمك في المنام .. وبشرى من الله بزيادة الرزق وتحسن مستوى المعيشة
  • حكم الإيمان بالغيبيات بالشرع الشريف والسنة
  • مرصد الأزهر يشيد بقرار بريطانيا حظر مثبطات البلوغ للأطفال.. ويحذر من مخاطرها المجتمعية
  • مرصد الأزهر يشيد بقرار بريطانيا حظر مثبطات البلوغ للأطفال ويحذر من مخاطرها المجتمعية
  • جناح الأزهر بمعرض الكتاب يعرض الضوابط المنهجية للمعرفة والنظر عند أهل السنة