برلين- أضحى الطلاب المسلمون في ألمانيا بدورهم في قفص الاتهام من طرف أحزاب ووسائل إعلام، بعد تحذيرات جديدة أطلقتها جهات أمنية عن "خوف الألمان المسيحيين من انتشار الإسلام في المدارس".

يقول مسؤول من أمن الدولة لصحيفة "بيلد" الشعبوية، أكثر الصحف انتشارا في البلاد، إن "العديد من آباء الأطفال الألمان يبحثون عن استشارات، لأن أولادهم المسيحيين يريدون اعتناق الإسلام، حتى لا يشعروا بأنهم غرباء داخل المدرسة، بما أن غالبية التلاميذ مسلمون".

حظيت هذه التصريحات باهتمام واسع في عدد من وسائل الإعلام الألمانية، واعتمدت على دراسة أصدرها أواخر عام 2023 معهد البحوث الجنائية في ولاية سكسونيا السفلى (مستقل)، نُشرت نتائجها في أكثر من 10 صحف ومواقع إعلامية ألمانية.

الباحث عماد مصطفى أشار إلى دراسات متعددة في ألمانيا توضح التزام الأطفال المسلمين بالقوانين (الجزيرة) تخويف

ووصفتها صحيفة "بيلد" بـ"دراسة تخلق الرعب" كون الاستطلاع المعني يشير إلى أن 67.8% من الطلاب المسلمين المشاركين "يرون القرآن أكثر أهمية من القوانين في ألمانيا". ولم يتجاوز عدد الطلاب المسلمين المشاركين في الاستطلاع 300 في سن 15 عاما، وكانوا كلهم في ولاية سكسونيا السفلى.

كما أكد القائمون على الدراسة بشكل واضح أن تقييم النتائج لا يمثل بشكل علمي الطلاب المسلمين في الولاية، وأوضحوا أن وجود "اتجاهات إسلامية" بين الطلاب المسلمين المستجوبين لا يتجاوز 22.2%.

لكن المسؤول الأمني الذي أدلى بالتصريحات (حجبت الصحيفة اسمه) لم يقدم أي دلائل تدعم كلامه، خصوصا أن له تصريحات فيها مسحة عنصرية، كقوله "عادة ما يُظهر الطلاب المسلمون الذكور تهديدا شديدا، بل يكونون عنيفين في بعض الأحيان". وحذر من أن "الوضع سيصبح أكثر خطورة إذا ما وصل الكثير من الأطفال اللاجئين إلى المدارس ابتداء من الصيف"، حسب زعمه.

يشير عماد مصطفى، الباحث الأكاديمي والأستاذ السابق لعلم الاجتماع السياسي في جامعة بامبرغ الألمانية، للجزيرة نت، إلى أنه لا يمكن تعميم كلام المسؤول الأمني على بلد يعيش فيه 80 مليون نسمة، كما أنه لا يمكن أن يعتنق الأطفال دينا آخر بسبب الخوف.

وأكد وجود دراسات متعددة في ألمانيا توضح التزام الأطفال المسلمين بالقوانين، وأضاف "لا أصدق ذلك. يمكن أن يحدث صراع هوية لدى الشباب، لكن ليس لهذه الدرجة". وتابع أن "الأمر يظهر خطيرا حسب هؤلاء المسؤولين فقط لأنه يتعلق بالإسلام، لأنهم يربطونه بالعنف، وباضطهاد المرأة، والأشكال الاستبدادية، عكس نظرتهم إلى المسيحية أو اليهودية".

ولا يتجاوز عدد المسلمين في ألمانيا 5.6 ملايين على أقصى تقدير، أي 6.7% من إجمالي السكان، ويتركزون في مدينة فرانكفورت من ولاية هيسن، حيث تعيش جالية تركية ضخمة. لكن مع ذلك لا يتجاوز عدد المسلمين في هذه المدينة 15% من عدد السكان، بل هناك مدن وولايات ألمانية خصوصا في الشرق، لا تتجاوز نسبة المسلمين فيها 1%.

معطيات منتقاة

جاء هذا التخوف ليخدم توجهات جزء واسع من الإعلام الألماني. وسبق لمؤسسة "أكسل شبرينغر" التي تملك عدة وسائل إعلامية أن نشرت قبل أشهر توجيهات بعنوان "ألمانيا.. لدينا مشكل"، كانت موجهة في الغالب إلى المسلمين، للضغط عليهم للاندماج وفق رؤيتها الخاصة، وذلك بعد خروج مظاهرات داعمة للفلسطينيين ورافضة للحرب على غزة.

ويؤكد الباحث عماد مصطفى، أن هذا النوع من الإعلام الألماني معروف منذ عقود باتباع نموذج التخويف والتحريض ضد مجموعات اجتماعية لا تملك نفوذا كالمسلمين والفقراء.

وبرأيه، فإن هذا الإعلام "ينتقي الدراسات التي تدعم رؤيته للإسلام الشرير والخطير في ألمانيا"، أو أنه ينتقي نتائج فردية وجانبية من دراسات علمية متميزة وشاسعة حتى يخرج باستنتاجات منحازة، لدفع الألمان إلى الخوف من المسلمين.

وجاء نفي وجود مخاوف هيمنة التلاميذ المسلمين من رئيس اتحاد المدرسين الألمان، شتيفان دول، الذي صرح لموقع "فوكوس أون لاين"، بأنه لا يستطيع تأكيد ما جاء في تصريحات المسؤول الأمني. ولفت إلى أن الاتحاد لا علم له بوقوع حالات مماثلة، ولم يطلع على أيّة تقارير تفيد بوجود مخاوف مماثلة من كل فروع الاتحاد وجمعياته.

واستدرك دول بالقول "تكون هناك بعض المشاكل في بعض المواد كدروس التربية الجنسية، يتم حلها مع أسر التلاميذ، لكنها مشاكل يمكن أن تقع كذلك مع الأصوليين المسيحيين وليس فقط مع المسلمين"، وفق تعبيره.

استغلال

ودخل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، اليميني المتطرف، على خط هذا الجدل، وتعهد في تصريحات رسمية "بإعلان الحرب" على ما أسماه " تهديد الإسلاميين الأصوليين لألمانيا".

ومن السياسيين الذين استغلوا الموضوع، كريستوف دي فريز، المختص بالشؤون الداخلية داخل حزب "الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، الذي استغل نتائج الدراسة لتكرار مطالبه بمحاربة ما يسميه "الإسلام السياسي" ولتجديد قوله بفشل التعددية الثقافية.

ويهاجم هذا النائب بشكل مستمر الأنشطة الإسلامية، بل كان ممن وضعوا قبل أشهر مشروع قانون يسمح بإغلاق المساجد ودور القرآن ومدارس اللغة العربية التي تضعها الاستخبارات الألمانية تحت المراقبة.

كما هاجم وزارة الداخلية بعد نشرها تقريرا يؤكد وجود معاداة للمسلمين في البلاد، وطالب بحذفه من موقعها، إثر إشارة التقرير إلى أن النائب وأعضاء آخرين لم يبتعدوا في تصريحاتهم عن ما يقوله اليمين المتشدد بحق المسلمين.

ويوضح الباحث عماد مصطفى، الذي أصدر دراسة حول معاداة المسلمين في النظام الحزبي والبرلمان الألماني، بتكليف من لجنة خبراء عينتها وزارة الداخلية، أن الجميع في ألمانيا يتحدث عن حزب "البديل" اليميني المتطرف كمعاد للمسلمين، وهو أمر صحيح، "لكن ما لا يعرفه الكثير من الناس أن بقية الأحزاب الأخرى في البرلمان الألماني، باستثناء حزب اليسار، لديها عداء للإسلام بدرجات متفاوتة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات الطلاب المسلمین المسلمین فی فی ألمانیا عماد مصطفى إلى أن

إقرأ أيضاً:

تقرير: "قنبلة" ترامب تدعم اليمين الإسرائيلي

رأت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان غزة إلى دول أخرى، أثار جدلاً عالمياً، وتحدى المعايير الدبلوماسية، كما أثار تساؤلات حول استراتيجيات السلام في منطقة الشرق الأوسط.

 

وأضافت "جيروزاليم بوست" في تحليل تحت عنوان "ترامب يلقي قنبلة غزة محطماً العقيدة الدبلوماسية"، أن الرئيس الأمريكي بعد تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني)، لم يبدأ العمل بشكل فوري فقط، بل سرّع اتخاذ القرارات، مشيرة إلى أنه في إطار دوامة الإجراءات التنفيذية والتصريحات التي خرج بها، بدا عازماً على تحديد نبرة رئاسته، ليس في أول 100 يوم من ولايته، بل في أول مئات الساعات.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى بعض القرارات التي دخلت حيز التنفيذ بـ"جرة قلم"، مثل الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وإغلاق المبادرات الفيدرالية للتنوع والمساواة والإدماج، بالإضافة إلى تحركات أخرى، مثل مراجعة جميع المساعدات الأجنبية، وإصدار أوامر بترحيل المهاجرين غير الشرعيين بشكل أوسع نطاقاً، واعتبرت أن هذا السيل من النشاط يقود الولايات المتحدة الأمريكية إلى مسار مختلف تماماً، ولكن ليس من الواضح بعد ما هو حقيقي وما هو "طموح"، وما هي السياسات التي ستصمد، وأيها سوف تصطدم بصخور الواقع الوعرة.

سكان #غزة بين اليأس والتمسك بالأرض
https://t.co/j8t74xzRLn pic.twitter.com/QLVK1f1pGO

— 24.ae (@20fourMedia) February 1, 2025

 


تهجير الفلسطينيين

وأضافت أن تعليقات ترامب هذا الأسبوع حول رغبته في رؤية بعض البلدان تستقبل اللاجئين من غزة، وذكره لمصر والأردن على وجه التحديد، تندرج تماماً تحت هذه الفئة غير المؤكدة، في إشارة إلى أنها طموح له.
وتساءلت الصحيفة: "هل هذه خطة ملموسة؟ هل هي اقتراح سياسي جاد؟ أم أنها مجرد مثال آخر على حديث ترامب غير المنقح؟"، موضحة أن ترامب طرح الفكرة، التي كانت حتى الآن حكراً على اليمين المتطرف الإسرائيلي، للمرة الأولى خلال مؤتمر صحافي، السبت الماضي، على متن طائرة الرئاسة الخاصة به، وعندما سُئل عن محادثة هاتفية مع ملك الأردن عبد الله الثاني، بدأ الرئيس بالثناء على الملك، قائلاً إنه قام "بعمل رائع"، مشيرًا إلى أن الأردن يؤوي "ملايين الفلسطينيين بطريقة إنسانية للغاية"، ثم أضاف: "قلت له، أود أن تتولى المزيد، لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن، إنه فوضى، إنها فوضى حقيقية"، مستطرداً بأنه بأنه يرغب أيضاً في أن تستقبل مصر فلسطينيين.


ردود فعل عنيفة

وتقول الصحيفة، إن تصريحات ترامب، التي قال فيها إن هذه الترتيبات قد تكون مؤقتة أو طويلة الأجل، أثارت ردود فعل عنيفة على الفور، حيث قالت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وحماس، إن هذا الترتيب غير قابل للتنفيذ، وعلى الرغم من ذلك، عزز ترامب موقفة بعد يومين، قائلاً إنه ناقش الأمر أيضاً مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.

ترامب يعتزم فرض رسوم جمركية على المكسيك وكنداhttps://t.co/eF2scTCIeX

— 24.ae (@20fourMedia) January 31, 2025

 


فكر اليمين المتطرف

بحسب الصحيفة، وسواء هذه الخطة جيدة الصياغة أم لا، وسواء كان هناك أي تفكير حقيقي أو هناك فريق عمل بالفعل يعمل على تنفيذ هذه الفكرة، فقد حرك ترامب هذه الفكرة من نطاق اليمين المتطرف في إسرائيل، وأدخلها الخطاب السائد، واصفة هذا التحول بأنه "ليس  بسيطاً".
وأشارت إلى أنه في الثالث عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كتب اثنان من أعضاء الكنيست آنذاك ، داني دانون من حزب الليكود، الذي عُيِّن منذ ذلك الحين سفيراً لإسرائيل لدى الأمم المتحدة، ورام بن باراك من حزب يش عتيد، مقالاً في صحيفة "وول ستريت جورنال"، وأوصيا فيه بتخفيف المعاناة في غزة، من خلال قيام الدول الغربية، التي أبدت في الماضي استعدادها لاستيعاب ملايين اللاجئين من المناطق التي مزقتها الحرب، بإظهار نفس الاستعداد واستقبال اللاجئين من غزة كحل للأزمة الإنسانية هناك، وقد كُتب هذا المقال بعد أكثر من شهر بقليل من أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول).
وكتبا: "تتمثل إحدى الأفكار في أن تقبل الدول في مختلف أنحاء العالم أعداداً محدودة من الأسر الغزية التي أعربت عن رغبتها في الانتقال"، كما أكدا أنهما كانا يتحدثان عن سكان غزة الذين يسعون إلى الانتقال، ولا يدعوان إلى أي نوع من النقل القسري، ولكن في الوقت نفسه، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالاً وصف هذا المقترح بأنه "نسخة مزخرفة من التطهير العرقي".

مقالات مشابهة

  • آل زلفة: تاريخ الدولة الحديثة موثق بالوثائق وليس كما يظن البعض .. فيديو
  • الآلاف يتظاهرون في ألمانيا ضد اليمين المتطرف
  • تقرير: "قنبلة" ترامب تدعم اليمين الإسرائيلي
  • ألمانيا تقر قانونا يحمي الأطفال من الاعتداءات الجنسية
  • كاريكاتير عماد عواد
  • أمين عام علماء المسلمين: اختيار الشرع رئيسا لسوريا خطوة في الطريق الصحيح
  • تأثير الركام المعاد تدويره على الخلطات الأسفلتية.. رسالة ماجستير بـ هندسة كفر الشيخ
  • نهاية مأساوية لـ سلوان موميكا العراقي الذي أشعل غضب المسلمين بحرق المصحف.. فيديو
  • وزير التعليم يزور مدرسة «كومينيوس» للتعليم الأساسي في ألمانيا
  • وزير التربية والتعليم يزور مدرسة "كومينيوس" في ألمانيا