كيف أقحم اليمين الألماني الأطفال المسلمين في جدل جديد؟
تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT
برلين- أضحى الطلاب المسلمون في ألمانيا بدورهم في قفص الاتهام من طرف أحزاب ووسائل إعلام، بعد تحذيرات جديدة أطلقتها جهات أمنية عن "خوف الألمان المسيحيين من انتشار الإسلام في المدارس".
يقول مسؤول من أمن الدولة لصحيفة "بيلد" الشعبوية، أكثر الصحف انتشارا في البلاد، إن "العديد من آباء الأطفال الألمان يبحثون عن استشارات، لأن أولادهم المسيحيين يريدون اعتناق الإسلام، حتى لا يشعروا بأنهم غرباء داخل المدرسة، بما أن غالبية التلاميذ مسلمون".
حظيت هذه التصريحات باهتمام واسع في عدد من وسائل الإعلام الألمانية، واعتمدت على دراسة أصدرها أواخر عام 2023 معهد البحوث الجنائية في ولاية سكسونيا السفلى (مستقل)، نُشرت نتائجها في أكثر من 10 صحف ومواقع إعلامية ألمانية.
الباحث عماد مصطفى أشار إلى دراسات متعددة في ألمانيا توضح التزام الأطفال المسلمين بالقوانين (الجزيرة) تخويفووصفتها صحيفة "بيلد" بـ"دراسة تخلق الرعب" كون الاستطلاع المعني يشير إلى أن 67.8% من الطلاب المسلمين المشاركين "يرون القرآن أكثر أهمية من القوانين في ألمانيا". ولم يتجاوز عدد الطلاب المسلمين المشاركين في الاستطلاع 300 في سن 15 عاما، وكانوا كلهم في ولاية سكسونيا السفلى.
كما أكد القائمون على الدراسة بشكل واضح أن تقييم النتائج لا يمثل بشكل علمي الطلاب المسلمين في الولاية، وأوضحوا أن وجود "اتجاهات إسلامية" بين الطلاب المسلمين المستجوبين لا يتجاوز 22.2%.
لكن المسؤول الأمني الذي أدلى بالتصريحات (حجبت الصحيفة اسمه) لم يقدم أي دلائل تدعم كلامه، خصوصا أن له تصريحات فيها مسحة عنصرية، كقوله "عادة ما يُظهر الطلاب المسلمون الذكور تهديدا شديدا، بل يكونون عنيفين في بعض الأحيان". وحذر من أن "الوضع سيصبح أكثر خطورة إذا ما وصل الكثير من الأطفال اللاجئين إلى المدارس ابتداء من الصيف"، حسب زعمه.
يشير عماد مصطفى، الباحث الأكاديمي والأستاذ السابق لعلم الاجتماع السياسي في جامعة بامبرغ الألمانية، للجزيرة نت، إلى أنه لا يمكن تعميم كلام المسؤول الأمني على بلد يعيش فيه 80 مليون نسمة، كما أنه لا يمكن أن يعتنق الأطفال دينا آخر بسبب الخوف.
وأكد وجود دراسات متعددة في ألمانيا توضح التزام الأطفال المسلمين بالقوانين، وأضاف "لا أصدق ذلك. يمكن أن يحدث صراع هوية لدى الشباب، لكن ليس لهذه الدرجة". وتابع أن "الأمر يظهر خطيرا حسب هؤلاء المسؤولين فقط لأنه يتعلق بالإسلام، لأنهم يربطونه بالعنف، وباضطهاد المرأة، والأشكال الاستبدادية، عكس نظرتهم إلى المسيحية أو اليهودية".
ولا يتجاوز عدد المسلمين في ألمانيا 5.6 ملايين على أقصى تقدير، أي 6.7% من إجمالي السكان، ويتركزون في مدينة فرانكفورت من ولاية هيسن، حيث تعيش جالية تركية ضخمة. لكن مع ذلك لا يتجاوز عدد المسلمين في هذه المدينة 15% من عدد السكان، بل هناك مدن وولايات ألمانية خصوصا في الشرق، لا تتجاوز نسبة المسلمين فيها 1%.
معطيات منتقاةجاء هذا التخوف ليخدم توجهات جزء واسع من الإعلام الألماني. وسبق لمؤسسة "أكسل شبرينغر" التي تملك عدة وسائل إعلامية أن نشرت قبل أشهر توجيهات بعنوان "ألمانيا.. لدينا مشكل"، كانت موجهة في الغالب إلى المسلمين، للضغط عليهم للاندماج وفق رؤيتها الخاصة، وذلك بعد خروج مظاهرات داعمة للفلسطينيين ورافضة للحرب على غزة.
ويؤكد الباحث عماد مصطفى، أن هذا النوع من الإعلام الألماني معروف منذ عقود باتباع نموذج التخويف والتحريض ضد مجموعات اجتماعية لا تملك نفوذا كالمسلمين والفقراء.
وبرأيه، فإن هذا الإعلام "ينتقي الدراسات التي تدعم رؤيته للإسلام الشرير والخطير في ألمانيا"، أو أنه ينتقي نتائج فردية وجانبية من دراسات علمية متميزة وشاسعة حتى يخرج باستنتاجات منحازة، لدفع الألمان إلى الخوف من المسلمين.
وجاء نفي وجود مخاوف هيمنة التلاميذ المسلمين من رئيس اتحاد المدرسين الألمان، شتيفان دول، الذي صرح لموقع "فوكوس أون لاين"، بأنه لا يستطيع تأكيد ما جاء في تصريحات المسؤول الأمني. ولفت إلى أن الاتحاد لا علم له بوقوع حالات مماثلة، ولم يطلع على أيّة تقارير تفيد بوجود مخاوف مماثلة من كل فروع الاتحاد وجمعياته.
واستدرك دول بالقول "تكون هناك بعض المشاكل في بعض المواد كدروس التربية الجنسية، يتم حلها مع أسر التلاميذ، لكنها مشاكل يمكن أن تقع كذلك مع الأصوليين المسيحيين وليس فقط مع المسلمين"، وفق تعبيره.
استغلالودخل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، اليميني المتطرف، على خط هذا الجدل، وتعهد في تصريحات رسمية "بإعلان الحرب" على ما أسماه " تهديد الإسلاميين الأصوليين لألمانيا".
ومن السياسيين الذين استغلوا الموضوع، كريستوف دي فريز، المختص بالشؤون الداخلية داخل حزب "الاتحاد المسيحي الديمقراطي"، الذي استغل نتائج الدراسة لتكرار مطالبه بمحاربة ما يسميه "الإسلام السياسي" ولتجديد قوله بفشل التعددية الثقافية.
ويهاجم هذا النائب بشكل مستمر الأنشطة الإسلامية، بل كان ممن وضعوا قبل أشهر مشروع قانون يسمح بإغلاق المساجد ودور القرآن ومدارس اللغة العربية التي تضعها الاستخبارات الألمانية تحت المراقبة.
كما هاجم وزارة الداخلية بعد نشرها تقريرا يؤكد وجود معاداة للمسلمين في البلاد، وطالب بحذفه من موقعها، إثر إشارة التقرير إلى أن النائب وأعضاء آخرين لم يبتعدوا في تصريحاتهم عن ما يقوله اليمين المتشدد بحق المسلمين.
ويوضح الباحث عماد مصطفى، الذي أصدر دراسة حول معاداة المسلمين في النظام الحزبي والبرلمان الألماني، بتكليف من لجنة خبراء عينتها وزارة الداخلية، أن الجميع في ألمانيا يتحدث عن حزب "البديل" اليميني المتطرف كمعاد للمسلمين، وهو أمر صحيح، "لكن ما لا يعرفه الكثير من الناس أن بقية الأحزاب الأخرى في البرلمان الألماني، باستثناء حزب اليسار، لديها عداء للإسلام بدرجات متفاوتة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الطلاب المسلمین المسلمین فی فی ألمانیا عماد مصطفى إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف يشيطن حزب المحافظين البريطاني المسلمين ؟
أثار وزير العدل في حكومة ظل المحافظين، روبرت جينريك، جدلًا واسعًا بتصريحاته التي استهدفت المحاكم الشرعية في بريطانيا، متجاهلًا هيئات مماثلة للطوائف اليهودية والكاثوليكية.
ونشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا أعده عمران ملا حول تصريحات وزير العدل في حكومة ظل المحافظين والتي استهدف فيها "المحاكم الشرعية" في بريطانيا ولم يستهدف هيئات أخرى مماثلة لدى الطائفة اليهودية والكاثوليكية تقدم نفس الخدمات للمجتمعات الدينية من ناحية حل الخلافات الزوجية والتحكيم في الأمور العائلية.
ويعرف عن روبرت جينريك مواقفه المعادية للمسلمين، كحزب المحافظين الذي يعاني من مشكلة كراهية للمسلمين.
وقد جاءت تصريحاته ردا على مقال في صحيفة "التايمز" البريطانية الذي انتقد وجود محاكم شرعية في بريطانيا.
وقال جينيريك إنه يجب عدم وجود محاكم شرعية في البلد، مشيرا إلى الهيئات غير الرسمية والتي تصدر قرارات دينية غير ملزمة في مسائل الطلاق والزواج، وتشترط قبل إجراء عقود الزواج الشرعي بأن يكون لدى الزوجين عقد زواج مدني معترف به من الدولة.
ونشرت "التايمز" مقالا قالت فيه إن بريطانيا "أصبحت العاصمة الغربية لمحاكم الشريعة"، حيث رد جينريك على المقال بمنشور على منصة إكس " يجب ألا توجد أي من هذه المحاكم" و "هناك قانون واحد في هذا البلد وهو القانون البريطاني". وطالب وزير الظل سابقا باعتقال من يهتف بـ "الله أكبر" ودفع بإلغاء تأشيرة طالبة فلسطينية بعدما تحدثت بمسيرة مؤيدة لفلسطين.
ولدى بريطانيا ثلاثة أنظمة قانونية مستقلة تقوم على القانون العام في إنكلترا وويلز ونظام قانوني مستقل في اسكتلندا يجمع بين القانون العام والقانون المدني، ونظام قانوني مستقل آخر في أيرلندا الشمالية.
وقال متحدث باسم المجلس الإسلامي في بريطانيا، أكبر مجموعة تمثيلية للمنظمات الإسلامية في البلاد، لموقع "ميدل إيست آي" إن تعليقات جينريك "تكشف عن نمط مثير للقلق من الخطاب التحريضي الذي يظهر كل بضع سنوات لإثارة العداء ضد المسلمين البريطانيين".
وأضاف أن: " هذه هيئات تحكيم طوعية تعمل بالكامل في إطار القانون البريطاني، تماما مثل محاكم بيت دين اليهودية، والتي لم يذكرها جينريك".
وقد ظهرت المحاكم الشرعية لأول مرة في بريطانيا في ثمانينيات القرن العشرين، في المقام الأول لتسهيل الطلاق الإسلامي للنساء المسلمات اللائي يرغبن في إنهاء زواجهن عندما يرفض أزواجهن.
وتقدم هذه المحاكم، التي يبلغ عددها حاليا 85 في بريطانيا، أيضا المشورة الدينية بشأن الميراث والوصايا وغيرها من جوانب القانون الشخصي الإسلامي. وهي هيئات غير رسمية ليس لها مكانة قانونية أو سلطات إنفاذ. كما أنها لا تملك سلطة قضائية على القضايا المالية وتعمل بدلا من ذلك كمجالس استشارية.
وتقدم المحاكم الدينية لليهود الأرثوذكس "بيت دين" والمحاكم الكاثوليكية نفس الخدمات للكثير المواطنين اليهود والمسيحيين. ولم يرد جينيرك على أسئلة الموقع وإن كان يدعو لإلغاء بيت دين والمحاكم الكاثوليكية كمطالبته بإلغاء المحاكم الإسلامية.
ويشير الموقع إلى أن المحاكم الشرعية قد تعرضت لانتقادات مستمرة من منظمات المجتمع المدني التي اتهمتها بترسيخ الممارسات المعادية للمرأة، على الرغم من أن العديد من الجماعات الإسلامية دافعت عن استخدامها.
ويعتقد أن حوالي 100,000 عقد زواج إسلامي قد تم إجراؤها عبر هذه المحاكم في بريطانيا.
وقال المتحدث باسم المجلس الإسلامي البريطاني: "بعيدا عن السعي إلى قوانين موازية، فإن العديد من المساجد ومجالس التحكيم الإسلامي تلزم الأزواج في الواقع بعقد زواج مدني قبل أي إجراء أي عقد زواج شرعي".
وأضاف: "بينما تثير صحيفة "التايمز" بعض المخاوف المشروعة بشأن حالات محددة، فمن المخيب للآمال أن نرى مثل هذا التركيز الأحادي الجانب على التحكيم الإسلامي دون الاعتراف بالممارسات المماثلة في الديانات الأخرى".
وفي عام 2008، أثار روان ويليامز، رئيس أساقفة كانتربري آنذاك، الجدل بعد أن قال إن الشريعة الإسلامية يجب أن تمنح وضعا رسميا في بريطانيا للمساعدة في التماسك الاجتماعي.
وقال: "هناك مكان لإيجاد ما يمكن أن يكون موازنة بناءة مع بعض جوانب الشريعة الإسلامية كما نفعل بالفعل مع بعض جوانب في القوانين الدينية الأخرى".
وفي عام 2016، كلفت وزيرة الداخلية آنذاك تيريزا مي بإجراء مراجعة مستقلة أوصت بتشكيل هيئة تنظيمية حكومية للمجالس، لكن الحكومة المحافظة رفضت، قائلة إن المحاكم الشرعية ليس لها ولاية قضائية.
وقال النائب المحافظ نيك تيموثي لصحيفة "التايمز" هذا الأسبوع إن الزيجات الإسلامية "يجب تجريمها إذا أجريت دون حماية الزواج المدني المصاحب".
وقال متحدث باسم الحكومة: "لا يشكل قانون الشريعة الإسلامية أي جزء من القانون في إنجلترا وويلز. ومن الصواب تماما أن يعقد الأزواج زيجات معترف بها قانونيا لأن ذلك يوفر لهم الحماية والأمن والدعم الذي يجب أن يحصلوا عليه في بريطانيا".