تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد هيئة تحرير الشام.. ما خلفياتها ومآلاتها؟
تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT
تتفاعل منذ مدة في الشمال السوري "المحرر" قضية ما بات يُعرف بـ"العملاء"، على خلفية ما قامت هيئة تحرير الشام من اعتقال عشرات العسكريين والنشطاء والشخصيات المؤثرة خلال الشهور الماضية، للاشتباه بتورطهم بعلاقات مشبوهة وعمالة للتحالف والروس والنظام السوري.
صاحب ذلك وجود خلافات داخلية في أوساط أجنحة الهيئة، واشتداد القبضة الأمنية في التعامل مع نشطاء الفصائل الأخرى، وأصحاب الرأي المعارض لسياسات الهيئة، وتشير تقارير صحفية إلى تصاعد الاحتجاجات الشعبية، والمظاهرات بسبب سياسة الهيئة في التعامل مع قضية "العملاء" والمعارضين لسياساتها.
فما هي قصة "العملاء"؟ وما هي تداعياتها وتفاعلاتها داخل الهيئة، وفي الأوساط الحزبية والشعبية السورية؟ وما هي أسباب تصاعد تلك الاحتجاجات وانفجار المظاهرات ضد الهيئة.. ومن يحركها ويقف وراءها؟ وكيف تعاملت الهيئة معها ومع المعارضين لسياساتها؟ وما هي مآلات تلك الاحتجاجات الآخذة بالتوسع في مناطق الشمال السوري "المحرر"؟
الكاتب والإعلامي السوري، أحمد موفق زيدان أوضح أن خلفية الأحداث المتصاعدة حاليا ترجع إلى "اعتقال بعض العسكريين والشخصيات في الشمال المحرر على خلفية معلومات وشبهات وردت لجهاز الأمن عن تورطهم بعلاقة وعمالة مع التحالف والروس والنظام، ليتبين لاحقا أن هذه الشخصيات، وهي المشهود لها بالسابقة، بريئة مما نسب إليها فريق التحقيق الخاص الذي أخضعها للتعذيب لانتزاع رواية تناسبه".
وأضاف: "فتم توقيف فريق التحقيق وأودع السجن، وأطلق سراح كل من تم إيقافه، لكن هذا الأمر نشر القلق والخوف لدى الحاضنة في الشمال المحرر، وبدأت المخاوف تجري في أوساط المعتقلين والموقوفين الآخرين واستغلت بعض الجهات ذلك، وعلى رأسها حزب التحرير" على حد قوله.
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول "من المؤكد أن هناك جهات علمائية ومشيخية حريصة على الشمال السوري المحرر، وتطالب بالعدل، وإطلاق سراح البريئين وقد أُطلق سراح كثير منهم، لكن ينبغي أن نتفطن لقضية مهمة جدا، وهو أن ما تحقق في ضبط الأمن والسلامة بمنطقة واسعة تضم حوالي خمسة ملايين شخص، ليس بالأمر السهل ولا يمكن التفريط به، وينبغي الحذر من زيادة ضغط المظاهرات، لأن هذا يودي بكل المكتسبات التي حققها المحرر، مع الحرص على المطالبة بالأفضل".
أحمد موفق زيدان.. كاتب وإعلامي سوري
واستدرك "ولكن ينبغي أن تتم معالجة الأمر بدقة، فنحن ـ أولا وأخير ـ كسنة في الشمال المحرر وسوريا ليس لدينا التجربة الحكمية، وبالتالي سيقع كل طرف حاكم بأخطاء، والعلاج هو أن نتحمل بعضنا، ونطالب بالإصلاح، ولكن مع تجنب خسارة كل شيء، وكما قيل فكم من مريد للخير لا يصيبه ولا يدركه.
أما عن تعامل الهيئة مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية، فوصف زيدان تعاملها بـ"الجيد، إذ إنها لم تقمع المظاهرات، ولم تتعرض لها، ومن ثم كان حراكا سلميا عريقا يليق بثورة عظيمة كالشعب السوري، وهو ما يؤسس ـ فيما أرى ـ إلى تقبل الرأي والرأي الآخر"ز
ودعا "الشخصيات الرمزية إلى الحذر من ركوب بعض الجهات الموجة، مما يفقد هذه الرمزيات تأثيرها وضبطها للأمور، فتبوء ـ لا سمح الله ـ بمسؤوليتها الدنيوية والأخروية، لأنه كما نعرف أن الرموز في العادة ليست قادرة على ضبط الشارع، وليس لديها من القوة التي تمكنها من أن تكون البديل، فيكون البديل جهة أخرى، ربما ستندم حينها تلك الرموز على ما حصل، ولنا عبرة في ندم أحمد شوقي ومحمد رشيد رضا وغيرهم على دعوتهم لمناهضة الخلافة العثمانية".
وفي هذا الإطار كان لافتا ما ذكره الداعية السوري، أحد أبرز الشرعيين، عبد الرزاق المهدي بشأن لقائه بأبي محمد الجولاني، رئيس تحرير هيئة الشام في السابع عشر من الشهر الجاري، بأنه وافق على اللقاء بعد إلحاح بعض الدعاة عليه كي يجلس مع الجولاني وينصحه، لما له من مكانة وتقدير عنده.
وأضاف في بيان نشره عبر حسابه على موقع إكس "فوافقت وتم اللقاء.. وقد تكلمت في الجلسة بما أتكلم به على قناتي أو في المظاهرات.. تكلمت عن السجون والمنفردات وعن التعذيب الشديد، والشبح والكهرباء.. كما تكلمت عن الضرائب والمعابر والتشديد على الناس"ز
وأوضح أنه ذهب لينصح ولم يذهب للتفاوض "فلا أحد يملك التفاوض نيابة عن الناس" وأكد في ختام بيانه أنه "لا يجوز لي ولا لغيري أن نسكت عن الظلم والخطأ، والمظاهرات السلمية المنضبطة هي مشروعة طالما قامت لتحقيق مطالب مشروعة، وطالما هناك ظلم ومخالفات شرعية من قبل السلطة فمن حق الناس التعبير عن رفضهم لذلك، بكل وسيلة سلمية متاحة حتى يرفع الظلم وينشر العدل".
حزب التحرير من الأحزاب والقوى المشاركة في المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في مناطق الشمال السوري "المحرر"، وهو يطالب بقوة بإسقاط الجولاني، وكانت الهيئة قد اعتقلت خلال الشهور الماضية العشرات من قيادات وأعضاء حزب التحرير في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، على خلفية نشاطاتهم المعارضة لسياسات الهيئة، واتهامهم لهها بالتورط بالمال السياسي، وتنفيذ سياسات وأجندات خارجية تتعارض مع مطالب وأهداف الثورة السورية.
أيضاً من مظاهرات حزب التحرير في إدلب لإسقاط الجولاني#سوريا_اولا#إدلب#السويداء pic.twitter.com/EBrGFsellK
— ثائر سوري (@BARAA_y90) April 26, 2024من جهته لفت عضو حزب التحرير، منذر عبد الله إلى أن "شباب حزب التحرير كانوا في طليعة الحراك من البداية فنالهم القدر الأكبر من القمع والبطش والسجن لمدد طويلة، وتم تغييبهم عن أهلهم وأطفالهم بلا ذنب سوى قول كلمة الحق" مضيفا "لقد ازداد تخبط جماعة الجولاني بعد اتساع الحراك فقد أدركوا أن نهايتهم قد اقتربت فباتوا يحاولون مرة خداع الناس بالحديث عن إصلاحات، ومرى أخرى يمارسون البلطجة لعلهم يجهضون الحراك".
وردا على سؤال "عربي21" حول الأسباب الرئيسية لهذا الحراك المتصاعد ضد الهيئة، أرجعها إلى "تحول الهيئة إلى أداة لتمرير وفرض، ما أسماه بـ"التسوية الخيانية" مع عصابة دمشق، فقد كانت مطواعة في تنفيذ مخرجات سوتشي والاستانة، والتزمت بالبرنامج الذي فرضته السلطات التركية التي تلعب دورا أساسيا في تنفيذ سياسة أمريكا الهادفة إلى تصفية الثورة وتعويم النظام المجرم".
منذر عبد الله.. ناشط وعضو في حزب التحرير
وتابع "وكان من نتائج ذلك توقف القتال الحقيقي مع النظام التزاما بالتهدئة التي فرضها الضامن المتآمر، وأن تلاحق الهيئة كل فصيل يحاول فتح الجبهات، فكان القمع والبطش بكل مخلص، ولم يقتصر الأمر على ضرب المجاهدين المخلصين، بل شمل القمع كل من ينتقد هذا المسار (الخياني)، وزج الناشطين في السجون وقتل بعضهم"ز
وأردف "وفي المقابل فتحت المعابر مع النظام، وباتت الهيئة تسوق نفسها كجماعة معتدلة تحارب التطرف لعلها تصبح مقبولة عند رأس الكفر أمريكا، إضافة إلى ذلك كله فثمة مظالم تتعلق بفرض الضرائب والمكوس التي حرمها الإسلام، والتي تثقل كاهل الناس" حسب قوله.
ووفقا لمراقبين فإن هيئة تحرير الشام منذ بدء المظاهرات المناهضة لسياساتها في مناطق نفوذها قبل شهرين تقريبا تواجه أزمة حقيقية، تحاشت معها اللجوء إلى القوة لمواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية، فلم تقمع المتظاهرين، وفضلت اتباع أساليب ناعمة لاحتواء الحراك الشعبي، والالتفاف على مطالب المتظاهرين، عبر الوعود بالقيام بإصلاحات جدية وحقيقية، سواء على لسان زعيمها، الجولاني أو عبر مؤسساتها وهيئاتها الرسمية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير تحرير الشام سوريا آراء تحرير الشام توجهات تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتجاجات الشعبیة الشمال السوری حزب التحریر فی الشمال
إقرأ أيضاً:
الحرب الحالية.. هل ستكون آخر جولات المقاومة أم بداية التحرير؟
وتساءل مقدم البرنامج فيصل القاسم عمّا إذا كان الواقع يفضي إلى احتمال زوال تلك الحركات في ظل ما تعرضت له من ضربات قوية، وخذلان واسع من مختلف الأطراف، أم أن ارتباطها بوجود الاحتلال والظلم والطغيان متلازم؛ ما يجعل استمرارها حتميا وضروريا.
لكنه في المقابل، أشار إلى حديث البعض عن وجود شبه إجماع دولي وربما إقليمي على التخلص من هذه الحركات، وفقدها حواضنها الشعبية في فلسطين ولبنان واليمن، في ظل اتهامات يوجهها البعض لها بالتسبب "بخراب البلاد وهلاك العباد"، وتساؤلهم عما حققته تلك الحركات للشعوب على مدى عقود.
الإعلامي رامي نعيم لم يخف أماله بأن تكون هذه الجولة الأخيرة لحركات المقاومة في المنطقة، معتبرا أن الشعوب العربية لم تعد قادرة على تحمل ما سماه "الدمار والانتحار الجماعي" الذي تسببت به تلك الحركات.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4هل سيوقف ترامب الحرب على غزة ولبنان؟list 2 of 4الاتجاه المعاكس يتساءل.. أين أصبحت القضية الفلسطينية بعد طوفان الأقصى؟list 3 of 4إيران وإسرائيل.. هل ينتقل الصراع من الظل إلى دائرة الحرب الشاملة؟list 4 of 4هل تكون قوات الاحتياط سببا في انهيار المجتمع الإسرائيلي؟end of listوذهب نعيم للتأكيد -من وجهة نظره- على أن المجتمعات العربية باتت تبحث عن شكل مختلف للمقاومة، مشددا على أن العلاقة مع إسرائيل اليوم تختلف جذريا عما كانت عليه قبل اتفاقيات التطبيع العربية معها، متهما حركات المقاومة بأنها "لم تقدم للشعوب سوى الموت والبؤس والجهل".
خيار آخر للمقاومةويرى أن الأجيال الصاعدة باتت تنظر إلى الدول الإسلامية المتطورة التي نجحت في بناء مجتمعات مزدهرة كخيار حقيقي للمقاومة، بدلا من الحركات التي استُنزفت شرعيتها بفعل ارتباطها بمشاريع سياسية وأيديولوجية، لا سيما المشروع الإيراني، على حد تعبيره.
وقال نعيم إن تلك الحركات فشلت في حماية شعوبها وأراضيها، وذهب للقول إلى أن المقاومة تحولت إلى أداة تخدم أجندات إقليمية بدلا من القضية الفلسطينية، محملا إياها مسؤولة قتل الأطفال وتدمير المجتمعات تحت ذريعة المقاومة.
كما ذهب لتحميل المقاومة مسؤولية تدمير غزة وتحويلها إلى "مدينة أشباح"، متسائلا كيف يمكن أن تبرر هذه الحركات أفعالها بينما تستمر إسرائيل في تحقيق مكاسب على الأرض.
وشدد على أن مشروع المقاومة الحالي بني على شعارات دينية وسياسية "ممجوجة"، داعيا إلى اعتماد إستراتيجية واقعية لتحرير فلسطين تقوم على بناء القوة الفعلية والابتعاد عن المشاريع الأيديولوجية.
النهاية عند التحرير
في المقابل، اعتبر الخبير في شؤون حركات المقاومة الدكتور حذيفة عبد الله عزام أن الجولة الأخيرة لحركات المقاومة ستكون فقط حين يتحقق التحرير الكامل للأرض الفلسطينية، مشيرا إلى أن المقاومة هي رد فعل طبيعي على الاحتلال.
وأوضح أن فلسطين تخضع للاحتلال منذ عام 1917، وأن نشوء حركات المقاومة كان نتيجة مباشرة وطبيعية لهذا الاحتلال، متسائلا عما قامت به الدول المتطورة التي يدعو البعض للاقتداء بها لتحرير فلسطين، رغم مرور" أكثر من 108 سنوات على الاحتلال".
وقال إنه إذا كانت هذه الدول قادرة على تحرير فلسطين، فإن المقاومة ستتوقف من تلقاء نفسها، لكن غياب الدور الفاعل للجيوش والدول العربية جعل المقاومة العفوية ضرورة لا مفر منها.
وأكد عزام أن مقاومة الاحتلال تمثل "جهاد دفع"، وهو مبدأ لا خلاف عليه في الأديان والأعراف والقوانين الدولية وحتى في القيم الإنسانية، مضيفا: "إذا دخل أحد بيتي فمن الطبيعي أن أقوم بدفعه، وهذا أمر يتفق عليه الجميع".
أين الجيوش العربية؟وأوضح عزام أن حركات المقاومة في المنطقة هي نتاج طبيعي لحالة الظلم والاستعمار الذي تعرضت له الدول العربية، مشيرا إلى أن الاحتلال البريطاني كان مقدمة لإنشاء دولة الاحتلال والسيطرة على فلسطين وأراضٍ عربية أخرى.
وتساءل: "أين كانت الجيوش العربية طوال هذه العقود؟ الشعوب لم تجد أمامها سوى خيار المقاومة".
وأضاف أن الجولة الحالية من المواجهة تمثل بداية الملحمة الأخيرة التي قد تطول لكنها ستنتهي بتحرير الأراضي العربية، واستند في ذلك إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.
ولا يجد عزام مانعا في مشاركة ضيف الحلقة الآخر، في تمني أن تكون هذه الجولة هي الأخيرة للمقاومة، لكن بشرط أن تنتهي بتحرير كامل أرض فلسطين، مؤكدا أن غزة حين تحررت سابقا، كان ذلك بفضل التضحيات والدماء وليس بشيء آخر.
19/11/2024-|آخر تحديث: 19/11/202410:04 م (بتوقيت مكة المكرمة)