أي خيارات للمعارضة التونسية في انتخابات 2024 الرئاسية في تونس؟
تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT
يلفّ الغموض المشهد السياسي في تونس على أكثر من صعيد في المرحلة الرّاهنة التي تمرّ بها البلاد. رغم أن الجميع بمن فيهم الرّئيس قيس سعيد قد انخرط في جدل الانتخابات الرّئاسيّة المرتقبة، فإنه لا أحدَ يعرف يقينًا متى موعدها؟.. وهل سيكون الرّئيس التّونسي ضمن قائمة المترشّحين؟.. وهل المعارضة ستلتقي على مرشّح موحّد بينها، أم أنّ السّباق سيعرف مشاركة أسماء كثيرة؟، الأمر الذي يُذكّر بالتشتّت الذي عرفته مناسبات انتخابيّة سابقة كعامل أثّر بقوّة في تشكيل السّاحة السياسيّة وتحديد مساراتها.
مع قيام الثّورة وجدت المعارضة التونسيّة نفسها أمام مرحلة مختلفة تمامًا في مسيرتها، مُطالبَة بالتّعاطي مع أسئلة الحكم وإكراهاته ليتبيّن شيئًا فشيئًا أنّ الرئيس الرّاحل بن علي ونظامَه لم يكونا سوى شجرة تحجب غابة الدّولة العميقة التي توارت إلى حين لتلتقط الأنفاس، وتعاود الانتشار متحكّمة من موقع الخبرة في مفاصل الإعلام والمال والإدارة.
طيلة عشريّة الانتقال الديمقراطي، تغيّرت مسمّيات ومواقع وأدوار كثيرة، حتى وجدنا شركاء خندق المعارضة زمن الدّكتاتوريّة ينقسمون بل ويتصارعون ويتبادلون أخطر الاتّهامات، في اختبار قاسٍ للتّعايش المشترك.
وإذا كانت هذه الانقسامات والمعارك طبيعيّة في نظر كثيرين، بل وضروريّة كي تقود لمنجزات لا يمكن نكران قيمتها بحال وأهمّها دستور ألفين وأربعة عشر، إضافة إلى تلافي الانزلاق كما في ساحات أخرى إلى النّزاع المسلّح وحمّامات الدم، إذا كان كلّ ذلك صحيحًا، فإنّ الصحيح أيضًا هو أن تلك الانقسامات التي سرعان ما اتخذت شكل الصّراع الأيديولوجي، أجهضت فرص ميلاد كتلة تاريخيّة تستجيب لحاجيات الشّعب التّونسي المتطلّع للتّنمية والاستقرار والعدالة الاجتماعيّة.
ولعلّ الأهمّ من ذلك هو أنّ تلك الطّبقة السياسيّة – التي انقسمت بدورها لفئتين؛ إحداهما اختبرت الحكم بنسب بقيت محلّ نقاش، والأخرى لزمت المعارضة بنسب مختلفة من التشدّد – فسحت (تلك الطبقة السياسية) بانقساماتها التي بلغت ذروتها في برلمان ألفين وتسعة عشر، المجالَ بالتشتّت الانتخابي الذي أفرزته للاعبين آخرين كي يشقّوا عباب التّوازنات السياسيّة والتوقّعات الانتخابيّة ويستفيدوا من حالة التّشرذم السّياسي باتخاذه حصان طروادة الذي منحهم دورًا مُريحًا تمثّل في انتقاد المشهد برمّته وتحميله بالكليّة لمن عارضوا بالأمس دكتاتوريّة بن علي، بل وصل الأمر حدّ انتقاد النّخب "التقليديّة"، ووصمها بالفساد والخيانة وتخريب البلاد، كما هو الحال مع قيّس سعيّد الرّئيس الحالي الذي قَدِم السّاحة السياسيّة خاليًا من أيّ تاريخ سوى تلك المسافة التي تفصل بين تصريح له بضرورة أن "يرحل الجميع" بُعيد الاغتيالات التي أودت بحياة القيادي اليساري شكري بلعيد، والقومي محمّد البراهمي.
وقوله؛ أي الرّئيس التّونسي، مؤخّرًا: "القضيّة ليست قضيّة شهوة أو طموح، إنّها قضيّة بقاء أو فناء" في إشارة إلى بورصة الانتخابات الرئاسيّة التي انطلقت راسمة تقابُلًا حديًّا وشبه صفريّ بين من يسير في ركاب مسار الخامس والعشرين من يوليو/تموز، وهي "العَرَبة" التي دعا لها البعض وامتطاها ونزل منها آخرون لاحقًا، مقابل من اعتبروا المسار انقلابًا على الدّيمقراطيّة منذ البداية، أو في وقت لاحق.
أيّ عصفور نادر؟عدا عن إعلان الهيئة العليا للانتخابات التي عيّنها الرّئيس سعيّد، أنّ الانتخابات الرئاسيّة 2024، ستجري في موعدها، صدرت مؤشّرات شحيحة حول التفاصيل، من أهمّها تأكيد أحد الدّائرين في فلك مسار 25 يوليو/تموز أن تلك الانتخابات ستجري شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وأن المترشّحين فيها سيجري تحديد شروط كي يتمّ قبولهم، ومن أهمّها شرطا نقاء السّوابق العدليّة والإقامة في تونس.
تمّ فهم هذه الإفادة وعلى نطاق واسع قريب من الإجماع على أنّها محسوبة وتتضمّن رسالة لفريقَين:
الأوّل يتشكّل من القادة السياسيّين القابعين في السّجن منذ شهور كثيرة على ذمّة تهم بالتّآمر على أمن الدّولة والفساد، وهي القيادات التي درجت بعد حلّ الرئيس سعيد البرلمان وأغلب الهيئات الدستوريّة وإلغائه دستور ألفين وأربعة عشر، ضمن تدابير استثنائية أفضت إلى دستور جديد منح فيه الرّئيس التونسيّ نفسه صلاحيّات مطلقة، تلك القيادات المعارضة درجت قبل اعتقالها على التّواصل تحت عناوين مختلفة لتبادل وجهات النّظر بشأن مقاومة وإسقاط ما يعتبرونه انقلابًا عبر الوسائل السياسيّة.
ورغم أن السّؤال يدور حول حقيقة تلك الملفّات القضائيّة التي يؤكّد فريق الدفاع عن المعتقلين السياسيّين أنها فارغة من أيّ مضمون حقيقيّ وأنها كيديّة يُراد بها شيطنة المعارضة وإقصاء رموزها على اختلاف مشاربهم، رغم ذلك فإن النّاتج العمليّ لشرط "نقاء السوابق العدليّة" سيكون لا محالة إقصاء أغلب الأسماء الجادّة سواء منها القابعة في السّجن، أو تلك التي في حالة سراح على ذمّة دوّامة من التّحقيقات لا تنتهي.
والواقع أن إعلان أسماء من قبيل رئيس الحزب الشّعبي الجمهوري لطفي المرايحي الترشّح للانتخابات الرّئاسيّة، يبقى في ظل هذه المعطيات تحديًا للإطار الذي يسعى النظام إلى أن يضع الموعد الانتخابي الرّئاسي المقبل ضمنه، وسط اتهامات له بالرّغبة في تنفيذ انتخابات على المقاس، وَفق النماذج الجزائريّة والمصريّة والروسيّة.
الاتجاه الثّاني للرّسالة التي تضمّنتها الإفادة التي نطق بها الدّائر في فلك مسار الرّئيس سعيّد، وهو ما فعله من قبل وأعطى تصريحاته "مصداقيّة" لجهة المعلومة، اتجاه يُحيل على اسم تصاعد الحديث عنه أكثر فأكثر كبديل محتمل للرّئيس سعيّد، وهو الوزير السّابق – في نظام الرّاحل بن علي – منذر الزنايدي.
سياسيّ مخضرم وصاحب تجربة في مواقع مختلفة في إدارة الدّولة، أعلن ترشّحه من العاصمة باريس، متجاهلًا المتابعات القضائيّة المثارة بشأنه، والذي خاطب التونسيّين في مناسبتين وجّه فيهما نقدًا لاذعًا لحصاد حكم الرّئيس الحالي في مجالات القيادة العامّة والتّنمية والحرّيات، معتبرًا أن مهمّة التغيير والإنقاذ لا تقبل التّأجيل ولا يمكن النهوض بها سوى في إطار جامع للتونسيّين لا يُقصي أحدًا.
شخصيّة انتبه لها الرّئيس سعيّد باكرًا وخصّها ببعض من "صواريخه الخطابيّة"، نافيًا أن يكون بمقدور وجوه الماضي أن تحلّ مشاكل الحاضر والمستقبل.
ومع شرط الإقامة هذا يجد الزنايدي نفسه بين خيارين؛ أحدهما الترشّح عن بُعد، وهو ما سيكون ملغى في حال تمّ اعتماد الإقامة معيارًا في قبول الملفّات من قبل هيئة الانتخابات؟ أو القدوم إلى تونس حيث من الوارد أن تستقبله حال وصوله تتبّعات قضائيّة ستصرّ على الأرجح على "استضافته" لأجل مفتوح في واحد من السّجون التونسيّة.
تبقى هناك ضمن مشهد الغموض هذا، أسماء أخرى مثل صافي سعيد وألفة الحامدي، ولِمَ لا أسماء أخرى محتملة، مثل محمّد عبّو، وحمّة الهمامي، بل وأسماء قد تفاجِئ الجميع بإعلانها الترشّح ضمن سباق سيكون مخيّرًا بين أن يجري بين الرّئيس سعيّد ونفسه.. بمشاركة أسماء "مختارة" من قبل معايير هيئة الانتخابات، أو أن ينطلق السّباق بين الرّئيس سعيد وخليط من أسماء وازنة وأخرى هامشيّة، وهو ما قد يقود إلى جولة ثانية تفرز مرشّحًا يجتمع عليه معارضو سعيّد في الجولة الثانية.
والواضح هو أن الرّئيس سعيّد سيكون صاحب المصلحة الأولى والأكيدة في معارضة مقاطعة أو مشتّتة في حال المشاركة، خاصّة وهو الذي لم يكترث لنسب المشاركة المتدنّية في التّصويت، فالمهمّ هو تجديد العُهدة بفضل "الأصوات المُفيدة".. والتبريرُ جاهز حتّى بعد قرابة خمس سنوات من انطلاق المسار، ألا وهو أن عزوف التّونسيين نتيجة وأثر من "العشرية السوداء".
بورصة الأسماء.. إلى أين؟الناظر في بعض استطلاعات الرّأي التي تمّ نشرها وفيمن يقف وراءها – كما الحال في استطلاعات نبّهت لموجة قيّس سعيّد الانتخابيّة العالية في ألفين وتسعة عشر – يرى بوضوح أن شعبيّة سعيّد تراجعت على نحو ملحوظ، حتى إنّها رابطت فوق 20 % دون أن تتجاوز 25 %.. وهي أرقام ونسب تذكّر بأخرى رشَحَت عن انتخابات ألفين وتسعة عشر، والأهمّ من ذلك هو أنّها تضعها على المحكّ.
الأكيد هو أنّه ما كان للرّئيس سعيّد أن يصل يومها لسُدّة الحكم لولا تحالف حزبيّ ومدنيّ واسع، زكّاه في وجه منافسه نبيل القروي، على نحو أظهر يومها بوضوح أن الخزّان الانتخابي للرئيس سعيّد لا يتجاوز في ذروته يومها 700 ألف ناخب، تزيد أن تنقص بقليل.
والأقرب إلى الواقع اليوم هو أنّ الرّصيد الانتخابي للرّئيس تآكل بقدر ما؛ بسبب تجربة الحكم التي وضعت الشّعارات والوعود على المحكّ، ذلك أنّه وفق تحليلات فإنه عدا عن مراسيم ودستور كرّس صلاحيات مطلقة بين يدي سعيّد، وعدا عن مجلس للنوّاب وآخر للأقاليم والجهات، جاءت بها مشاركة جماهيريّة قياسيّة في محدوديّتها، تتهدّد حظوظ عهدة أخرى للرّئيس الحالي أزمتان خانقتان: اقتصاديّة وسياسيّة، يهمس البعض بكون البلاد لم تعرف لهما مثيلًا في السّابق، وسط تحذيرات من تحوّلهما تدريجيًّا إلى لغم كبير قد ينفجر ذات منعطف ما في وجه الجميع.
ووَفق استطلاع نشرته "مؤسّسة زغبي للأبحاث" الأميركيّة المرموقة ذات الباع في استطلاعات الرّأي اكتفى الرّئيس سعيّد بنوايا تصويت لم تتجاوز 24.2 %، مقابل صعود تلك النوايا بالنّسبة للزنايدي إلى 15.8 %، مقابل 10.4 % لعبير موسي.
وإذا كان سعيّد بحسب معارضيه واضحًا في "خطّته الانتخابيّة" القائمة وفق قراءتهم على إقصاء أيّ مرشّح جديّ قد ينازعه عرش قرطاج، فإن الغموض يبقى سيّد الموقف بالنّسبة للمعارضة نفسها، بالنّظر إلى عمق الخلافات التي تشقّها بشأن الرّؤية والأسماء.
حركة النهضة – التي طالما وُصفت بالحزب الأكبر والأكثر تنظيمًا، تعيش هذه الأيّام وهي مثخنة باعتقال زعيمها راشد الغنّوشي، ومثقلة بتتبّعات قضائيّة أغلقت مقرّاتها المركزيّة والفرعيّة – تعيش على وقع نقاش داخلي كشف خلافات حادّة بخصوص المشاركة في الانتخابات من عدمها، وكذلك بخصوص الخيارات المطروحة من ترشيح اسم منها، أو دعم اسم توافقيّ بين المعارضة، وهو ما يفترض حوارًا مع مكوناتها الأخرى، أي المعارضة، يقتضي دون شكّ جردة حساب شائكة لمسار من المواقف والخيارات.
ويُشير مطّلعون إلى أنّه وكما الحال في محطّات سابقة، تقوم اتّصالات مع شخصيّات معنيّة بالترشّح أبرزها منذر الزنايدي، وهو الذي كان على تواصل طيلة العشريّة الماضية مع وجوه نهضويّة على قاعدة القراءة النقديّة للماضي والتوجّه إلى المستقبل بمصالحات وتوافقات تاريخيّة تخرج تونس من الاستقطاب الأيديولوجي إلى معالجة التدهور الخطير في اقتصاد البلاد وإدارتها.
يبقى السّؤال: هل يتواصل النهضويّون مع الزنايدي فقط؟
ما نقرؤُه في تصريحات الأمين العامّ الجديد لحزب حركة النّهضة ذي المرجعيّة الإسلاميّة العجمي الوريمي هو سقف عالٍ من المرونة دون الحسم في اتجاه اسم بعينه، والالتزام بجبهة الخلاص خيمة لأيّ قرار قد يتّخذ على هذا الصعيد، خاصّة أنّ هناك من يسأل عمّا إذا كان رئيس الجبهة السّياسي المخضرم أحمد نجيب الشّابي يفكّر هو الآخر في الترشّح للانتخابات الرّئاسيّة.
يصف هذا المفترق صعوبة وحساسيّة القرار الذي قد يتمّ الذهاب إليه في نهاية المطاف، لكن من الأكيد هنا هو أن المعارضة تحتفظ بخزّان انتخابي كبير لا يمكن تجاهله، يستفيد بنحو أو بآخر من غضب متصاعد في الشارع تراكمه وإن بصمت الضّغوط المعيشيّة المتفاقمة، وافتقاد بصيص ضوء حقيقيّ في آخر النّفق الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
أثمان مؤجّلةتحمل الأزمات والتحدّيات أوجهًا متقابلة في كثير من الأحيان، فبالقدر الذي تشكّل فيه فاتورة قاسية ومؤلمة للدّفع عن خيارات خاطئة وربما كارثيّة، تقدّم من ناحية أخرى فرصة للمراجعة الحقيقيّة والصّادقة، تلك التي تتمّ ابتداءً داخل أحزاب المعارضة، وبينها، ثم لاحقًا بمخاطبة الجمهور بمخرجات تلك المراجعة.
بيد أنّ النّاظر في خطاب وأداء مكونات المعارضة يجد أن أكثرها وربّما كلّها كما حزب النهضة الإسلامي يؤجّل لليوم نقده الذّاتي، وإن تحدّث عنه بالعناوين العريضة بين فينة وأخرى، واعدًا بنصوص لم تنشر بعد، فضلًا عن القرارات الموجعة التي تعكس محاسبة لا بدّ منها تتحرّر من المظلومية غطاء للقفز فوق الاستحقاقات الحيويّة.
كما تُتّهم أطراف أخرى داخل المعارضة بممارسة الإقصاء الفجّ، كما هو الحال مع الحزب الدّستوري الحرّ وزعيمته المعتقلة عبير موسي، أو في الإقصاء الناعم المخفّف، كما هو الحال في أحزاب تسمِّي نفسها ديمقراطيّة بينما تتحرّج في استعراض كلّ أسماء المعتقلين السياسيّين، وتتعمّد فرزها في كل مرة تدعو فيها لإطلاق سراحهم، في رسالة ضمنيّة فهم منها البعض أن قيادات النّهضة لا تتساوى في "مظلمة الاعتقالات" مع غيرها، بل وربّما تستحقّ بنحوٍ ما، ما نزل بها، مع حرص مكتوم على عدم الاقتراب والالتحام حتى على هذا المستوى القضائي والحقوقي بالإسلاميّين.. في تماهٍ مع طرح ماكروني ويساري وقومي متطرّف يرى في أولئك الإسلاميين "شيطان الحكاية".. الذي يشترك الجميع في رجمه؛ طلبًا لرضا دول غربية ورسميّات عربيّة.
ناهيكم عن أطراف سياسيّة أخرى – يتقدّمها "التيّار الدّيمقراطي" لمّا كان تحت زعامة ونفوذ محمّد عبو وزوجته – دعت ورحّبت وأشادت بما أقدم عليه الرّئيس سعيّد، بل ودخل ذلك الحزب في نظر منتقديه آنذاك في وصلة مزايدة مع مسار الخامس والعشرين من يوليو/تموز، عندما اعتبر أن ما قام به سعيّد ليس كافيًا، وأن الخلاف معه ليس في أصل طيّ عشريّة الانتقال الدّيمقراطي ومحاسبة حركة النهضة وتحجيمها وربما شطبها من المعادلة، وإنما في الانفراد بالمسار ورفض الشّراكة في إدارة البلاد بعدُ، وبالتالي تقاسم "الكعكة السياسيّة" للمرحلة الجديدة.
وإذا كان صوت النّاخب هو قطب الرّحى في أيّ منافسة انتخابيّة مقاطعَة أو مشاركَة، فإنّ فئات واسعة بين التونسيّين تطرح سؤالًا كلّما أثير معها الحديث عن البديل في هذه المرحلة، وكأنّها تقول:
ما الفائدة من العودة إلى ديمقراطيّة تزدحم بالإقصائيين والفاشيّين؟ وأي نفع للبلاد والعباد في اسم يذهب وآخر يأتي دون أن يتغيّر الجوهر الذي يتعلّق برهان القبول المتبادل والتعايش بين التونسيّين ومدى قدرتهم على إدارة وعقلنة الاختلافات بينهم؟
وبين عاجل ومؤجل، تجد المعارضة نفسها مدعوّة لأن تثبت نفسها في اختبار انتخابي سياسي، لا تملك كلّ مفاتيحه، ما سيعني أنها ستبقى معنيّة في كل الأحوال بجدل وجدليّة النقد والتجاوز.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات انتخابی ة السیاسی ة الترش ح الذی ی وهو ما ة التی
إقرأ أيضاً:
خيارات الإنسان: ما بين السعادة والشقآء
فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
و الأصل و الفطرة الإنسانية في فعل الخيرات ، و الأمر بالمعروف ، و في النهي/الإبتعاد عن المنكر ، و ذلك هو ما يدعو إليه الخالق سبحانه و تعالى ، و الذي أخبرنا أن في ذلك فلاح المجتمعات و الأمم و صلاحها:
{ وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةࣱ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَیۡرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٠٤]
{ یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِینَ }
[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١١٤]
و أساس إستقرار المجتمعات و صحتها و سلامتها في: أدآء الأمانات و الإحسان و إيتآء ذي القربى ، و في أن يكون العدل هو أساس الحكم ، و في النهي/الإبتعاد عن ممارسة الفحشآء و المنكر و البغي ، و ذلك ما أمر الله به:
{ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرࣰا }
[سُورَةُ النِّسَاءِ: ٥٨]
{ إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ }
[سُورَةُ النَّحۡلِ: ٩٠]
و قد جآء في معنى الأمانة أنها الحق اللازم/الواجب الأدآء ، و أنها العفاف و الصدق و الإستقامة في السلوك ، و هذه الصفات من نبيل القيم و مكارم الأخلاق ، كما وصفت بأنها تصرف الإنسان ، الأمين ، تجاه ما يستودع لديه من مال و نحوه و ما يوثق به عليه من الأعراض ، و هذه من خصال الفطرة السليمة و السلوك القويم ، و قد عُرِّفَت الأمانة فقهياً على أنها الفرآئض من صلاة و زكاة و صيام ، و كذلك أدآء الدَّين و صون الودآئع و كتم الأسرار...
و قد ذُكِرَ الإستوآء/التسوية و الإستقامة ضمن معاني العدل و كذلك تجنب الظلم و الجور و إعطآء كل ذي حقٍ حقه ، و هذه القيم هي عين ما تتطلبه المجتمعات حتى يتحقق فيها الأمن و الإستقرار الذي يأتي من بعدهما الإنتاج و الوفرة و الكفاية فالرفاه ، و قيل أيضاً أن العدل هو إستعمال الأمور في مواضعها و أوقاتها و وجوهها و مقاديرها من غير سرف و لا تقصير و لا تقديم و لا تأخير ، و تلك من علامات الإتزان و حسن إدارة الأمور و التي من خلالها تنضبط/تنتظم المجتمعات ، و هي بعض من المعايير التي يقاس بها تقدم/تمدن المجتمعات و رقي الأمم ، و قد قيل عن العدل أنه الإنصاف في المعاملة التي تلزم مقابلة الخير بمثله و الشر بما يوازيه ، و تلكم هي الموازين القِسط التي هي من صميم قوانين المجتمعات القوية و المتمدنة...
و قد جآء في معنى الإحسان أنه إتقان العمل مع بذل الجهد في إجادته ، و هذا حتماً يفضي إلى الزيادة في الإنتاج و الوفرة و الكفاية و من ثم الرضا النفسي و المجتمعي ، أما فيما يخص عبادة الله فإن الإحسان يعني الإخلاص كما جآء في الحديث:
(أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
و الإخلاص في العبادة يجلب الراحة النفسية للعبد و كذلك رضا الرب ، و هذا الرضا الإلهي هو قمة ما يهفو و يرنو إليه الإنسان المؤمن...
و قد جآء في معنى الإيتآء أنه الإعطآء و النقل و السوق ، و هذا يقارب معاني العطآء و البذل و توزيع الصدقات و نقل المنفعة و سوق الخير إلى الأفراد و المجتمعات ، و فقهياً فإن إيتآء ذي القربى يعني صلة الأرحام ، و ذلك يعزز من تقوية الصلات الإنسانية و نشر الإلفة و المودة و المحبة بين الأفراد في المجتمعات ، و في ذلك درء للفتن و منع للخصام و نفي لأسباب الشقاق ، أما إيتآء الزكاة فهو دفعها لمستحقيها ، و ذلك هو العدل في إعادة توزيع و تدوير الأموال بين الأفراد في المجتمعات مما يمنع/يقلل من العوز و الفقر و توابعهما من الخلاف و الشقاق و الشقآء ، و مما يقود إلى الطمأنينة و الإستقرار و إعمار المجتمعات و رفاهيتها و من ثم أمنها و أمانها...
و قد جآء في معنى الفحش في معجم المعاني أنه هو ما تنفر عنه الطباع السليمة و لا تقره العقول المستقيمة ، و قد عُرِّفَت الفحشآء على أنها كلُ فعلٍ تكرهه الأنفس و لا يقبله الشرع كالزنا و فعل قوم لوط و نحوهما ، و هذه النوعية من الممارسات الجنسية المحرمة دون شك تضعف/تهدد مفهوم الأسرة و قد تقود إلى الفوضى الجنسية و خلط الأنساب...
و المنكر هو ما أنكره و كَرَّهَه و حَرَّمَه الشرع الإلهي و نهى عنه من قبيح القول و الفعل ، و هو ما يتناسق مع نهج العقول السليمة/الصحيحة التي لا تستحسن/تستسيغ المنكر و تحكم بقبحه ، و هذا مما يتوافق مع الفطرة و الشريعة الإلهية...
و البغي هو طلب الشيء و السعي إليه ، و قد جآء ذكر البغي في القرءان الكريم في سياق الفساد و العدل عن القصد و الظلم و تجاوز الحد فيما يخص الأفراد و الطوآئف ، و قد قرن بعض من المفسرين البغي بالفساد و الزنا و الخروج على الإمام العادل و نكث بيعته و مخالفته و قتاله...
و قد دلت التجارب الإنسانية أن دمار الأقوام و الأمم و هلاك القرى يأتي من مخالفة أوامر الله الخالق سبحانه و تعالى الداعية و المُحِثَّة على فعل الخير ، و في الخروج عنها ، و في ممارسة الفسوق:
{ وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـٰهَا تَدۡمِیرࣰا }
[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: ١٦]
و قد جآء في معنى الفسوق أنه الخروج عن الشيء المعتاد ، و قد يعني زوال الغطآء و بيان ما كان مخفياً تحته ، فيقال فسق الرطب إذا خرج عن قشره و غشآءه ، و يفسق المرء إذا خرج عن جادة الطريق ، و تصف المجتمعات الشخص المنحرف الذي يسلك طريقاً غير قويم بالفاسق ، أما في الفقه فإن الفسق هو الخروج عن الشرع و عن طاعة أوامر الرب و ترك الواجبات و فعل و مقاربة المحرمات ، و المترفون المذكورون في الآية أعلاه قد أُمِرُوا بإتباع الأوامر الإلهية الدالة إلى الخير لكنهم إختاروا ، بمشيئاتهم و إراداتهم ، الفسوق و الخروج/العدول عنها ، و عوضاً عن ذلك إنغمسوا في إتباع/سلوك/ممارسة/فعل كل ما هو منكر و قبيح و فاحش...
و كثيراً ما يلجأ المترفون و المبذرون و المجرمون و الظالمون إلى تبرير أفعالهم الغير سوية و ردها إلى العادات و التقاليد و إرث الأبآء و الأجداد ، بل أحيانا قد يتجرأون و يقولون أن الله ، تنزه و تقدس سبحانه و تعالى ، قد أمرهم بذلك:
{ وَإِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةࣰ قَالُوا۟ وَجَدۡنَا عَلَیۡهَاۤ ءَابَاۤءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٢٨]
{ وَإِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةࣰ قَالُوا۟ وَجَدۡنَا عَلَیۡهَاۤ ءَابَاۤءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ }
[سُورَةُ الأَعۡرَافِ: ٢٨]
و هم يعلمون أن الله سبحانه وتعالى لا يأمر إلا بكل ما هو فيه خير و إعمار و فلاح و صلاح للإنسانية و المجتمعات ، و رغم ذلك فقد إختار المترفون و الفئات الأخرى ، بمشيئاتهم و إراداتهم ، العصيان و عدم إتباع الأوامر الإلهية و النكوص عن الإلتزام بالأساسيات من: أدآء الأمانات و الإحسان و إيتآء ذي القربى و البذل و الصدقات و العدل ، و عوضاً عن ذلك آثروا ممارسة الظلم و الفحشآء و المنكر و البغي و أضرابهم ، و هم بعزوفهم عن فعل الخير و ممارساتهم لتلك الشرور يكونوا قد أكملوا ، طواعيةً ، جميع متطلبات القضآء فكان أن حق عليهم القول و نزول/وقوع الدمار...
و هكذا خيارات الإنسان ، أفراد و مجتمعات ، فإذا ما إهتدى بالهدي الإلهي و اتبع الأوامر نال الرضا و كان الفلاح و الصلاح و النعيم و السعادة ، و إذا ما إختار بمشيئته الفسوق و الخروج عن الصراط المستقيم كان الخسران و الدمار و الضلال في الحياة الدنيا و هي الفانية و كذلك الشقآء في الآخرة و هي خَيرٌ و أبقى...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
المراجع:
- القرءان الكريم
- الويكبيديا https://ar.m.wikipedia.org/wiki
- شبكة درر https://dorar.net/alakhlaq
- شبكة المعاني https://www.almaany.com
fbasama@gmail.com