شبكة اخبار العراق:
2025-04-10@02:45:14 GMT

الفلسفة.. تفكير في الراهن

تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT

الفلسفة.. تفكير في الراهن

آخر تحديث: 2 ماي 2024 - 12:18 محازم رعد  واحدة من أهم وظائف الفلسفة هو أن تولي الراهن اهتمامها عبر تسليط انظارها نحو اهتمامات الناس والصعوبات التي يعاني منها الواقع، مستفيدةً من أدواتها وتاريخها ونظرها تجاه الواقع لتبحث فيه عن حلول ومعالجات. وهناك من عرف الفلسفة على أنها “عبارة عن مجموعة من المشكلات والمحاولات لحلها”.

إذن الفلسفة كما هي نظر في الاسئلة الوجودية الكبرى لتحقيق رؤية كونية عن العالم والكون والحياة، كذلك هي بحث في الواقع يستهدف ايجاد حلول للمشكلات التي تؤرق الفرد والمجتمع.وقد قيل إنها “روح عصرها وبنت بيئتها” أي المعبر عن الواقع الذي ترتبط به، وتنشأ أفكارها منه، وحينئذ لا تشذ الفلسفة عن امآل وهموم الناس فتكون الأفكار التي تتمخض عنها أفضل ترجمان لطبيعة تفكير الناس وتحكي اهتماماتهم والافصاح عما يأملونه.فاذا أردنا أن نعرف طبيعة المشكلات التي عانى منها مجتمع ما في مرحلة من التاريخ ما علينا إلا النظر في المسائل والأفكار التي انتجها فلاسفة تلك البيئة أو الجغرافيا في ذلك التاريخ، فنعرف نوع المشكلات ومدى تأثيرها والمساحة التي شغلتها وارقت الإنسان ودفعته للبحث عن اجابات وحلول لها، فنتجت عنها منظومة من الأفكار صارت سردية فلسفة فيما بعد.وهكذا كانت الفلسفة في التاريخ حاضرة في الأسواق وفي الساحات العامة، وهكذا كان سقراط يحاور المارة في شوارع اثينا يطرح عليهم الاسئلة فيجيبونه كانت الفلسفة تنتمي للواقع وتنطلق منه لنحت مفاهيمها فتكون عندئذ ترجمان حقيقي لذلك الواقع والمجال الذي انبلجت منه أفكارها ومفاهيمها ولا تكون غريبة عنه.إن مشكلات البيئة والكوارث الطبيعية والتصحر والجفاف وحرب المياة بين الدول والتفكير في امكانية دفع تلك الاخطار المحتملة عن الناس، وكذلك التفكير في تغطية حاجات الناس من الغذاء وتوفير فرص العمل والسهر على تحقيق ما يحفظ حياتهم ويمكنهم من عيش حياة كريمة، كذلك سؤال السياسية والبحث عن أفضل اشكال الحاكمية والنظم للتجمعات البشرية موضوعة للبحث الفلسفي أن شكل النظام وطريقة الحكم الانسب وتوفير مفاهيم سياسية تؤطر الواقع وتلبي حاجة الإنسان السياسية آيضاً من اهتمامات الفلسفة ويقع على عاتقها مسؤولية انجاز تلكم الموضوعات.كذلك أن التفكير في المحاذير التي يعاني منها مناخ اجتماعي من المجتمعات كالتفكير في خطر تعاطي المخدرات والممنوعات وانتشار الجريمة والابتزاز الالكتروني وخطر التسرب المدرسي كلها يصدق عليها انها تفكير فلسفي راهن. وهذه المسائل كلها اسئلة راهنة تعمل الفلسفة بمعية تخصصات أخرى على انتاج اجابات عنها.أذن الفلسفة تفكير في الراهن وفي الاهتمامات التي يعيشها الناس وتشغل حيزاً كبيراً من تفكيرهم وتؤرقهم وتسلب عنهم راحة الذهن.إن ما يعاب على جملة من النخب أنهم يتنكرون للواقع ويتنصلون من المسؤوليات التي من المفروض أنها تقع في صميم عملهم “الاخلاقي على أقل التقديرات” وأنهم منعزلون في أبراجهم العاجية لا يؤثرون في واقعهم وبيئاتهم ولا يتأثرون بها.والحقيقة أنه ما المثقف إلا من يشغل دوراً في المجال العام ويفكر فيه بحثاً عن حلول لمشكلاته، ولهذا قيل أن الفلسفة منعزلة عن الواقع ومستقيلة من أداء دورها وتحقيق مسؤوليتها.ومن صحيح القول إن الفلسفة صناعة للمشكلات التي يعج بها الواقع، فهذه المشكلات التي تدهش عقل الإنسان وتدعوه للتفكير فيها بحثاً عن حلول لها مصدر من مصادر الفلسفة، فكل جواب وكل حل لمشكلة أنما هو في الأساس فكرة ومفهوم حققه العقل الإنساني وصار معرفة فلسفية تفيد كخبرة في التاريخ، وتجربة جاهزة للمستقبل ومعرفة بالتاريخ الذي نشأت في فلسفة من الفلسفات.وحري بنا أن نتفهم إن الفلسفة لا يمكن أن تنتج تأثيراً فورياً يغير الحالي للعالم، كما يرى مارتن هايدغر إلا أنها تعمل باستمرار على انتاج حلول ومقاربات لاسعاف الواقع، بما يمكنه من تجاوز أزماته الراهنة، أو الفات نظره اليها وتنبيهه إلى خطورتها لتعميم الحذر الدائم والقلق الذي هو أحد عوامل بعث التفكير وانشغال العقل في البحث عن معالجات الذي بدوره سيفضي إلى انتاج فلسفة تضاف إلى مجموعة الفلسفات الأخرى.

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: تفکیر فی

إقرأ أيضاً:

تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ

قبيل ظهر الجمعة وصلنا إلى قرية «كيبويني»، وهي على بُعد ستة كيلومترات من «المدينة الحجرية» التي سكَنّا فـيها. وكانت وجهتُنا «قصر السعادة» الذي بناه السلطان خليفة بن حارب بن ثويني عام 1915. وفور وصولنا استقبَلَنا الدليل القائم على القصر بامتعاض، لأنّ الوقت الآن غير مناسب للزيارة، فقد اقترب موعد صلاة الجمعة. قلتُ محاولًا التخفـيف من امتعاضه: «اذهب للصلاة، ودع تلك المرأة تشرح لنا». ردّ وقطراتُ ماء الوضوء تقطر منه: «هذه عملها محاسبة فقط».

دفعنا الرسوم المقررة بعد السؤال التقليدي الذي يتكرر فـي كلِّ مكان نذهب إليه: «هل أنتم ضيوف؟»، وتأتي الإجابة ذاتُها فـي كلِّ مرة: «نعم. نحن ضيوف». وأظن أنهم يكررون لنا السؤال دائمًا لأنهم لا يستطيعون أن يجزموا هل نحن من زنجبار أو من عُمان، خاصةً أننا نتحدّث لغتهم. أخذَنا الدليل إلى أقسام «قصر السعادة» المختلفة؛ والذي تبدو حالته جيدة بعد أعمال الصيانة التي أجريت له. أخبرنا أنّ الحكومة الزنجبارية استخدمت القصر فـي بعض المراسم الرئاسية، وجعلت منه مقرًّا لسكن رئيس الوزراء فـي سنة 1986 لفترةٍ وجيزة؛ ثم حُوِّلَ إلى متحفٍ وطني يستقبل الزوار ابتداءً من عام 2022م. أخبرَنا أيضًا أنّ القصر كان استراحة السلطان خليفة بن حارب فـي عطلات نهاية الأسبوع، بعيدًا عن ضوضاء المدينة. وما لم يخبرنا به أنه بعد أحداث عام 1964، استولى الانقلابيون على القصر واستخدموه مقرًّا لاجتماعاتهم الرسمية، وبعد سنواتٍ من الإهمال أقدمت حكومة زنجبار على ترميمه. تساءلتُ فـي قرارة نفسي: تُرى كيف هو شعور أحفاد السلطان خليفة بن حارب وهم يرون أموالهم وبيوتهم تُسرَق من أمام أعينهم وهم بلا حول ولا حيلة ولا قوة؟! ثُمَّ وسّعتُ التساؤل: بِمَ يُحِسّ يا تُرى أولئك الذين نُهبت أموالهم بغير حقّ من العُمانيين واليمنيين والهنود؟! مثل هذه المآسي تحدُث عادةً عندما تقلم أظافر العدالة التي أمر بها الله عز وجل فـي كتابه الكريم، إنها تخلِّف فـي الحلق طعمًا أمرَّ من العلقم، غير أنّ المظالم الفادحة ستظلّ كتابًا مفتوحًا يُقرأ على رؤوس الأشهاد فـي ذلك اليوم الذي لا ينفع فـيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وفـي ظلِّ هذه المظالم هناك من أعيد لهم بعض ممتلكاتهم بعد جهد جهيد. وقد حكى لي أحد هؤلاء أنّ الانقلابيين استولوا على عقار يعود لجدته، واستحلّوه سنين طويلة بغير وجه حقّ، وعندما أعيد لهم بعد ذلك الجهد، استغرق الأمر سنوات أخرى لبيعه (مضطرين) لأنّ العقار أصبح من حقِّ عشرات الورثة. والعقار حاليًّا يرمم من قبل المشتري الهندي ليصير فندقًا. ونستطيع أن نقيس هذا الأمر على أناس آخرين تعرضوا للنهب، وحين عادت ممتلكاتهم المنهوبة لم يستطيعوا الاستفادة منها بسبب التقادم؛ وهناك كثيرون استسلموا للأمر الواقع، مؤثرين الراحة بدلًا من صداع الرأس والجري هنا وهناك، لا سيما وأنّ الدلائل والشواهد تشير إلى أنّه لا أمل فـي عودة حقهم المسلوب. وقد قادني التساؤلات إلى أن أسأل نفسي: لماذا لا يشتري أحفاد السلطان خليفة بن حارب هذا القصر، طالما أنّ كلَّ شيء قابلٌ للبيع الآن؟!

فـي استراحة السعادة، شاهدنا المقتنيات الشخصية للسلطان خليفة وكامل الأثاث من أسرّة وكراسٍ وطاولات، وسمح لنا القائم عليها أن نلتقط صورة تذكارية فـي الكرسي السلطاني (كرسي العرش) الذي كان يترأس فـيه السلطان الاجتماعات، وبه شعاره الخاص. وكعادته استغل سيف الموقف فصوّر لقطات فـيديو نشرها فـيما بعد فـي حسابه فـي «إنستجرام» وفـي «تيك توك»، وكان لسليمان -كعادته أيضًا- تعليقاته اللطيفة واللماحة؛ فعندما رأى كرسيًّا خاصًّا مصممًا لشخصين يجلسان عليه متقابلين، بعدما وصفه الدليل بأنه «كرسي المحبة»، صرخ سليمان: «يا زاهر تعلّم الرومانسية وخلي عنك التاريخ».

أخبرني الباحث ناصر الريامي أنّ الأثاث الموجود فـي الاستراحة حاليًّا ليس هو الأثاث الأصلي للقصر، إذ إنّ معظم الأثاث الحالي منقول من «بيت العجائب» و«بيت الساحل»، بعدما تقرر غلقهما وحجب جمهور العامة عنهما منذ ما يربو على الثلاث سنوات؛ مخافةَ الانهيار بالكامل، بعد أن انهار جزء من «بيت العجائب»، ليعقب ذلك نقل أغلب أثاثهما إلى متحف استراحة السعادة (قصر كيبويني). وعليه؛ فإنّ هذا الوضع قد يُحدِث لبسًا لزوار المتحف، فـيظنون خطأً أنّ الأثاث المعروض هو ذاته الذي تزينت به الاستراحة فـي فترة السلطان المؤسس لها، ومن جلس على عرش زنجبار من بعده. وأنا شخصيًّا وقعتُ فـي الفخ، فظننتُ أنّ هذا أثاثُ القصر؛ لأنّ المرشد لم يشر إلى الموضوع، لا من قريب ولا بعيد.

هناك مقطع مصوّر يعرض نزول السلطان عبدالله بن خليفة بن حارب السُلّم وخلفه أخوه السيد حارب بن عبدالله، بينما يصطف بجانب السلّم ثلة من الشرطة تحية للسلطان. هذا المقطع لم أكن أعلم أنه مأخوذٌ من هذا القصر إلا بعد أن قرأتُ سلسلة المقالات التي كتبها الباحث ناصر الريامي عن القصور السلطانية فـي زنجبار، وإلا لكنتُ أخبرت سيف أن يلتقط لنا صورًا فـي السلّم نفسه للذكرى.

تجولنا فـي الاستراحة التي تتكون من ثلاثة طوابق. الطابق الأرضي به عدد من الغرف، خُصصت لمن يرافق السلطان من أفراد الأسرة المالكة، كما يشغلها الضيوف أحيانًا، وتوجد بجوار السُلّم غرفة للحارس مزودة بجهاز اتصال هاتفـي من النوع الكلاسيكي العتيق؛ فإذا ما قرر السلطان زيارة الاستراحة يجري الاتصال بالحارس وتنقل إليه التعليمات بتجهيزها لاستقبال جلالته وضيوفه. ومتى ما وصل السلطان يرفرف علم الدولة الأحمر على منارتها مربعة الشكل. أما عن المساحة الإجمالية لقصر السعادة فـيُقدِّرها الباحث محمد بن حمد العريمي ما بين ألفـين إلى ثلاثة آلاف متر مربع. ويعلّق العريمي على طريقة بنائه فـي مقال له فـي صحيفة «أثير» الإلكترونية بالقول: إنه «وعلى الرغم من عدم وجود المساحات الكبيرة التي تميّز القصور عادةً بسبب كونه قصرًا خاصًّا لاستراحة السلطان وقضاء إجازاته، إلا أنّ مكوناته وطريقة بنائه تنم عن ذوقٍ عالٍ فـي التصميم، وتشير إلى التقدم الحضاري الذي وصلت إليه زنجبار فـي تلك الفترة، ومسايرةِ حكامها للتطور الحاصل فـي العمارة والبناء. وقد اختير المكان بعناية حيث إنه مبنيٌّ على حافة الجبل ويطل بشكلٍ كامل على البحر».

هذه الإطلالة على البحر هي ما يجعل قصر السعادة من أجمل الأماكن التي تهفو النفوس لزيارتها أكثر من مرة، خصوصًا مع هدوء المكان، والمساحة الخضراء التي تحيط به من كلِّ جانب.

على كل حال، تركنا القائم على المتحف أو القصر أو الاستراحة ليلتحق بما تبقى من خطبة صلاة الجمعة، وواصلنا مسيرنا إلى «بيت المرهوبي» لنشاهد معلمًا آخر من معالم التاريخ العُماني فـي الشرق الأفريقي.

زاهر المحروقي كاتب عُماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»

مقالات مشابهة

  • تعلّم الرومانسيّة ودع عنك التاريخ
  • التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال
  • «ربدان» تبدأ دمج تقنيات الواقع الافتراضي في مناهجها الدراسية
  • شطب 39 ألف سجل تجاري غير نشط لتنظيم السوق ومواكبة الواقع الاقتصادي
  • فليك يطالب برشلونة بالتواضع والبقاء على أرض الواقع
  • أربعون عاما على انتفاضة أبريل 1985: قراءة من واقعنا الراهن للتجربة (1 -4)
  • العلاقي: على الليبيين لوم أنفسهم والقدر الذي وضعهم في هذا الواقع المتردي
  • سيرة الفلسفة الوضعية (15)
  • صاحب خطة الجنرالات: ثلاثة أسباب لفشل “إسرائيل” في الحرب على غزة
  • معهد الأراضي والمياه : حلول تطبيقية لمواجهة التحديات الزراعية