يسألونك عن القصيدة السونيت أو القصيرة
تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT
زهير عثمان حمد
يُعد السونيت نوعًا من الشعر يتميز ببنيته الفريدة والمحكمة، وهو يتألف عادة من 14 بيتًا شعريًا يُرتب فيها الشاعر أفكاره وعواطفه بشكل متناسق ومتوازن. في الأدب العربي المعاصر، يُعرف السونيت بعدة أسماء تعكس خصائصه وتأثيراته الثقافية، ومنها:القصيدة الإيطالية: تُشير إلى الأصول الإيطالية للسونيت وتأثير الأدب الإيطالي على هذا النوع من الشعر.
يمكن إعادة صياغة المقطع الذي قدمته بالشكل التالي ليتناسب مع الوزن والقافية العربية، مع الحفاظ على الخصائص الأساسية للسونيت:في الشعر العربي يُعلي السونيت قدره،بأبياته الأربعة عشرة يُزهر ويثمر.يُسمى "القصيدة الإيطالية" بفخر،
و"القصيدة الصغيرة" كما في الأدب يُذكر , يتناول الحب والطبيعة بالتأمل،ويُعبر عن الذات في صراع وجدل., بنظام إيقاعي يلتزم الشاعر،وبالقوافي والتفعيلات يُبدع ويُحل.في السونيت تتجلى الرومانسية،وتُغنى بالزمان والجمال بحكمة وفلسفة.تُستثمر السرد بأساليبه المتنوعة،كالمونولوج والحوار والمفارقة.
السونيت في الشعر العربي يتألق،
بهندسة القصيدة الحسبية يتمازج ويتداخل. وبالإيقاع الشعري يتحقق الجمال، وبالتفعيلة التي لا تتقيد بعدد، يتفرد ويتأصل. وشهد السونيت رحلة طويلة عبر التاريخ، بدءًا من إيطاليا في القرن الثالث عشر، حيث وُلد هذا النوع الشعري وترعرع. كانت هذه الفترة تمثل نقطة تحول حاسمة في الفكر الإنساني، حيث بدأ الانتقال من تمجيد الإله البطل إلى الإنسان العادي، ومن السلوك البطولي إلى السلوك الفردي العاطفي. وقد انعكس هذا التحول في السونيت، الذي يُعتبر أول شكل شعري غنائي يُكتب للقراءة الصامتة، مخاطبًا الوعي الذاتي والصراع الداخلي.
مع مرور الزمن، انتشر السونيت وتطور في الأدب الإنجليزي، حيث أصبح مرتبطًا بشكل وثيق بشعراء مثل ويليام شكسبير. وقد أثرت السونيتات الشكسبيرية بشكل كبير على الأدب العربي المعاصر، حيث استلهم الشعراء العرب منها في تكوين قصائدهم، مع الحفاظ على خصائص الشعر العربي من وزن وقافية.
في العصر الحديث، تُعد السونيت مرجعًا للقصيدة الحسبية، حيث تُظهر تأثيرها في الهندسة الإيقاعية والتفعيلات الشعرية. وقد تم تكريم هذا الشكل الشعري في أعمال مثل "ديوان السونيت" للشاعرة والباحثة الأمريكية فيليس ليفين، التي جمعت فيه أكثر من 600 سونيتة، تروي حكاية السونيت عبر العصور.
ويُعتبر الناقد الأمريكي بول أوبنهايمر من الذين أكدوا على أهمية السونيت في تاريخ الفكر والأدب الحديث، مشيرًا إلى أن ابتكار السونيت كان حدثًا رئيسيًا في بداية الفكر الحديث. وبهذا، يُظهر السونيت تأثيره العميق والمستمر في الأدب العالمي، مُحققًا تداخلًا بين الأشكال الشعرية والتعبير عن الذات والعواطف
لسونيت، بالفعل، شكل شعري يحظى بإعجاب كبير وقد لاقى اهتمامًا من النقاد العرب المعاصرين. على سبيل المثال، تناولت الناقدة الدكتورة نادية هناوي السونيت في شعر حسب الشيخ جعفر في كتابها “السونيت في شعر حسب الشيخ جعفر”، حيث قدمت رؤية نقدية جديدة ومختلفة حول هذا النمط الشعري. وتطرقت في دراستها إلى تجربة الشاعر حسب الشيخ جعفر مع السونيت الشكسبيري وكيف أضاف إلى الشعرية العربية المعاصرة جديدًا يكشف عن ممكنات هذا النوع الشعري.
كما تمت ترجمة “السونيتات الكاملة” لوليم شكسبير إلى العربية، مما يدل على الاهتمام المتزايد بهذا الشكل الشعري2. السونيت يُعتبر نمطًا شعريًا يتميز بتكثيف الألفاظ وابتسار الصور وتقديم الأفكار بشكل مركز ومؤثر، وهو ما يجذب النقاد والشعراء على حد سواء لاستكشاف إمكانياته الفنية والجمالية..
في الأدب العربي المعاصر، تم تبني السونيت وتكييفه ليتناسب مع خصائص الشعر العربي، مثل الوزن والقافية. الشعراء العرب استخدموا السونيت للتعبير عن مجموعة واسعة من الموضوعات، من الحب إلى القضايا الاجتماعية والسياسية. ومثال على ذلك هو الشاعر حسب الشيخ جعفر، الذي جرب نمط السونيت الشكسبيري في شعره، مما أضاف بُعدًا جديدًا للشعرية العربية المعاصرة. وقد تميزت قصائده بالتدوير والتفعيلات المتنوعة، وكذلك بالدلالات المكثفة والصور الشعرية المبتسرة.
السونيت في الأدب المعاصر يمكن أن يكون بمثابة جسر بين التقاليد الشعرية الكلاسيكية والحداثة، حيث يستمر الشعراء في استكشاف إمكانياته الفنية والتعبيرية. السونيت يُعد من أهم الأشكال الشعرية في التراث الأدبي، وله أهمية كبيرة لعدة أسباب
جبران خليل جبران، الشاعر والكاتب اللبناني الأمريكي، يُعتبر من أبرز الشخصيات الأدبية التي أثرت في الأدب العربي والعالمي. السونيت له أهمية خاصة في شعر جبران للأسباب التالية:التعبير عن العواطف: استخدم جبران السونيت كوسيلة للتعبير عن العواطف العميقة والمشاعر الإنسانية بطريقة مكثفة ومؤثرة.الأسلوب الفني: يتميز شعر جبران بأسلوبه الفني الرفيع واستخدامه للغة الشعرية الغنية، والسونيت يُعطيه الإطار المناسب لصياغة أفكاره بشكل جمالي.
التجديد الأدبي: ساهم جبران في تجديد الشعر العربي من خلال تبنيه لأشكال شعرية متنوعة مثل السونيت، مما أضاف تنوعًا وغنى للأدب العربي.التأثير الثقافي: أثرت سونيتات جبران في القراء والكتاب حول العالم، وساعدت في نشر الأدب العربي وتقديمه للثقافات الأخرى.
من خلال سونيتاته، قدم جبران خليل جبران رؤية فلسفية وروحية عميقة، وأظهر قدرته على استخدام هذا الشكل الشعري للتعبير عن موضوعات متنوعة تتراوح بين الحب والطبيعة والتأملات الروحية. وفي نهاية هذه السياحة التي حاولت فيها البحث عن هذا النوع من الكتابة الشعرية أيضا ركنت لتجريب كتابة القصيدة القصيرة
في حب الإله أجد سكوني
وفي ذكره يطمئن كياني
أسير على درب الهوى مفتوني
وقلبي يغني للحق ألحاني
أرى في كل الكون وجه حبيبي
وأسمع في صمت الليل أغاني
فكل الوجود بعيني يطيب
وكل الحياة تسبح بأماني
أحبك يا من هو الحب بعينه
ويا من إليه المشتاق يبني
فلا شيء يعدل حبك في سنينه
ولا شيء يسمو فوق هذا الجناني
فيا رب قد جئتك مستسلمًا
فخذ بيدي إلى روض الأماني
zuhair.osman@aol.com
//////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأدب العربی الشعر العربی هذا النوع فی الأدب ی عتبر فی شعر
إقرأ أيضاً:
شرفة آدم.. حسين جلعاد يصدر تأملاته في الوجود والأدب
صدر في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب "شرفة آدم.. تأملات في الوجود والأدب" للشاعر والصحفي الأردني حسين جلعاد، وهو عمل يجمع بين التأمل الفلسفي والطرح الأدبي العميق، مستعرضًا تجارب ثقافية متنوعة ومحاور أدبية ذات طابع عالمي وعربي.
الكتاب يقع في 315 صفحة، ويتناول موضوعات تتقاطع بين الفلسفة والأدب، ويضيء على تجارب روائية وشعرية، إضافة إلى استكشافات فكرية لمبدعين وكتّاب أثروا الساحة الأدبية العربية والعالمية. ويتضمن مقالات نقدية وحوارات صحفية أجراها المؤلف مع رموز أدبية بارزة، إلى جانب تحليلات مستفيضة لأعمال روائية وشعرية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثينlist 2 of 2جدل الغنائية والدرامية.. في نماذج من الشعر الفلسطيني الحديثend of list نصف تفاحة.. تأملات في المعرفة والأدبويستهل المؤلف كتابه بمقدمة تحت عنوان "نصف تفاحة" حيث يتأمل في فكرة المعرفة الإنسانية الناقصة، مستلهمًا من قصة شجرة المعرفة أو حكاية آدم وحواء مع التفاحة التي أكلا منها. ويقول المؤلف في مقدمته:
"إذا كانت الفاكهة المحرمة التي أكلها آدم وحواء في الجنة هي التفاحة فعلًا، فإنها حتمًا سقطت من أيديهما بعد القضمة الأولى، لقد راعهما هول المعرفة، والأفدح أنهما اقترفا الممنوع. ما تبقى من التفاحة سقط على الأرض، وبقينا نحن البشر الفانين نقتات عليها.. لكن الجانب المضيء من الحكاية أيضًا أننا بعد الهبوط إلى الأرض تبقى لنا أن نعرف، وأن نبحث عن المعرفة، عن الحكمة التي قد تجيب على كل الأسئلة التي هبطت مع آدم ونصفه".
إعلانوهذه التأملات تمهد للقارئ منهجية الكتاب، حيث يطرح جلعاد فكرة أن الأدب هو نصف التفاحة المتبقية من المعرفة، وهو الوسيلة التي تعكس صراعات الإنسان وأسئلته الوجودية.
ويضم الكتاب بين دفتيه تأملات عميقة في عوالم الأدب، حيث يتناول جلعاد أعمال مبدعين بارزين مثل غالب هلسا وأمجد ناصر وأبو الطيب المتنبي وبوبي ساندز وهنري ميلر وإبراهيم نصر الله وإدوار الخراط، وسميحة خريس وزياد العناني ورمضان الرواشدة وعبد العزيز آل محمود.
كما يقدم حوارات شائقة مع قامات أدبية وفكرية، منهم قاسم حداد وإلياس فركوح ومحمد بنيس ومؤيد العتيلي وإدواردو سانجونيتي وواسيني الأعرج وتيسير نظمي وشاكر لعيبي وأمير تاج السر، وحكمت النوايسة وزياد بركات ومحمد العامري وسيف الرحبي وإسكندر حبش وأحمد راشد ثاني. ويناقش المؤلف مع أسماء لامعة في عالم الكتابة قضايا تتراوح بين دور الأدب في مقاومة الاستبداد، وتأثير الحداثة على الشعر العربي، وخصوصية الرواية العربية في ظل التحولات السياسية والاجتماعية.
ويضم الكتاب عدة محاور أدبية ونقدية، منها تحليل لأعمال شعراء وروائيين عرب وعالميين، مثل محمود درويش وبابلو نيرودا وآرثر ميلر، إلى جانب قراءات معمقة في الفلسفة وتأثيراتها على الأدب، مثل علاقة الأديب الأردني غالب هلسا بالفكر الفلسفي.
كما يخصص جلعاد مقالات لدراسة الشعر الحديث، متناولًا قضايا مثل "فضيحة الشعراء.. جماهيرية الشعر في الزمن الجميل"، و"فلسفة الإيقاع في الشعر العربي"، إلى جانب مناقشة أعمال روائيين مثل الجزائري واسيني الأعرج في روايته "الأمير" وأثر الأدب في بناء الهوية الثقافية.
رموز عالميةويقدم جلعاد في كتابه إضاءة لعدد من الرموز الأدبية والفكرية العالمية التي أثرت بعمق في تاريخ الأدب والثقافة، مثل بابلو نيرودا الذي حول الشعر إلى أداة ثورية واجتماعية، مسلطًا الضوء على دور الشعر في تشكيل الوعي الجمعي، وكذلك ساندز الشاعر والمناضل الأيرلندي الذي جسد في قصائده صراع الحرية والمقاومة مما جعل أدبه متجاوزًا للحدود القومية.
إعلانكما يناقش تأثيرات الفكر الفلسفي والأدبي الغربي على الأجيال الجديدة من الكتاب، مستعرضًا محطات من حياة وأعمال آرثر ميلر الذي كشف زيف "الحلم الأميركي" من خلال أعماله المسرحية مثل "موت بائع متجول" وكيف تداخلت السياسة بالمسرح عنده، مما يجعله أحد أعمدة النقد الاجتماعي الحديث في المسرح العالمي.
ويتضمن الكتاب حوارًا خاصًا أجراه جلعاد مع الشاعر الإيطالي سانجونيتي الذي كان يُعتبر آنذاك أهم شاعر إيطالي حي، حيث ناقش معه رؤيته للشعر المعاصر، ودور الأدب في مواجهة التحديات السياسية والثقافية، إضافة إلى استعراض ملامح تجربته الشعرية التي تميزت بالبعد الفلسفي والتأمل العميق في قضايا الوجود.
نافذة على الفكر الإنسانييُعتبر هذا الكتاب إضافة مهمة للمشهد الثقافي العربي، حيث يُقدم رؤية نقدية وتحليلية لعالم الأدب والفكر، كما يطرح تساؤلات حول دور المعرفة والأدب في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات.
ويقول جلعاد "الأدب ليس مجرد وسيلة ترفيهية، بل هو أداة قوية لفهم أنفسنا والعالم من حولنا. إنه مرآة تعكس صورتنا الحقيقية، بعيدًا عن الأقنعة التي نرتديها في الحياة اليومية".
ويضيف في مقدمة الكتاب "الأدب يمنحنا القدرة على استكشاف الأسئلة الوجودية ومواجهة المخاوف والتحديات. من هذه الشرفة، نرى كيف يتجلى الإبداع كوسيلة للبحث عن الحقيقة، وكيف يمكن للكلمات أن تكون نوافذ تنفتح على عوالم جديدة".
أهمية الكتاب في المشهد الأدبييمثل "شرفة آدم" وثيقة أدبية تؤرخ لمسيرة الصحافة الثقافية على مدار ربع قرن، حيث يعيد المؤلف نشر مقالاته ولقاءاته التي أجراها مع كتّاب وشعراء وروائيين تركوا بصماتهم في الأدب العربي والعالمي. كما يعكس الكتاب التحولات التي شهدها الأدب العربي، متتبعًا تأثيرات العولمة والتكنولوجيا على طرق إنتاج واستهلاك الأدب.
وحسب منهج الكتاب فإن المؤلف لا يقدم مجرد مقالات ولقاءات أدبية، بل "شهادة على زمن ثقافي" تسلط الضوء على لحظات مهمة في تطور الأدب والفكر في العالم العربي.
إعلانويختم جلعاد كتابه بدعوة القراء إلى مواصلة التفكير والنقاش حول القضايا الأدبية والفكرية، مشيرًا إلى أن الأدب هو مساحة لاكتشاف الهوية والانفتاح على الآخر. ويوضح بقوله "لكل واحد منا شرفته، ونصف تفاحته. ولا ندري إن كانت هذه التفاحة الناقصة هي رمز للكمال المنشود، أم رمز لكل ما هو منقوص في حياتنا: الحب الذي نخسره، الأفكار التي تُجهض، الحكايات التي تُروى ولا تنتهي، والأسئلة التي لا تجد جوابًا".
وبهذا الطرح، يفتح جلعاد نافذة فكرية جديدة، تدعو القارئ إلى الانخراط في رحلة تأملية عبر الأدب والوجود، عبر "شرفة آدم" التي تجمع بين النقد الأدبي، والفلسفة، والحوارات الثقافية التي تسهم في تشكيل وعي جديد.
يُذكر أن المؤلف من مواليد عام 1970، وهو شاعر وقاص وصحفي أردني، ويعمل في موقع الجزيرة نت، وهو عضو رابطة الكتّاب الأردنيين، وشغل عضوية هيئتها الإدارية (2004-2005) وهو عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب.
واختير جلعاد عام 2006 سفيرا للشعر الأردني لدى حركة شعراء العالم، وهي منظمة أدبية مقرها تشيلي وتضم في عضويتها آلاف الشعراء، كما اختارته مؤسسة "هاي فِسْتِيفَل" (Hay Festival) -بالتعاون مع اليونسكو ووزارة الثقافة اللبنانية- ضمن أفضل 39 كاتبا شابّا في العالم العربي والمهجر (جائزة بيروت 39) بمناسبة اختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب عام 2009.
وصدر له في الأدب "العالي يُصْلَب دائما" (شعر، دار أزمنة، عمّان، 1999)، و"كما يخسر الأنبياء" (شعر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2007)، و"عيون الغرقى" (قصص قصيرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2023). و"شرفة آدم" (نقد أدبي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2025). كما صدر لجلعاد منشورات فكرية وسياسية هي: "الخرافة والبندقية.. أثر العولمة في الفكر السياسي الصهيوني" عام 1999، ومن قبله "المسألة الكردية وحزب العمال الكردستاني" عام 1997.
إعلان