السياسة الألمانية.. والهولوكوست الفلسطينى
تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT
مما لاشك فيه أن العدوان الإسرائيلى الهمجى المستمر على قطاع غزة قد أسقط القناع الزائف الذى ارتداه الكيان الصهيونى أمام العالم، ومع انكشاف الوجه القبيح له استفاق العالم وانتبه وأدرك حقيقة ما يحدث من معاناة فادحة للشعب الفلسطينى الذى يتعرض لأبشع أشكال الاضطهاد والتنكيل والجرائم ومصادرة حاضره ومستقبله.
المظاهرات الحاشدة التى خرجت فى جميع أنحاء العالم عبرت عن ضمائر الشعوب التى فجعتها مشاهد قتل الفلسطينيات والفلسطينيين وجثثهم وبيوتهم المدمرة وحياتهم التى تحولت إلى جحيم، وحتى الحكومات الغربية التى دأبت تاريخيًا على تأييد إسرائيل، ثم بدأت تُخفف من تأييدها، ثم أخذت تتحفظ على جرائم الكيان الصهيونى وتنتقدها، ثم باتت تعترض صراحة عليها وتعلن أسفها واشمئزازها منها.
رغم ذلك كله تمايز موقف الحكومة الألمانية بسياسة أثارت العديد من علامات الاستفهام، بعد أن أعلنت عن رفضها وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، ثم أعلنت أن مبيعات السلاح الألمانية لإسرائيل خلال الشهور السبعة الماضية قد تضاعفت عشر مرات عن معدلاتها، ثم أعلنت إيقاف مساهمة الحكومة الألمانية فى تمويل هيئة الأونروا، ثم إيقاف جميع مساعدات التنمية للأراضى الفلسطينية، ثم الإعلان المستمر عن تأييدها المطلق لإسرائيل وسياساتها ومساندتها وحمايتها على كل الأصعدة، والسؤال هو تأييدها فى مواجهة من؟!
تأييد إسرائيل فى مواجهة شعب من المدنيين العزل الذين فوجئ آباؤهم وأجدادهم بتدفق مئات الآلاف من اليهود من جميع أنحاء العالم إلى بلدهم فلسطين بدعوى أن لهم حقا تاريخيا ودينيا فيها. تأييد هؤلاء القادمين الذين يأبون الاعتراف إلى اليوم بإقامة دولة للشعب الفلسطينى أو حقوق للشعب الفلسطيني. تأييد هؤلاء الذين قرروا الاستيلاء على فلسطين التاريخية بأكملها بكل الطرق والوسائل والأساليب، فأقاموا المستعمرات الاستيطانية المسلحة فى أنحاء الضفة الغربية المحتلة لتقضى فعليًا على أى بارقة أمل لقيام الدولة الفلسطينية.
أو تأييد سياسات إسرائيل فى قطاع غزة الذى حولته إسرائيل إلى أكبر معتقل فى العالم، معتقل أكبر بكثير من معتقلات النازيين مجتمعة فى أوشفيتز، وبلزاك، وسوبيبور، وماجانيك، وتريبلنكا، وداشاو. ليس ذلك وحسب، فقطاع غزة اليوم يضم أكبر مقبرة جماعية فى التاريخ تضم رفات ضحايا المجازر التى ارتكبتها إسرائيل لعائلات وأسر كاملة أبيدت وتلاشت من الوجود.
المؤسف أنه عندما خرجت المظاهرات والاحتجاجات السلمية فى المدن الألمانية للتنديد بالجرائم الإسرائيلية فى غـــزة، منعت وزارة الداخلية الألمانية جميع المظاهرات المؤيدة لفلسطين وأضفت عليها طابع معاداة السامية، رغم أنها بعيدة كل البعد عن ذلك، ولم يصدر عمن شاركوا فيها أى تجاوز أو مخالفة.
ألم يأنِ للسياسة الألمانية أن تعترف بأن ما يحدث فى فلسطين هو هولوكوست فلسطينى مرعب لا يقل عن الهولوكوست النازى، وأنها بسياستها هذه هى ومن سبقتها من الحكومات الألمانية باتت موضع امتعاض من شعوب المنطقة العربية ومن العالم كله، وليس أدل عليها سوى قيام نيكاراجوا فى دعواها أمام محكمة العدل الدولية باتهام ألمانيا بأنها انتهكت اتفاقية منع الإبادة الجماعية واتفاقية جنيف لقوانين الحرب بما تنتهجه من سياسات داعمة لإسرائيل.
منذ أكثر من سبعين سنة وبموجب اتفاقية لوكسمبورج للتعويضات الألمانية المبرمة فى عام 1952 التزمت ألمانيا بأن تدفع لإسرائيل ما يعادل المليار يورو سنويًا تحت مسمى تعويض ضحايا النازية من اليهود، كذلك التزمت ألمانيا بدفع معاش شهرى لكل يهودى فى أى مكان فى العالم، إذا أثبت تعرضه لاضطهاد النازيين، واليوم يحصل على ذلك المعاش الشهرى قرابة 300 ألف فرد فى جميع أنحاء العالم خارج إسرائيل.
جاءت تلك الاتفاقية وقتها كطوق نجاة اقتصادى لإسرائيل، وساعدتها على استيعاب وتوطين أكثر من 700 ألف يهودى ويهودية فى فلسطين فى بداية الخمسينيات، وأسهمت فى خفض نسبة التضخم فى إسرائيل من 66% إلى 5% فى السنوات التالية، وباتت مدفوعات التعويضات الألمانية تشكل جزءًا رئيسيًا سنويًا مضمونًا من موارد الميزانية الإسرائيلية، وإلى اليوم يستمر تنفيذ تلك الاتفاقية، حيث يقدر الاقتصاديون ما قدمته ألمانيا لإسرائيل بموجبها خلال السنوات السابقة بحوالى 100 مليار يورو.
الأمر لا يقتصر على تلك المساعدات المالية الضخمة، إذ أشارت بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام إلى أن ألمانيا أرسلت أكثر من ألف محرك دبابة إلى إسرائيل، خلال السنوات العشر الماضية لتركيبها فى دبابات الميركافا-4 وناقلات الجنود المدرعة، كما تستخدم محركات الديزل الألمانية الصنع فى المركبة إيتان الإسرائيلية، فضلًا عن التعاون العسكرى التكنولوجى الذى تمول ألمانيا معظمه بمنح ومساعدات لتطوير وتصنيع الذخائر والمدافع والدبابات والغواصات والمنظومات المضادة للصواريخ، وبناء القدرات العسكرية الإسرائيلية بصرف النظر عمن ستوجه ضده، وعمن ستحاربه معدات الموت الاسرائيلية.
على الجهة الأخرى وفى محاولة منها لتجميل وجهها أمام العالم، تشدق مسئولو الحكومة الألمانية بتعهدهم بتقديم 125 مليون يورو للسلطة الفلسطينية لدعم مشروعات المياه والتعليم خلال العامين المقبلين، وبأن حكومتهم أبرمت اتفاقيات بقيمة 28 مليون يورو لدعم اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين.
وليست الأرقام السابقة سوى أرقام هزيلة، إذا علمنا بأن منظمة مؤتمر المطالبات اليهودية المادية من ألمانيا التى تهدف لتحصيل تعويضات لضحايا الهولوكوست قد حصلت العام الماضى فقط على 767 مليون دولار كتعويضات إضافية تضاف للقيمة السنوية التى تلتزم بدفعها ألمانيا سنويا لإسرائيل والتى تتجاوز المليار يورو قيمة تعويضات ضحايا النازية.
ويبدو أن الحكومات الألمانية المتعاقبة لا تقرأ التاريخ إلا بالنظارة الإسرائيلية فلا تعرف ولا تعترف إلا بضحايا النازية من اليهود، وتحت هذه الحجة تساند إسرائيل مساندة عمياء مهما فعلت أو أجرمت، فلا مسئولية على ألمانيا إلا مسئوليتها عن ضحايا النازية من اليهود، على الرغم من أن النازيين الألمان قد قتلوا قرابة السبعة ملايين من المدنيين السوفييت، وثلاثة ملايين من أسرى الحرب السوفييت، ومليونين من المدنيين البولنديين، ونصف مليون من السلافيين، وربع مليون فرد من الغجر فى رومانيا والمجر وشرق أوروبا، وغيرهم.
المستشار الألمانى الذى عبر عن دعمه الكامل لإسرائيل صرح بقوله لا يوجد سوى مكان واحد لألمانيا فى هذا الوقت، وهو بجانب إسرائيل، تاريخنا ومسئوليتنا الناشئة عن المحرقة اليهودية تجعل مهمتنا الدائمة أن ندافع عن أمن دولة إسرائيل.
والسؤال الذى يمكن أن نوجهه للمستشار الألمانى وحكومته، أن تساند إسرائيل فى مواجهة من؟! فى مواجهة 35 ألف فلسطينية وفلسطينى أبادتهم إسرائيل فى غــزة خلال ستة شهور، أم 100 ألف فلسطينية وفلسطينى سيعيشون بقية حياتهم معاقين ومبتورى الأطراف ومصابين من القنابل والذخائر والصواريخ الإسرائيلية؟ أم فى مواجهة 25 ألف معتقل من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين تمتلئ بهم السجون والمعتقلات الإسرائيلية؟ أم فى مواجهة مئات الآلاف من الفلسطينيات والفلسطينيين المشردين ممن يرغبون فقط فى حق العودة إلى أرضهم وبيوتهم والحياة فيها أحرارًا آمنين.
(الشرق المصرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المانيا غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إسرائیل فى فى مواجهة من الیهود
إقرأ أيضاً:
غدا.. تدشين السياسة الصحية الوطنية في سلطنة عمان
تدشن وزارة الصحة غدا السياسة الصحية الوطنية لسلطنة عمان برعاية معالي السيد سلطان بن يعرب البوسعيدي المستشار بالمكتب الخاص، وبحضور معالي الدكتور هلال بن علي السبتي وزير الصحة، وعدد من المسؤولين.
تأتي هذه الخطوة بهدف تأمين حياة صحية متكاملة للسكان في سلطنة عمان من خلال حشد كافة الطاقات والجهود والموارد ذات الصلة بالصحة والعمل بروح الفريق الواحد.
وأكد معالي الدكتور هلال السبتي وزير الصحة أن إصدار السياسة الصحية الوطنية يعد خطوة مهمة في تعزيز النظام الصحي، مشيرا إلى أن هذه السياسة تأتي كإطار استراتيجي شامل يهدف إلى رفع كفاءة الخدمات الصحية وتحقيق مبدأ "الصحة للجميع وبالجميع"، من خلال تبني سياسات وطنية مبتكرة ومستدامة مثل "سياسة الصحة الواحدة".
وأضاف معاليه إن السياسة الصحية هي ثمرة جهود وطنية مكثفة وتعاون وثيق بين مختلف القطاعات الصحية والجهات المعنية، حيث تم إعدادها وفق نهج تشاركي لضمان تكاملها مع الأولويات الوطنية والاستراتيجيات التنموية، كما أنها تعكس التزام سلطنة عمان بتعزيز دورها الفاعل في الصحة الإقليمية والعالمية، والاستفادة من الخبرات والتجارب الدولية لتعزيز قدرة النظام الصحي على تقديم رعاية صحية عالية الجودة والكفاءة.
وأوضح معالي الوزير أن السياسة الصحية الوطنية تمثل خريطة طريق واضحة نحو مستقبل أكثر صحة واستدامة، ومرجعا أساسيا لصناع القرار لضمان تحقيق نظام صحي متكامل وعادل، قادر على تلبية احتياجات جميع السكان.
وأشار معالي الدكتور السبتي إلى أن الصحة تعد من أعلى أولويات "رؤية عُمان 2040"، حيث تمثل ركيزة أساسية للتنمية المستدامة ورفاه المجتمع. وأكد أن القطاع الصحي في سلطنة عمان قد شهد تطورا ملحوظا في العقود الماضية، مما ساهم في تحسين المؤشرات الصحية وتعزيز جودة الحياة، ومع ذلك، فإن المستجدات الصحية العالمية، بما في ذلك التحولات الديموغرافية والوبائية، وتغير أنماط الأمراض، والتطورات التكنولوجية السريعة، تفرض علينا تبني سياسات وطنية مرنة ومتجددة، تعتمد على الأدلة العلمية وأفضل الممارسات لضمان استدامة النظام الصحي وكفاءته في مواجهة التحديات المستقبلية.
مرتكزات أساسية
وتؤكد السياسة الصحية الوطنية لسلطنة عمان أن سكان السلطنة هم المحور الأساسي في تقديم الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة، وتهدف السياسة إلى إشراك المجتمع في العملية الصحية لتعزيز المسؤولية الجماعية تجاه صحة الفرد والمجتمع، ويشمل النظام الصحي في السلطنة جميع أطياف المجتمع، حيث يتعاون القطاع الحكومي والخاص ومنظمات المجتمع المدني والأسر والأفراد لتوفير أفضل رعاية صحية شاملة وآمنة وعادلة، مع ضمان حمايتهم من المخاطر الصحية.
ومن أبرز المرتكزات الأساسية التي تبنتها السياسة الصحية الوطنية، الصحة العامة، حيث تُعد الصحة العامة المظلة التي من خلالها يتم تعزيز الجهود المجتمعية لتحسين الصحة، وتسعى السياسة إلى توفير بيئة ملائمة تمكن الأفراد من الحفاظ على صحتهم ومنع تدهورها، من خلال الوقاية من الأمراض ومكافحتها، كما تهتم بكافة جوانب الصحة والرفاهية.
كما تُعد الرعاية الصحية الأولية الركيزة الأساسية للنظام الصحي في سلطنة عمان، يتم بناء باقي مستويات الرعاية الصحية على أساسها، مع ضمان التكاملية والشمولية، وتوفير خدمات صحية عالية الجودة وآمنة وعادلة، وملائمة مع احتياجات المجتمع، حيث إن جميع البرامج الصحية والخدمات المقدمة يجب أن تكون نابعة من احتياجات السكان وتتناسب مع المبادئ الأساسية للدولة، بالإضافة إلى التوافق مع الضوابط الشرعية والأعراف المجتمعية، ويجب أن تسهم هذه البرامج في تحسين صحة الأفراد وجودة حياتهم، وأن تستند إلى الأدلة العلمية وأفضل الممارسات.
وتُعد القيادة والحوكمة من العناصر الأساسية لتمكين النظام الصحي وتحسين أدائه، وتسعى السياسة إلى خلق بيئة عمل جاذبة وتحفيز الكوادر البشرية في مختلف المجالات الصحية.
كما تعمل السياسة على تأمين الموارد البشرية في مختلف التخصصات الصحية، وتنمية وتطوير الكوادر العاملة، مع تحسين بيئة العمل وتحفيز الموظفين، كما يتم وضوح التدرج الوظيفي لضمان استدامة الكوادر الصحية.
ويعد القطاع الخاص شريكًا فعالًا في التنمية الصحية، يتاح له فرصة المشاركة في النشاطات الصحية والاستثمار ضمن إطار الشراكة الإيجابية بين القطاعين العام والخاص، بما يعزز دور القطاع الخاص في تحسين النظام الصحي في سلطنة عمان.
ويُعد التعامل مع الطوارئ والكوارث أولوية قصوى، حيث يتم حشد الموارد البشرية والمادية اللازمة لمواجهة الكوارث الطبيعية والطوارئ الصحية، وتقديم الدعم المطلوب بأسرع وقت ممكن لضمان احتوائها.
ومن خلال هذه المرتكزات، تسعى سلطنة عمان إلى تحقيق نظام صحي متكامل ومستدام يلبي احتياجات جميع المواطنين والمقيمين في السلطنة ويعزز رفاه المجتمع.
إجراءات تنفيذية
وحددت السياسة الصحية الوطنية 21 إجراءً استراتيجيًا لتنفيذ أهدافها، حيث يتولى كل شريك من الشركاء، وفقًا لاختصاصه ودوره، اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية وتعزيز الصحة، ومن أبرز هذه الإجراءات وضع وإصدار التشريعات والقوانين واللوائح التي تضمن تحقيق أهداف السياسة الصحية الوطنية، واعتماد المعايير الوطنية والدولية التي تحافظ على صحة السكان عند اتخاذ القرارات ذات الصلة.
كما تشمل الإجراءات تشكيل المجالس الصحية واللجان الوطنية وتنظيم أشكال العمل الجماعي المشترك من أجل الصحة، مما يعزز العمل بروح الفريق الواحد ويقوي دور الشركاء ويضمن مساهمتهم الفعالة في التنمية الصحية، علاوة على ذلك، يتم ترجمة السياسة الصحية الوطنية إلى برامج استراتيجية ومشاريع ولوائح على مختلف المستويات من قبل جميع الشركاء، مع التأكد من قيام كل طرف بإعداد البرامج وصياغة السياسات الصحية التفصيلية في المجالات المتعلقة باختصاصاته، وإعداد الخطط اللازمة لتنفيذها.
إضافة إلى ذلك، يتم تأمين الموارد اللازمة لتحقيق أهداف السياسة الصحية من خلال أساليب تمويل متنوعة ومستدامة، ويشمل ذلك تنظيم مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار الصحي والوقف الصحي بما يحقق العوائد الإيجابية على صحة السكان بكفاءة وفاعلية، كما يتم إعداد استراتيجية وطنية للتمويل المستدام للقطاع الصحي.
كما تم التركيز أيضًا على وضع استراتيجية وطنية للتعليم الصحي بهدف تنمية الكوادر البشرية في جميع التخصصات الصحية، مع رفع قدراتهم ومهاراتهم، والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المهن الصحية، كما تم العمل على توفير بيئة عمل محفزة وداعمة ومستقطبة للكفاءات.
وتشمل الإجراءات الأخرى وضع استراتيجية شاملة للصحة السلوكية تتضمن تعزيز آلية رصد وتقييم وقياس الصحة السلوكية لجميع فئات المجتمع، كما تم التركيز على الوقاية من الأمراض ورصدها ومكافحة مسبباتها ومعالجة آثارها، مع تحديد وتقييم الأخطار الناجمة عنها، ووضع الضوابط وإدخال التقنيات التي تسهم في تقليل المخاطر إلى أدنى مستوى مع العمل المستمر لتحديث هذه الإجراءات.
كما ركزت السياسة على الجاهزية التامة لحالات الطوارئ الصحية الناجمة عن الأمراض أو الأوبئة أو الكوارث الطبيعية، مع ضمان الاستجابة الفعالة والفورية، وتم أيضًا استخدام أحدث التقنيات العلمية والتطورات التكنولوجية في جميع المجالات الصحية بعد التقييم اللازم لها، مع مراعاة قيم المجتمع العماني واحتياجاته، بما يضمن الأمان ويحقق التحسن المستدام.
من جانب آخر، تم التأكيد على أهمية نشر الوعي الصحي في المجتمع وتشجيع الأفراد على المشاركة الفاعلة في تعزيز صحتهم، كما تم التأكيد على غرس مفاهيم "الصحة للجميع وبالجميع" واتباع نهج الصحة الواحدة في وقاية الثروات الزراعية والحيوانية من الآفات والأمراض، وحماية الموارد المرتبطة بها، وضمان جودة وسلامة المياه والغذاء.
وتشمل الإجراءات أيضًا إجراء الدراسات والبحوث والمسوحات المتعلقة بالصحة، ووضع قواعد للبيانات الصحية لكل قطاع بهدف دعم تنفيذ السياسة الصحية الوطنية وضمان الأمن الدوائي وسلامة ووفرة الأدوية. بالإضافة إلى ذلك، تشجيع ودعم الصناعات الدوائية الوطنية والعمل نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.
الممكنات الاستراتيجية
ووضعت السياسة الصحية الوطنية 14 ممكنًا استراتيجيًا لتطبيق العمل، تهدف إلى تعزيز وحماية صحة الفرد والمجتمع عبر مؤسساته المختلفة، ومن أبرز هذه الممكنات تحفيز وتشجيع المبادرات التي تشجع على تبني أنماط حياة صحية وسلوكيات سليمة، إضافة إلى التصدي للعوامل التي تؤثر سلبًا على الصحة، ويتم التركيز أيضًا على تقوية سبل الوقاية من الأمراض وطرق مكافحتها.
وإحدى الممكنات الرئيسية هي تمكين الإعلام الصحي لرفع وعي المجتمع وثقافته الصحية، بما يسهم في تعزيز أنماط الحياة الصحية، كما تم التأكيد على تعزيز مبدأ التعاون والشفافية بين كافة الشركاء في القطاع الصحي في سلطنة عمان، وتقوية الشراكة فيما بينهم، والدفع نحو تحقيق التكامل بين جميع الأطراف المعنية.
كما تسعى السياسة إلى تطوير منظومة متكاملة ومستدامة لقيادة وحوكمة إدارة النظام الصحي، بما يضمن تنمية القيادات على مختلف المستويات، ويوفر أكبر قدر من اللامركزية في إدارة وتوزيع الخدمات الصحية. وتشمل الممكنات أيضًا وضع القوانين واللوائح التي تحدد المسؤولية الطبية وتنظم آليات الممارسة والمحاسبة، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة للتقليل من الأخطاء الطبية والآثار الناجمة عنها وتنظيم أخلاقيات المهنة.
وتمت الإشارة إلى أهمية توسيع نطاق التغطية بالرعاية الصحية ذات الجودة العالية على جميع مستوياتها لتلبية حاجة السكان، مع ضمان الوصول إليها بيسر وعدالة وأمان واستدامة، كما تعمل السياسة على التطوير المستمر للمنظومة البحثية والمعلوماتية لدعم صناعة القرار المبني على الأدلة، وتحفيز الإبداع والابتكار، وتشمل الممكنات أيضًا مواكبة أحدث التطورات العلمية والتكنولوجية، وتقوية وتطوير المساهمة في الصحة الدولية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، من خلال تعزيز العلاقات مع المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بالصحة.