تفاجأ حلفاء الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام عندما علّقت المساعدات لأوكرانيا في الكونجرس، وهدد الرئيس السابق دونالد ترامب بالسماح لروسيا بـ «فعل ما تريده» حيال أعضاء حلف «الناتو» الذين لا ينفقون ما يكفي على دفاعهم. وقال لي دبلوماسي أوروبي في مارس الماضي: «إن الأمر مخيف ويجب أن يكون مخيفاً». وعلى كل حال، فإن أوروبا لم تواجه احتمال الدفاع عن نفسها من دون مساعدة كبيرة من الولايات المتحدة منذ عام 1945.
تمرير مشروع قانون المساعدات الأميركية لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار في مجلسي النواب والشيوخ بفارق كبير في الأصوات، يفترض أن يهدئ الأعصاب المتوترة لحلفاء الولايات المتحدة، وليس في أوروبا فحسب، إذ أوضحت كل من كوريا الجنوبية وتايوان واليابان أيضاً أنها قلقة جداً بشأن السابقة التي سيتم التأسيس لها في حال تسامحت واشنطن مع موسكو. ولا شك في أن وزير الخارجية الليتواني غابرييليوس لاندسبيرغيس كان يتحدث باسم العديد من الحلفاء الذين تنفسوا الصعداء عندما كتب على منصة «إكس» عقب تصويت مجلس النواب: «إن القرارات التاريخية تغيّر التاريخ. ما أجمل عودتك يا أميركا!».
لكن هل هي عودة دائمة أم عودة مؤقتة فقط؟ الواقع أنه ما من مجال للإجابة عن هذا السؤال بأي قدر من الثقة واليقين. وهذا الأمر بدوره يفترض أن يحمل حلفاء الولايات المتحدة على التفكير في ما إن كان ما زال بإمكانهم الاعتماد عليها. ذلك أنه لئن كانت أغلبية ساحقة في كلا المجلسين قد دعمت المساعدات لأوكرانيا في نهاية المطاف، فإن أغلبية ضئيلة من «الجمهوريين» عارضت مشروع القانون في مجلس النواب وفي أول تصويت في مجلس الشيوخ في فبراير الماضي.
ورغم كل الصعوبات التي واجهت إقرار المساعدات لأوكرانيا في الكونجرس، فإنه من المرجح أن ينفد مبلغ 61 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري. وهو ما يعني أن مشروع قانون آخر سيكون ضرورياً في أوائل عام 2025. غير أنه إذا فاز ترامب في نوفمبر المقبل، فإنه من المستبعد جداً أن يدعم مثل هذا التشريع نظراً لأنه ما زال يقول إنه سيُنهي الحرب في غضون 24 ساعة، وهو ما يُعتقد على نطاق واسع أنه يعني ضمناً أنه سيقطع المساعدات عن أوكرانيا لإجبارها على قبول صفقة غير متوازنة مع روسيا. ولهذا، فإن انتخابات الرئاسة الأميركية قد تحدد مصير أوكرانيا، وترامب قد يفوز في تلك الانتخابات بسهولة. غير أنه حتى وإن لم يفز، ستظل المساعدات لأوكرانيا مع ذلك في خطر إذا سيطر «الجمهوريون» على أي من مجلسي الكونجرس.
ولهذا سيتعين على حلفاء الولايات المتحدة رسم خطط طوارئ تحسباً لاحتمال ألا تهبّ أميركا لمساعدتهم مستقبلاً. وهذا ما بدأ يحدث الآن في الواقع، إذ رفعت كندا والأعضاء الأوروبيون في حلف «الناتو» إنفاقهم الدفاعي بنسبة 11 في المئة خلال عام 2023، كما رفعت اليابان إنفاقها الدفاعي بنسبة 16.5 في المئة هذا العام. غير أن كل هذا قد لا يكون سوى بداية التحول بعيداً عن الولايات المتحدة، إذ تناقش بلدان من ألمانيا إلى كوريا الجنوبية ما إن كان ما زال بإمكانها الاعتماد على المظلة النووية الأميركية أو ما إن كانت في حاجة لاكتساب أسلحة نووية خاصة بها.
ولئن كان من غير الضروري أن يتجه حلفاء الولايات المتحدة نحو امتلاك السلاح النووي حتى الآن، فمن المهم جداً أن يبذلوا جهوداً أكبر لتعزيز علاقاتهم الدفاعية متعددة الأطراف حتى يصبحوا أقل اعتماداً على أهواء واشنطن. وهو ما يعني في حالة اليابان وكوريا الجنوبية مواصلة تعزيز علاقاتهما العسكرية والاستخباراتية الناشئة في مواجهة الصين وكوريا الشمالية. أما في حالة أوروبا، فإن ذلك لا يعني الاستمرار في زيادة الإنفاق على الدفاع فحسب، وإنما تعميق التعاون بخصوص كل من الإنتاج الدفاعي والعمليات العسكرية أيضاً.
والحق أن الاتحاد الأوروبي خطَا خطوةً مهمةً إلى الأمام في مارس الماضي حينما كشف عن أول استراتيجية صناعية دفاعية له، غير أن هناك الكثير مما يجب القيام به. فكما ذكر «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، في عام 2022، فإن «القوات المسلحة الأوروبية تعاني من تكرار ووفرة كبيرة، إذ تمتلك 29 نوعاً مختلفاً من المدمّرات، و17 نوعاً من الدبابات القتالية الرئيسية، و20 نوعاً من الطائرات المقاتلة، مقارنةً مع 4 أنواع ونوع واحد و6 أنواع على التوالي بالنسبة للولايات المتحدة».
ذلك أن الدول الأوروبية كانت دائماً حريصة أشد الحرص على سيادتها الخاصة لدرجةٍ حالتْ دون بذلها جهوداً أكبر لتجميع مواردها الدفاعية وتوحيدها. لكن الآن، وأمام ما سمّاه أحد الدبلوماسيين الأوروبيين السابقين في حديثه معي «التهديد الأميركي الروسي المزدوج»، حان الأوان لإيلاء الأولوية للبقاء وتقديمه على السيادة الوطنية. وكما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً: «هناك خطر موت قارتنا الأوروبية، ونحن لسنا مجهزين لمواجهة المخاطر».
وخلاصة القول هي أن حلفاء الولايات المتحدة من أوروبا وآسيا سيرتكبون خطأ فادحاً إن اعتبروا إقرار مشروع قانون المساعدات الأميركية لأوكرانيا مؤشراً على أنهم ليسوا في حاجة إلى السعي وراء قدر أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية. بل ينبغي لهم أن يتصرفوا كما لو كانت الولايات المتحدة تدير ظهرها للعالم، لأن هناك إمكانية حقيقية جداً لحدوث ذلك!
(الاتحاد الإماراتية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه أوروبا امريكا أوروبا اوكرانيا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حلفاء الولایات المتحدة المساعدات لأوکرانیا غیر أن
إقرأ أيضاً:
إيكونوميست: هذه أوراق بيد أوروبا حال تعمق خلافها مع أميركا
نشرت مجلة إيكونوميست تقريرا مطولا يتناول مكامن القوة التي تتمتع بها أوروبا إذا وصل السجال المحتدم بينها وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حد المواجهة.
وبلغ السجال ذروته بين الولايات المتحدة والقارة العجوز مع تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأسبوع الماضي، بضرورة أن يرد الاتحاد الأوروبي على تصرفات ترامب المعتادة التي تضر بالاتفاقيات وتهدد "القيم الأوروبية". وأكدت أن الأوقات الاستثنائية تستدعي إجراءات استثنائية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إيكونوميست: أوروبا تفكر في المستحيل لأجل القنبلة النوويةlist 2 of 2هل تدفع تهديدات ترامب والقلق الأوروبي ألمانيا للتسلح النووي؟end of listوتستدرك المجلة قائلة إن أوروبا لا ترغب في تصعيد خلافها مع الولايات المتحدة وتأمل أن يخفف الرئيس الأميركي من غلوائه.
وإذا احتدم الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن إيكونوميست تقول إن للاتحاد العديد من الطرق المدهشة لممارسة الضغط على ما تسميه الحليف المشاكس.
مطبات اقتصاديةواستعرضت بالتفصيل أبرز المقومات الجيوسياسية لدى الاتحاد الأوروبي، ومن ذلك حجم سوقه المشتركة، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للقارة -إذا أُضيف له بريطانيا والنرويج وسويسرا- 24.5 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريبا حجم نظيره الأميركي البالغ 29 تريليون دولار.
وترغب الشركات الأميركية في مواصلة العمل في الأسواق الأوروبية، وهذا هو المبدأ الذي تستند إليه دول القارة في فرض رسوم انتقامية ستطال في بادئ الأمر السلع الفاخرة التي يسهل الحصول على بدائل لها، مثل الدراجات النارية من طراز هارلي ديفيدسون والمُسكرات.
إعلانولعل المعضلة التي تكمن في فرض الرسوم الجمركية والقيود الأخرى على الواردات من أميركا أنها تضر بالمستهلكين الأوروبيين والمصدرين الأميركيين على حد سواء.
وضربت المجلة مثالا على ذلك بمنتجات الطاقة التي تعد أكبر واردات أوروبا، حيث التهمت القارة 35% من صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام والمكرر في العام الماضي، وذهب أكثر من نصف الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا أيضا.
وإذا ما قلصت أوروبا مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، فإن العديد من شركات الطاقة الأميركية ستقع في ورطة.
ولكن من الصعب على أوروبا أن تفعل ذلك دون أن تشل اقتصادها المتعثر بالفعل أو أن تصبح مرة أخرى معتمدة على روسيا، وهو مأزق مقلق بالكاد نجت منه للتو.
رسوم انتقاميةومن أكثر قطاعات الاقتصاد الأميركي التي ستتأثر بالرسوم الانتقامية، شركات التكنولوجيا العملاقة. فلربما تستغني أوروبا، على سبيل المثال، عن شبكة التواصل الاجتماعي إنستغرام المملوكة لشركة ميتا التي ستتضرر بشدة إذا فقدت أوروبا.
ولا تزال الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق عالمي بشأن الضرائب على الشركات الرقمية متوقفة مؤقتا لأنها لا تحظى بدعم ترامب. ولذلك، تعتقد إيكونوميست أن بإمكان الدول الأوروبية منفردة أن ترفع معدلات ضرائبها أو يمكن للاتحاد الأوروبي ككل أن ينفض الغبار عن ضريبة مقترحة كان قد وضعها على الرف.
وتتمتع المفوضية الأوروبية أيضا بسلطة تنظيمية هائلة على شركات التكنولوجيا الأميركية، إذ يمكنها كبح السلوكيات المخلة بروح المنافسة، وأن تأمر بإزالة المحتوى الضار وتطبيق قوانين الخصوصية بصرامة.
ولا تقتصر هذه السلطة التنفيذية على شركات التكنولوجيا وحدها، فحتى الشركات المالية الأميركية هي تحت رحمة المؤسسات الأوروبية. كما أن بعض الأدوات الموجودة تحت تصرف الاتحاد الأوروبي من الفعالية بمكان، إلا أنه قد لا يستخدمها أبدا.
إعلانفعلى سبيل المثال، تحظى الهيئات التنظيمية الأوروبية بنفوذ كبير على نظام سويفت للتحويلات المصرفية العالمية. غير أن المجلة البريطانية ترى أن أي تدخل يعيق نفاذ البنوك الأميركية إلى نظام سويفت سيكون بمثابة "معركة مالية فاصلة" تعرقل التحويلات المالية العالمية ستكون وبالا على البنوك الأوروبية والأميركية على حد سواء.
نفوذ اقتصاديوعلاوة على ذلك، فإن ثقل أوروبا في السوق ليس مصدر نفوذها الاقتصادي الوحيد، إذ بمقدورها أيضا أن تحد من وصول أميركا إلى السلع أو الخدمات التي تهيمن عليها.
وعلى رأس السلع التي تُنتج بشكل رئيسي في أوروبا وتستورد أميركا الكثير منها، الأدوية والمواد الكيميائية، وفق ما ورد في تقرير لمركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، وهو مؤسسة فرنسية مختص بدراسات الاقتصاد الدولي.
ومن الصناعات الإستراتيجية التي للاتحاد الأوروبي قدرة على التحكم فيها سلسلة توريد أشباه الموصلات، إلا أن تعطيلها قد يكون له عواقب مروعة وغير متوقعة قد تضر بأوروبا بقدر ما تؤذي طرفا آخر. ورغم أن أوروبا ليست من المصدرين الرئيسيين لمعظم المواد الخام مثل الولايات المتحدة، فإنها وسيط لا غنى عنه.
إن أي خلاف خطير مع أوروبا قد يجعل من العسير على أميركا بيع مواردها في أي مكان، وليس فقط في القارة العجوز.
وطبقا لتقرير المجلة، فإن أوروبا هي موطن أكبر شركات تجارة السلع في العالم. فدولة مثل سويسرا تضم وحدها 900 شركة من هذا النوع. وتُدر حصة القارة في التجارة العالمية نحو 35% للنفط و60% للمعادن و50% للحبوب و40% للسكر. كما تُعد بريطانيا وهولندا مركزين تجاريين كبيرين، مما يعزز هيمنة أوروبا.
القطاع العسكريوالأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فأكبر شركات النقل البحري أوروبية، مثل "ميرسك" و"إم إس سي" و"سي جي إم" و"سي إم أي".
على أن القطاع العسكري هو أكثر جوانب العلاقة بين أوروبا وأميركا اختلالا. فأوروبا -كما تشير إيكونوميست- تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي، ولديها الكثير مما تخسره من أي انهيار في هذا المجال أكثر بكثير مما تخسره الولايات المتحدة، إذ قال ترامب إن بلاده محمية "بمحيط كبير وجميل".
إعلانولكن المجلة تقول إن هذه الحماية ليست مطلقة، إذ إن أميركا لن تستطيع حماية نفسها دون مساعدة أوروبية. فالغواصات الروسية التي تدخل شمال المحيط الأطلسي انطلاقا من قواعدها في القطب الشمالي، يجب أن تمر من خلال نقاط العبور الضيقة المعروفة باسم فجوة غرينلاند-أيسلندا-بريطانيا، وهو خط وهمي في شمال المحيط الأطلسي يشكل ممرا إستراتيجيا للسفن العسكرية.
ولطالما ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها لعقود من الزمن يراقبون بشكل مشترك هذه المنطقة من خلال سلسلة من أجهزة الاستشعار الصوتية تحت الماء المتصلة بمنشآت على اليابسة، بالإضافة إلى فرقاطات الرادارات وطائرات دورية بحرية تنطلق من بريطانيا وأيسلندا والنرويج.
فإذا انهارت هذه الترتيبات تؤكد إيكونوميست أن من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة تعقب الغواصات الروسية، وهذا من شأنه أن يسمح لموسكو بنشر مزيد من الصواريخ، وبالتالي يضع الأهداف الأميركية في مرمى نيرانها.
وحتى لو حقق ترامب أمنيته وضم بطريقة أو بأخرى جزر غرينلاند، التي تتبع حاليا إلى الدانمارك وتتمتع بالحكم الذاتي، فلن تتمكن القوات الأميركية -حسب زعم المجلة- من سد الفجوة الجغرافية بالكامل.
وتعد ألمانيا أهم موطئ قدم للولايات المتحدة في أوروبا، حيث تستضيف أكثر من 50 ألف جندي أميركي.