أهمية بناء الشباب لمواجهة تحديات العصر
تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT
اتجهت السياسات العالمية إلى تحطيم الأسس السليمة التي تحمي المجتمعات الأخرى، وحظي المجتمع الإسلامي والعربي بالنصيب الأوفر من تلك السياسات التي وصلت إلى حد إملاء الأسس والمبادئ كوصفات يجب أن تنفذها الحكومات والدول من أجل نيل رضا قوى الهيمنة من اليهود والنصارى وغيرهم من الدول التي امتكلت شوطا متقدما في الثروة والتصنيع وغيرها من المجالات وليس غربيا أن تمارس تلك الدول نفوذها وتفرض شروطها على غيرها من الدول، لكن الطامة الكبرى أن تعمل الدول المتخلفة (النامية) على التطبيق لتلك الإملاءات مع علمها الأكيد أنها تحطم أساسات النهوض لصالح الأعداء الذين يهدفون إلى إطالة انحطاط الآخرين واستمرار النفوذ والهيمنة لهم، لأن المصلحة هي التي تحركهم وفقا للقاعدة السياسية الشهيرة (لا عداوة دائمة، ولا صداقة دائمة، بل مصلحة دائمة) بالإضافة إلى المذهب الميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة).
لقد أدى النهوض الاقتصادي لدول شرق آسيا وتحطيم الاستعمار السياسي والاقتصادي لمعظم الدول هناك إلى أن أصبح العالم الإسلامي ساحة للصراع، فالكل يسعى إلى الظفر بأكبر قدر من الثروات خاصة بعد أن تم تقاسم الأرض والثروات والإنسان بين القوى العالمية، وأيضا تم منح الاستقلال الصوري للبلدان التي غادرها الاستعمار بعد اندلاع الثورات العربية، فالاستعمار خرج بجنوده وأسلحته، لكنه مازال يملك القرار السيادي من خلال العاملين معه والذين أصبحوا هم صناع القرار ورجال الأنظمة المتسلطة والحاكمة رغم اختلاف أشكال وأنواع أنظمة الحكم من قطر إلى آخر، وهو أسلوب خبيث يهدف إلى تلافي الإخفاقات التي تمت خلال فترات الصراع بين الأمة العربية والإسلامية والقوى الاستعمارية، سواء رفعت شعار الصليب والحروب الصليبية أو رفعت شعار التتار أو المغول، وهي شواهد متوالية على أن الضعف والفرقة والشتات كلما وصلت إلى أوجها جاء، المتربصون يمارسون دور الوصاية والولاية، فإذا نهضت الأمة وعادت إلى مصادر عزها ومجدها انسحبوا وأجلوا أمنيات البقاء حتى وهن وضعف آت، وذلك وفق سنة التدافع التي ذكرها القرآن الكريم قال تعالى “إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” آل عمران (140).
فحينما تمسك المسلمون بمصادر عزهم المتمثلة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، حكموا العالم وامتد نفوذهم من الأندلس (اسبانيا والبرتغال) إلى القوقاز وأواسط آسيا الصغرى ومن الأناضول شمالا حتى مجاهل افريقيا، ولما تفرقوا جاء الاستعمار وقسم البلدان وأعاد كتابة التاريخ والمناهج وجعلها تخدم مصالحه وتوجهاته، وكلما رأى بادرة للنهوض وتجاوز الأوضاع القذرة التي أوجدها، سارع إلى ممارسة سطوته وسلطانه لوأد تلك المبادرات المخلصة والقضاء عليها وفق تصنيفات أعدها، وسيناريوهات رسمها لاحتواء الفرقة والشتات وتجاوز حالات الضعف والتخلف، سواء باستخدام القوة والقتل والإجرام وارتكاب أبشع وأقذر الجرائم في حق الشعوب العربية والإسلامية أو باستخدام القوة الناعمة أو ما تعرف بالحرب الناعمة التي تهدف إلى مسخ هوية الأمة، بإفساد الأخلاق والمبادئ والقيم وبذلك يتم تحقيق الانتصار دون الاستعانة بالأسلحة والجنود وشن الحروب، وضمان تحقيق الانتصار بأقل الوسائل كلفة وقيمة.
صحيح أن الأسلحة جاهزة والجيوش مستعدة، لكن الرهان الأكبر هو على الحرب الناعمة التي تعتمد على جيوش المراكز والمعاهد المتخصصة في دراسة الإنسان والسيطرة على رغباته وميوله وأخلاقه وعاداته ومبادئه وقيمه، وهي الركائز الأساسية التي تبني شخصية الإنسان وتحدد توجهاته وتعمل على صياغة الإنسان الذي يسهل السيطرة عليه، فإذا تم ذلك هنا يأتي دور الجيوش لتستولي على الأرض ونهب الثروات، كما فعل سابقاً بتحطيم العراق وأفغانستان، من خلال الحصار والتجويع، وجيوش العملاء والخونة الذين تم استخدامهم لتمهيد الطريق أمام الأسلحة والجيوش.
إن تحصين الشباب وإيجاد وعي إيماني يعتمد على المصادر الأساسية القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، هو الأساس لمواجهة التحديات التي تهدف إلى السيطرة على الأمة واستغلالها، من خلال اختراق الشباب وتزييف الوعي لديهم وتسطيح الثقافة، لأنهم يمثلون المستقبل ونصف الحاضر، ومن هنا تكمن أهمية استغلال العطلات الصيفية، ووضع البرامج التنموية في كل المجالات، ثقافة وعلماً وأدبا وسلوكاً، فالفضاء المفتوح الذي يتحرك وينشط فيه الأعداء ويمتلكون فيه تجربة كبيرة وإمكانيات هائلة، لكنهم لا يمتلكون رسالة ولا منهجاً سوى السير على خطوات إبليس في إغواء الناس والتحريش بينهم ومحاولة جرهم إلى المعاصي والبعد عن هدى الله سبحانه وتعالى ” ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ” الأعراف الآية “170”، فإذا ابتعد الشباب والمجتمع عن هدي القرآن، فإنه لا شك سيقع في فخ الشيطان، وكلما اقترب من الله ابتعد عن خطوات الشيطان التي أصبحت اليوم منهجاً للقوى العالمية المتربصة بالأمة الإسلامية وتسعى جاهدة لنشر كل الموبقات من خلال الفضاء المفتوح وانعدام الرقابة ابتداء من البيت والمدرسة والجامع ووسائل التواصل الاجتماعي.
وكما يقال في الأمثال إن الإناء الفارغ يملؤه الهواء، والعقول الفارغة من هدى الله وهدى رسوله الأمين وآله الطيبين الطاهرين، سوف تملؤها الثقافة الهدامة والوعي الزائف الذي يترك الأمة نهبا لكل التوجهات المنحطة والتي تمثل عائقا أمام التوجه نحو المستقبل وتجاوز حالات الضعف والهوان، وهو ما يريده ويرجوه أعداء الأمة الذين حطموا القوة والوحدة الإسلامية، بنشر الأكاذيب ثم أتوا بالجيوش واستثمروا ذلك الانحطاط نهبا للثروات وتحكما بالبشر ونشرا للرذيلة والموبقات، وهو ما يجب أن يعيه الشباب وصناع القرار حتى يتم تدارك الانحدار وإعادة توجيه الأمة إلى مصادر عزها ومجدها وذلك التزاما بقوله تعالى ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
العلاقات العمانية البحرينية.. النموذج الذي يحتاجه العرب
عندما يزور قائد عربي دولة عربية شقيقة يتنامى الحس العروبي، وتشعر الجماهير العربية التي تقرأ الخبر أو تسمع عنه بكثير من الفرحة، حتى لو كانت بعيدة عن المشهد وتفاصيله؛ ولكنّ الشعور العروبي يتحرك في الدماء العربية.
ورغم أن العلاقات العمانية البحرينية لم تكن في يوم من الأيام إلا في ذروة مجدها فإن زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى لبلده الثاني سلطنة عمان تشعرنا في عُمان وتشعر إخوتنا العرب بكثير من الفرح وتنامي حس التضامن العربي الذي ناله بعض الخفوت في بعض المساحات العربية بسبب الأحداث التي شهدتها المنطقة في العقدين الماضيين.
ورغم العلاقات التاريخية والعميقة بين عُمان والبحرين الممتدة عبر الأزمنة فإن تعميقها وتحويلها إلى مسار اقتصادي واستثماري أصبح ضرورة ملحّة.. وليس هذا بين عُمان والبحرين فقط، ولكن بين دول الخليج بعضها البعض وبين الدول العربية كذلك، فالاستثمارات العربية أولى بها الدول العربية بل إن الأمر تحوّل إلى خيار استراتيجي وأمن عربي في ظل التحولات الجيوسياسية التي يعيشها العالم الذاهب إلى مزيد من التكتلات الاقتصادية. والتحديات المتزايدة، سواء على صعيد الأزمات الاقتصادية العالمية، أو التغيرات المناخية، أو المنافسة على الموارد الحيوية، تفرض على دول الخليج العربي والعالم العربي عمومًا تعزيز التكامل الاقتصادي والسياسي، والعمل على بناء شراكات مستدامة تضمن الاستقرار والازدهار المشترك.
ودول الخليج العربي واحدة من أكثر المناطق حيوية اقتصاديا في العالم، بفضل ثرواتها الهيدروكربونية وموقعها الجغرافي الذي يجعلها مركزا للتجارة والطاقة العالمية. لكن هذا الاعتماد الكبير على النفط بوصفه مصدرا رئيسيا للدخل يجعل اقتصادات المنطقة عرضة لتقلبات الأسواق العالمية كما حدث خلال العقد الماضي، وكما هو متوقع خلال السنوات الأربع القادمة في ظل تحولات القيادة في بعض الدول الكبرى. ومن هنا، تأتي أهمية تعزيز الاستثمارات البينية بين دول الخليج، ليس فقط في قطاعات الطاقة التقليدية، ولكن أيضًا في قطاعات جديدة مثل الطاقة النظيفة والمتجددة.
ومن غير المنطق أن تبقى دول الخليج العربي التي تملك بعضها رؤوس أموال جيدة مستوردة للسلع التي تستطيع إنتاجها بالفعل أو أن تبقى أسيرة للنفط فيما يمكنها التحوُّل إلى طاقة الهيدروجين الأخضر أو أن تصبح مركزا دوليا للوجستيات في العالم بسبب موقعها على خطوط التجارة العالمية.
وإضافة إلى الطاقة المتجددة فإن دول الخليج العربي بشكل خاص باتت قادرة اليوم على الاستثمار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وفيه أشباه الموصلات التي تعَد أحد المجالات التي يمكن أن تتحكم بمسارات الصراع في العالم. ومن المهم أن تتكاتف الجهود الخليجية لإنشاء منظومات متكاملة للبحث والتطوير في هذه المجالات، سواء من خلال إنشاء مراكز أبحاث مشتركة أو دعم رواد الأعمال والشركات الناشئة.
ولا بدّ أن تستند العلاقات الخليجية الخليجية والعربية العربية إلى رؤية استراتيجية تتجاوز المصالح الاقتصادية إلى تعزيز الترابط السياسي والاجتماعي بين الدول؛ فالدبلوماسية الاقتصادية، القائمة على تبادل المصالح وتنمية المشاريع المشتركة، يمكن أن تكون أداة فعالة لتحقيق هذا الهدف. وفي هذا السياق، يعَد إنشاء صناديق استثمارية مشتركة وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة خطوتين أساسيتين لتحقيق تكامل اقتصادي حقيقي.
لكنّ التعاون أيضا يمكن أن يتجاوز هذا المسار إلى التكامل في طريق بناء قوة ناعمة خليجية تكون قادرة على تعزيز مكانة هذه الدول والضغط والتأثير على الكثير من القضايا التي تمس المنطقة العربية بشكل عام.
وإذا كانت المنح تأتي من المحن فإن المحن الكثيرة التي مرت بها المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين كفيلة بجعل دول الخليج العربي بشكل خاص والدول العربية بشكل عام أن ترى ما حدث فرصة لتوحيد الجهود وبناء شراكات استراتيجية قائمة على رؤية مشتركة للمستقبل.
وتبقى زيارة ملك البحرين إلى سلطنة عمان وعقده قمَّة مع حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- فرصة ليتحدث أهل الخليج عن طموحاتهم من الزيارة التي يرون فيها تنامي العلاقات العربية العربية إلى حيث يتمنى العرب أن تصل.. ويرون في العلاقات العمانية البحرينية النموذج الذي يمكن أن تقتفيه العلاقات العربية العربية.