لجريدة عمان:
2024-12-17@00:51:21 GMT

من وراء عتمة الزنازين

تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT

ذكّرني فوز رواية (قناع بلون السماء) للكاتب الفلسطيني باسم خندقجي، بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) في دورتها الـ17 بالكاتب اليمني سليم المسجد، فكلاهما، أمضى سنوات من عمره في السجن، بل إن الأول ما زال في سجون الاحتلال التي دخلها، وكان عمره ٢١ سنة، قبل 20 سنة، وخلال هذه السنوات الطويلة واصل تعليمه، بعزيمة لا تلين، فالحياة بالنسبة له لم تتوقّف خارج أسوار السجن، لذا، اجتهد، فأكمل دراسته الجامعيّة عن طريق الانتساب إلى جامعة القدس، وكتب ونشر العديد من الكتب من بينها: طقوس المرة الأولى (2010) وأنفاس قصيدة ليلية (2013)، ونرجس العزلة (2017)، وخسوف بدر الدين (2019)، وأنفاس امرأة، وقناع بلون السماء، ولم يقف السجن حاجزا بينه وبين طموحه لدخول المنافسة على الجائزة العالمية للرواية، والفوز بها، فضرب مثالا في العزيمة والإصرار، وتجاوز اللحظة الراهنة بكلّ قسوتها.

أما الثاني، فكان أقلّ حظّا من الأول، فلم يظفر إلّا بـ(بوكر) الدم، فقد أمضى (13) سنة في سجن بمنطقته بمحافظة (المحويت) اليمنية، وكان عمره يوم دخل السجن على خلفيّة قضية قتل عن طريق الخطأ،( 14) سنة ومع ذلك، لم يستسلم لظلام السجن، فقد اشتغل على نفسه، وطوّر موهبته، وكان يدير تحرير مجلّة (نقش)، ومنها نشأت علاقة صداقة وتواصل بيننا، ولم أكن أعرف، يومها، أنّه كان رهين المحبس، وحين سيق إلى الموت ترك مخطوطات، ووصيّة بطباعتها هي: كائنات زئبقية (قصص)، تمتمات الغضا والرماد (شعر) -قامت بطباعته الأردنية وداد أبو شنب- الدورة التدريبية في أساسيات المقالة الأدبية، الدورة التدريبية في علامات الترقيم في الكتابة العربية، الشعر العمودي (أشكال القصيدة ومظاهرها)، الدورة التدريبية في العروض والتقفية، سحاب في بلاد الضباب (رواية)، ثلاث رسائل من أجلكم، الآن.. سأقرأ عليكم قصتي.

وإذا كانت ناشرة الرواية الفائزة رنا إدريس، صاحبة دار الآداب البيروتية تسلّمتْ (بوكر)، بالإنابة عن خندقجي، فأسرة الكاتب اليمني سليم المسجد لم تتسلّم سوى جثّته، بعد تنفيذ حكم الإعدام به فجر يوم ١١-١٢- ٢٠٢١ ولم تقف المناشدات الدولية حائلا دون ذلك، ولم يتراجع أهالي المجني عليه بالمطالبة بحكم القصاص، وقبول الدية، ولم يرأفوا بحال أسرته، فمضى إلى حتفه مردّدا في آخر منشور له، قول أبي القاسم الشابي:

جفّ سحر الحياة في قلبي الباكي

فهيـــا نجــــرّب المـــــوت هيّـــا

ولا أريد في هذه المساحة، إعادة فتح ملفه ودمه الذي ذهب هباء، وموهبته التي سعتْ إلى كسر قضبان السجن، ولا أكرّر الحديث عن إغلاق البشر باب العفو، والغفران، بينما بابه عند الله -سبحانه وتعالى- مفتوح، فقد وعد بمكافأة العافي، الذي له أجر عظيم (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)- (الشورى:40)، وقدّم نموذجا أعظم للإنسان في التسامح بقوله «ادفعْ بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليٌّ حميم»، ولم أشأ التذكير بما ورد في الأثر من أن مناديا ينادي يوم القيامة: «من كان له عند الله شيء فليقم فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان عن عفوهم عن الناس»، ففي دوّامة، الكراهيات، خسرنا الكثير من المواهب، وأصحاب الهمم، لأننا لم نعطِ فرصة للحياة، وبقينا أسرى روح الثأر، وأحاول أن أتجاوز فكرة أن ما جرى لسليم المسجد يعزّز ما ذهب إليه نيتشه من أن الأصل في الإنسان التوحّش، وما يؤخذ بالقوّة يستردّ بالقوة، فقد انتهى أمره، وحلّقت روحه في الفراديس، بإذنه تعالى، لكنني أردت الإشادة بالروح العالية التي لم تنكسر في جسده، فقد ظلّت وثّابة، وهي ترزح تحت قضبان السجون، متشبّثة بالأمل، مؤمنة أن الكتابة مقاومة لقبح العالم، وصلابة الكاتب الفلسطيني باسم خندقجي، الذي أعلن في مفتتح روايته (قناع بلون السماء) أنّ (هاويته صعود) مستعيرا مقطعا للشاعر محمود درويش هو:

«غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ في وَجَع الحمامةِ..

لا لأَشرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان

لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْيا

وأعلن أنّ هاويتي صعود»

والكتابة حياة موازية، تجعل العالم من حولنا أكثر ثراء، يقول الشاعر نزار قبّاني: «أكتب بالحتمية ذاتها التي ترتفع فيها السنبلة، ويفيض البحر، ويكتظ الثدي بالحليب، إنني أكتب لتصبح مساحة الفرح في العالم أكبر، ومساحة الحزن أقل، أكتب لأغيّر طقس العالم، وأجعل الشمس أكثر حنانا، والسماء أكثر زرقة، والبحر أقلّ ملوحة..إنني أكتب حتى أتزوّج العالم، حتى أتكاثر، حتى أتعدّد» وهذا هو مجدها.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الدكتور يوشار شريف: الفتوى أداة لتعزيز التفاهم بين المجتمعات

أكد الدكتور يوشار شريف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة أرسطو باليونان، في كلمته بجلسه الوفود بالندوة الدولية الأولى التي نظَّمتها دار الإفتاء المصرية بمناسبة اليوم العالمي للإفتاء، على أهمية الفتوى كأداة لتعزيز التفاهم بين المجتمعات، وتقديم الدعم للأقليات المسلمة حول العالم.

شوقي علَّام: الندوة الدولية لدار الإفتاء تمثِّل فرصة كبيرة لتبادل الأفكار والآراء نقيب الأشراف يشارك في فاعليات الندوة الدولية "الفتوى والأمن المجتمعي"

وأشار الدكتور يوشار شريف إلى ضرورة أن يُعنى المسلمون بنفع الآخرين، دون تمييز بين الأفراد، سواء أكانوا ينتمون إلى دينهم أم لا، خاصة في سياق وجود الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية. وقد أوضح تجربة دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تسعى جاهدة لتلبية احتياجات الأقليات المسلمة، مما يعكس أهمية الفتوى في المجتمع الأوروبي.

كما أكد على أن المفتي أو الفقيه، الذي يمثل مقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يجب أن يكون مؤهلًا علميًا، متمكنًا من العلوم الشرعية ولديه فهم عميق للواقع الاجتماعي والإنساني. وركز على ضرورة أن يمتلك المفتي معرفة شاملة بقواعد الفقه، مستشهدًا بالقول المعروف: "من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه."

وعن الجوانب الأخلاقية المتعلقة بالإفتاء، قدم الدكتور يوشار شريف ملاحظات مهمة، مشددًا على أن العلم يجب أن يُصاحبه العمل الصالح والتقوى.

وأوضح أن العلم الذي لا يؤدي إلى خشية الله ليس له قيمة، مستندًا إلى قوله تعالى: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء﴾ (فاطر 28). كما أشار إلى أهمية إحالة السائل إلى من هو أعلم منه، مبرزًا موقف عائشة رضي الله عنها عندما طلبت من السائل أن يسأل عليًا رضي الله عنه لمعرفته الأعمق بالموضوع.

وأشار الدكتور يوشار شريف أيضًا إلى التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة في أوروبا، مثل التمييز العنصري والضغوط الاجتماعية، فضلًا عن مشاكل داخلية مثل التفرق بين الأجيال. 

وفي ختام كلمته، أوضح أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة أرسطو باليونان أن الفتوى هي مسؤولية عظيمة ومهمة شرعية جسيمة، مشددًا على ضرورة أن يتحرر المفتي من العصبية المذهبية، ويغلب روح التيسير على التشديد. كما أكد على أهمية مخاطبة الناس بلغة يفهمونها، متجنبًا المصطلحات الصعبة والألفاظ الغريبة، لتكون الفتوى عملية مفيدة ومتسقة مع احتياجات المجتمع المعاصر.

انطلاق الندوة الدولية الأولى

وكان شهد مركز مؤتمرات الأزهر الشريف انطلاق الندوة الدولية الأولى التي تنظمها الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، بعنوان "الفتوى وتحقيق الأمن الفكري"، تُعقد الندوة على مدار يومين، في الفترة من 15 إلى 16 ديسمبر الجاري، بمشاركة واسعة من العلماء والمفتين من مختلف دول العالم، إلى جانب نخبة من الوزراء وكبار رجال الدولة، بالإضافة إلى عدد من علماء الأزهر الشريف.

وتأتي هذه الندوة في وقت بالغ الأهمية، حيث تسعى دار الإفتاء المصرية من خلال هذا الحدث الدولي إلى تسليط الضوء على دَور الفتوى في تعزيز الأمن الفكري، ومواجهة التحديات الفكرية المعاصرة، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.

كما تهدُف الندوة إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات الإفتائية والعلمية على مستوى العالم، وصياغة رؤى ومقترحات لتطوير منهجية الإفتاء بما يتلاءم مع التحديات المعاصرة.

ويشارك في الندوة مجموعة من العلماء البارزين من مختلف دول العالم الإسلامي، فضلًا عن حضور مجموعة من الوزراء وكبار المسؤولين من الدولة المصرية، مما يعكس أهمية الحدث في تعزيز الدور المحوري الذي تلعبه الفتوى في بناء المجتمعات المستقرة والمزدهرة.

يشار إلى أن الندوة تأتي في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها دار الإفتاء المصرية لنشر الفكر الوسطي، وتعزيز قيم الاعتدال والتعايش بين مختلف الثقافات والأديان، بما يساهم في مكافحة الفكر المتطرف ويعزز من دور المؤسسات الدينية في نشر الأمن الفكري على مستوى العالم.

مقالات مشابهة

  • المدينة التي تبكي بأكملها.! (2)
  • مقتل الفلسطيني خالد نبهان.. الجد الذي أبكى العالم أثناء وداع حفيدته "روح الروح"
  • رحم الله الدكتور محمد خير الزبير الذي إرتحل اليوم إلى الدار الباقية
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • وزير الأوقاف من جامعة الفيوم: يوجد 40 تيارًا متطرفًا في أنحاء العالم
  • الدكتور يوشار شريف: الفتوى أداة لتعزيز التفاهم بين المجتمعات
  • ‏إسرائيل تعلن أنها ستغلق سفارتها في دبلن بسبب السياسات المعادية التي تنتهجها الحكومة الأيرلندية
  • غزة أكثر مناطق العالم التي يعيش فيها مبتورو الأطراف .. والسبب العدوان الإسرائيلي
  • أميركا تتسلم مواطنها الذي كان معتقلاً في سجون الأسد بسوريا
  • السجن النافذ 6 سنوات لشقيق بودريقة في قضية تزوير وثائق عقار إستولى عليه بالدارالبيضاء