لجريدة عمان:
2025-01-30@23:08:15 GMT

كـرة الثلج

تاريخ النشر: 2nd, May 2024 GMT

ها قد عاد مايو المخيف لأوروبا وأمريكا بعد ستة وخمسين عاما، مايو الساخن جوًا وطقسا بشريا كذلك، والعالم اليوم يموج في فتن لها أولٌ ولا يبدو أن آخرها قريب الانتهاء؛ فما علاقة كرة الثلج بهذا الشهر الساخن طقسا وأحداثا؟ وما علاقة أيام بيت الزبير الفلسفية بهذا كله؟ وهل للاعتصامات الطلابية في جامعة كولومبيا -التي احتضنت المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد- والجامعات الأمريكية فالعالمية دورٌ في الوصول إلى حلٍّ يوقف الإبادة على الأقل! هذا ما سنحاول مقاربته في هذه المقالة.

منذ نهايات العام المنصرم، تصدر قطاع غزَّة المشهد العربي والإسلامي فالإنساني، وبدا تأثير غزة وأهلها ووحشية وقذارة الاحتلال كما كرة الثلج المنفلتة من لسان جبلي شاهق. كانت البداية بانكشاف المواقف وتحولها من المغازلات السرية إلى ما يشبه المواعيد الغرامية على الملأ، فهذا وزير الخارجية الأمريكي يعلن أنه أتى للأرض المحتلة لا بوصفه وزير خارجية القوة المتحكمة في العالم، بل بوصفه يهوديا!. وهكذا حذت دول الاتحاد الأوروبي الكبرى حذو أختها الكبرى -أمريكا- ففي النهاية لا وجود لأمريكا دون المهاجرين الأوروبيين. فالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بل ورئيسة الاتحاد الأوروبي، كلهم أعلنوا وقوفهم الصريح مع الاحتلال الوحشي ضد ما بدا حينها أنه رد على المقاومة الفلسطينية؛ ولكننا تخطينا ربع القرن الحادي والعشرين، فما الحاجة إلى الأقنعة؟ هكذا تحوّل ما روّج له الاحتلال ومشايعوه بأنه رد على المقاومة وأحداث السابع من أكتوبر، إلى إبادة وحشية وصريحة تحت مرأى العالم الذي تبيّن أن شريعته ليست سوى شريعة الغاب، فلا ديمقراطية ولا حقوق حين يتعلق الأمر بالمصالح الأمريكية والأوروبية وقوى الاستعمار الكبرى.

كرة الثلج التي تدحرجت من غزة، كانت تكبر شيئا فشيئا، حتى صار التحكم بها أمرا مستحيلا يفوق قدرة الوحوش الكبيرة على الإمساك بها أو كبحها على الأقل. فبعدما انكشفت المواقف على الملأ، طفقت الأحداث تتوالى بسرعة جنونية رهيبة. فلم يعد حتى أكثر المناصرين والمنافحين عن «القيم الغربية» يستطيع تغطية العُري الأخلاقي والسياسي للغرب. فمن المواقف التي لا ترى في الفلسطيني كائنا بشريا موازيا لإنسان الاحتلال، إلى المواقف الفكرية والأخلاقية، وليس انتهاء بما تقوم به الشركات العالمية الداعمة للاحتلال من انتهاك لكل ما له علاقة بالأخلاق والأمانة، وأعني هنا طريقة صنع الأغذية التي تختلف محتوياتها إذا كانت مُصدَّرة للشرق أم الغرب! والتي تكشّفت في الأيام المنقضية بصورة رسمية تناولتها منظمة «بابلك آي» السويسرية في تقريرها المفصل عن شركة نستله للأغذية على سبيل المثال، في تجلٍ صريح وصارخ لعقيدة المركزية الغربية.

في يوم الاثنين المنصرم، قدم المفكر السوري هاشم صالح ورقة بحثية بعنوان «الفلسفة والتنوير في السياق العربي الإسلامي: الآفاق والتحديات» ضمن فعاليات ملتقى بيت الزبير الفلسفي الثاني، ثم تطرق إلى الحديث عن الفلسفات الغربية التي أوصلت العالم اليوم إلى هذه الرمادية في المواقف والاختيارات والحياة بأسرها. وكيف أن الفلسفة العدمية والمركزية الغربية أوصلتا الغرب الذي حارب كل أشكال الدين والتدين وأوغل في المادية حتى النخاع، أوصلتاه إلى أنه لم يعد يفرق بين الرجل والأنثى، الخير والشر، الظلم والعدل، فكل شيء نسبي ورمادي! بما في ذلك القضايا الكبرى كالقضية الفلسطينية العادلة. وقبل هذا الملتقى، كانت قد بدأت الاعتصامات الطلابية في جامعة كولومبيا الأمريكية وغيرها من الجامعات الأخرى التي أقضّت مضجع نتنياهو وبايدن وداعمي الاحتلال، فسقطت فجأة حقوق الحرية في التعبير والتظاهر وغيرها من الشعارات التي رددتها أمريكا كلما أرادت غزو بلد وجدت فيه ثروة طبيعية، فما بالك لو كانت تلك الثروة سوداء سائلة كالتي وجدتها أمريكا في العراق في تسعينيات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، هنا يصبح دور شرطي العالم في نشر الحريات واجبا أخلاقيا وضرورة ملحّة يلوّح بها أمام كل من يقف ضد ظلمه وظلاميته.

جعلتني هذه الاعتصامات الطلابية أستعيد شيئا قرأته للفيلسوف الفرنسي المعاصر إدغار موران حول الثورة الطلابية في باريس في شهر مايو من العام 1968، وأسباب تلك الثورة الطلابية ونتائجها. والحق يقال بأن هذا الفيلسوف المعاصر يذكرني بالفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي، فكلامها ناقد شرس للاحتلال الصهيوني، وكلاهما داعمان للقضية الفلسطينية العادلة، وما يمنح آراءهما مزيدا من الأهمية، كونهما يهوديا الأصل وهو ما يفنّد ادعاء الصهيونية السياسية بأنها يهودية، أي ادعاء العقيدة السياسية بأنها ديانة ينبغي مناصرتها! ومما يستفزني للاستطراد هنا أيضا، أن الشمّاعة التي استهلكها الاحتلال ومناصروه ردحا طويلا من الزمن، أعني مصطلح «معاداة السامية» وهو مصطلح فكاهي بامتياز، فيكفي أن ينتقد المرء إسرائيل ليصبح معاديا للسامية! وإذا ثبتت تهمة «معاداة السامية» -من السخرية أن العرب ساميّون، ولكنهم معادون للسامية لعدم رضوخهم للوجود الإسرائيلي- فسيتم سحل المرء اجتماعيا وسياسيا نظير هذه التهمة. ولكن هذه المسرحية الهزلية مما جرفتها كرة الثلج، فبعدما كان شطر كبير من الشباب الأمريكي والأوروبي المغيّب عما يحدث حقا في «أرض الميعاد»، وكان يتم تلقينهم الرواية التي تقول بأن الإسرائيليين مساكين وسط وحوش من العرب الهمجيين؛ جاء طوفان الأقصى كاشفا للحقيقة وفاتحا الباب على مصراعيه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فلم يعد بمقدور الأحزاب السياسية السيطرة على الإعلام الذي صار حرا بالكامل وينقل الحقيقة كما هي ببشاعتها وبلا أدنى زيف، مما قَلَب السحر على الساحر أخيرا.

في حوار له في مجلة الدوحة القطرية العدد 128، حاوره إرسيلا غوتييه وشارل كيول عن مايو 68، وهو حوار يستحق الوقوف عليه من رجل عاصر الأحداث في إرهاصات قدومها وأثناء حدوثها والنتائج المنبثقة منها وعنها بعدما انتهت وصارت تاريخا. فقد كان موران «المثقف الفرنسي الوحيد الذي درس وفكَّ شفرة أحداث مايو -حال وقوعها- ضمن سلسلة مقالات نشرت بجريدة لوموند بدءا من منتصف مايو 1968» بعبارة المحاورَين واقتباسا من المجلة. يتحدث موران في حواره كمن يبسط خريطة واضحة المعالم لكل ما حدث ولكل ما كان يبدو سرابا لرجل بعيد في قلب الصحراء، فهو لا يُرجع المسألة -وهذا منهجه- إلى حدثها الآنيِّ؛ بل يكشف لك النشأة وأسباب الظهور. ولا يمكن أن نغفل أن أوروبا حينها، قد نفضت عنها دخان الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن التراب والرماد الناتجين عنها ظلا ينخران ذلك الكيان المهترئ بطريقة غير طريقة السلاح الفوري الدموي القاتل، بل هو سلاح أشد فتكا ولكن آثاره بطيئة الظهور؛ سلاح الأفكار والمعتقدات الهدّامة.

كرة الثلج التي ثقبت جدار الفصل العنصري بين المحتل والأرض المحتلة خرجت للعالم، وباتت تذكر القوى الظلامية بأن جدار برلين ونظام الفصل العنصري -الذي كان سائدا وطبيعيا في جنوب إفريقيا- اللذين سقطا يوما وصارا ثقبَ مسمار في حائط التاريخ؛ هما المآل الطبيعي للاحتلال الإسرائيلي الآيل للسقوط لا محالة. وسنتعرف في الجزء الثاني من هذه المقالة بشكل أكبر وأوضح على الدور الطلابي المهم والمفصلي للتخلص من هذا الاحتلال الذي سيظل وصمة عار في جبين التاريخ الإنساني، كما سنتعرف على عدد من الكتب المفصلية والمهمة في سياق الأفكار والقضايا العادلة. على الإنسان أن لا يكلّ عن نصرة الحق، فكما يقول غاليانو في الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية «..كل فعلِ تدميرٍ في تاريخ البشرية، يجب أن يتم الرد عليه، إن عاجلا أو آجلا بفعلٍ خلَّاق». وكما عادت كل بلاد العالم إلى بهائها بعدما استنزفها وأهلكها الاستعمار، ستعود فلسطيننا العربية بهيةً وهي تنفض عنها دنس المستعمر وبقايا الإمبريالية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: کرة الثلج

إقرأ أيضاً:

نكث العهود يهدد الإطار.. تحذيرات من ضعف المواقف في الانتخابات المقبلة

30 يناير، 2025

بغداد/المسلة: أشار عضو تيار الحكمة الوطني، سامي الجيزاني، إلى أن الإطار التنسيقي سوف يشهد تغييرًا في اسمه خلال الفترة المقبلة، مؤكدًا أن بعض الأطراف داخله لا ترغب في الاستمرار ضمن هذا الإطار.

و ذكر الجيزاني أن هناك نوابًا وكتلًا برلمانية تسعى إلى التقارب مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، معتبرًا أن القانون الانتخابي الحالي لا يحتاج إلى تعديلات جوهرية، لكنه أكد على ضرورة تشريع قانوني يمنع انتقال السياسيين بين الكتل، مما يعكس رغبة في تعزيز الاستقرار السياسي وتقليل التقلبات الحزبية.

و أشار إلى أن أزمة الإطار التنسيقي الحالية تكمن في نكث العهود، محذرًا من أن عدم الالتزام بالوعود سيضعف موقف الأطراف المعنية في الانتخابات المقبلة.

من خلال هذه التصريحات، يمكن تحليل أن المشهد السياسي العراقي يشهد تحولات داخلية مهمة، خاصة فيما يتعلق بتماسك التحالفات السياسية ومدى قدرتها على الحفاظ على وحدتها في ظل التحديات القانونية والسياسية. كما يبدو أن هناك توجهًا نحو تعزيز الشفافية والالتزام بالقوانين، سواء في الانتخابات أو في التعيينات الرسمية، مما قد يؤثر على ديناميكيات القوة داخل الكتل السياسية.

و يظهر أيضًا أن التصريحات تحمل تلميحات إلى ضرورة إصلاحات داخلية في الإطار التنسيقي، مع التركيز على أهمية الالتزام بالعهود والوعود لضمان مصداقية الأطراف السياسية أمام الناخبين.

ويعكس هذا التحليل رؤية مفادها أن الاستقرار السياسي في العراق مرهون بمدى قدرة القوى السياسية على تجاوز خلافاتها الداخلية والالتزام بمعايير الحوكمة الرشيدة.

 

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • زكريا الزبيدي حرا.. التنين الفلسطيني الذي هزم الصياد
  • نكث العهود يهدد الإطار.. تحذيرات من ضعف المواقف في الانتخابات المقبلة
  • من هو الأسير المحرر الذي أشعل التواصل الاجتماعي؟.. تعرّف على زكريا الزبيدي
  • 9 مايو.. أنغام تكشف عن تفاصيل حفلها في عٌمان «صورة»
  • إعلامي أمريكي بالرياض: المملكة ليست التي كنا نقرأ عنها بالأخبار إنها مختلفة تمامًا .. فيديو
  • حلوان تستقبل وفدًا من جامعة مايو لتفعيل بروتوكول التعاون وتطوير مستشفى الطلبة
  • رئيس جامعة حلوان يستقبل وفدًا من جامعة مايو لتفعيل بروتوكول التعاون وتطوير مستشفى الطلبة
  • فيديو يثير الجدل.. أب يمسح الثلج عن سيارته باستخدام رضيعه!
  • الثورة الرأسمالية التي تحتاجها إفريقيا
  • أبوظبي تستضيف نهائيات الدوري الأوروبي لكرة السلة في مايو