د. سالم عبدالله العامري
شهدت الحركة الاحتجاجية الطلابية في الجامعات الأمريكية مَنْحَىً تصاعديًا، واتسعت دائرة الاحتجاجات لتنتقل من جامعة لأخرى؛ حيث بدأت موجة هذه الاحتجاجات في جامعة كولومبيا لتمتد لعشرات الجامعات الأمريكية وبعض الجامعات الكبرى في العالم، كما شهدت تصاعدًا في حدتها وإصرارًا ثابتًا على تحقيق أهدافها، ويطالب الطلاب المحتجون بوقف دائم لإطلاق النار بغزة، وإنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية لـ"الكيان الصهيوني"، وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، ووقف أي إجراءات تأديبية بحق الطلاب المؤيدين لفلسطين.
وبنظرة فاحصة إلى تاريخ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية خلال فترات ماضية، يتضح أنه كان لها أثر عميق في إحداث تحولات مهمة في السياسة الأمريكية في عدة محطات تاريخية، أبرزها حرب فيتنام، ونظام الفصل العنصري، وحقوق الأمريكيين السود. إن هذا الحدث التاريخي إنما هو سنة إلهية لا يستطيع نظام في الأرض تحويلها أو تبديلها، إنها مأمورة خارج نطاق التحكم البشري، تمضي قاهرة الذين استكبروا في الأرض وعاثوا فيها فسادًا ودمارًا ومارسوا المكر ضد شعوبهم (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
هذه الحركات الاحتجاجية لا بد وأن يستجيب لها القدر مهما حاول الطغاة وأدها، لإنها دعوات صادقة تبغض النفاق، وتمقت الفساد، وتكره الظلم والامتهان، خصوصًا أنها أتت من جيل القلم والمعرفة وحملة مشعل العلم وراية النور الذين رفضوا السكوت عن الظلم والاستبداد الذي يمارسه حكامهم وحكوماتهم المستبدة. كما أن نجاح هذه الاحتجاجات معقود بأن يستجيب لها كل أحرار العالم تحت راية العدل والحرية والسلام وأن لا يتركوها لقدرها ويتخلوا عنها بل يجب المضي قدما خلفها بعقولهم وقلوبهم واجسادهم تدبرًا و تفكرًا و تحليلًا وحكمًا.
هذه الاحتجاجات الطلابية- بلا شك- سيكون لها الأثر البالغ على الرأي العام الأمريكي والعالمي كذلك، ولعل ما يدلل على ذلك هذا الغضب العارم في أوساط حكومة الكيان الصهيوني وتحريض نتنياهو ضد الطلاب المتظاهرين واتهام من ينتقد إجرامه بتهمة معاداة السامية وإن كان يهوديًا. ولعل ما يؤكد أيضًا تأثير هذه الاحتجاجات الطلابية على الرأي العام الأمريكي ما ذكره أحد الكتاب الأمريكيين بالقول إن أمريكا تتمزق، وعلق آخر أن أمريكا تتغير، وآخر يكتب أن إسرائيل أمست عبئًا شديدًا على أمريكا.
ووجهات نظر هؤلاء الكتاب الأمريكيين الكبار وغيرهم حول العالم لتلك الاحتجاجات الأخيرة خصوصًا على السياسة الخارجية الأمريكية، ستلقي بظلالها بما لا يدع مجال للشك على زعزعة أركان وثوابت راسخة في السياسة الخارجية الأمريكية أبرزها الدعم المطلق لإسرائيل، هذا الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل الذي تسبب في تصاعد الاحتجاجات الطلابية قد وضعت الإدارة الأمريكية في وضع حرج للغاية جدًا خصوصًا بعد تعامل الشرطة الأمريكية العنيف مع الطلبة والاساتذة المحتجين.
هذا الحراك الطلابي التاريخي سيكون له ما بعده على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الكيان الصهيوني الذي أصبح عبئًا شديدًا عليها ستضطر أمريكا مرغمة صاغرة في تغيير سياستها الداعمة للكيان الصهيوني وتقييم مراجعة شاملة لقوانينها وعقيدتها المتطرفة إزاء الحماية المطلقة للكيان الصهيوني المجرم الشيء الذي سمح لها بالفساد والطغيان ومد أذرع الخراب والتدمير وابتزاز العالم تحت مصطلحات واهمة وخادعة.
لكن.. ووفق قراءة الواقع، والتأمل في التحولات والمتغيرات السياسية والعسكرية المتسارعة، قد يكون من المبكر الحديث عن تحول سريع وحاسم حول وقف الدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني فثمة فصول احتجاجية واعتصامات قادمة ما تزال في انتظار ركوب قطار احتجاجات الجامعات الامريكية نعتقد أنها ستحدث تحول كبير في العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني.
ختامًا نقول.. دعوها تمضي تصدح بالحق فإنها مأمورة، دعوها تمضي دونما تقهقر وتنطلق دونما تراجع، دعوها فإنه لا يستطيع أن يكبح جماحها منافق أو خائن أو مستبد، دعوها تضع رحالها حيث شاء لها القدر ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾؛ فسُنّة الله في التغيير أن الأرض يرثها الصالحون من كل الشرفاء في مشارق الأرض ومغاربها (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً: