نايف شرار صدر للأكاديمي المغربي مصطفى الزباخ، مؤلفا فريدا بعنوان “فتوحات مغربية وعربية بجزر القمر الإفريقية”. ويوثق المؤلَّف حصيلة ثماني سنوات قضاها مصطفى الزباخ في مهمة مشتركة بين منظمة الإيسيسكو ووزارة التعليم العالي المغربية، رامت وضع مناهج وكتب مدرسية للغة العربية والتربية الإسلامية، وتاهيل مدرسين للغة العربية ووضع خطة استراتيجية لإحداث جامعة قَمَرية، وبناء الجسور التربوية والثقافية والدبلوماسية مع العالم العربي والإسلامي، قبل أن تتجاوز حدودُ مهمته ذلك إلى العمل مستشارا للرئيس سعيد محمد جوهر للشؤون العربية، ومستشارا لوزير التربية والتعليم، ووزير الشؤون الدينية، ومعدّا لبرنامجين في الإذاعة القَمَرية، ومشرفا على بحوث جامعية، بل صار مكتبه بمندوبية الإيسيسكو في “جزر القَمَر” ممثلا لمختلف المصالح العربية والإسلامية، ثقافيا وسياسيا، لغياب سفارات وقنصليات من المنطقة آنذاك بهذا الأرخبيل.

ويوفر الكتاب معلومات غنية عن التاريخ العربي لجزر القمر، وإثباتا للأصل العربي لتسميتها، وتعريفا ببداية دخول أهلها الإسلام، وتأثرهم القوي بتصوف أبي الحسن الشاذلي، والوجود المغربي بها، وتراثها الفكري والأدبي باللغة العربية، وكتاتيبها القرآنية، ومورثها المادي، وأعلامها، والأثر العربي في لغتها، كما يشهد على منعطف مهم في تاريخها الراهن: دخول جامعة الدول العربية. وكتب المؤلِّف أن جزر القَمَر “لم تنل على قدر غنى تراثها الثقافي والحضاري والطبيعي حظها من عناية المؤرخين والباحثين، وخاصة العرب”، و”ظلمها الاستعمار الذي اقتلع جذور ثقافتها العربية، فنهب مخطوطاتها العربية، وجعل اللغة الفرنسية لغتها الرسمية ملغيا العربية في الإدارة والثقافة والمخاطبات، بل بلغ التشويه لتاريخها أقصى مداه حين حرف اسمها العربي”. وتذكّر الزباخ تكليفه  من رئيسِ الجمهورية الراحل سعيد محمد جوهر بـ”مهمة شاقة وسامية ، وهي العمل على قبول جزر القمر عضوا في جامعة الدول العربية”، وقال بأنه بعث ثلاث رسائل إلى الأمين العامّ لجامعة الدول العربية، أحمد عصمت عبد المجيد، عن طريق سفيره بالقاهرة، إبراهيم عبد الله، يطلب فيها قبول جزر القمر عضوا في الجامعة، ولكن قال له بحسرة دامعة بأنه لم يتلقّ أي موافقة، ورجاه العمل على تحقيق هذه الأمنية. من هنا، وجد مصطفى الزباخ سبيلَ تحقيق هذا المسعى في عقد مؤتمر دولي سنة 1992 بعنوان “المؤتمر الدولي للثقافة الإسلامية”، أخذَ منه تحضيره سنتين من الأسفار والإعداد والتنظيم، وافتُتح بحضور المدير العام للإيسسكو آنذاك عبد العزيز التويجري، قدمت خلاله مباحث حول الأصول العربية للثقافة وللغة وللعائلات وللأدب القمري، واختتم بتوصيات أُرفقت مع هذه البحوث ومع رسالة من رئيس الجمهورية، حملها ممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية بالمؤتمر، مصطفى الشكعة، وقادت إلى قبول “جزر القمر” عضوا رسميا في “جامعة الدول العربية” عام 1993. ويعد هذا الكتاب شهادة أيضا على قوة تأثير “الدبلوماسية الثقافية الموازية”، ونجاحها فيما لم تستطع السياسة النجاح فيه. ومن بين ما يوثّقه كتاب “فتوحات مغربية وعربية بجزر القمر الإفريقية”، إنجازات في المجال التربوي، هي “وضع كتب مدرسية للغة العربية والتربية الإسلامية التي أصبحت لأول مرة في تاريخها تعرف كتبا مدرسية مستندة إلى المعايير التربوية والثقافية والاجتماعية واللغوية ومستمدة من البيئة القمرية”، كما جرى “تاهيل أساتذة للغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة (مفوني) تدريبا حديثا على استخدام التقنيات التربوية والطرق البيداغوجية في التدريس، وتدريبهم في مناهج البحث الجامعي”، وكان من مخرجاتها “عدد كبير من البحوث في الحضارة والثقافة والآداب العربية بجزر القمر”.  وقد سبق للدكتور مصطفى  الزباخ ،الأستاذ الفخري بجامعة محمد الخامس بالرباط، ان كان ممثلا لمنظمة الإيسيسكو بجزر القمر، ومديرا لمديريات التربية والثقافة والتخطيط والتقييم بمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، والأمانة العامة لاتحاد جامعات العالم الإسلامي.  nayefshrar@hotmail.com

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

مكي المغربي: دعوا جبل الجليد يرسو!

العالم بأسره يشهد حالة من الارتباك والتحول الحرج والخطير من أحادية إلى تعددية الأقطاب، والسودان ليس استثناءً من هذا المشهد المضطرب. بناءً على ذلك، أتمسك بالقراءة التالية حول الفيتو الروسي:

من الواضح أن البعثة السودانية في نيويورك قد تفاجأت بالفيتو الروسي، وهذا افتراض راجح. لكن افتراض أن الحكومة السودانية، أو ركنًا مهمًا فيها، قد تفاجأ أيضًا يبدو غير مرجح. بل ربما كان هناك تعمُّد في إخفاء التفاهمات وتوجيه النقاشات نحو “تشليع” مشروع القرار، مع ترك الجميع يتوقعون أن روسيا ستكتفي بالامتناع عن التصويت. السبب بسيط للغاية، لو علمت الدول صاحبة مشروع القرار (أومن يعمل لصالحها داخل الدولة، كما أشار الفريق العطا) بالفيتو مسبقًا، لما منحت هذه الدول السودان فرصة للاستفادة منه، حتى لو أدى ذلك إلى تعطيل طرح القرار.

في الواقع، كان الغرض من الفيتو إعلانًا مشتركًا عن تقارب سوداني روسي، ولم يكن بالإمكان تحقيق ذلك إلا بهذه الطريقة.
هل هناك مضاعفات سلبية؟

نعم، قد تشعر بعض الدول الصديقة للسودان، مثل الصين والجزائر، بالحرج، خاصة أنها اجتهدت في تعديل القرار ليصل إلى الصيغة التي وافق عليها السودان (وفقًا لرواية فرنسا وأمريكا). نعم، هناك قدر من الارتباك، وهنالك أيضًا سؤال مشروع (وليس اتهاما): من أبلغهم بالموافقة؟ السفير الحارث ببساطة يمثل الرئيس، ويتحرك برضاه وعلمه، ولكن لكل قرار مسار.
أما الخطورة في صراع الأفيال العالمي، فهي حقيقة لا يمكن إنكارها. لكننا في معركة حتمية مفروضة علينا، ولم يكن السودان من اختارها.

الأمر الإيجابي هنا هو أن جبل الجليد الدبلوماسي السوداني الوزير علي يوسف، العريض المنيع، يسد الأفق حاليا، ويمتلك القدرة على احتواء ومعالجة الآثار الجانبية والمضاعفات الدبلوماسية، بالإضافة إلى إعادة ترتيب الصفوف والمحطات. دعوه يعمل.

وعندما قلنا إنه أدرى الناس بالاختيار بين الشرق والغرب، أو بين الرسوخ والطفو بينهما، كنا نعلم أنه قادم بالمفاجآت.

مكي المغربي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الفيلم المغربي المرقا الزرقا يحصد جائزة آفاق السينما العربية
  • غداً.. المنظمة العربية لحقوق الإنسان تعقد حلقة نقاشية حول تقليص عقوبة الإعدام في العالم العربي
  • تزامنًا مع “عام الإبل”.. مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُطلق “دليل الإبل”
  • "أبوظبي للغة العربية" يدعم ناشرات إماراتيات في "العين للكتاب"
  • “أبوظبي للغة العربية” يحتفي باليوم العالمي للفلسفة
  • "أبوظبي للغة العربية" يُكرّم أعلام الشعر
  • مكي المغربي: دعوا جبل الجليد يرسو!
  • لإنجاز معجم مصطلحات.. المجلس الأعلى للغة العربية يستقبل إطارات الحماية المدنية
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية نظّم (ملتقى لغة الطفل)
  • قبل منتصف الليل.. ظاهرة فلكية رائعة في سماء الوطن العربي