في عيد العمال العالمي.. العنصرية تتحكّم بأرزاق المقدسيين في ظل الحرب
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
القدس المحتلة- في الأول من مايو/أيار من كل عام يحتفل العالم بعيد العمال، ويُعتمد هذا اليوم عطلة رسمية في نحو 100 دولة، تخليدا لذكرى مَن سقطوا من العمال وقياداتهم التي دعت إلى تحديد ساعات العمل بـ8، ونجاح كفاح "البروليتاريين" ومظاهراتهم الضخمة في أميركا وأوروبا خلال القرن الـ19.
ورغم مرور قرن ونيف على ثورة العمال وانتزاعهم حقوقهم، فإن المقدسيين ما زالوا يرضخون تحت أعتى نظام فصل عنصري تتبعه سلطات الاحتلال ضدهم في مجالات الحياة كافة، ومن بينها سوق العمل، وفق خبير قانوني تحدث للجزيرة نت.
الشاب المقدسي (ب.غ) تخرّج قبل نحو عامين من الجامعة، وكان يأمل أن يتمكّن من الالتحاق بمدارس القدس كمعلم، إلا أن اعتقاله من المسجد الأقصى خلال اقتحامه في رمضان عام 2021، دفع بضابط المخابرات لتهديده بالقول "لا تحلم بالعمل في مجال تخصصك يوما ما".
وهذا ما حدث بالفعل، حيث عمل هذا الشاب في مؤسسة بغربي القدس تُعنى بفئة "الأطفال في ضائقة" كمرشد لهم، وبعد قبوله ومواظبته على التردد عليها لمدة 4 أشهر، أرسلت شرطة الاحتلال في اليوم الثاني من الحرب على غزة، أي في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كتابا لمدير المؤسسة جاء فيه أن هذا الشاب "مخرب ويشكّل خطرا على أمن دولة إسرائيل ولا يصلح للعمل في هذه المؤسسة".
فصل وملاحقة
فُصل (ب.غ) من عمله فورا على خلفية عنصرية ولأنه مقدسي لا أكثر، وفق أقواله، ومنذ ذلك الحين بات عاطلا عن العمل لعجزه عن الحصول على شهادة "حسن سيرة وسلوك" من شرطة الاحتلال، بسبب وجود "قضايا أمنية" في ملفه، رغم أن ما طُلب منه عندما تقدم للوظيفة هو إبراز شهادة "حسن سيرة وسلوك" خالية من القضايا المدنية كالسرقة والاغتصاب، وهذا ما وفّره بالفعل.
لكن سياسة القبضة الحديدية التي اتبعتها سلطات الاحتلال في القدس، في اللحظة الأولى لاندلاع الحرب على غزة، أفقدت الكثير من المقدسيين لقمة عيشهم قسرا، بسبب موجة من الإقالات والفصل العشوائي وبادعاءات ضبابية.
(ب.غ) عقّب على ما حدث معه بالقول إن الاحتلال ينقضّ على المقدسيين في كل فرصة تسمح بذلك، مضيفا "حقوقي مهضومة كمقدسي وأشعر بظلم كبير.. فلا أنا قادر على إكمال مسيرتي التعليمية بادعاء وجود سوابق أمنية، ولا أتمكن من ممارسة أي عمل الآن رغم تنازلي وقبولي للعمل في مجالات بعيدة عن تخصصي الجامعي".
وأشار هذا الشاب، خلال حديثه للجزيرة نت، إلى أنه حاول التقدم قبل فترة للعمل كحارس في غربي القدس، فقال له المسؤولون الإسرائيليون "نريد تعيين حارس ليحمينا من أمثالك".
???? متابعة صفا| نقابات عمال فلسطين: نطالب بتخصيص فعاليات الأول من أيار لنصرة غزة
▪️نطالب الاتحادات العمالية العربية والدولية بتحويل فعاليات يوم العمال العالمي "الأول من أيار" إلى يوم نصرة لعمال غزة ولقضية شعبهم الذي يتعرض للإبادة والتعذيب والتنكيل والقصف المدمر من قبل جيش…
— وكالة صفا (@SafaPs) April 30, 2024
الحقوقي والخبير في القانون الدولي منير نسيبة قال للجزيرة نت "كون إسرائيل دولة فصل عنصري وعملت على مأسسة العنصرية في كافة النواحي، فهي لا تحمي العامل الفلسطيني حتى لو كان مقدسيا إذا خسر وظيفته بسبب أنه فلسطيني فقط".
وأكد نسيبة أن دول العالم الديمقراطي تحمي العامل من الفصل التعسفي أو التمييز ضده، بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو اللون أو الأصل القومي أو الإعاقة، لكن القانون الإسرائيلي لا يقدم هذه الحماية للفلسطينيين، وهذا جزء من منظومة الفصل العنصري الموجودة في قوانين هذه الدولة.
وفي تقرير أصدرته مؤخرا 4 مؤسسات حقوقية إسرائيلية بمناسبة مرور نصف عام على الحرب الإسرائيلية على غزة، جاء تحت عنوان "التشغيل والأمن الغذائي" أنه قبل اندلاع الحرب كان 75% من سكان شرقي القدس يعيشون تحت خط الفقر، وكثيرون منهم كانوا يعانون من وجود نقص في الغذاء الأساسي، وفي فترة الحرب سُجل ارتفاع كبير بنسب مئوية عالية في معطيات البطالة، وعائلات كثيرة وجدت نفسها دون مصدر دخل.
وأضاف التقرير الحقوقي أن الكثير من عمال شرقي القدس فقدوا مصدر رزقهم في أماكن العمل الإسرائيلية، إما بسبب إقالتهم أو إخراجهم لإجازة غير مدفوعة، أو بسبب خوف زملائهم والزبائن اليهود منهم، ودفع أولئك تجاه إقالتهم.
أما الجزء الآخر ممن فقد عمله من المقدسيين، وفقا للتقرير، فهم الذين تركوا أعمالهم لشعورهم أنهم ملاحقون في أماكن العمل المختلطة (التي تضم عربا ويهودا)، أو بسبب الحواجز العسكرية في محيط القدس، التي تم إغلاقها، وبالتالي قُيدت حركة المقدسيين الذين يعيشون خلفها.
وفي الأشهر الأولى من الحرب واجه المقدسيون، وفقا للتقرير الحقوقي، العنف من أجهزة الأمن الإسرائيلية واليهود أنفسهم، ودفع ذلك بعضهم للخوف من استخدام المواصلات العامة التي توصلهم لأماكن عملهم في غربي القدس.
وحسب معلومات "مكتب العمل الإسرائيلي" سُجل في كافة أنحاء البلاد ارتفاعا بنسبة 150% على خدمة "التشغيل أو طلب مخصصات البطالة" في بداية الحرب.
أما في شرقي القدس فسُجل ارتفاع 300% في المنضمين الجدد لهذه الخدمة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، مقارنة بشهر سبتمبر/أيلول الذي سبقه، وأدى ذلك إلى حدوث ضرر كبير بالأمن الغذائي لعدد كبير من المقدسيين بسبب معدلات البطالة العالية، وفق المكتب.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
فشل الغرب في الحرب التي شغلت العالم
– لا يستطيع قادة الغرب وكيان الاحتلال إنكار أن هذه الحرب التي تشارف على نهايتها في قطاع غزة، كانت حربهم معاً، وأنه لولا حجم انخراط الغرب مباشرة فيها إضافة إلى التمويل والتسليح والاستنفار وجلب الأساطيل لما استطاع الكيان الصمود حتى هذه الأيام، ولا يستطيع أيّ منهم إنكار أنهم وضعوا ثقلهم معاً سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً ومالياً للفوز بهذه الحرب التي تدور على مساحة 360 كيلومتراً مربعاً فقط، ما يعادل حياً صغيراً في أي مدينة كبرى، وأن الضربة الأولى في هذه الحرب يوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م كانت كافية لزعزعة عناصر قوة الكيان، ما أجبر الغرب كله على الهرولة إلى المنطقة بقادته وجيوشه وماله وسلاحه، واستنفار آلته الإعلاميّة والدبلوماسية لضمان أفضل مستويات الدعم والإسناد لجبهة الكيان بوجه غزة.
– تحوّلت الحرب قضية أولى على جدول أعمال الساسة والقادة والإعلام والشعوب على مساحة العالم، ورغم الخذلان العربي والإسلامي لغزة على مستوى الحكومات والشعوب، فقد نجحت غزة باستنهاض حلفاء لها يساندونها بجبهات قاتلت قتالاً ضارياً بلا هوادة، وتحمّلت تضحيات جساماً، خصوصاً في جبهتي لبنان واليمن، حيث تكفلت جبهة لبنان بإنهاء قدرات جيش الاحتلال على خوض حرب برية، وأجبرته على المجيء إلى وقف إطلاق للنار بدون مكاسب وهو يعترف ببقاء المقاومة على سلاحها، وما يعنيه ذلك من قبول مبدأ العودة إلى التساكن مع قوى المقاومة المسلحة على الحدود، رغم دروس الطوفان التي أجمع عليها قادة الكيان لجهة أن هذا التساكن يعني أن الخطر الوجودي على الكيان قائم وأن المسألة مسألة وقت، ومَن يقبل بالتساكن على الحدود الشمالية يقبل مثله على الحدود الجنوبيّة.
– نجح اليمن بتحدّي القوة الأمريكية والغربية البحرية بكل ما لديها من حاملات طائرات وسفن حربية ومدمرات وغواصات، وفرض إرادته رغماً عنها منجزاً حصاراً بحرياً على ميناء إيلات حتى تمّ إقفاله، وتسببت صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة بتأكيد ما فرضته صواريخ لبنان وطائراته المسيّرة، لجهة عجز القبة الحديديّة بكل تقنياتها المتطورة رغم تدعيمها بشبكة صواريخ ثاد الأمريكية، فبقي المستوطنون يهرولون بمئات الآلاف إلى الملاجئ، وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية، وفشلت كل محاولات إخراج اليمن من موقعه كجبهة إسناد لغزة، بل إن أحد أسباب السير باتفاق ينهي الحرب كان اليقين بأن هذا هو الطريق الوحيد المتاح للتخلص من العقدة اليمنية وما تسببه لواشنطن وتل أبيب من إحراج.
– عوّضت التداعيات التي ترتبت على حرب غزة عالمياً عن الخذلان العربي والإسلامي، مع ظهور حركة الجامعات الغربية بحيويتها وحضورها المميز، وتطورها نحو إطلاق مد ثقافي فكري تاريخي لإثبات الحق الفلسطيني بكامل التراب الوطني الفلسطيني، وتوسّعت حركات المقاطعة الاقتصادية، وتسبّبت بتغييرات هيكلية في شبكة علاقات الشركات العالمية الكبرى بالكيان، وامتلأت شوارع عواصم الغرب بالملايين تهتف بالحرية لفلسطين، كما شهد العالم إعادة تموضع سياسية ودبلوماسية ونهوض حركة مساءلة قانونية بوجه جرائم الكيان ووحشيته، رغم التهديدات الأمريكية بالعقوبات، فقطعت دول علاقاتها بالكيان وأغلقت سفاراتها لديها وسحبت سفراءها من عاصمته، واعترفت دول أخرى بالدولة الفلسطينية، وذهبت دول لمقاضاة الكيان أمام المحاكم الدولية، وتحرّكت المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق قادة الكيان.
– عادت القضية الفلسطينية إلى وهجها كقضية دولية إنسانية وقانونية، لكن أيضاً كقضية استراتيجية يتوقف على حلها بصورة يقبلها الشعب الفلسطيني استقرار الشرق الأوسط، وتالياً سوق الطاقة واستقرار العالم، ولم يعُد العالم كما لم تعُد القضية الفلسطينية بعد هذه الحرب كما كان الحال قبلها، وهكذا حقق الطوفان أهدافه، وكانت عيون العالم على الطريقة التي سوف تنتهي من خلالها الحرب، لتحديد سقوف السياسة ومقدار القوة التي سوف ينجح الفلسطينيون في انتزاعها في ظل الضوء الأخضر الممنوح للكيان بتدمير كل ما يتصل بالحياة في غزة، وها هم يفرضون اتفاقاً لا يطال سلاح مقاومتهم، ولا يمنح الاحتلال أي امتيازات أمنية وجغرافية في قطاع غزة، ويجد أنه مجبر على إعلان انتهاء الحرب، وسوف يكون سقف تباهي حكام واشنطن وتل أبيب بما أنجز في غزة ولبنان واليمن هو ما قاله أنتوني بلينكن عن إنجازات أميركا وإسرائيل في لبنان، وسقفها إبعاد حزب الله عن الحدود، وقطع إمداده عبر سورية، لكن قوته باقية ولذلك فالإنجاز كما يقول إنه تمّ حرمان حزب الله من تشكيل تهديد راهن؛ بينما بعض الحمقى والمهابيل في لبنان يحتفلون بأن نزع سلاح حزب الله على الطاولة، وهكذا سوف يقولون عن غزة، تحييد التهديد الراهن؛ بينما يحتفل بعض مهابيل وحمقى الأجهزة في السلطة الفلسطينية بالحديث عن هزيمة المقاومة وحتمية نزع سلاح المقاومة.. ويبقى الأهم ما تقوله واشنطن وتل أبيب لا ما يردده أيتام الوحدة 8200، إن القضية هي منع التهديد اليوم وليس آلة القوة وأسباب القوة، لكن ماذا عن الغد، والاحتلال لن يحلم في أي منازلة مقبلة، وهي مقبلة حكماً، ما يشبه ما ناله في هذه الحرب ولم ينجح بتحقيق النصر؟.
رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية