صراع الفضاء.. كيف يُدار بين أميركا وروسيا إستراتيجيا؟
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
عاد ملف تسليح الفضاء الخارجي إلى واجهة الأحداث بفعل المواجهة الأميركية-الروسية في مجلس الأمن، إذ استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة يوم الأربعاء 24 أبريل/نيسان 2024، بخصوص إعادة التصديق على معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967.
ووقّعت على هذه المعاهدة عدة دول، من بينها روسيا وأميركا، وهي تلزم جميع الأعضاء بالامتناع عن وضع أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي.
أثار ذلك الأمر اتهامات متبادلة بشأن نوايا الطرفين، إذ تتهم الولايات المتحدة روسيا بتطوير قنبلة نووية فضائية قادرة على إحداث إشعاعات كهرومغناطيسية تعمل على تعطيل شبكات واسعة من الأقمار الصناعية، وفقا لما نقلته وكالة رويترز عن مسؤولين في المخابرات الأميركية.
في حين تقول روسيا إنها تريد طرح مشروع قرار بديل يمنع وضع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية في الفضاء.
وتلقي هذه المواجهة الدبلوماسية الضوء على الأهمية التي توليها الدولتان لموازين القوة في الفضاء الخارجي، باعتباره جبهة أساسية في الصراع الدولي، وتُطرح التساؤلات عن ماهية الرؤية الإستراتيجية تجاه الأمر، وكيف يسعى كل طرف إلى تطبيقها.
بوتين يسعى بكل الطرق إلى استعادة مكانة روسيا كقطب منافس في النظام الدولي (الجزيرة) أهمية الفضاء في المواجهة الإستراتيجيةيسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ وصوله إلى السلطة إلى استعادة مكانة روسيا كقطب منافس للولايات المتحدة في النظام الدولي، إذ عانت بلاده من التهميش على الساحة الدولة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.
وفي هذا السياق، تدخلت روسيا عسكريا في سوريا، وتقاربت مع الصين رغم ما بينهما من تنافس إقليمي، وشنت حربا على أوكرانيا حينما قررت الانضمام إلى حلف الناتو، وبين الفينة والأخرى تلوح بامتلاكها السلاح النووي، محذرة من أي تصعيد ضدها.
وينسجم التمنع الروسي عن تجديد التصديق على معاهدة الفضاء الخارجي مع هذا السياق من المواجهة الإستراتيجية بين الطرفين.
وبالعودة إلى جذور هذا الملف، فقد كان "سباق الفضاء" أحد أهم أوجه الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات من القرن العشرين.
وكان ينظر عالميا إلى الإنجازات التي يحققها أي من الطرفين في هذا المجال باعتبارها مؤشرا على قوته العلمية والتكنولوجية، علاوة على دورها الدعائي واسع النطاق، والذي يؤثر في جذب الدول المترددة إلى أي من الطرفين.
واستفاد كلا الطرفين في جهودهما البحثية من علماء الصواريخ الألمان، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
ووفقا "لموسوعة الأمن القومي الأميركي" فقد كان لهذا السباق دور أساسي في التوصل إلى اكتشافات واختراعات علمية دائمة.
فتكنولوجيا الكمبيوتر، على سبيل المثال، تقدمت بمعدل فلكي خلال سباق الفضاء، إذ كانت المركبة الفضائية تتطلب أجهزة كمبيوتر قوية بما يكفي للتحكم في الوظائف المعقدة، لكنها صغيرة بما يكفي لوضعها على متن كبسولة ضيقة.
كما أدت احتياجات رحلات الفضاء إلى مجموعة من الاختراقات في مجال الإلكترونيات والاتصالات والتوجيه وأنظمة التحكم عن بُعد، ومن ثم تطورت الصواريخ الباليستية العابرة للقارات القادرة على حمل رؤوس حربية نووية إلى بعد آلاف الأميال.
وزادت أنظمة التوجيه التي تم تطويرها لرحلات الفضاء من دقة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، مما وفر القدرة على إيصال الرؤوس الحربية النووية بدقة إلى أهداف بعيدة.
ولمحاولة تنظيم هذا السباق، والحد من مخاطره، جاءت "معاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي" التي فتح باب التوقيع عليها في موسكو ولندن وواشنطن يوم 27 يناير/كانون الثاني 1967.
وتنص المادة الرابعة من المعاهدة على تعهد الدول الأطراف على:
عدم وضع أي أجسام تحمل أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في مدار حول الأرض، أو تركيب مثل هذه الأسلحة على الأجرام السماوية، أو وضع مثل هذه الأسلحة في الفضاء الخارجي بأي طريقة أخرى. استخدام القمر والأجرام السماوية الأخرى للأغراض السلمية حصرا. حظر إنشاء القواعد والمنشآت والتحصينات العسكرية، واختبار أي نوع من الأسلحة، وإجراء المناورات العسكرية على الأجرام السماوية. حماية مصالح الولايات المتحدة في الفضاء أحد أهداف وثيقة الأمن القومي الأميركي لعام 2022 (شترستوك) الفضاء في وثيقة الأمن القومي الأميركيحددت وثيقة الأمن القومي الأميركي، التي أصدرها البيت الأبيض عام 2022، 3 أهداف لإستراتيجيتها بشأن الفضاء الخارجي، وهي:
حماية مصالح الولايات المتحدة في الفضاء. تجنب سباقات التسلح المزعزعة للاستقرار. إدارة بيئة الفضاء بشكل مسؤول.وفي سبيل ذلك ترى الإدارة الأميركية أنه يجب عليها أن تتولى:
الريادة في تحديث إدارة الفضاء الخارجي. إنشاء نظام لتنسيق حركة المرور في الفضاء. رسم مسار لقواعد الفضاء وتحديد الأسلحة في المستقبل.فيما تعِد في الوثيقة:
بتطوير السياسات واللوائح التي تمكّن قطاع الفضاء التجاري الأميركي المزدهر من المنافسة على المستوى الدولي. تعزيز مرونة أنظمة الفضاء الأميركية التي تعتمد عليها في وظائف الأمن الوطني والداخلي الحاسمة.وتظهر مكانة الفضاء الخارجي لديها أيضا ضمن "إستراتيجية الدفاع الوطني" التي تعتمد على الردع المتكامل، وهو "مزيج سلس من القدرات لإقناع الخصوم المحتملين بأن تكاليف أنشطتهم العدائية تفوق فوائدها".
مما يستلزم ذلك، وفقا للوثيقة، التكامل عبر المجالات، فكما أن إستراتيجيات منافسي الولايات المتحدة تعمل عبر المجالات العسكرية (البرية والجوية والبحرية والإلكترونية والفضائية)، وغير العسكرية (الاقتصادية والتكنولوجية والمعلوماتية)، فيجب عليها أن تفعل ذلك أيضا.
وفي سياق المواجهة مع روسيا أكدت الوثيقة على أن:
الولايات المتحدة تعمل على تقييد القطاعات الاقتصادية الإستراتيجية لخصمها التاريخي، بما في ذلك الدفاع والفضاء. سيتم إضعاف الجيش التقليدي الروسي، الأمر الذي من المرجح أن يزيد من اعتماد موسكو على الأسلحة النووية في تخطيطها العسكري. لن تسمح الولايات المتحدة لروسيا، أو أي قوة، بتحقيق أهدافها من خلال استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها. لدى أميركا مصلحة في "الحفاظ على الاستقرار الإستراتيجي وتطوير بنية تحتية أكثر اتساعا وشفافية، ويمكن التحقق منها للحد من الأسلحة، لإنجاح معاهدة ستارت الجديدة، وإعادة بناء الترتيبات الأمنية الأوروبية التي أصبحت في حالة سيئة بسبب تصرفات روسيا". الولايات المتحدة: لن نسمح لروسيا أو أي قوة باستخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها (شترستوك) الفضاء في وثائق الأمن القومي والسياسة الخارجية الروسيةتشير وثيقة الأمن القومي الروسي التي أصدرها الرئيس بوتين عام 2021، في قراءتها لاتجاهات السياسة الدولية إلى:
تزايد خطر تصاعد الصراعات المسلحة إلى حروب محلية وإقليمية، بما في ذلك تلك التي تشمل القوى النووية. يجري تطوير الفضاء الخارجي وفضاء المعلومات بشكل نشط باعتبارهما مجالين جديدين للعمليات العسكرية.وتظهر وثيقة "مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الروسي"، التي أصدرها الكرملين في 31 مارس/آذار 2023، موقفا متحفزا تجاه السلوك الغربي في هذا الصدد.
إذ تقول الوثيقة في تحليلها للاتجاهات الرئيسية لعالم اليوم إن عامل القوة في العلاقات الدولية يتزايد، وتتوسع مناطق الصراع في عدد من المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية.
وتضيف أن الحشد المزعزع للاستقرار وتحديث القدرات العسكرية الهجومية، وتدمير نظام معاهدة الحد من الأسلحة يقوض الاستقرار الإستراتيجي.
وتشير الوثيقة إلى:
استخدام القوة العسكرية في انتهاك للقانون الدولي. استكشاف الفضاء الخارجي وفضاء المعلومات كمجالات جديدة للعمل العسكري. عدم وضوح الخط الفاصل بين الوسائل العسكرية وغير العسكرية للمواجهة بين الدول. تصعيد العمليات المسلحة التي طال أمدها.لتخلص إلى أن الصراعات في عدد من المناطق تزيد من التهديد للأمن العالمي، وتعزز خطر الاصطدام بين الدول الكبرى، بما في ذلك بمشاركة القوى النووية، واحتمال تصاعد مثل هذه الصراعات وتحولها إلى حرب محلية أو إقليمية أو عالمية.
وفي التعامل مع هذا الواقع تنص الوثيقة على ضمان مصالح الاتحاد الروسي في الفضاء الخارجي، وتقدم لذلك مقاربة غير عدوانية، إذ تنص على السعي إلى تعزيز مكانة روسيا كإحدى القوى الرائدة في مجال الفضاء.
بالإضافة إلى تعزيز مواقع روسيا القيادية في أسواق السلع والأعمال والخدمات الفضائية، والدراسة السلمية للفضاء الخارجي واستخداماته، من خلال إعطاء الأولوية لـ"تعزيز التعاون الدولي بهدف منع حدوث سباق تسلح في الفضاء الخارجي، وذلك في المقام الأول من خلال تطوير وإبرام معاهدة دولية ذات صلة، وكخطوة وسيطة، من قبل جميع الدول الأطراف التي تتعهد بألا تكون أول من يضع أسلحة في الفضاء الخارجي".
إلا أن القراءة السياسية التي تقدمها الوثيقة، وواقع المواجهة العسكرية في أوكرانيا، وتاريخ عدم الثقة بين الولايات المتحدة وروسيا ترجح أن تكون هذه المقاربة مناورة تغطي على اهتمام روسي بردع الغرب من خلال تعزيز حضور الردع النووي في مواجهة الضغوط الإستراتيجية التي يتعرض لها من قبل أوروبا والولايات المتحدة.
وبذلك فإن روسيا تطبّق ما توقعته الإدارة الأميركية في وثيقة الأمن القومي، من تعزيز مكانة الردع النووي لمواجهة استهداف قوتها العسكرية التقليدية ونفوذها الدولي.
كما أنها تحوّل ملف تسليح الفضاء إلى ورقة ضغط وتفاوض تسعى من خلالها إلى استصدار اعتراف غربي بمكانتها في السياسة الدولية، وبمصالحها الإستراتيجية، وعلى رأسها الاحتفاظ بمحيط حيوي آمن، وهو ما يتطلب وقف تمدد حلف الناتو قرب حدودها، والوصول إلى تسوية بشروط مقبولة منها للأزمة الأوكرانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الأمن القومی الأمیرکی فی الفضاء الخارجی الولایات المتحدة أسلحة فی من خلال
إقرأ أيضاً:
بزشكيان: لا يمكننا تجاهل أميركا وعلينا التعامل مع أعدائنا بصبر
نقلت وسائل إعلام رسمية -اليوم الثلاثاء- عن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان قوله إن طهران لن تتمكن من تجاهل الولايات المتحدة ويتعين عليها "التعامل مع أعدائها بالصبر".
وقال بزشكيان بعد أسبوع من فوز الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية "شئنا أم أبينا، سيتعين علينا التعامل مع الولايات المتحدة على الساحتين الإقليمية والدولية، لذا من الأفضل أن ندير هذه العلاقة بأنفسنا". وأضاف "يتعين علينا أن نتعامل مع أصدقائنا بكرم وأن نتعامل مع أعدائنا بالصبر".
ففي عام 2018، تخلى ترامب، الرئيس آنذاك، عن الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع قوى عالمية في عام 2015 وأعاد فرض عقوبات قاسية في إطار سياسة "الضغط الأقصى" على إيران.
ولم ترد تقارير تفيد بأن إدارة ترامب تعتزم إجراء محادثات مع طهران بعد تولّيها السلطة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، لكن ترامب قال أثناء حملته الانتخابية "لا أريد أن ألحق الضرر بإيران لكن لا يمكنهم أن يمتلكوا أسلحة نووية".
إدارة ترامب تعتزم إجراء محادثات مع طهران (أسوشيتد برس) محادثات متعثرةوبدأت محادثات غير مباشرة بين واشنطن وطهران لإحياء الاتفاق النووي تحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لكنها تعثرت. ولا تزال إيران رسميا جزءا من الاتفاق لكنها قلصت التزاماتها بسبب العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها عليها.
وفي وقت سابق اليوم الثلاثاء، قالت المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني إن طهران ستسعى لتحقيق كل ما يحقق "مصالحها"، وذلك ردا على سؤال عن احتمال إجراء محادثات مباشرة مع إدارة ترامب.
ونبهت إلى أن القرار النهائي للمحادثات يتخذه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي.
وقالت إن سياسة الضغوط القصوى التي مارسها الرئيس المنتخب دونالد ترامب خلال دورته الرئاسية الأولى فشلت في بلادها.
وأضافت أن طهران توصي الرئيس ترامب بالابتعاد عن أي مسارات خاطئة قد تؤدي إلى انتهاك حقوق الشعب الإيراني، حسب تعبيرها.