إعادة تعريف رواية النضال الفلسطيني من جديد
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
كانت لحرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة عواقب غير متوقعة، حيث أشعلت الرأي العام العالمي ضدها على نحو غير مسبوق. وكانت التداعيات شديدة، لا سيما في كيفية إعادة تشكيل الخطاب حول السياسة الخارجية الأمريكية، الداعم الرئيس لإسرائيل والمتواطئة معها سواء بتوريد الأسلحة والذخيرة المستخدمة في قتل الأبرياء في غزة أو من خلال تقديم الدعم السياسي واستخدام الفيتو لتعطيل أي جهود دولية لمطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار، أو حتى الدعم والضغط الدبلوماسي الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد محكمة الجنايات الدولية لوقف إصدار مذكرات إعتقال دولية بحق نتنياهو ووزير الحرب وأعضاء كابينة الحرب الإسرائيلية الذين ارتكبوا جرائم حرب في غزة.
لا انتماء حزبيا أو سياسيا
إن عودة الحركات الاحتجاجية إلى أروقة الأوساط الأكاديمية هي ظاهرة معقدة، وتكشف عن طبقات من التطور السياسي والاجتماعي والنفسي الذي ظل يغلي على نار هادئة لعقود من الزمن. إن "حركة التمرد الطلابي" هذه ليست مجرد نتاج احتجاجات عفوية؛ إنها تمثل قوسا تاريخيا طويلا من التغييرات التدريجية والوعي الناشئ بين الطلاب. وخلافا للعديد من الحركات التقليدية، فإن هذه الحركة لا تنحاز إلى أي إطار أيديولوجي محدد أو جماعة سياسية أو عسكرية. إن انفصالها عن الجماعات السياسية العالمية يسلط الضوء على موقفها الفريد.
تركز الحركة على الدعوة إلى العدالة، ولا سيما تسليط الضوء على القضية الفلسطينية والأزمة الإنسانية الأليمة في غزة. وهذا يعكس أهمية التحول الكبير نحو النشاط الشعبي، الذي لا يرتبط بالقيود التقليدية للانتماءات السياسية، ولكنه مدفوع برغبة جماعية في معالجة الظلم العميق ومواجهة حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل
وتركز الحركة على الدعوة إلى العدالة، ولا سيما تسليط الضوء على القضية الفلسطينية والأزمة الإنسانية الأليمة في غزة. وهذا يعكس أهمية التحول الكبير نحو النشاط الشعبي، الذي لا يرتبط بالقيود التقليدية للانتماءات السياسية، ولكنه مدفوع برغبة جماعية في معالجة الظلم العميق ومواجهة حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل. إن غياب راية أيديولوجية واحدة يشير إلى نهج أوسع وأكثر شمولا للنشاط، يرحب بالأصوات ووجهات النظر المتنوعة داخل الجسم الطلابي.
يعد إحياء النشاط الطلابي هذا بمثابة تذكير قوي بالدور المؤثر الذي لعبه الطلاب في تشكيل الخطاب السياسي وإحداث التغيير الاجتماعي عبر التاريخ. فمن حركات الحقوق المدنية في الستينيات إلى الاحتجاجات المناهضة للفصل العنصري، كان للطلاب دور محوري في الدفع نحو التحولات المجتمعية. ويعتمد الطلاب المتظاهرون اليوم على هذا الإرث الغني، ويستخدمون حرمهم الجامعي كمنابر لتحدي الظلم وحشد الدعم للفلسطينيين المضطهدين في غزة والضفة الغربية.
نضال مستمر من فيتنام إلى غزة
لقد كان النشاط الطلابي منذ فترة طويلة قوة مؤثرة في تشكيل الخطاب العام والتأثير على السياسة، وخاصة في القضايا ذات الاهتمام الدولي. ومن خلال مقارنة الاحتجاجات الطلابية خلال حقبة حرب فيتنام بالاحتجاجات الطلابية الحالية لدعم فلسطين، يمكننا الكشف عن رؤى أعمق حول دوافع هذه الحركات وأساليبها وأهدافها الشاملة، مما يكشف عن التزام مستدام بالعدالة الاجتماعية ومقاومة القمع.
خلال الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، أثارت حرب فيتنام غضبا واسع النطاق بين مجموعات مختلفة في الولايات المتحدة وحول العالم، ولا سيما بين طلاب الجامعات. تميزت هذه الفترة بحركة طلابية نشطة لم تعارض التدخل العسكري للولايات المتحدة في فيتنام فحسب، بل عارضت أيضا قضايا أوسع مثل الحقوق المدنية ونزع السلاح النووي. كان المتظاهرون مدفوعين بإحساس عميق بالظلم والإيمان بالحاجة إلى نظام عالمي أكثر إنصافا وسلاما. لقد استخدموا الاعتصامات والتدريس والمسيرات والتجمعات الجماهيرية كأشكال من أشكال المقاومة السلمية، كما سلطت احتجاجاتهم الضوء على طموح جماعي لتحدي وقلب ما اعتبروه سياسة خارجية متعجرفة وعدوانية.
يتشارك هؤلاء الطلاب الناشطون، سواء من حقبة حرب فيتنام أو من الجيل الحالي الداعم لفلسطين، بروح لا هوادة فيها لتحدي الوضع الراهن والدعوة إلى إعادة تصور العلاقات الدولية والسياسات الوطنية التي تفضل السلام والعدالة على الاستعمار والإجرام الممنهج
وبالتقدم سريعا إلى الحاضر، نلاحظ طفرة مماثلة في النشاط الطلابي، مع التركيز هذه المرة على حرب إبادة تمارس ضد المدنيين في غزة وفلسطين. قام الطلاب في مختلف الجامعات على مستوى العالم بالتعبئة للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين، والدفاع عن حقوق الإنسان، وحث مؤسساتهم على الابتعاد عن الشركات الإسرائيلية التي تساهم في تصفية قضايا الشعب الفلسطينية. هذه الحركة الأكاديمية والطلابية هي امتداد تاريخي لاحتجاجات الطلاب المدفوعين برغبة عميقة في دعم المضطهدين والدعوة إلى مقاطعة الظلم على نطاق عالمي.
وعلى الرغم من العقود التي تفصل بينهما، فإن الحركتين تربطهما أهداف مشتركة أهمها السعي إلى تحقيق العدالة، ودعم المضطهدين، ومعارضة عدوان وغطرسة ونظام عالمي فاسد يساند إسرائيل في تصفية الأبرياء من النساء والأطفال والرجال المدنيين. يتشارك هؤلاء الطلاب الناشطون، سواء من حقبة حرب فيتنام أو من الجيل الحالي الداعم لفلسطين، بروح لا هوادة فيها لتحدي الوضع الراهن والدعوة إلى إعادة تصور العلاقات الدولية والسياسات الوطنية التي تفضل السلام والعدالة على الاستعمار والإجرام الممنهج.
كسر الاحتكار الإعلامي وإعادة تعريف الرواية من جديد
في المشهد العالمي الذي يشهد تطورات سريعة اليوم، يتزامن تراجع هيمنة وسائل الإعلام الغربية مع ظهور وسائل الإعلام البديلة. وتلعب منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام غير الغربية هذه دورا محوريا في بث تحديثات لحظية حول العالم، لا سيما تلك المتعلقة بحرب الإبادة الدائرة في غزة. لقد أثرت وسائل الإعلام الحديثة بشكل كبير على التصورات العالمية من خلال عرض الحقائق الصارخة للجرائم الإسرائيلية وداعميها الغربيين، أدى هذا الوعي المتزايد إلى إعادة تعريف السرد المحيط بالمحنة الفلسطينية، وتصويرها ليس فقط كقضية إقليمية، بل كنضال مستمر من أجل البقاء ضد المحاولات الإسرائيلية المنهجية للتهجير والاستئصالوالتي غالبا ما يتم تجاهلها أو تحريفها من قبل وسائل الإعلام الغربية التقليدية. وقد أدى هذا التحول في نشر المعلومات إلى تحويل الجامعات إلى مراكز لتبادل المعلومات وتنظيمها، حيث تقوم المجموعات الطلابية المناصرة للقضية الفلسطينية بحشد الدعم وتنسيق الأنشطة وبناء منصات جديدة للرأي سيكون لها مستقبل مختلف وواعد.
وقد أدى هذا الوعي المتزايد إلى إعادة تعريف السرد المحيط بالمحنة الفلسطينية، وتصويرها ليس فقط كقضية إقليمية، بل كنضال مستمر من أجل البقاء ضد المحاولات الإسرائيلية المنهجية للتهجير والاستئصال. ويرمز الشعار القوي "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر" إلى هذا التحول، حيث يوحد هذا الشعار تحالفا واسعا من المتظاهرين من خلفيات متنوعة، تشمل أطيافا سياسية ودينية واجتماعية، بما في ذلك اليساريين والمسلمين والمسيحيين واليهود. وتقف هذه المجموعات معا في تضامن، ومعارضة لإسرائيل وحربها وآثار هذه الحرب على العدالة العالمية.
إن الجرائم الإسرائيلية التي تتكشف يوما بعد يوم هي بمثابة تذكير قاتم للحقائق القاسية للسياسة الدولية، وفضح أسطورة "النظام الغربي"، ويؤكد قانون الغاب السائد أن المقاومة قد تكون السبيل الوحيد للمضي قدما في هذه الأوقات الحرجة. وبينما يتخذ الطلاب والمواطنون في مختلف أنحاء العالم مواقف أخلاقية سياسية، فإن دعمهم للقضية الفلطسينية تعكس معارضة جماعية ضد التواطؤ الملحوظ من جانب القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، في إدامة إبادة جماعية مشهودة وموثقة بالأدلة.
twitter.com/fatimaaljubour
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الجامعات الفلسطينية امريكا فلسطين غزة الاحتلال جامعات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وسائل الإعلام حرب الإبادة إعادة تعریف حرب فیتنام الضوء على إلى إعادة لا سیما حرب فی فی غزة
إقرأ أيضاً:
رواية جديدة لفرار الأسد.. هرب بمدرّعة روسية واصطحب معه 3 أشخاص
#سواليف
كشف تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية -نشرته اليوم الجمعة- اللحظات الأخيرة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد قبل هروبه إلى موسكو التي منحته اللجوء الإنساني، وذلك استنادا إلى مقابلات مع 12 شخصا مطلعين على تحركات الأسرة وفرار الأسد.
وذكر التقرير أنه عشية سيطرة فصائل المعارضة على العاصمة دمشق، استقل بشار الأسد مركبة مدرعة عسكرية روسية مع ابنه الكبير حافظ تاركا أقارب وأصدقاء يبحثون “بشكل محموم عن الرجل الذي وعد بحمايتهم”، وفق وصف الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها إنه في الساعة الـ11 من مساء السابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري (ليلة السقوط)، وجد رفاق بشار الأسد القدامى -أثناء مرورهم أمام منزله في حي المالكي- نقاط حراسة مهجورة ومباني فارغة، في حين كان الزي العسكري يتناثر في الشوارع.
مقالات ذات صلة عدد سكان عمّان ازداد أكثر من 100% في 25 عاما 2024/12/20وأوضحت المصادر للصحيفة أنه بحلول منتصف الليل كان الأسد في طريقه بالفعل مع حافظ إلى قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية الواقعة على البحر المتوسط.
كما أكدت المصادر أن الأسد لم يأمر الجيش بالاستسلام إلا بعد أن أصبح خارج دمشق، وأصدر أوامر بحرق المكاتب والوثائق.
انتظر للفجر
وقال مصدر مطلع للصحيفة إن روسيا جعلت الأسد وابنه ينتظران في قاعدة حميميم حتى الرابعة فجرا من الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري قبل أن تسمح لهما بالتوجه إلى موسكو.
كما انضمت ابنة الأسد -زين- إلى أبيها وأخيها في موسكو قادمة من الإمارات المتحدة حيث كانت تدرس في جامعة السوربون في أبو ظبي، وفق مصدر مقرب من العائلة.
وبذلك اجتمعت العائلة الهاربة مع أسماء الأسد التي كانت في موسكو لتلقي علاج السرطان مع والدتها ووالدها فواز الأخرس الذي فرضت عليه الخزانة الأميركية عقوبات.
الأولوية لثروته
ورافق الأسد في رحلة الهروب اثنين على الأقل من أتباعه الماليين الذين يحملون مفاتيح الأصول المهربة إلى الخارج، وهما يسار إبراهيم (رجل أعمال) ومنصور عزام (وزير شؤون رئاسة الجمهورية سابقا)، وفق ترجيحات مصادر مطلعة نقلت عنها فايننشال تايمز.
وقالت المصادر إن اختيار الأسد لرفاق رحلة هروبه يشير إلى أن “الأولوية كانت لثروته وليست لعائلته”، إذ هرب المقربون منه لاحقا كل بمفرده إما نحو لبنان أو العراق أو الإمارات أو البلدان الأوروبية لمن يحمل جوازات أجنبية، في حين اختبأ بعضهم في السفارة الروسية بدمشق، بعد اكتشافهم هروب الأسد الذي وعد لآخر لحظة بالانتصار.
ومن بين الذين تركهم الأسد وراءه، أخوه ماهر القائد السابق للفرقة الرابعة، الذي فر نحو العراق بعد اكتشاف فرار أخيه، بحسب مصادر مطلعة نقلت عنها الصحيفة.
“لم يقل كلمة واحدة”
وقالت المصادر إن الأسد لم يوجه كلمة واحدة للذين تعهد بحمايتهم، كما ترك العديد من أتباعه السابقين في حالة من الذهول والغضب الشديد، ولم يكلف نفسه عناء تحذير أقاربه بما في ذلك أبناء عمومته وإخوته وأبناء أخته وأخيه فضلا عن أسرة زوجته.
وقبل 4 أيام من مغادرته دمشق، أصبح الرئيس المخلوع يائسا بشكل متزايد، مما دفعه لإخبار روسيا بأنه مستعد للقاء المعارضة السياسية في جنيف لإجراء محادثات، لكن يبدو أن روسيا لم تهتم، وفق ما نقلته فايننشال تايمز عن مصادر.
ومن غير المرجح أن تسلم روسيا الرئيس السوري المخلوع ليخضع للمحاكمة بعد حكمه الدموي لسوريا، إذ من المتوقع أن يقضي حياته فارا في موسكو.