مفتي الجمهورية: أنشأنا مركز سلام ومراصد بحثية لمواجهة فتاوى الكراهية التي يبثها المتطرفون في العالم
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم إننا نواجه تحدياتٍ مشتركةً تُحتِّمُ علينا فتح قنوات الحوار المباشر مع بعضنا البعض لإيجاد حلولٍ للمشكلات التي يواجهها العالم"، موضحًا أن هذا العالم المترامي الأطراف بات قرية صغيرة بمعنى الكلمة، وأي حادثة مهما بدت عابرة شديدة المحلية تؤثر في أقصى مكان فيه.
جاء هذا خلال كلمة المفتي الرئيسية في المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات في باكو بجمهورية أذربيجان، والذي يعقد في الفترة من 1 إلى 3 مايو تحت شعار "الحوار من أجل السلام والأمن العالمي"، ويحضره عدد كبير من قادة الأديان في العالم.
وأكد المفتي خلال كلمته أن الناس قد يختلفون حول العقائد والأديان، ولكنهم يتفقون على الأخلاق، ويتعايشون فيما بينهم في أمن وسلام، ما دام بينهم عقد اجتماعي وعُرف أخلاقي واحد يسمو بهم نحو المعاني الراقية من الصدق والأمانة والتعاون على البر والخير والاحترام المتبادل، موضحًا أن أهم ما يعزز من قيمة التعايش السلمي والأمن هو السعي إلى التعارف بمعنى الاطلاع على الثقافات والأديان المختلفة من مصادرها الأصيلة المعتمدة، لا مما يشاع ويقال عنها من شائعات مغرضة هنا أو هناك، والله تعالى قد ذكر في القرآن الكريم أنه لم يخلق هذا التنوع والتعدد عبثًا ولا سدى فقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}، وقال تعالى: {أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وأضاف أن ثبات القيم الأخلاقية كفيل بحفظ الأمن والأمان في المجتمع مهما اختلفت العقائد والأديان، وأي عبث بالمنظومة الأخلاقية التي تعارف الناس عليها سوف يؤدي إلى عواقب كارثية وخيمة، ولذلك فإننا بحاجةٍ إلى جهد كبير لترسيخ القيم والأخلاق وقواعد الذوق العام في المجتمع من خلال المؤسسات الدينية والإعلامية والتعليمية والفنية، وما أحوجنا -حقًّا- لتفعيل تلك القيم وتحويلها إلى واقع ملموس في عصرنا الحاضر، بعدما تفاقمت مخاطر قوى شريرة تزكي نيران الكراهية والتعصب والشقاق والطائفية والتطرف والإرهاب وتعتدي على الكرامة الإنسانية.
مفتي الجمهورية في منتدى عالمي للحوار بين الثقافاتوأشار المفتي إلى أن العالم بحاجة إلى إجراءات عملية تُفعِّل هذه القيم الراقية حتى نئِدَ الكراهية ونُحيي المحبة والسلام، وما أحوج إعلامنا المعاصر إلى أن يتعاون على الحب والإخاء وألا يتعاون على نشر الكراهية وإذكاء نار الفرقة، كما شدد على ضرورة اهتمام التعليم المعاصر بتدريب الطلاب صغارًا وكبارًا على أن يتكاملوا في اتفاقهم واختلافهم، وكذلك شدد على حاجة دعاة حقوق الإنسان في العالم إلى أن يكون منطلق دعوتهم العناية بالإنسان ومساندته بصرف النظر عن اعتبارات الجنس واللون والدين، والنظر بعين الاعتبار إلى المشترك الإنساني من ناحية، وإلى احترام الخصوصيات والتنوعات من ناحية أخرى، فضلًا عن حاجة مؤسساتنا أيضًا إلى أن تُفشي السلام والمحبة والحوار قولًا وفعلًا بينها.
وأوضح مفتي الجمهورية أن الحوار لا ينقلب أبدًا إلى حديث أحادي لإلحاق الهزيمة بالمخالف، لكنه يجسد المحاولة لفهمه وبناء جسور التفاهم والتعاون معه تنفيذًا لمراد الله عز وجل، فقد خلقنا سبحانه وتعالى شعوبًا وقبائل ليتعرف بعضنا إلى بعض.
ولفت المفتي النظر إلى سعي "دار الإفتاء المصرية" في الفترات السابقة بخُطًا حثيثة لجمع الشمل وتوطيد الأخوة ونبذ الكراهية في مجال الإفتاء، فأنشأت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم للتحاور والتعاون على البر والتقوى وجمع شمل المفتين على المحبة والسلام ونبذ الكراهية محليًّا وعالميًّا، وكذلك حرصت دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم على ترجمة هذه القيم في فاعلياتها وفتاويها وبياناتها ومبادراتها ومؤتمراتها العالمية المختلفة.
وأشار إلى إنشاء الدار مجموعة من المراصد البحثية وأطلقت مبادراتها لخدمة هذا المقصد النبيل، ومنها على سبيل المثال: "مركز سلام"، وهو مركز لدراسات التشدد ومواجهته، ومرصد لفتاوى الكراهية التي يحاول المتطرفون بثها في العالم وينسبونها زورًا وبهتانًا للإسلام، وذلك بالموازاة مع مرصد آخر يرصد ممارسات الكراهية في ثوبها الآخر، وهو مرصد الإسلاموفوبيا، ويُعنى بما يسمى الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في العالم، كما تم إطلاق المؤشر العالمي للفتوى لقياس ثمار الوسطية والكراهية في مجال الإفتاء، مؤكدًا أن كل هذه المراكز آتت أُكلها طيبًا خلال فترة العمل السابقة، ولا زلنا نعمل على المزيد.
وتابع المفتي قائلًا: لا شك أننا في هذه المبادرات وبالإضافة إلى النيات الطيبة من هنا وهناك نحتاج إلى مناهج تعليم مساندة ومنابر إعلام مُعينَة، وأن تتبنى هذه المبادرات كل أسرة، بل يتبناها المجتمع بكل مؤسساته الحكومية والمدنية لكي تثمر الثمرة المرجوة.
وفي ختام كلمته أعرب المفتي عن أمنياته في نشر ثقافة التعايش والأمن والسلام بين أبناء الإنسانية جميعًا، واقتلاع جذور التعصب والتشدد والعنف من عقول أبناء الإنسانية جميعًا، مشددًا على أن الإنسانية بحاجة إلى العيش في أمن وسلام وتعاون لكي يعم الخير على الجميع من الجميع.
اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم
مفتي الجمهورية: تحرير سيناء الغالية ما كان ليتمَّ إلا ببذل كل غالٍ ونفيس
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الدكتور شوقي علام المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات دار الإفتاء مفتي الجمهورية مفتی الجمهوریة فی العالم إلى أن
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية: المسلمون كانوا يضعون قدما في إسبانيا وأخرى بالصين
قال الدكتور نظير محمد عيَّاد، مفتي الجمهورية، رئيسُ الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن الحديث عن "الحوار الإسلامي الإسلامي" هو من أوجب الواجبات في التوقيت الراهن، خاصة وسط الصعاب والتحديات التي تواجه أمتنا الإسلامية، فاتحاد الأمة يستعيد لها مكانتها المسلوبة وريادتها.
وحذر مفتي الجمهورية في ندوة جناح الأزهر بمعرض الكتاب- من بعض المدارس الفكرية التي تتوقف أمام بعض الموضوعات الفكرية لتجعل منها بابًا للخلاف والاختلاف، لافتا إلى أن أولى التحديات التي تواجه الأمة هو الانصياع خلف الغزو الثقافي الفكري الذي يسعَى إلى تدميرِ الأمة وتفتيت أوصالها.
وتوقف المفتي عند رحلة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة، فهذه الرحلة أقامت دولة وصنعت حضارة، فأنشأ صلى الله عليه وسلم المسجد ليكون بيئةً تجمع بين المسلم والمسلم التي تأخذ بالإنسان إلى عوامل التقدُّم والعمران، ثم أقام جانبًا آخر ليُشيع الرحمة بين الناس؛ فكان أن آخَى بين المهاجرين والأنصار، وهذه المُؤاخاة هي التي قضت على عناصر العصبية ومحَتْ آثار الجاهلية.
وأوضح المفتي أن المسلمين وضعوا قدمًا في إسبانيا وقدمًا أخرى في الصين، وكان مَرَدُّ ذلك إلى الاتحاد والتلاحم الذي كان سِمَة هذه الحقبة.
ونبه المفتي أن قضية التلاقي بين الإنسان وأخيه الإنسان فضلًا عن التلاقي بين المسلم والمسلم قضيةٌ يجب أن ننظر إليها بمزيدٍ من العناية، خاصَّة أن كثيرًا من المشكلات نتجَتْ عن غياب هذا المفهوم، موضحًا أننا نتحدث عن حوار بنَّاء يؤدي إلى تحقيق خلافة الله تعالى، وبالتالي عندما نتساءل: "هل يمكن للحوار الإسلامي أن يُعيد توحيد الأمَّة؟"، نقول: نعم، شريطةَ توفُّر حُسن المقصِد، وإنكار الذات، وإخلاص الوجهة لله، والعمل على إعلاء المصلحة العامة على الخاصة، وتجاوز القضايا التي توسع الفجوة الفكرية ونركز على آليات معنية بتحقيق الوحدة، مؤكدًا على دور كبار رجالات المدارس الفقهية للتقريب بين المختلفين.
وأوضح المفتي أن الحوار يضع الأمور في نِصابها الصحيح؛ لإيجاد نوع من التوازن، وحينما يغيب يظهر التطرف والشذوذ الفكري، لافتا إلى أن الشريعة جمعت بين الثبات والمرونة وهذه المرونة تفتح مجالاتٍ للبحث عن الآخر والاستفادة من رأيه والأخذ به، وإذا كانت هذه القواعد هي الحاكمة للحوار الإسلامي الرشيد فيمكن أن نجد الأخوَّة الإنسانية في واقع الناس، والعكس صحيح، مشيرا أن الوحدة هي أحد مقاصد الشريعة.
وأشار المفتي إلى أن "الحوار الإسلامي الإسلامي" منوط بالمؤسسات الدينية العلمية، لافتا إلى أن الأزهر الشريف خطا خطوات إيجابيَّة في هذا الجانب.
وفي ختام حديثه: وجَّه فضيلة المفتي رسالة إلى النخب وأهل الفِكر قائلًا: إذا كان الله قد قصد الاختلافَ بين البشر تحقيقًا لأمور كثيرة من أبرزها الاجتهاد، فإنه ينبغي على العلماء التأكيد على أن المجتهد له أجر، أصاب أم اخطأ، وهو ما يُرسِّخ لأصالة التشريع الذي يجمع بين الثبات والمرونة وإيجاد نوع من الوفاق بين المسلم وأخيه المسلم، فإذا كان الأمر يتعلق بضرورة إيجاد حوارٍ بين الإنسان وأخيه الإنسان، فإن الأمر بين المسلم وأخيه المسلم هو ضرورة حياتية، خاصة في الوقت الذي يتكالَب فيه العالَم على هذه الأمة، فيجب أن نجتهد فيما يجمع شتاتها ويُقرِّب أبناءها.
من جانبه قال الدكتور عباس شومان أمين عام هيئة كبار العلماء: "إن تعزيز التنوع بين المدارس الفقهية كان أمرًا طبيعيًّا بين العلماء الأوائل، بعكس ما نشهده اليوم من تعصب ومغالاة، لافتا إلى الاحترام المتبادل بين الأئمة الأربعة؛ حيث أشاد الإمام الشافعي بالإمام أبي حنيفة رغم عدم معاصرته له، وتعلّم من تلامذته مثل محمد بن الحسن، فكان الإمام الشافعي يقول: "كل الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه"، بل إنه غيّر بعض أحكامه احترامًا لوجوده في بلدة الإمام أبي حنيفة، مشيرا إلى أن الاختلاف لم يكن يومًا سببًا للقطيعة بين العلماء بل كان وسيلة للإثراء العلمي والتعاون.
وأوضح شومان أن الخلاف بين المذاهب ناتجٌ عن اختلاف اجتهاداتِ العلماء وليس رغبةً في مخالفة الآخرين عمدًا، مشيرًا إلى أن المشكلة لا تكمُن في تعدُّد هذه الأفكار، بل في سوء فهمها والتعصُّب لها.
وأضاف الأمين العام لهيئة كبار العلماء: "إذا كان الإسلام قد دعا للتعايش مع المخالفين في الدين، كما هو الحال في معاهدات السلام والمواطنة، فكيف لا يمكن للمسلمين أنفسُهم التعايش رغم اختلاف مذاهبهم؟" مشددًا على أن الحلَّ يكمُن في احترام هذا التنوُّع واستثماره كثراءٍ فكري.
ودعا شومان إلى ضرورة احترام الاختلاف والعمل على المشتركات الإنسانية التي تتفق عليها الأديان والثقافات المختلفة، مؤكدا أن التعدديَّة ليست مدعاة للتنازع بل هي أشبه ببستان كبير يُمكن للجميع الاستفادة منه دون إكراه.
واختتم الدكتور عباس شومان كلمتَه بأن الأزهر الشريف وشيخَه فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب يجوبون العالم من أجل نشر ثقافة الحوار، سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم، يدعو إلى التعاون والاحترام المتبادل بعيدًا عن التعصب والانغلاق.