اتابع منذ زمن بعيد كتابات البروفيسور عبد الله علي ابراهيم. فهو اكاديمي ومؤرخ واديب وكاتب موسوعي من صفوة المثقفين السودانيين، وكتاباته لها تأثيرها في توجهات الراي لدي الكثيرين. اضافة الي ذلك فهو سياسي مخضرم حاول الترشح لخوض انتخابات رئاسة الجمهورية (2010م) في الحقبة الاسلاموية ولم يحالفه التوفيق في اكمال النصاب المطلوب للترشح.


منذ اندلاع حرب 15 ابريل 2023م بين الجيش السوداني والمليشيا التي قننها وشرعنها نظام المؤتمر الوطني المحلول (1989-2019م)، لم يترك البروفيسور عبد الله علي ابراهيم شاردة او واردة في مواقف قوي الحرية التغيير وتنسيقية القوي الديمقراطية المدنية "تقدم"، الا تناولها بالنقد والتحليل المفصل. هذا بالطبع امر طبيعي ومطلوب من اكاديمي موسوعي وسياسي مخضرم مهتم بالشأن الوطني مثله. ولكن في راي كاتب هذا المقال انه في غالب نقده لقوي الحرية والتغيير ومن بعدها "تقدم"، قد تخلي عن الادوات الاكاديمية الصارمة المتمثلة في اثبات الفرضيات والاستنتاجات التي يضعها في كل مسالة يتناولها بادلة قوية لا تحتمل الشك، لذا فان احكامه في كثير من الحالات كانت انطباعية. فادلته ضد قوي الحرية والتغيير او "تقدم"، مؤسسة اما علي استنتاجات غير مثبتة او علي المواقف والمقولات والكتابات الشخصية لمنتسبيها او الموالون لها والتي بالضرورة قد لا تعكس الموقف الرسمي لقوي الحرية والتغيير او "تقدم". وهذا ضعف بيّن في الحجة ضد كتلة واسعة من التنظيمات المدنية والاحزاب السياسية، حيث تختلف الرؤي بينها في كثير من المسائل، وكل من منتسبي هذه التنظيمات قد يعبر عن مواقفه الخاصة والتي قد تختلف عن الموقف الرسمي لحزبه. ففي راي كاتب هذا المقال فان كل الانتقادات والاتهامات التي لا تستدل بالمواقف الرسمية لقوى الحرية والتغيير او "تقدم" والتي تصدر من خلال بياناتها او فعالياتها الرسمية او تصريحات ناطقيها الرسميين لا يمكن الاعتداد بها كحجج ضد مواقف هذه القوي، وهذا ما يجعل حجج بروفيسور عبد الله علي ابراهيم في انتقادة لقوي الحرية والتغيير في كثير من المسائل لا تقف على ارضية صلبة. اسوق فيما يلي بعض الامثلة للتدليل على ما جاء عاليه:
1. فهو مثلاً يعتبر اجماع قوى الثورة في ان: "الاخوان هم من اشعل الحرب ليعودوا الي الحكم"، "ما هو الا عداء عشوائي محض لا يحول دون قائله والتحليل المحيط لظاهرة الحرب التي تكتوي بها البلاد فحسب، بل يخلي يده ايضا من حلول لها." [1] ، (انتهي الاقتباس). وهذه فرضية لم يتم اثباتها، لتصبح وصف انطباعي ليس الا، لانه لم يقل لنا وجه العشوائية فيما ذهبت اليه قوي الثورة في اتهامها لـ"الاخوان"، ولقد ذكرت هذه القوي مبرراتها لهذا الاتهام مرارا وتكرار وهي في راي كاتب المقال كانت لها معرفة بما كان يدور في اروقة السلطة اكثر من بروفيسور عبد الله علي ابراهيم، لانها كانت مشاركة في السلطة وعلي صلة وثيقة بطرفي النزاع. كما ان قوي الثورة كانت لها حلولها المطروحة، وحذرت من اندلاع هذه الحرب، وقدمت تلك الحلول ضمن ما عرف بالاتفاق الاطاري، والذي توافقت عليه الاطراف الرئيسية في المعادلة السياسية: الجيش والمليشيا، ومجموعة الاطاري وسعت حثيثا لضم اخرين وكانت قاب قوسين او ادني لتجنيب البلاد الكارثة التي يعيشها السودان الان. فاذا كانت الحلول التي قدمتها مجموعة الاطاري لا تتوافق معه فليقدم حلوله العملية وليس مجرد رفع شعارات مثل "العسكر للثكنات والجنجود ينحل" دون تقديم اليات قابلة للتنفيذ لتطبيق ذلك. فهذا سعيهم اصابوا هدفهم او فشلوا فقد قدموا جهدهم، وواجب قوي الثورة، خاصة من هم في قامة بروفيسور عبد الله علي ابراهيم وخبراته، تقديم النقد البناء لمثل هذه الجهود بغرض التقويم والتحسين. اما هذا النقد المثبط لكل صغيرة وكبيرة تصدر عن الفصيل الاهم من قوي الثورة دون تقديم حلول منطقية تسنده آليات قابلة للتطبيق، لا يصبح نقدا لا جدوي منه وغير مفيدا لمسيرة التحول نحو الحكم المدني فحسب، بل مفيدا لاعداء هذا التحول المنشود.

2. ويقول في مقال آخر [3]: "من الصعب على المرء في حرب السودان القائمة أن يصدق أن تنسيقية القوة الديمقراطية والمدنية "تقدم" واقفة على الحياد بين طرفيها، القوات المسلحة و"الدعم السريع"، فعسير أن يمنع هذا المرء، أقله، الانطباع بأن "تقدم" لا تخلو من ميل لـ "الدعم السريع"، وهي مكرهة في هذا لأن خصم "الدعم السريع" في توليفة القوات المسلحة والحركة الإسلامية (الفلول) مما نشأت "تقدم" وسلفها على بغضهما بغض التحريم "، (انتهي الاقتباس). فهو يقرر هنا ان "تقدم" لا تقف على الحياد في حرب السودان القائمة ولا تخلو من ميل الي المليشيا. والاتهام هنا غير مبني علي ادلة ملموسة، وانما الحجة هي انه طالما ان خصم المليشيا هو توليفة القوات المسلحة والحركة الاسلامية فان "تقدم"، التي تبغض "الفلول"، مكرهة في عدم حيادها وميلها للمليشيا، فاي حجة واي منطق هذا؟ فكيف تبنى المواقف السياسية علي العواطف؟ هذا حكم انطباعي محض، مبني علي فرضية لم يتم اثباتها. والثابت لدينا انه لم يصدر عن "تقدم" ما يقول انها غير محايدة في هذه الحرب.

3. ويضيف في نفس المقال [3]: " اما موضوعياً فـ "تقدم" لم تتأخر عن نسبة "عدالة الحرب" إلى "الدعم السريع، إذ رأت في حربها رداً شرعياً على عدوان الجيش والفلول عليه في الـ 15 من أبريل (نيسان) 2023، وكثيراً ما غيبت أقلام بارزة من "تقدم" الجيش نفسه عن معادلة الحرب، وخصت "الفلول" بالهجوم على "الدعم السريع" هجوماً جرجرت الجيش إليه وأنفه مرغم، وعينت مطلب الفلول من الحرب وهو طي صفحة ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 والعودة لسدة الحكم، فربح "الدعم السريع" بدور الضحية من "تقدم"، وربح البيع."، (انتهي الاقتباس). لم يبيّن لنا البروفيسور عبد الله علي ابراهيم هنا في اي بيان او مستند صادر من "تقدم" قالت فيه ان حرب المليشيا ضد الجيش كانت ردا شرعيا علي عدوان الجيش. فتغييب اقلام بارزة من "تقدم" الجيش نفسه عن معادلة الحرب، وانها خصت "الفلول" بتوريط الجيش في هذه الحرب للعودة لسدة الحكم، لا يمكن اعتبارها كحجة لما ذهب اليه في حكمه. فما تكتبه هذه الاقلام البارزة من "تقدم" تعكس مواقف هذه الاقلام، ولا تمثل الموقف الرسمي لـ"تقدم"، وبالتالي "تقدم" غير معنية به، ولا يمكن الاستدلال بما تكتبه تلك الاقلام علي مواقفها السياسية.

الملفت للانتباه في مواقف بروفيسور عبد الله علي ابراهيم، وهو مناضل اصيل من قوي الثورة، فيما يتعلق بالحرب القائمة ومنذ اندلاعها، انها تتماهي مع موقف القوي المعادية للثورة وعلى خلاف مع قوي الثورة المدنية التي ترفض الحرب وتنادي بايقافها فغالب قوى الثورة بما فيها احزاب اليسار تتخذ موقفا مناهضا للحرب واستمرارها وترفع شعار "لا للحرب". فموقفه الواضح والمساند للجيش لا يتبين منه انه ضد الحرب على خلاف احزاب "تقدم" واحزاب اخرى، وتكاد لا تخلوا كتاباته عن قوي الحرية والتغيير انتقاده لشعار "لا للحرب". فهو يري ان اندلاعها كان امر حتميا طال الزمن او قصر لوجود جيشين في الدولة ونتفق معه في ذلك. ويري ايضا - خلافا لاحزاب "تقدم" واحزاب اخرى – ان الحرب لها طرف واحد هو القوات المسلحة اما المليشيا "فزائدة دودية في الدولة" [3]. وفي نهاية مقاله الذي بين فيه موقفه المساند للجيش [3] يطلق عبارة حالمة متفائلة يقول فيها: "يسلم السودان ليخرج من هذه المواجهة وقد تكلل جهاده الطويل للديمقراطية والحكم المدني وقوات مسلحة وطنية مهنية حرة بالنجاح". وهو تفاءل مبني علي مجهول، حيث لم يقدم اسبابا تبرر هذا التفاءل وكيف يمكن ان يتحقق هذا الحلم. لعله قدّر ان الغلبة في الحرب الحتمية ستكون للجيش في استئصال زائدة الدولة الدودية. واذا سلمنا بحتمية الحرب، فهي في راي كاتب هذا المقال، قد تاخرت كثيرا لدرجة ان "الزائدة الدودية" كانت قد تضخمت كثيرا ثم انفجرت حتى سممت غالب جسم الدولة الحيوي، واصبح امر استئصالها صعب المنال وذو كلفة عالية. لذا فان خيار الحرب بعد ان وصلت المليشيا الي ما وصلت اليه من مقدرات مقابل مقدرات الجيش، كانت الخيار الاسوأ، ومن يري غير ذلك، في تقدير كاتب هذا المقال، ربما خذلته الحكمة وسوء التقدير ولم يتحسب للخسائر الفادحة في الاورواح والممتلكات التي قد تنجم عن مثل هذا النزال.

فبالرغم من موقف البروفيسور عبد الله علي ابراهيم المماثل في بعض جوانبه مع موقف "الفلول"، الا انه ليس في حلف معهم ولا يمكن اتهامه بانه يدعمهم او موال لتوجهاتهم السياسية. بنفس هذا المنطق لا يمكن اتهام قوي الحرية والتغيير او "تقدم" بانها تدعم المليشيا او انها في حلف معها لمجرد تماثل مواقفهما السياسية في بعض القضايا.

مما لا شك فيه ان كل قوى الثورة، وبروفيسور عبد الله على ابراهيم رقم لا يمكن تجاوزه فيها، تنشد القضاء على كل انواع الشمولية والديكتاتورية والتحول الي الحكم المدني في السودان. لا ادري لماذا لا تضع قوي الثورة هذا الهدف المشترك نصب اعينها وتؤسس عليه ائتلافا يعظم نقاط الاتفاق، ويتغاضى، الى حين، عن الاختلافات غير الجوهرية والكف عن تضخيمها؟ هذا التركيز غير المبرر في راى كاتب المقال علي الاختلافات بين قوي الثورة ومواقفها وابرازها في اكبر من حجمها الحقيقي ليس من الحكمة في شئ، ونتيجتها في النهاية وأد مشروع الثورة السودانية ودعم المشروع المعادي لها. فالتحولات الناجحة من الشمولية الي الحكم المدني الديمقراطي لبعض دول افريقيا (غانا، جنوب افريقيا)، وامريكا اللاتينية والوسطي (البرازيل، شيلي، المكسيك)، واروبا (بولندا، واسبانيا)، ما كانت لتنجح لولا التحالافات الواسعة بين القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي تناست خلافاتها وعملت معا نحو الهدف الاسمي وهو التحول نحو الحكم المدني والديمقراطي. ولم يتم التغيير هكذا مرة واحدة او بطريقة جذرية كما يحلم البعض، وانما كان متدرجا مع عمل دؤوب من المفاوضات والمساومات ، والضغوط عبر الوسائل السلمية لسنوات عديدة، حتي تم التغيير المنشود من داخل النظم الديكتاورية نفسها وبنفس آلياتها.

الركيزة الاساسية للوصول بالثورة السودانية الي اهدافها في التحول المدني هو ان تتجاوز اولا قوي الثورة خلافتها وتلتف حول ما يجمعها لتكوّن ائتلافا واسعا جامعا لكل من يؤمن باهداف الثورة، حينها فقط يمكنها ان تنجح. لعل الاكاديمين والمفكرين والمثقفين هي الفئة الاقدر والاكثر تأثيراً في قيادة اتجاهات الراي لدي الكثيرين نحو التوحد وتجاوز الخلافات في سبيل تحقيق اهداف الثورة. والامل ان يسخِّر امثال البروفيسور عبد الله علي ابراهيم خبراتهم ومعارفهم ورصيدهم الضخم من المتابعين نحو هذا الهدف.

سمير محمد علي
1 مايو 2024م
sameirali@live.com

المصادر:
[1] د. عبد الله علي ابراهيم، "لوثة عداء الكيزان: منزلق ثوري لقفزة في الظلام"، سودانايل، 23 مايو 2023م.
[2] د. عبد الله علي ابراهيم، "تنسيقية القوى التقدمية والمدنية (تقدم): إذا خرجت السمكة من النهر وقالت إن التمساح نفق فصدقوها"، سودانايل، 29 ابريل 2024م.
[3] د. عبد الله علي ابراهيم، "اليوم كلنا القوات المسلحة السودانية"، سودانايل، 16ابريل 2023م.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوی الحریة والتغییر القوات المسلحة الدعم السریع الحکم المدنی لا یمکن

إقرأ أيضاً:

استفتاء 19 ديسمبر .. جذوة الثورة ما تزال حية

بالأمس مرت ذكرى قيام ثورة ديسمبر المجيدة التي أنهت أسوأ فترة استبدادية في تاريخ البلاد. إنها الثورة التي قدم فيها شبابنا تضحيات عظيمة في فترة كالحة أذاقت السودانيين كل العذاب. فضلاً عن ذلك فإن ما سمي المشروع الحضاري أضاع أكثر من ثلاثة عقود من عمر الدولة، حيث شهدنا كيف أنه تم توظيف الإسلام كأداة تجارية ضد الإسلام نفسه. ولا نحتاج لتذكير الناس أن نسخة الإسلام السياسي السودانية ساهمت في فصل جنوب السودان عن شماله، وخلقت طبقة إسلاموية سيطرت وحدها على مفاتيح السياسة، والاقتصاد، ومنابر الثقافة والإعلام، والخدمة المدنية، والقطاع الخاص، وغيرها من مجالات العمل في السودان. كل هذه السيطرة الاستبدادية تعززت منذ عشريتها الأولى بقبضة أمنية أداتها تعذيب المعارضين، وإغلاق كل المنافذ أمامهم دون الحظر بحياة كريمة.
وقد أدى هذا الوضع إلى هجرة معظم العقول السودانية، وما بقيت في الداخل لُوحقت بالمضايقة المنتظمة حتى قبل لحظات من سقوط نظام الحركة الإسلامية. وأثناء هذا الوضع تفشت المحسوبية، والفساد، وشراء ذمم الناس الضعيفين حتى انهارت مهنية الخدمات، والأجهزة العسكرية، والأمنية. وكذلك أفرزت سياسة الإسلاميين الاغتيالات السياسية، والإبادة الجماعية في دارفور، وقصف الأبرياء بالبراميل الحارقة في مناطق النزاع. ولعل هذه الحرب الدائرة الآن أكبر دليل على انهيار مؤسسات الدولة، وتفريغها من فاعليتها. بل إن هذه الحرب لا تنفصل من تأثير سياسة الإسلاميين السالب على النسيج الاجتماعي في الدولة، إذ استعانت بالمليشيات وسيلة للدفاع عن فساد نخبة المؤتمر الوطني.
إن ما فعله الإسلاميون ما قبل مفاصلتهم، وبعدها، لا يمكن إجماله في هذا الحيز. ولكن المهم القول هو إن الحركة الإسلامية قدمت أسوأ نموذج للاستبداد السياسي في التاريخ الحديث. ولذلك كانت ثورة ديسمبر فرصة للسودانيين لإثبات جدارتهم في إلحاق الهزيمة بأنظمتهم الديكتاتورية التي كلها ذهبت إلى مزبلة التاريخ ليكسو العار وجوه الذين أسّسوا لذلك النظام السياسي الفاسد، والقمعي، والقبيح.
إن استهداف ثورة ديسمبر بدأ منذ نجاحها بتدبير من قيادات في المكون العسكري ربطت بينهم والإسلاميين علاقات خفية. ورغم ما أبداه البرهان، وياسر العطا، وكباشي، وحميدتي، من انحياز مرحلي للثورة إلا أن عرقلتهم لتطلعات رئيس الوزراء وطاقمه، والمؤسسات الأخرى التي شغلها كوادر تحالف الحرية والتغيير كان أمراً ظاهراً ما أدى إلى شل حركة حكومة الانتقال الديمقراطي. ذلك حتى استطاعوا إحداث الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 والذي أنهى المرحلة الانتقالية. ومع ذلك لم ينثن الثوار أمام الآلة القمعية للانقلابيين، وقدموا نضالات غاية في التضحية في سبيل إفشال مخطط تقويض الثورة. وهكذا عجز الانقلابيون في تنفيذ مخططهم الذي بدأ باسترداد الأموال، والأملاك، التي تحكمت فيها لجنة إزالة التمكين، وإعفاء السفراء الذين تم استرجاعهم للخدمة المدنية، وعودة الممارسات القمعية ضد الإعلاميين، وحظر نشاط الحركة الجماهيرية.
جاءت الحرب كخيار أخير للقضاء على ثورة ديسمبر بتوافق البرهان، وأركان حربه مع الإسلاميين بقيادة علي كرتي، وقد أتاح هذا المناخ الاستبدادي الجديد الفرصة للإسلامويين، ودواعشهم، للظهور علناً لدعم الجيش في حربه المقصودة أصلاً ضد الثورة. وبمرور الأيام كشفت أبواق الحرب عن مكنون مقاصدها في استهداف رموز، وأحزاب الثورة، ولجان المقاومة، عبر حملة إعلامية مسعورة تواصل النهار بالليل حتى تخلق رأياً عاماً مشوهاً في رؤيته للحرب، وسير مجرياتها.
وتواصلت أكاذيب، وتلفيقات إعلاميي النظام السابق، وبعض الانتهازيين الذين تم استخدامهم لتزوير الوقائع، وعكس صورة مخالفة للهزائم المستمرة التي مني بها الجيش وتحويلها لانتصار زائف.
ومع ذلك لم تنجح الحملات الإعلامية السافرة التي صرف لها الإسلاميون بسخاء من نزع حلم استئناف الثورة من مخيلة، وأفئدة، غالب الشعب السوداني، والذي ظل يأمل إيقاف الحرب لتنتهي المآسي الإنسانية التي خلفها المشروع الحربي لعودة الإسلاميين للحكم، ومن ثم يضطلع المدنيين بأمر الحكم المدني، ويكتمل الانتقال الديمقراطي لتحقيق شعار الثورة: حرية، سلام، وعدالة، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
لقد مرت الذكرى السادسة لاندلاع ثورة التاسع عشر من ديسمبر 2018، وقد شغلت كل منصات التواصل الاجتماعي، حيث سيطر النشطاء والكتاب الثوريون على منشورات هذا اليوم، مسترجعين ذكريات من النضال المشهدي ضد نظام الحركة الإسلامية، ومؤكدين إصرارهم على هزيمة مشروع إجهاض الثورة التي أتت لتقطع مع عهد التيه والضلال، ومعبرين عن رفضهم لاستمرار الحرب بوصفها وسيلة إنتحارية لقتل حلم السودانيين في عهد ديمقراطي، وإسترداد كامل النظام السابق، وتأديب الثوار. ولكن هيهات فثورة ديسمبر انبثقت لتبقى جذوتها حية مهما طال أمد التآمر ضدها.

suanajok@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • جبريل ابراهيم: تمكنت القوات المسلحة والقوات المشتركة من سحق عصابات التمرد والسيطرة على قاعدة الزرق
  • من القمع إلى الحرية.. تحولات الإعلام السوري بعد سقوط النظام
  • استفتاء 19 ديسمبر .. جذوة الثورة ما تزال حية
  • نتنياهو يتحدث عن بداية هجوم 7 أكتوبر - لن أقبل بوجود حماس على الحدود
  • تقدم: ندعو أطراف الحرب لاتخاذ قرار شجاع بوقفها
  • سوريا بين الثورة والظلام، هل تنتصر الحرية على التطرف؟
  • رئيسة قطاع المرأة بـ “تقدم”: ديسمبر “ثورة نساء” لبناء السلام وتحقيق العدالة
  • رئيسة قطاع المرأة بـ “تقدم”: ديسمبر”ثورة النساء” لبناء السلام وتحقيق العدالة
  • ذكرى 19 ديسمبر: عهد يتجدد مع الحرية والسلام والعدالة.
  • «الحرية والتغيير» تدعو قوى ثورة ديسمبر لبناء أوسع جبهة لوقف الحرب