حسام عثمان محجوب – 30 أبريل 2024
"أسبوعٌ مرَّ وأسبوعان .. وأنا جوعان .. جوعان ولا قلب يأبه .. عطشان وضنوا بالشربة .. والنيل بعيد، النيل بعيد". صلاح أحمد إبراهيم
نشرت بين فبراير وأبريل 2023 ثلاثة أجزاء من سلسلة مقالات أسميتها "هداية وخبال وشهوة" كمحاولة لنقاش ما اصطلح على الإشارة إليه بالبديل الجماهيري "الجذري" لعملية التسوية السياسية.
بعض محفزات وأفكار تلك السلسلة تصلح للبناء عليها في مقالات جديدة، هذا أولها، آملاً أن تكون أكثر تواتراً وأقدر على إثارة النقاش والمفاكرة الجماعية، كأفعال ضرورية للبقاء والمقاومة. غرض الكتابة محاولة الفهم والتحليل والمفاضلة بين الخيارات والمواقف للمساهمة بما يمكن لإنهاء الحرب وبناء الوطن الذي نحلم به، دون أي توهم بالوصول لحقيقة غائبة أو إجابات قاطعة.
ذكر المقال الأول من السلسلة أن العملية السياسية الجارية آنذاك ستنتهي لما هو أسوأ من انقلاب 25 أكتوبر، وأن النظام القادم سيواصل برامج الحكومة الانتقالية في مجالات الاقتصاد والسلام والعدالة والعلاقات الخارجية، وذكر نصاً: "البرهان وحميدتي ورفاقهما الانقلابيون باقون في قيادة قواتهم، وهم يعلمون أن التناقض بين جناحيهم الآن ثانوي مقابل معركتي بقائهم ومصالحهم ضد الشعب وجماهير الثورة، ولقد توسعت قدراتهم وعلاقاتهم كماً ونوعاً بصورة مرعبة لمستقبل الوطن"، وأن اللاعبين الدوليين صاروا "أقدر على استغلال الفاعلين المحليين لتنفيذ مخططاتهم الخاصة بالسودان ضمن خططهم الجيواستراتيجية الأكبر". واختتم المقال بدعوة قوى "التغيير الجذري" لـ "عدم تشتيت جهودها في دعوات إسقاط الاتفاق الإطاري والنظام القادم، وصرف طاقاتها المحدودة للمهام الجسيمة لبناء وتنظيم الحركة الجماهيرية".
أعترف بأني لم أتوقف حينها ملياً عند سيناريوهات الحرب المتوقعة لأني كنت متفائلاً أكثر بكثير مما يتناسب مع "لا منطق" المجرمين الانقلابيين، والمدى الذي يمكن أن تمضي فيه حكومة دولة الإمارات في تدمير بلادنا، وإن كنت ما زلت محتفظاً بقناعتي أن قيادتي الدعم السريع والقوات المسلحة يعتبران جماهير الشعب والثوار والثورة المستمرة أعداءهم الأهم والأخطر.
تناول المقال الثاني أحد أهم نتائج ثورة ديسمبر المجيدة، وهي بدء تخلق سياسة جديدة وإعلان عدم صلاحية السياسة التقليدية الممارسة منذ الاستقلال. وقدم اثنتين من فرضيات هذه السياسة الجديدة؛ الانطلاق من أنه لا توجد اليوم، ولم توجد من قبل في تاريخنا الحديث، دولة حقيقية في السودان، وأن السلطة لا يمكن أن تكون حلاً لمشاكل البلاد، بغض النظر عمن يتولاها.
ركز المقال الثالث على فكرة أن السودان ليس بلداً واحداً وأن السودانيين ليسوا سواسية، وتناول الانقسام بين نخبة تشكلت في عهد الاستعمار ثم ورثته (رغم ما يظهر من تناقضات داخلية بين مكوناتها)، وبين غالبية أبناء وبنات الشعب السوداني، واستمرار هذا الانقسام طوال فترات دولة ما بعد الاستعمار في السودان. وضرب المقال أمثلة من التباين بين نخب السودانيين وعامتهم في فهم وتطبيق شعارات ثورة ديسمبر، الحرية والسلام والعدالة، وغايات الديمقراطية والاستقرار والنمو الاقتصادي.
أنطلق في هذه المقالات الجديدة من عدد من القناعات/الفرضيات التي أحاول تحليلها ونقاشها مفسحاً المجال لتطويرها أو تعديلها أو حتى التخلي عنها، أهمها أن الاحتمال الأرجح أن تستمر الحرب فترة طويلة. فحتى وإن تم التوصل لأي اتفاقات سلام في الأشهر أو السنوات القليلة القادمة، فإن حالة عدم الاستقرار وغياب السلام لربما ستستمر عقوداً.
ومن هذه المنطلقات أن أسباب اندلاع الحرب عديدة ومعقدة ومتشابكة، ويجب أن تتحلى مقاربة أي من جوانبها بالجدية والعمق والبعد عن الابتسار والتبسيط والسطحية، مع تفهم صعوبة النقاشات وحدتها والاستقطابات والانقسامات الكبيرة بين السودانيين. فإنه من الصعوبة بمكان الفصل بين مشاعر الشحن العاطفي الضخمة لدى معظم السودانيين الذين يناقشون الحرب وبين التفكير التحليلي العقلاني المطلوب لتلمس خطى المخرج منها.
وأخيراً، فكنت قد استلهمت "هداية وخبال" في عنوان سلسلة مقالات السنة الماضية من الآيتين الكريمتين "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، و "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً". وكنت قد اقتنعت حينها أن لا فائدة ترجى من النقاش مع القوى السياسية المشكلة للمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير (وأعني بالقوى معظم قادتها وبعض أنصارها، ثم الحلفاء الجدد خصوصاً من "الشخصيات القومية" التي تصدرت المشهد بملكية تفوق الملك وكانت بذرة لما نراه في "تقدم" الآن)، وأن الأفضل الانصراف تماماً عن مناقشتهم والانشغال بمحاولة العمل المشترك معهم. أحاول مع هذه المقالات النظر بتعمق أكثر في هذه القناعات لتخير أفضل ما يمكن أن أقوم به لا سيما في الوسائط الإعلامية المتاحة لي، وتحديد إن كان خوض بعض هذه المناقشات مفيداً أم أنها مضيعة مطلقة للزمن والجهد، وكيفية ضبط المناقشات إن كانت ضرورية.
روابط مقالات مختارة من عام 2023:
هداية وخبال وشهوة – الجزء الأول (20 فبراير 2023):
https://www.medameek.com/?p=117348
هداية وخبال وشهوة – الجزء الثاني (7 مارس 2023):
https://www.medameek.com/?p=117381
هداية وخبال وشهوة – الجزء الثالث (8 أبريل 2023):
https://sudanile.com/%D9%87%D8%AF%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D9%84-%D9%88%D8%B4%D9%87%D9%88%D8%A9-3-%D8%A8%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%AD%D8%AC/
العسكر والثكنات – الجزء الأول (23 أبريل 2023):
https://sudanile.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%83%d9%86%d8%a7%d8%aa-1-%d9%85%d9%86-2-%d8%a8%d9%82%d9%84%d9%85-%d8%ad%d8%b3%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%85/
العسكر والثكنات – الجزء الثاني (25 أبريل 2023):
https://sudanile.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%83%d9%86%d8%a7%d8%aa-2-%d9%85%d9%86-2-%d8%a8%d9%82%d9%84%d9%85-%d8%ad%d8%b3%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%85/
تثبيت الحقائق ومكافحة نشر الأكاذيب (30 أبريل 2023):
https://sudanile.com/%d8%aa%d8%ab%d8%a8%d9%8a%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%82-%d9%88%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%81%d8%ad%d8%a9-%d9%86%d8%b4%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%83%d8%a7%d8%b0%d9%8a%d8%a8-%d8%a8%d9%82/
لا للحرب الأصلية (31 مايو 2023):
https://sudanile.com/%d9%84%d8%a7-%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%82%d9%84%d9%85-%d8%ad%d8%b3%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%85%d8%ad%d8%ac%d9%88/
husamom@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أبریل 2023
إقرأ أيضاً:
رئيس كوريا الجنوبية المعزول يتعهد بـ"القتال حتى النهاية"
أصدر الرئيس الكوري الجنوبي المعزول، يون سوك يول، بياناً غلبت عليه لهجة التحدي لأنصاره المحافظين، الذين تجمعوا أمام مقر إقامته في العاصمة سيؤول، متعهداً بـ "القتال حتى النهاية" ضد ما سماه "القوى المعادية للدولة"، بينما كانت قوات إنفاذ القانون تستعد لاعتقاله، بسبب مرسوم الأحكام العرفية الذي أصدره الشهر الماضي.
ولدى مكتب التحقيق في قضايا الفساد ضد المسؤولين رفيعي المستوى، أسبوع لتنفيذ أمر التوقيف ضد يون، الذي أصدرته محكمة سيؤول يوم الثلاثاء الماضي.
Yoon vows to 'fight to the end' in message to supporters https://t.co/KawwDs6FxK
— Yonhap News Agency (@YonhapNews) January 1, 2025وجاء هذا الأمر بعد أن رفض يون الاستجابة لعدة طلبات، للمثول للاستجواب ورفض السماح بتفتيش مكتبه، مما أعاق التحقيق في ما إذا كانت محاولته القصيرة للاستحواذ على السلطة في 3 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تعتبر تمرداً.
وأشار أوه دونغ-وون، كبير المدعين في وكالة مكافحة الفساد، إلى أنه قد يتم نشر قوات الشرطة إذا قاومت خدمة الأمن الخاصة بيون محاولة التوقيف، وهو ما قد يحدث في أقرب وقت اليوم الخميس. لكن لا يزال غير واضح ما إذا كان يمكن إجبار يون على الخضوع للاستجواب.
Investigators likely to execute warrant to detain Yoon as early as Thursday https://t.co/IN4hQcsSxm
— Yonhap News Agency (@YonhapNews) January 2, 2025وفي رسالة إلى مئات من أنصاره الذين تجمعوا أمام مقر إقامته مساء أمس الأربعاء، قال يون إنه سيواصل القتال ضد "القوى المناهضة للدولة التي تنتهك سيادتنا وتعرض الأمة للخطر". وأشاد بأنصاره لجهودهم في حماية "الديمقراطية الليبرالية والنظام الدستوري" في البلاد, وأضاف أنه كان يراقب احتجاجاتهم عبر البث المباشر على يوتيوب، وفقاً لصورة الرسالة التي شاركها محامو يون.
وتجمع عدد متزايد من أنصار يون مجدداً بالقرب من مسكنه، صباح اليوم الخميس، وسط وجود أمني مكثف، وهم يلوحون بأعلام كورية جنوبية وأمريكية صغيرة ويحملون لافتات معارضة لعزله.