هل تفوقت هواوي الصينية على العقوبات الغربية؟
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
تبرز شركة هواوي تكنولوجيز بوصفها محورا أساسيا في الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعيد تحديد معالم الهيمنة العالمية من الجيل الخامس إلى تصميم أشباه الموصلات.
ويشير تقرير لبلومبيرغ إلى أنه على الرغم من مواجهة هواوي وابلا من العقوبات والشكوك، فإن عودتها الملحوظة إلى الظهور تؤكد عزم الصين تحقيق الاستقلال التكنولوجي، مما يؤدي إلى تضخيم المخاوف في واشنطن بشأن مدى فعالية جهود الاحتواء.
وتقول الوكالة إنه منذ أن أدرجت إدارة دونالد ترامب شركة هواوي في القائمة السوداء عام 2019 بسبب مخاوف التجسس، كان مسار الشركة رمزا لتحدي الصين ودعمها المستند إلى الدولة. وتطور الحظر اللاحق الذي فرضته الولايات المتحدة على هواوي، والذي تغذيه المخاوف بشأن علاقات الشركة المزعومة بالحكومة الصينية، إلى صراع أوسع نطاقا من أجل التفوق التكنولوجي.
المخاوف الأميركية والحظر الأوليكان الدافع وراء الهجوم الأولي على شركة هواوي هو المخاوف من إمكانية الاستفادة من وجود الشركة العالمي في مجال الاتصالات للتجسس لصالح الصين. وقد عكست الإجراءات اللاحقة التي اتخذتها الولايات المتحدة، بما في ذلك إدراج شركة هواوي ونظيراتها مثل شركة "زد تي إي" على القائمة السوداء، القلق المتزايد بشأن صعود الصين في المجالات التكنولوجية الحرجة.
وأدت شبكة من العقوبات إلى تشابك طموحات هواوي العالمية، مما منعها من الحصول على التكنولوجيا الأميركية الحيوية وإمدادات أشباه الموصلات. ورغم هذه العقبات، أذهلت شركة هواوي المراقبين بإنجازاتها في مجال الرقائق المحلية، والتي تجسدت في الهاتف الذكي "ميت 60″، الأمر الذي أدى إلى تكثيف التدقيق الأميركي على شركات أشباه الموصلات الصينية، يقول تقرير بلومبيرغ.
هيمنة هواوي وتصاعد المخاوفوتؤكد بلومبيرغ أن مرونة هواوي في سوقها المحلي، مدعومة بارتفاع الأرباح والتقدم التكنولوجي، دليل كبير على دورها المحوري في طموحات أشباه الموصلات في الصين. وتشير نجاحات الشركة في مجال السيارات الكهربائية ونظام التشغيل "هارموني أو إس" (HarmonyOS) الخاص بها إلى توسع متعدد الأوجه يتجاوز الأجهزة، مما يزيد من مخاوف الولايات المتحدة بشأن براعة الصين التكنولوجية.
وحرّك صعود هواوي السريع من مجرد موزع للإلكترونيات إلى شركة تكنولوجية عالمية عملاقة، أجراس الإنذار في واشنطن وسط مخاوف من عمليات التجسس المحتملة ونقاط ضعف البيانات في البنية التحتية الحيوية مثل شبكات الجيل الخامس، يضيف التقرير.
اتهامات ومشاحنات قانونيةولم يخل صعود هواوي -وفقا للوكالة- من التشابكات القانونية، حيث تراوحت الاتهامات بين انتهاك براءات الاختراع وادعاءات التجسس، مما زاد من تعقيد مكانتها وسمعتها العالمية.
نجاحات شركة هواوي في مجال السيارات الكهربائية ونظام التشغيل "هارموني" تشير إلى توسّع متعدد الأوجه يتجاوز الأجهزة (غيتي)ومن خلال إنكاره التواطؤ في التجسس وعزو القيود التي فرضتها الولايات المتحدة إلى حماية الهيمنة التكنولوجية الأميركية، برز رن تشنغفي مؤسس شركة هواوي بوصفه مدافعا قويا عن نزاهة الشركة واستقلالها.
وإلى جانب هواوي، تواجه شركات التكنولوجيا الصينية الأخرى تدقيقا وعقوبات متزايدة، مما يشير إلى حملة أوسع للحد من صعود الصين التكنولوجي، مع ما يترتب على ذلك من آثار على قطاعات بدءا من النفط إلى الذكاء الاصطناعي.
ويخلص التقرير إلى أنه مع استمرار هواوي في الإبحار عبر رياح جيوسياسية معاكسة، فإن مرونتها تلخص التزام الصين بالسيادة التكنولوجية، في حين تعمل على تضخيم المخاوف في واشنطن بشأن الملامح المتغيرة للقيادة التكنولوجية العالمية.
وفي هذه المعركة العالية المخاطر، يعدّ مصير شركة هواوي مؤشرا على توترات تكنولوجية أوسع نطاقا بين الولايات المتحدة والصين، مع عواقب بعيدة المدى على الإبداع العالمي والجغرافيا السياسية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الولایات المتحدة أشباه الموصلات شرکة هواوی هواوی فی فی مجال
إقرأ أيضاً:
مستقبل العلاقات الصينية الأمريكية في إدارة ترامب الثانية
تشو شيوان
تنصيب دونالد ترامب الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية شكّل لحظة فارقة، ليس فقط في السياسة الأمريكية؛ بل أيضًا في المشهد الدولي، وخاصة في العلاقات بين واشنطن وبكين، ومع حضور نائب الرئيس الصيني هان تشنغ حفل التنصيب، إضافة إلى المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الصيني شي جين بينغ وترامب قبل أيام قليلة من الحدث، كل هذا أثار تساؤلات قديمة متجددة حول مستقبل العلاقات بين القوتين العظميين في عهد الإدارة الجديدة.
ما قاله الرئيس الصيني شي جين بينج، في تلك المكالمة الهاتفية يكشف الكثير عن تطلعات الصين، وتأكيده على أهمية التفاعل الإيجابي بين البلدين ورغبته في الدفع بالعلاقات الصينية- الأمريكية نحو التقدم من "نقطة البداية الجديدة"، يعكس الرؤية الصينية لبناء علاقة قائمة على التعاون بدلًا من الصراع. من جانب آخر أظهر الرئيس ترامب- رغم تصريحاته المثيرة للجدل خلال حملته الانتخابية- في تلك المحادثة استعدادًا للحوار والتواصل مع بكين، وقد وصف علاقته بالرئيس شي بأنها "رائعة" وتطلعه للقاء قريب يعكس إدراكًا واضحًا لأهمية الصين كشريك أساسي في النظام الدولي.
ورغم هذه النوايا الإيجابية، يبقى السؤال: هل ستتمكن إدارة ترامب من تحقيق توازن بين خطابها السياسي الداخلي، الذي يميل أحيانًا إلى المواجهة مع الصين، وبين حاجتها إلى التعاون معها في القضايا الدولية؟ الصين، من جانبها، تبدو مستعدة للمضي قدمًا في بناء علاقة بناءة، لكنها بلا شك ستكون حازمة في الدفاع عن مصالحها الوطنية.
إنَّ ما يمكن أن نأمله هو أن تكون هذه البداية الجديدة فرصة لإعادة صياغة العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم على أسس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. العالم اليوم بحاجة إلى تعاون حقيقي بين واشنطن وبكين لمواجهة التحديات الكبرى؛ سواء كان ذلك في قضايا المناخ، أو الأمن، أو استقرار الاقتصاد العالمي، لكن تحقيق هذا التعاون يتطلب إرادة سياسية ورؤية استراتيجية من كلا الجانبين. فهل ستتمكن إدارة ترامب من التغلب على الضغوط الداخلية وتغليب منطق التعاون على الصراع؟ الأيام وحدها ستجيب.
تعد العلاقات الصينية-الأمريكية واحدة من أكثر العلاقات الثنائية تأثيرًا في العالم اليوم. تأثيرها يتجاوز رفاهية الشعبين ليطال مستقبل ومصير البشرية بأسرها. هذا يجعل تنمية هذه العلاقة ضرورة استراتيجية تتطلب رؤية بعيدة المدى وطويلة الأمد، ومنذ عقود، شكلت التفاعلات الإيجابية بين البلدين حجر الزاوية في بناء علاقة معقدة لكنها محورية. وبداية من "المصافحة عبر المحيط الهادئ" التي قام بها قادة الجيل السابق، إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية التي وصفت بأنها "الحدث الأبرز الذي غيّر المشهد الاستراتيجي الدولي". هذه الأحداث لم تكن مجرد لحظات سياسية عابرة، بل كانت تعبيرًا عن قناعة بأن التعاون الصيني-الأمريكي ليس خيارًا؛ بل ضرورة عالمية. واليوم، يتجدد هذا الإدراك في الأوساط الدولية، إذ بات واضحًا أنه إذا أراد العالم قرنًا مستقبليًا مستقرًا، فلا بد للصين والولايات المتحدة من العمل معًا.
على مر السنين اتسمت سياسة الصين تجاه الولايات المتحدة بالالتزام بمبادئ الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجميع، وهذه المبادئ ليست مجرد شعارات، بل ركائز تسعى الصين من خلالها إلى تعزيز الاستقرار والتنمية، ليس فقط في علاقاتها مع واشنطن، بل في النظام الدولي ككل.
في الوقت الراهن، تقف كلٌ من الصين والولايات المتحدة عند مفترق طرق، كلاهما يسعى لتحقيق أحلامه الوطنية المشروعة، وكلاهما يطمح إلى تحسين حياة شعبه، لكن هذه الطموحات، رغم اختلاف مساراتها فإنها تحتاج إلى نقطة التقاء تعزز من فرص التعاون بدلًا من التنافس المدمر. في عالم يواجه تحديات مشتركة كالتغير المناخي، والأوبئة، واضطرابات الاقتصاد العالمي، يصبح من غير المنطقي أن يعمل أكبر اقتصادين في العالم في عزلة أو في حالة صراع دائم.
إنَّ تطوير العلاقات الصينية- الأمريكية يحتاج إلى شجاعة سياسية من الجانبين، ورؤية مشتركة تضع رفاهية الشعوب فوق الاعتبارات السياسية الضيقة. وحده التعاون القائم على الثقة والاحترام المتبادل يمكن أن يخلق قاعدة صلبة لعلاقات ثنائية مستدامة تسهم في بناء عالم أكثر استقرارًا وازدهارًا للجميع، وبالنسبة إلى الصين، هي دائمًا تتمسك بالمبادئ الثلاثة للتعامل مع الولايات المتحدة، ألا وهي الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والفوز المشترك. والصين ترحب بأمريكا الواثقة والمنفتحة والمتقدمة والمزدهرة، وينبغي للولايات المتحدة أيضًا أن ترحب بصين مسالمة ومستقرة ومزدهرة.
وقبل مغادرة منصبه، اتبعت إدارة الرئيس السابق جو بايدن سياسة احتواء الصين وقمعها إلى أقصى حد. ويهدف هذا في الواقع أيضًا إلى تحديد المسار الذي يجب أن يتعامل به ترامب مع العلاقات مع الصين بعد توليه منصبه، لمنعه من الانحراف عن إطار احتواء الصين. وإن موقف الصين بهذا الشأن واضح للغاية. وفي مواجهة سياسة الاحتواء والقمع التي تنتهجها الولايات المتحدة، أطلقت الصين سلسلة من التدابير والإجراءات المضادة للعقوبات. وتهدف الإجراءات المضادة السريعة والحاسمة التي اتخذتها الصين إلى إخبار الولايات المتحدة بأن العلاقات الصينية الأمريكية لا يمكن أن تنحرف عن مسارها.
وبطبيعة الحال، باعتبارهما دولتان كبيرتان لهما ظروف وطنية مختلفة، فمن المؤكد أن هناك بعض الاختلافات بين الصين والولايات المتحدة. وخلال المكالمة، ذكر الرئيس شي أيضًا أن المفتاح هو احترام المصالح الأساسية والمخاوف الكبرى لبعضنا البعض، وإيجاد طرق لحل القضايا بشكل صحيح.
إنَّ السبب وراء نشوء المشاكل في العلاقات الصينية الأمريكية خلال الفترة الماضية هو على وجه التحديد أن الجانب الأمريكي لم يحترم المصالح الأساسية والمخاوف الكبرى للصين، وهذا ما يجب أن تتصالح معه إدارة ترامب وتتعامل معه بمعزلٍ عن مصالحها الخاصة، وأن تبني توجهاتها المستقبلية تجاه الصين بناءً على الفائدة المشتركة.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
رابط مختصر