“شريكة في الفظائع”.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ”جلسة الإمارات”
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
اتهمت وزارة الخارجية السودانية، الثلاثاء، بريطانيا بتغيير صيغة وطبيعة جلسة المشاورات المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي عن السودان، الاثنين، مشيرة إلى أن "الجلسة ناقشت الأوضاع السودانية العامة، بعد أن كانت مخصصة لمناقشة شكوى السودان ضد الإمارات".
وقالت الوزارة في بيان، إنها "تأسف أن تتنكر بريطانيا لواجبها الأخلاقي والسياسي بصفتها عضوا دائما بمجلس الأمن، وبحكم ماضيها الاستعماري في السودان، الذي لا تزال آثاره غير الحميدة مستمرة، وذلك مقابل مصالحها التجارية مع دولة الإمارات".
وتابع البيان "حماية بريطانيا لأكبر ممولي الحرب في السودان، مقرونة مع ما كشفته الصحافة البريطانية من أن الحكومة البريطانية أجرت لقاءات سرية مع مليشيا الدعم السريع، تجعلها شريكة في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها".
وأشار البيان إلى أن "الاجتماع كان مخصصا لموضوع العدوان الإماراتي على السودان، المتمثل في الرعاية متعددة الأوجه لمليشيا الدعم السريع الإرهابية".
وأضاف البيان "تدخلت بريطانيا، التي تنصب نفسها حاملة للقلم في شؤون السودان، لتغيير صيغ وطبيعة الاجتماع، ليصبح اجتماعا عن الأوضاع في السودان عامة، ومنطقة الفاشر خاصة".
وتابع البيان "تزامن ذلك مع ما كشفته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية يوم 28 أبريل 2024 من أن دولة الإمارات تمارس ضغوطا شديدة على بريطانيا لحمايتها في مجلس الأمن، بعد افتضاح دورها في تغذية الحرب في السودان بدعمها المتواصل لمليشيا الدعم السريع الإرهابية".
حرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023
بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"
تقدم السودان بطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لبحث "عدوان الإمارات على الشعب السوداني" ومساندتها لقوات الدعم السريع في الحرب التي تخوضها مع الجيش، بحسب ما قال مسؤول دبلوماسي سوداني لوكالة فرانس برس السبت.
ولفت البيان إلى أن "الأعضاء طالبوا خلال جلسة المشاورات المغلقة بأن تتوقف مليشيا الدعم السريع عن أعمالها العدائية حول الفاشر، وأن تتعهد بعدم مهاجمة أي مدينة، ودعوا الأطراف الإقليمية بالالتزام بحظر الأسلحة على دارفور بموجب القرار 1591".
وأضاف البيان "نادى الأعضاء باستئناف مفاوضات جدة بالسعودية، وضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، واحترام القانون الإنساني الدولي، دون أن يخرج الاجتماع بقرارات، واكتفى بالبيان الصادر عنه يوم 27 أبريل".
وكان مندوب السودان في الأمم المتحدة بعث خطابا لرئيس مجلس الأمن في 26 أبريل، طالبا عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لبحث شكوى السودان ضد الإمارات.
بعد أن وصفها مندوب السودان في الأمم المتحدة بـ"الراعي الإقليمي" لتمرد قوات الدعم السريع، دفعت الإمارات برد رسمي إلى مجلس الأمن الدولي، رفضت فيه ما اسمتها "الادعاءات الزائفة" عن اتهامها بتغذية الصراع في السودان.
وقال مندوب الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبوشهاب، في الرد الذي سلمه لمجلس الأمن، إن "نشر المعلومات المضللة، والروايات الزائفة، بعد مرور عام على الصراع، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان".
وأضاف أن "الإمارات ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، وبدعم أية عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي، للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية".
الحرة - واشنطن
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
قراءة في نص “تأسيس” نيروبي: الأصولية العلمانية (2-2)
عبد الله علي إبراهيم
علمانية الدولة
بدا أن جائزة عبدالعزيز الحلو التي أغرته بـ"تأسيس" هو قبولها بغير شيء من ضرب الأخماس في الأسداس أن تنص وثيقتها صريحاً على مطلب "علمانية الدولة" (في الديباجة) كما لم يفعل عهد سوداني من قبل. وعلمانية الدولة عقيدة مؤثلة للحلو اضطر أحياناً إلى استبدالها بـ"فصل الدين عن الدولة" في وثائق وقعها مع طيف واسع من الأحزاب السودانية وحتى مع الفريق ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة عام 2021. وطالما هبت الريح علمانية ناحيته جاء الحلو إلى الوثيقة بمطلب أذاعته حركته وهو أن ينص الدستور القادم على "مبادئ فوق دستورية" مثل العلمانية وهي التي لا تخضع للتعديل مثل غيرها التي ينص الدستور على إجراءات تعديلها. فهذه المبادئ فوق الدستورية في الحفظ والصون ومتى أراد أحد تغييرها صار من حق الجماعات السودانية المتضررة نفض يدها عن البلد بممارسة حق تقرير المصير (الباب الأول المادتان 3 و7).
ومع اقتناع كثر بأن فصل الدين عن الدولة بصورة أو أخرى أزف بدليل أنه ورد مكرراً تكراراً مزعجاً في وثيقة "اتفاق سلام جوبا" إلا أن إصرار الحلو على "توثين" علمانية الدولة، توثيناً يعتزل بها الصراع السياسي الذي قد ينال من العلمانية وحتى الديمقراطية، فهو حال استثنائية في عبادة مبدأ سياسي خلت منه المبادئ. وبدا من الحلو من فرط هذا التوثين أنه مصاب بـ"الأصولية العلمانية" التي حذرنا منها جون إسبسيتو الأستاذ بجامعة "جورج تاون"، تحذيره من الأصولية الدينية. فمعرفتنا الراهنة بالدين في رأيه هي "بنت ضغينة علمانية تمكنت من الصفوة الحديثة". فغالباً ما جرى التعامل مع الدين بلا مبالاة أو بعداء صريح. ويقع تحذير "إسبسيتو" من الأصولية العلمانية في سياق مراجعة لعلاقة الدين بالعلمانية انعقدت منذ عقود. فالأكاديمي الأميركي كريق كالهون من المراجعين، صرف من اعتقد أن العلمانية حال خالصة خلت من الدين بالكلية. فقال "غالباً ما أخذنا العلمانية كحالة غياب عما عداها. فهي في اعتقادنا ما يتبقى لنا متى تلاشى الدين لا من السياسة فحسب، بل من الوجود" كما كان مطلب الثورة الفرنسية وممارستها في أول عهدها حتى بدلت الفرنسيين، وإلى حين، ديناً أحسن من دينهم في رأيها.
ونبه نيكلوس كريستوف الصحافي في "نيويورك تايمز" في أعقاب ذيوع العبارة الدينية في عهد الرئيس جورج بوش الابن إلى القطيعة القائمة بين الصحافة الليبرالية و"المهتدين الجدد" من الأميركيين. فيؤمن، إحصائياً، 48 في المئة من الأميركيين، في قوله، بخلق الله للعالم في سبعة أيام بينما يؤمن 28 في المئة منهم بمبدأ داروين. ويعتقد الأميركيون بنسبة الثلثين أو يزيد بوجود الشيطان بأكثر من صدقية نظرية داروين. وتعيش هذه الجماعة المهتدية بمعزل عن الليبراليين في ثقافتها المستقلة. فمن بين أكثر الكتب مبيعاً سلسلة كتب مسيحية عن نهاية الكون وزعت 50 مليون كتاب. ومن بين أكثر مقدمي برامج التلفزيون شهرة داعية إنجيلي يشاهده الناس داخل 190 قطراً في العالم. ومن يرى ليومنا طي خيام الليبرالية بيد إدارة الرئيس ترمب صدق قول من سمى تدين الدولة في عهد بوش بـ"الصحوة الدينية الرابعة" خلال الـ300 عام من عمر أميركا. فاللدين طرائق قدداً في الأوبة بعد الغيبة.
إعادة تأسيس
اتفق لـ"تأسيس" إعادة تأسيس كل القوى العسكرية والأمنية والخدمية المدنية من أول وجديد. فسينشأ بمقتضى وثيقتها جيش جديد مهني وقومي يمثل الطيف السوداني وتحت قيادة مدنية. وهو جيش خلا من الولاءات السياسية والجهوية والإثنية ولا تداخل له في السياسة والاقتصاد. وستكون إعادة الـتأسيس هذه حين يغلب حلف "تأسيس" ويمسك بزمام الدولة (الباب الأول 14). وحتى ذلك اليوم ستحتفظ الجماعات المسلحة الموقعة على "تأسيس" بقواتها العسكرية، أو ما وصفته الوثيقة بالاستمرار في "الكفاح المسلح كوسيلة من الوسائل المشروعة للمقاومة والنضال من أجل التغيير وبناء السودان (الباب الأول 20). فصاروا في حال بخلاء الجاحظ. جلسوا حول قدر ماء يغلي رمى فيه كل واحد منهم بقطعة لحمه مشدودة إلى الخيط لتنضج، فتفرق طعامهم بينما القدر واحد.
وبدا من نص "تأسيس" أن رهاب الإسلاميين "الكيزان" هو ما أوحى حصرياً به. فلم تكتف "تأسيس" بحل حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وتفكيكهما (الباب الأول 32) بل نصت على تحريم قيام أي حزب أو تنظيم سياسي على أساس ديني. وربما أبعدت الوثيقة النجعة هنا لاعتقادها أن "الكيزان"، الذين أقاموا بالحق نظاماً سياسياً كئيباً، هم آخر من يرغب أن تؤوب الدولة للدين. فلا استنفاد لرغائب أمة من المسلمين ولا لعزائمهم في أن يحكموا دينهم فيهم هم، لا في غيرهم، مما ساحته التشريع المنتظر، أي القنطرة البعيدة لا تزال. وهي القنطرة التي جاءت في الوثيقة بدعوتها الالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي في السودان الجديد على "أسس وقواعد ومبادئ النظام الديمقراطي والشرعية الدستورية" (الباب الأول 19). وبالطبع سارعت الوثيقة في نصها هنا لتجريم "استغلال الدين لأغراض سياسية". وهذا بلا مراء خرق للديمقراطية التي جاءت في النص والتي تقوم على المنافسة من فوق برامج سياسية على مرأى من ناخبين ومسمع. فجذم آصرة الدين عن السياسة هو ما أوقعتنا فيه عبارة "الإسلام السياسي" التي ناسبت خصوم المشروع الإسلامي ليقولوا إن ثمة إسلام آخر غير سياسي، وكفى به.
وساق هذا الرهاب من الإسلام إلى نوع هوس، فلم تكتف "تأسيس" بتحصين العلمانية كمبدأ فوق دستوري يأذن للجماعة المتضررة كما رأينا بالطلاق من الأمة متى جرى انتهاكه، بل سارعت بتجريم حتى قيام الحزب الذي يدعو لغير العلمانية. ولو صح أن تكون المظالم من "نظام الإنقاذ" هي مبلغ علمنا في تدبير شأننا السياسي لجرمت "تأسيس" قيام الأحزاب على أساس إثني. فهول الإثنية والسلالية على السودان ليس أقل من هول الحزب الديني عليه. ولكن لم يطرأ لواضعي "تأسيس" منع قيام الحزبية على الإثنية والقبائلية لأنه ما اجتمع في نيروبي إلا كل ذي عصبية منهما. ويكفي أن بين الموقعين على "تأسيس" ممثل لـ"مؤتمر البجا" وهو شعب في شرق السودان.
تَطَيُر الصفوة من حلف نيروبي وشفقتهم من أن يؤدي إلى تقسيم السودان وظيفة لاكتفائها من الواقعة دون نصها. فمن قرأ "تأسيس" في سياقاته التاريخية وملابساته المعاصرة أشفق على أهله قبل السودان لأنهم صدروا فيه عن غبائن من "الكيزان" كأن نجاة السودان في إلغائهم. فرهنوا بذلك أنفسهم لعادة معارضة الكيزان أو اللوثة بهم، لا يزال، بينما استحق السودان جرأة في تخيله تضع "دولة الإنقاذ" حيث هي في ذمة التاريخ مهما بدا من انتفاش منها يحاكي صولة الأسد. فمن شأن قراءة مثل "تأسيس" أن تزيل في قول أحدهم "المحق الدارج والمفازع المبالغ فيها".
ibrahima@missouri.edu