بين غضب الجيش وضغط الإمارات.. لماذا صعّد السودان لهجته ضد بريطانيا؟
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
بعد شكاوى ومذكرات رسمية، عادت السجالات بين السودان والإمارات إلى أروقة مجلس الأمن الدولي مجددا، بينما اتهم السودان بريطانيا بأنها "غيرت أجندة جلسة مغلقة مخصصة لمناقشة شكواه ضد أبوظبي، إلى مناقشة الأوضاع السودانية العامة، وأوضاع مدينة الفاشر"، وفق بيان للخارجية السودانية.
ويتصاعد التوتر منذ أشهر بين الجيش السوداني الذي يتولى السلطة عمليا في البلاد، وبين الإمارات العربية المتحدة.
ويتهم الجيش أبوظبي بدعم قوات الدعم السريع، في النزاع الذي اندلع في أبريل 2023، وهو ما تنفيه الإمارات.
وتقدم السودان بطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي للبحث في "عدوان الإمارات على الشعب السوداني" ومساندتها قوات الدعم السريع في الحرب التي تخوضها مع الجيش، بحسب ما قال مسؤول دبلوماسي سوداني لوكالة فرانس برس.
وكانت صحيفة "تايمز" البريطانية نشرت، الأحد، قبل يوم من الجلسة المغلقة لمجلس الأمن، أن "الإمارات أوقفت جميع الاجتماعات الوزارية مع بريطانيا مؤقتاً، بسبب غضبها من عدم تحرك المملكة المتحدة إزاء الاتهامات السودانية لها".
ولم يصدر تعليق من بريطانيا على بيان وزارة الخارجية السودانية، كما لم تعلق الإمارات رسميا عليه.
لهجة جديدة
يرى الصحفي المعتمد لدى الاتحاد الأوروبي، حسين الوائلي، أن "العلاقة بين بريطانيا والإمارات ليست على ما يرام بسبب تباين المواقف في عدد من القضايا الإقليمية والدولية".
وقال الوائلي لموقع الحرة، إن "العلاقة بين بريطانيا والإمارات بها قدر من التوتر، بسبب تباين المواقف في منطقة الساحل والصحراء إذ يوجد تحالف إماراتي إسرائيلي مغربي ضد المصالح البريطانية، بجانب التقارب الإماراتي الروسي الذي أضاف حالة من عدم الثقة بين الإمارات وبريطانيا".
وأضاف "لكن مع ذلك فإن المصالح الاستثمارية المشتركة تؤثر على العلاقات، وتلعب دورا في المعادلة السياسية، وفي التنسيق بالمحافل الدولية".
من معارك الخرطوم
"شريكة في الفظائع".. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ"جلسة الإمارات"
اتهمت وزارة الخارجية السودانية، الثلاثاء، بريطانيا بتغيير صيغة وطبيعة جلسة المشاورات المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي عن السودان الاثنين، وأشارت إلى أن "الجلسة ناقشت الأوضاع السودانية العامة، بعد أن كانت مخصصة لمناقشة شكوى السودان ضد الإمارات".
صعّدت الخارجية السودانية لهجتها الناقدة إلى بريطانيا، وقالت في بيانها، إنها "تأسف أن تتنكر بريطانيا لواجبها الأخلاقي والسياسي، بصفتها عضوا دائما بمجلس الأمن، وبحكم ماضيها الاستعماري في السودان، الذي لا تزال آثاره غير الحميدة مستمرة، وذلك مقابل مصالحها التجارية مع دولة الإمارات".
وتابع البيان "حماية بريطانيا لأكبر ممولي الحرب في السودان، مقرونة مع ما كشفته الصحافة البريطانية من أن الحكومة البريطانية أجرت لقاءات سرية مع مليشيا الدعم السريع، تجعلها شريكة في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها".
وبعد أن وصفها مندوب السودان في الأمم المتحدة بـ"الراعي الإقليمي" لتمرد قوات الدعم السريع، دفعت الإمارات برد رسمي إلى مجلس الأمن الدولي، في 22 أبريل، رفضت فيه ما سمتها "الادعاءات الزائفة" عن اتهامها بتغذية الصراع في السودان.
وقال مندوب الإمارات لدى الأمم المتحدة، محمد أبوشهاب، في الرد الذي سلمه لمجلس الأمن، إن "نشر المعلومات المضللة، والروايات الزائفة، بعد مرور عام على الصراع، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان".
وأضاف أن "الإمارات ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، وبدعم أية عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي، للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية".
وبدوره، يرى المختص في شأن الاتحاد الأوروبي، وائل العلي، أن "موقف الحكومة السودانية بمواجهة الإمارات، وتصعيدها الكلامي تجاه بريطانيا، يدلل على أن عناصر جماعة الإخوان المسلمين، عادوا للسيطرة على قرار وزارة الخارجية السودانية".
وقال العلي لموقع الحرة، إن "بريطانيا لها موقف ثابت عن ضرورة إنهاء الحرب وتشكيل حكومة مدنية لاستكمال الفترة الانتقالية، وهذا الموقف يتعارض مع توجهات قادة الجيش السوداني، وعناصر نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذين يؤثرون حاليا في القرارات المصيرية في السودان".
وأشار المختص في شأن الاتحاد الأوروبي، إلى أن "بريطانيا والولايات المتحدة وعدد من قادة المجتمع الدولي يشددون على ضرورة إيقاف أي دعم خارجي يصل لطرفي الصراع في السودان، سواء من الإمارات، أو من إيران أو من غيرها".
الحرب في السودان دخلت عامها الثاني - أرشيفية
بعد الرد الإماراتي.. ماذا يعني التصعيد بين الخرطوم وأبوظبي في مجلس الأمن؟
بعد أن وصفها مندوب السودان في الأمم المتحدة، بـ"الراعي الإقليمي" لتمرد قوات الدعم السريع، دفعت الإمارات برد رسمي إلى مجلس الأمن الدولي، رفضت فيه ما اسمتها "الادعاءات الزائفة" عن اتهامها بتغذية الصراع في السودان.
كانت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، قالت الاثنين، إن الولايات المتحدة "تناشد جميع الدول، بما في ذلك الإمارات، التوقف عن تقديم الدعم لطرفي الحرب في السودان"، محذرة من أن "أزمة بأبعاد هائلة تتشكل" حاليا.
وقالت غرينفيلد للصحفيين: "نعلم أن كلا الجانبين يتلقيان الدعم، سواء بالأسلحة أو غيرها، لتعزيز جهودهما لمواصلة تدمير السودان. نعم، تواصلنا في هذا الصدد مع الأطراف، بمن فيهم زملاؤنا من الإمارات".
مصالح مشتركة
ويشير الباحث في الشؤون الأوروبية، إبراهيم إمام، إلى أن "ما ذكرته صحيفة التايمز البريطانية عن إيقاف الإمارات اجتماعات وزارية بين البلدين، يندرج في خانة أوراق الضغط".
وقال إمام لموقع الحرة، إن "الإمارت واحدة من أكبر المراكز الاستثمارية والاقتصادية في العالم، ولذلك تحرص كثير من الدول على ترقية العلاقات التجارية معها".
وأشار إلى أن "القدرة المالية الكبيرة لهذه الدولة الخليجية أثرت وتؤثر في كثير من القرارات المشتركة مع بعض الدول، وحجبت كثيرا من القرارات التي كان من المتوقع صدورها ضد الإمارات".
ولفت الباحث في الشؤون الأوروبية إلى أن "التعديل في أجندة الجلسة المغلقة التي جرت الاثنين، لا يعني أن مجلس الأمن سيهمل اتهام السودان للإمارات".
وأضاف "عاجلا أم آجلا ستتم مناقشة هذا الموضوع، لكن لا أحد يضمن الشكل النهائي لبيان أو موقف مجلس الأمن المتعلق بالاتهام، إذ ربما تلعب المصالح دورا في الصياغة النهائية".
وكتب أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، في منصة (إكس): "الإمارات غاضبة من بريطانيا، ومن عدم تقديرها لصداقة ومصداقية الإمارات التي قررت إلغاء 4 اجتماعات وزارية مؤخرا، وتحذر أن العلاقات بين البلدين أمام مفترق طرق وتشهد أسوأ ايامها".
وأضاف "على بريطانيا أن لا تهون ولا تستهين بغضب الإمارات، وأن تتعلم الدرس من غضب الإمارات سابقا من كندا وإيطاليا".
في المقابل، يشير العلي إلى أن "المجتمع الدولي يناقش الأزمات وفق رؤيته وما يعتقد أنه ضروري لحماية المدنيين".
وأضاف "الحاجة العاجلة في السودان الآن هي إيقاف هجوم الدعم السريع المتوقع على مدينة الفاشر، تجنبا لحدوث كارثة إنسانية في إقليم دارفور المضطرب، وربما لذلك ناقشت جلسة مجلس الأمن المغلقة هذه القضية، بدلا عن شكوى السودان".
وتابع قائلا "يضغط معظم قادة المجتمع الدولي الفاعلين، وبينهم بريطانيا، لوقف الدعم الخارجي لطرفي الحرب في السودان، وصولا إلى إنهاء الحرب، وتشكيل حكومة بقيادة مدنية، وهذا موقفهم المعلن".
وكان بيان الخارجية السودانية أشار إلى أن "الأعضاء الذين شاركوا في جلسة مجلس الأمن الاثنين، طالبوا بأن تتوقف مليشيا الدعم السريع عن أعمالها العدائية حول الفاشر، وأن تتعهد بعدم مهاجمة أي مدينة، ودعوا الأطراف الإقليمية للالتزام بحظر الأسلحة على دارفور بموجب القرار 1591".
وأضاف البيان "نادى الأعضاء باستئناف مفاوضات جدة بالسعودية، وضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، واحترام القانون الإنساني الدولي، دون أن يخرج الاجتماع بقرارات، واكتفى بالبيان الصادر عنه يوم 27 أبريل".
وعبّرت الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، الأسبوع الماضي عن قلقها من هجوم وشيك لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر.
ويقول سكان ووكالات إغاثة ومحللون، إن القتال من أجل السيطرة على الفاشر، وهي العاصمة التاريخية لمنطقة دارفور، قد يطول ويؤجج التوترات العرقية التي ظهرت على السطح خلال الصراع الذي دار في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في المنطقة، وفق وكالة رويترز.
وقالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، يحتاجون إلى مساعدات. وتسببت الحرب في نزوح نحو 8 ملايين شخص.
ودعت هيئة عالمية معنية بالأمن الغذائي، تدعمها الأمم المتحدة، إلى اتخاذ إجراءات فورية "لمنع وفيات على نطاق واسع وانهيار تام لسبل العيش وتجنب أزمة جوع كارثية في السودان".
الحرة / خاص - واشنطن
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الخارجیة السودانیة قوات الدعم السریع مجلس الأمن الدولی الحرب فی السودان الأمم المتحدة إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل ينجح أردوغان في حل الخلاف بين السودان والإمارات.. وماهي فرص نجاح الوساطة التركية؟
استعرض تقرير لوكالة "RT" آراء خبراء ومحللين سياسيين بشأن فرص نجاح تركيا في لعب دور الوسيط لحل الخلافات بين السودان والإمارات.
وأشار التقرير إلى عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام، استعداد بلاده للتوسط لحل "الخلاف" بين السودان والإمارات لإحلال الأمن والسلام في السودان.
وجاء عرض الرئيس التركي بالتدخل للمصالحة بين السودان والإمارات بعد ساعات من إعلان تركيا نجاح وساطتها في تحقيق المصالحة وحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، والذي قالت عنه الرئاسة التركية أن "الاتفاق بين البلدين سيسهم في السلام في المنطقة".
ورحب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني بـ"أي دور تركي يسهم في وقف الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع"، وثقته في مواقف الرئيس التركي وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته".
وتحدث خبراء متخصصون في الشأن السوداني لـ RT عن دعوة الرئيس التركي ومدى نجاحها في تحقيق المصالحة بين السودان والإمارات في ظل اتهامات من حكومة الخرطوم بأن الإمارات هي الداعم الأكبر لقوات الدعم السريع في الحرب الدائرة السودان.
ويرى المحلل السياسي السوداني الدكتور أمجد فريد، أن تركيا بعد نجاحها في تغيير الأوضاع في سوريا والتوسط لإطفاء التوتر بين إثيوبيا والصومال تسعى بشكل حثيث إلى "تعزيز نفوذها في المنطقة ككل وتقديم نفسها كلاعب أساسي وعامل مساعد على الاستقرار"، حتى أنها تقدمت بدعوة للمصالحة بين السودان والإمارات.
تخدم جهود وقف الحرب
ويؤكد المحلل السياسي السوداني أن الدعوة التركية "بلا شك إيجابية وقد تخدم جهود وقف الحرب في السودان" وأنها تضع الأمور في نصابها الصحيح، معتبرا دعوة الرئيس التركي بأنها "تتعامل مع الامارات كفاعل أساسي في اشعال حرب السودان" عبر امدادها المستمر للدعم السريع بالعتاد والسلاح.
ويضيف السياسي السوداني في حديثه لـ RT أن التحدي الأساسي الذي سيواجه هذه المبادرة هو من جانب دولة الإمارات والتي تسعى "لتحقيق مكاسب كلية شاملة في فرض نفوذها على السودان من خلال الدعم السريع، او بعض العناصر المدنية المنخرطة في تحالف تقدم والتي انخرطت في محاولة تشكيل حكومة موازية كخطوة في طريق تقسيم السودان".
وأشار "فريد" إلى أن المبادرة التركية تتزامن مع جهود مماثلة من جانب الكونغرس الأمريكي الذي بدأت فيه تحركات لفرض حظر على تصدير السلاح على الإمارات حتى تتوقف عن إمداد الدعم السريع، وهو ما يضمن "الضغط الدولي على دولة الإمارات في وقف دعم قوات الدعم السريع".
وكان السيناتور الديمقراطي الأمريكي كريس فان هولين، قدم مشروع قانون في مجلس الشيوخ الأمريكي في 21 نوفمبر الماضي لتعليق مبيعات الأسلحة للإمارات على خلفية اتهامات بتسليحها قوات الدعم السريع أحد طرفي الصراع في السودان، كما تقدمت النائبة الديمقراطية سارة جاكوبس بمشروع مماثل في مجلس النواب.
ويؤكد المحلل السياسي السوداني أن المدخل الصحيح الذي دللت عليه المبادرة التركية والأمريكية أنها "وضعت دور الإمارات في مكانه الصحيح بعيدا عن الأقنعة والمجاملات الدبلوماسية والتي تحاول تصويرها على أنها وسيط أو مراقب محايد في عمليات السلام السودانية".
وقبل أيام كشف وزير الخارجية السوداني علي يوسف عن مجموعة من المحددات التي يجب الاتفاق عليها قبل دخول القيادة السودانية في مفاوضات رسمية مع دولة الإمارات في مقدمتها "وقف الدعم العسكري واللوجستي الذي تقدمه الإمارات للدعم السريع" والالتزام بالحفاظ على وحدة السودان وسيادته ومؤسساته وقواته المسلحة.
بينما يرى المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني أن الدعوة التركية وإن كان هدفها إيجاد نوع من التفاوض بين السودان والإمارات إلا أنها "لم تحدد على أي شكل سيكون هذا التفاوض أو مستواه" على غرار ما حدث في عملية المصالحة بين إثيوبيا والصومال.
وقف الدعم ضغطٌ لأجل التفاوض
ويؤكد المختص في الشؤون السودانية أن السودان لديها شرط أساسي هو "وقف الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع". وفي حال تحقق هذا الشرط فإن عملية المصالحة مع الإمارات ستكون أسهل، وهو موقف أعلن عنه وزير الخارجية السوداني بأنه "شرط لا رجعة فيه".
ورجح المحلل السياسي السوداني أن قطع الدعم عن قوات الدعم السريع سيسهل كثيرا حل الأزمة السودانية وأنه "في ظل التقدم الذي يحققه الجيش السوداني لن يكون أمام طرفي الصراع في السودان إلا العودة لطاولة المفاوضات" وهو ما يرجح عودة مسار جدة للمفاوضات