من احتل فلسطين؟ سيبدو هذا السؤال غريبًا بالنسبة لكم بلا شك، ربما لأن الإجابة في عقولنا حاضرة، وهي "إسرائيل" مباشرةً. ربما يمكنكم أيضًا إضافة الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل.
أنا أفكر في هذا الأمر بشكل مختلف قليلًا؛ دعوني أشرح لكم.
لماذا لا يتم إيقاف إسرائيل؟جميعنا شاهدنا بِحَيرة عدم قدرة أي دولة على إيقاف إسرائيل عن ارتكابها أكبر المجازر في حق المدنيين في السنوات الأخيرة.
مثلًا؛ لنفترض أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا كانت تقفت إلى جانب إسرائيل في مجلس الأمن، لماذا لا يمكن لروسيا والصين فعل أي شيء؟ على سبيل المثال، روسيا تسيطر على المجال الجوي في سوريا، ولكن تسمح لإسرائيل باستخدامه لقصف دمشق.
عندما أعيد صياغة السؤال، سنفكر بطريقة مختلفة: هل تريد الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إيقاف إسرائيل حقًا؟
أعتقد أن الإجابة لا. السبب يكمن في النظام الدولي الفاسد الذي يقوم على المصالح المتبادلة.
غزة ليست أول مثال على الإبادة الجماعيةهنالك ردود فعل واسعة على المستوى الدولي حول ما يحصل في غزة؛ لأن المجازر والإبادة الجماعية هنالك تُنقل على البثّ المباشر على مرأى من العالم كله، ولهذا السبب يتمّ إدانة إسرائيل.
روسيا قتلت المدنيين في أفغانستان، والشيشان، وجورجيا، وأخيرًا في أوكرانيا بشكل مماثل. وقتلت الولايات المتحدة مليون شخص في العراق، وأعادت أفغانستان إلى العصر الحجري، وكانت فرنسا مسؤولة عن مقتل 800 ألف شخص في رواندا، ومليون مسلم في الجزائر، دون أن يتدخل أحد لوقفها. وارتكبت بريطانيا جرائم ضد الإنسانية في آسيا وشرق أفريقيا، دون أن ينبس بها أحد، وأحدثت الصين دمارًا في الأرواح في تركستان الشرقية، وتحاصر تايلند. وفي خضم كل هذه الأحداث؛ ما الذي يفعله مجلس الأمن الدولي برأيكم؟ يبدو أن المبدأ الأساسي هو "لا تنتقد جرائمي، لن أنتقد جرائمك".
لا ينبغي أن يلقوا اللوم على إسرائيل وينجوا بجلودهملماذا يجب أن نولي هذا اهتمامًا؟
لأن المشكلة ليست مقتصرة على إسرائيل، بل تُرتكب جرائم كبيرة بالتعاون المشترك. فهناك نظام يعمل على تنفيذ الجرائم بالتعاون، ومركزُ هذا النظام هو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. إنه ركيزة النظام الظالم في العالم وطاولة اتخاذ القرارات بشأن جميع الحروب والاستغلال والظلم الذي يحدث في جميع أنحاء العالم.
هل تعتقد أن إسرائيل، في حال توقفت عن الاحتلال والهجمات في المنطقة، سيتراجع نفوذ وقوة الولايات المتحدة، وبريطانيا، وروسيا، والصين، وفرنسا في المنطقة أم سيزداد؟ سيتراجع. هل هذه الدول ترغب في ذلك؟ لا.
الاحتلال والإرهاب الإسرائيلي هما مصدر جميع المشاكل في الشرق الأوسط، والدول الكبرى تستفيد من هذه البيئة المتوترة.
إسرائيل وسيلة الأرباح الاقتصاديةتواصل إسرائيل احتلال فلسطين وشن هجمات على سوريا، ولبنان، وإيران، مما يزيد من التوتر في المنطقة. وترى الدول المجاورة هذا كتهديد، وتستمر في التسلح، وتشعر بضرورة تكوين تحالفات سياسية مع الدول الكبرى.
في عام 2023؛ قامت الولايات المتحدة بتصدير 40 بالمئة من إجمالي صادرات الأسلحة في العالم، تليها روسيا بنسبة 16 بالمئة، وفرنسا بنسبة 11 بالمئة، والصين بنسبة 5.2 بالمئة.
تحتل 9 دول عربية مراكز متقدمة بين أكبر دول العالم في استيراد الأسلحة، وتعتمد إيران، وسوريا والعراق، ولبنان، ومصر التي ترى هذا التسلح الإسرائيلي تهديدًا لها، على استيراد الأسلحة من روسيا، والصين.
هذا يؤدّي أيضًا إلى تأسيس قواعد عسكرية، وإبرام صفقات تجارية، وتشكيل تحالفات سياسية.
لنفترض أن الأزمة الإسرائيلية قد انتهت، فما هي الأسباب التي ستجعل الدول الكبرى تبيع الأسلحة، وتنشئ قواعد عسكرية، وتجلب سفنها الحربية إلى المياه المتوسطيَّة؟
إذا تخيلنا أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تنفق ميزانياتها في التعليم والبنية التحتية والاقتصاد بدلًا من الصناعة العسكرية، فسيظهر مشهد جديد مغاير تمامًا. لكن للأسف، لا ترغب حكومات هذه الدول الإسلامية في ذلك.
لا بد من تغيير بنية مجلس الأمن الدوليما أود التأكيد عليه هو أن إسرائيل ليست سوى جزء من هذا الإجرام، فهي مجرمة ولكن لها شركاء في الجريمة، فالدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، شركاء في هذه الجريمة، ومن العوامل المؤسسة للنظام الفاسد في العالم.
وما لم يتغيّر هذا النظام، فإن الاستغلال والاحتلال والإبادة الجماعية ستظل مستمرةَ في جميع أنحاء العالم، من تركستان الشرقية إلى البوسنة، من فلسطين إلى الشيشان، من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى الجزائر.
يجب علينا الآن توجيه تركيزنا نحو هذا النظام الاستغلالي برمته، وجميع الأعضاء فيه. فلسطين أيقظت الوعي العالمي؛ حيث قام كل من يملك ضميرًا بالوقوف في مواجهة الظلم، وقام الشباب بالتمرد في الجامعات. ولكن يجب ألا ننسى هدفنا، وهو معاقبة كل المجرمين.
لا تنسَ أنَّ فلسطين قد تم استعمارها من قبل إسرائيل وخمس دول أخرى.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الولایات المتحدة مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
رسوم ترامب الجُمركية.. مسار ابتزاز لدول العالم
يمانيون../
مع دخول الحزمة الأكبر من الرسوم الجمركية الأمريكية، حيز التنفيذ، ابتداءً من اليوم الأربعاء، على نحو 60 دولة حول العالم، بدأت ملامح أزمات عالمية تلوح في الأفق، خُصُوصًا مع الانهيارات التي صاحبت الساعات الأولى لتنفيذ قرارات ترامب التصعيدية بحق الاقتصاد العالمي.
وشهدت الأسواق المالية العالمية، والبورصات الدولية الشهيرة، الأربعاء، اضطرابات واسعة، وهو ما ينذر بنتائجَ سيئة على باقي الأطراف الدولية حول العالم، وهي تعكس صور الغطرسة الأمريكية التي يكشف قبحها ترامب.
وفيما تركز الحرب الجمركية التجارية الأمريكية على الصين واليابان ودول حليفة لأمريكا، فَــإنَّ التداعيات الناجمة عن هذه الإجراءات تمس العالم، حسبَ ما يؤكّـده رجالُ المال والأعمال وخبراء الاقتصاد الدوليون.
وتكشف سياسة أمريكا في عهد ترامب، أن واشنطن لا تراعي حتى من يدورون في فلكها، فدول الاتّحاد الأُورُوبي وكوريا الجنوبية واليابان، وباقي الدول الحليفة لأمريكا، لم يشفع لها توددها وخضوعها للولايات المتحدة في إعفائها، أَو تخفيف نسبة التعرفة – على الأقل –، حَيثُ يصر ترامب على عربدته والسعي لتحقيق مصالحه متعددة الأوجه، على حساب مصالح العالم أجمع.
وفي السياق، يؤكّـد خبراء اقتصاد، أن الرئيس الأمريكي ترامب، يهدف للضغط على مختلف الأطراف الدولية؛ بغية تقديم تنازلات تجارية وسياسية ولصالح الميزان التجاري والسياسي الأمريكي، متجاهلًا التداعيات الكارثية التي قد تصل إلى خلق أزمة عالمية جديدة، على غرار الأزمات السابقة التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي السبب الرئيس في تفجيرها.
وتعتبر الرسوم الأمريكية من أشد الضربات التي يتلقاها النظام التجاري العالمي منذ عقود، خُصُوصًا مع الخسائر الكبيرة وغير المسبوقة التي حلّت بالبورصات خلال الأسبوع الجاري، والتي لم يشهد لها العالم مثيلًا منذ قرابة قرن كامل، والذي شهد ثلاثَ أزماتٍ مماثلةً، لكنها أقل حدّة، وفي المقابل كانت واشنطن هي المهندسة لها.
وتشير الأحداث المصاحبة لبدء تنفيذ التعرفة الأمريكية، إلى أن الولايات المتحدة باتت على موعد مع مسار ابتزاز واسع للعديد من الدول حول العالم، خُصُوصًا، وأن وسائل الإعلام الأمريكية تؤكّـد أن هذه الخطوة الأمريكية دفعت الكثير من الدول إلى فتح أبواب تفاوضية متعددة مع واشنطن لاحتواء الموقف، في حين تؤكّـد المعطيات أن ترامب سيتعامَلُ كتاجر مبتزٍّ وأناني، كما هو سلوكه وسلوك إدارته الحالية.
وما يؤكّـد سعي ترامب لتثبيت مصالح غير مشروعة لأمريكا على حساب مختلف الأطراف حول العالم، هو ما ذكرته وسائل إعلام دولية، بأن الرئيس الأمريكي ماضٍ لإبرام صفقات خَاصَّة مع عدد من الدول، وإبقاء باب التعرفة الجمركية مفتوحًا على مصراعَيه أمام باقي الأطراف المشمولة برسوم ترامب، وهذا يؤكّـد أَيْـضًا أن الإدارة الأمريكية تكيل بعدة مكاييل؛ لتكشف الحقيقة بشكل أكبر عن ظهور أمريكا كـ”بكتيريا” تتغذّى على الجروح والأزمات.
وبالعودة لتصريحات ترامب الأخيرة التي قال فيها إن هناك اتّفاقيات مصممة بشكل خاص وعناية فائقة مع اليابان وكوريا الجنوبية؛ بهَدفِ إجبارها على عقد تفاهمات جديدة مع واشنطن، فَــإنَّ هذا يكشف للجميع حجم الغطرسة الأمريكية واستبدادها الاقتصادي على حساب الشعوب، ومن جهة أُخرى يكشف أن أمريكا لا صديق لها، وأن التحالف معها يعني الخضوع لكل إملاءاتها السياسية والاقتصادية، وعلى كُـلّ المستويات.
وفي السياق أَيْـضًا، كشفت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن ما يقارب من 70 دولة دخلت في اتصالات مع واشنطن؛ بهَدفِ بدء محادثات تهدف إلى تقليل تأثير الرسوم الجمركية على اقتصاداتها، وهذا الأمر يعزز فرص أمريكا للابتزاز والمساومة، ويكشف أَيْـضًا جانبًا من أهداف قرارات ترامب، التي بدت أكبر من كونها فرضَ سطوة اقتصادية.
وتقود هذه السياسات الأمريكية الاستكبارية إلى تضخم كبير وارتفاع في الأسعار وتراجع في القوة الشرائية وحتى الوظيفية، خُصُوصًا في البلدان المشمولة بالرسوم “الترامبية”، وهو ما يؤكّـد للجميع ضرورة الاتّجاه نحو إنشاء استقلالية سياسية واقتصادية عن السطوة الأمريكية، وليس العكس الذي ظهرت فيه تلك الدول كمتسولة في الأبواب الأمريكية بحثًا عن إعفاء هنا أَو هناك، رغم قوتها الاقتصادية والتجارية.
نوح جلّاس | المسيرة