رأي اليوم:
2025-01-22@14:05:07 GMT

ناجي ظاهر: التهجير الأكبر

تاريخ النشر: 31st, July 2023 GMT

ناجي ظاهر: التهجير الأكبر

ناجي ظاهر عبثًا حاول أن يجذب النوم إلى عينيه، صورة ابنته صغنونته حبيبته الابدية لم تترك فضاء للنوم. كلّ محاولاته ولّت سدى. في الماضي كان يعرف كيف يجذب ملك الكرى إلى عينيه، صحيح أن جلبَه هذا للنوم كان يحتاج إلى مجهود ما، إلا أنه كثيرًا ما كان يوفّق في مسعاه. أما في الحاضر المُرّ، في هذه الليلة تحديدًا، هذه الليلة المُرّة كالحنظل، فقد بات جاهلًا لا يعرف “وين الله حاطه”.

في البداية سحبت رفيقة دربه البساط من تحت قدميه ليجد نفسه بعيدًا عن أحبائه فيه، وها هي تبلغ ذروة تعذيبها له فتطرد ابنته الصغيرة من بيتهما المشترك في الامس، بيتها وحدها اليوم!!. يُرسل نظرة حائرة مُمرّرًا إياها في جميع أنحاء غرفة الاستقبال. منذ وجد نفسه مُهجرًا ووحيدًا هو وكتبه وحاسوبه في شقته القصيّة القديمة، وهو ينام في هذه الغرفة. هجر تلك الغرفة التي كانت أيام عزّها، مخصّصة للنوم إلى جانب زوجته، بعد أن استقلت بشقتهما الجديدة، رافضة متابعة حياتها معه، كما هجر غرفة الاولاد، هو لا يتحمّل رؤية أسرّتهم فارغة فيها. إحساس بالاختناق يجتاح حلقه، ما الذي يحدث معه؟ ترى أيكون مجرّد كابوس سيفيق منه ذات يوم ليواصل حياته مع اسرته، زوجته وابنائهما، مجدّدًا؟. احساسه هذا يحمله إلى الشبّاك المُطلّ على الاشجار المسترخية في عتمة الحديقة المحاذية لبيته، هناك يخيّم ظلام صامت. يُنعم النظر لعله يرى ما يتحرّك هناك في قلب الليل. ينتظر طويلًا إلا أن شيئًا لا يتحرّك. الليالي السابقة الطويلة، خلال ما يربو عن الخمسة أعوام، من البُعد القسري عن شقته الجديدة، وإقامته في هذه القديمة، علّمته أن الليل بهيم لا يفهم، وأنّ ما ينتظره من شعاع لا يبزغ. يعود إلى سريره. ماذا تراه يفعل؟ ما يواجهه فوق طاقته. في الماضي البعيد، يوم جاء من حي الصفافرة إلى هذه الشقة في “نتسيرت عيليت”، للاقامة فيها، أحس أن امرًا جللًا سيحدث. كان حينها خائفًا على ابنه، ابن الخمسة أعوام، فربّما اختطفه مجنون ما، او ربّما دهسته سيارة عابرة “ولا على بالها”. هو لم يُخفِ خوفه يومها على ابنته الصغير حبيبته الابدية، كانت آنذاك صغنونة تبتسم له فيبتسم العالم. بعدها مضت السنوات ليكتشف أن خوفه لم يكن في مكانه، وأنه كان ينبغي أن ينتبه لأن الخطر من مأمنه يأتي. لم يكن يتوقّع ولا في اسوأ تخيّلاته، أن يدخل عليه الخوف من باب زوجته حبيبته ورفيقة دربه خلال ثلاثة عقود من الزمن، غير أن هذا ما حصل. هو الآن، في هذا الليل، لا يريد أن يتذكّر الماضي، لا يريد بالمرّة، فالماضي بات وراءه، بنكباته المتلاحقة وخسائره الفادحة، وأمامه حاضر يحتاج إلى المزيد من الحذر، وإلا فإن الخسائر ستتواصل حتى تقضي على قلبه المُتعَب، وتُجهِز بالتالي على وجوده، فيعود إلى ظلام جاء منه. ” لا هذا لن يكون” قال وهو يشدّ يده على حديد الشباك. لا، لا يمكن أن يكون. هو سيخرج بأقل ما يمكن من خسارة. الهزائم المتتالية منذ ولد، مهجرًا ابنًا لمهجّر، حتى كهولته اليوم، علّمته أن الشَجاعة صبر ساعة، وأن مَن يصبر أكثر تكون له الحظوة في مملكة الامل، لكن كيف يصبر وقد عَلم صباح اليوم، أن ابنته الصغنونة محبوبته الابدية، تقيم عند أختها، بعد أن طردتها والدتها من بيتها؟ كيف سيصبر وهو لا يعرف ماذا يفعل… كان آخر ما توقّعه، حين تلفن لابنته الكبرى صباح اليوم، أن تسأله عمّا إذا كان يريد أن يطمئنّ على شقيقتها الصغرى. لهذا كاد يُهيئ نفسه لنكبة جديدة، وسأل ماذا بها اختك؟ فردّت ابنته الكبرى، اعتقدت أنك تعرف ان أمي طردتها من البيت وهي عندي في بيتي منذ يومين. عندها فقط شعر بأنفاسه تعود إلى أنفه وفمه، غير أنه ما إن أعاد سماعة التلفون إلى مكانها حتى راح يتساءل عمّا يمكنه أن يفعل لإعادة ابنته إلى بيتها. في نهاية تساؤلاته كان لا بدّ من أن يقرّر: بما أنه ليس في البيت ولا يستطيع أن يقترب منه جراء تهديدات قاهرته.. رفيقة دربه بالشرطة والثبور وعظائم الامور، فإنه يترتب عليه أن يتوجّه إلى واحد من أقاربه، لكن مَن يمكن أن يكون هذا القريب؟ كلّهم ماتوا لم يتبقّ منهم إلا الاضعف، فهل يتوجّه إليه؟ أجل ليفعل وماذا بإمكانه أن ينتظر؟.. الغريق لا ينتظر ويفضّل أن يتعلّق بحبال الهوا. هكذا وجد نفسه يندفع في ساعات المساء باتجاه بيت قريب له. الطريق إلى هناك كانت طويلة، فقد كان يعرف تمام المعرفة أن أحدًا لن يُقدّم اليه يد المساعدة، وأنه سيبقى غارقًا في ظلامه إلى ما شاء الله، أو حتى تحصل معجزة في زمن لا يعرف المعجزات ولا يريد، ومع هذا غذ الخطى باتجاه بيت قريبه. أخيرًا وصل إلى هناك.. توقّف قُبالة باب البيت المُغلق، كان الباب يغرق في عتمته. لا، هو لن يطرق هذا الباب، فقد طرقه أكثر من مرّة في السابق ولم يُفتح له، فهل يضيف إلى تلك المرّات مرة أخرى جديدة تضاف إلى دفتر هزائمه؟ ليكن ما يكون. نعم ليُضف هزيمة أخرى بماذا سيضره هذا، وهو إذا لم يربح لن يخسر، وتقدّم من الباب. رفع يده لطرقه، غير أنه أحس باسترخاءٍ يسري في يده فأنزلها رويدًا رويدًا ومضى في عتمته، متجاوزا ذلك الباب، في محاولة للبحث عن باب آخر، ومضى في ظلامه، مضى يغذّ المسير. الابواب كلّها مغلقة أمامه فإلي أين يمضي؟ إلى أين؟ وانطلق في طريقه يمشي بسبعة أرجل، بعشرة، بألف.. بآلاف الارجل، إلى أن وصل إلى باب بيته، استخرج مِفتاحه من جيبه وفتح بابه. هذا هو الباب الوحيد الذي يُفتح له. كلّ الابواب الاخرى مغلقة “محدا وراها فاضي لحدا ولتمت انت في شجاك وحزنك”. قال لنفسه وهو يردُّ بابَ شقته وراءه، ويتوجّه إلى سريره في غرفة الاستقبال ليستلقى هناك، بانتظارِ وسنٍ لا يأتي منذ أكثر من خمسة أعوام هي تاريخ تهجيره الثاني. *** يرفع جسمه من على سريره في غرفة الاستقبال، يشعر بتثاقل ما، ينبذ ما يشعر به، يتوجّه نحو باب شقته القديمة، يخرج إلى الشارع. لقد أضمر أمرًا، هو لا يمكنه أن يقبل بهكذا وضع، وبات من الواضح له على الاقل أنه يوجد أمامه واحد من أمرين، فإما حياة تسرّ الصديق وإما ممات يغيظ العدا، هو لا يمكن أن يُسلّم بالخسارة كاملة، وهو يعي تمام الوعي أنه ما زال أمامه متسع من الوقت للمناورة، وحتى للمغامرة، وانطلق في طريقه راكضًا مثل سيف، كان الطريق أمامه طويلًا ممتدًا بلا نهاية، وكان يركض غير عابئ بالظلام أمامه، كان يريد أن يعمل أي شيء من أجل إعادة ابنته صغنونته محبوبته الابدية إلى بيتها. كان يركض ويركض وإلى جانبه.. يركض الليل.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

الإمارات تغيث سكان غزة بالمرحلة الأكبر من «الفارس الشهم 3»

انطلقت أمس المرحلة الأكبر من عملية «الفارس الشهم 3»، لتقديم المساعدات الإغاثية إلى سكان قطاع غزة، التي تأتي في إطار توجيهات صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتقديم أشكال المساعدات كافة إلى سكان غزة، بالتزامن مع إعلان هدنة إنسانية، ما يوفر فرصة لتعزيز الجهود الإغاثية وتخفيف معاناة المتضررين.

‏وسيرت العملية، أمس الأحد، قافلة إغاثية تتكون من 20 شاحنة محملة بنحو 200 طن من المساعدات الضرورية التي تشمل المواد الغذائية، وكسوة الشتاء، والاحتياجات الأساسية الأخرى. وتهدف هذه القافلة إلى توفير الدعم الفوري للأسر المتضررة نتيجة الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهونها.

‏أكد حمد النيادي رئيس البعثة الإغاثية الإماراتية، أن «الفارس الشهم 3» تمثل التزاماً مستمراً بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، مشيراً إلى أن هذه المرحلة هي الأكبر من نوعها ضمن سلسلة الجهود الإنسانية التي قُدِّمَت منذ انطلاق العملية.

الصورة

وأوضح أن التنسيق يتم بشكل كامل مع الجهات المعنية لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بأسرع وقت ممكن.

وأكد حمد النيادي، أن الجهود الإغاثية ستتوسع في الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن زيادة إدخال المساعدات مرهون بتسريع وتيرة فتح المعابر، موضحاً أن هذه العملية الإغاثية الكبرى تجسد توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في دعم سكان غزة الذين يعانون آثار الكارثة الإنسانية الناجمة عن الحرب.

وشدد على التزام الإمارات مواصلة دعمها الإنساني بقوة، بما يعكس القيم الإنسانية الراسخة التي تتبناها الدولة في مواجهة الأزمات الإنسانية.

‏وبذلك، يصل عدد قوافل المساعدات التي دخلت إلى القطاع، ضمن عملية «الفارس الشهم 3»، إلى 156 قافلة، وبلغت المساعدات الإماراتية الإنسانية المقدمة للشعب الفلسطيني الشقيق ضمن العملية نفسها إلى اليوم، والتي دخلت عن طريق البر نحو 29784 طناً أسهمت إلى حد كبير في التخفيف من شدة الأوضاع التي يعانيها سكان القطاع، وفي رفع المعاناة عن الفئات الأكثر ضعفاً وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم.

الصورة

‏وتواصل دولة الإمارات، تقديم الدعم الإنساني إلى الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة، والتخفيف من آثار موجة البرد القارس، ومن حدة الأوضاع التي يعانيها سكان القطاع، ورفع المعاناة عن الفئات الأكثر ضعفاً، وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم.

وتأتي هذه الجهود في إطار المسؤولية الإنسانية والأخوية التي تعكس عمق الروابط بين الشعوب، مع تأكيد أهمية استمرار الدعم لتحقيق أثر إيجابي مستدام على حياة المتضررين في غزة.

‏ولا تزال عملية «الفارس الشهم 3» مستمرة في تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني الشقيق منذ أكثر من 441 يوماً عبر أكثر من 500 رحلة جوية، و5 سفن نقل استراتيجي، وأكثر من 2500 شاحنة من مصر إلى داخل غزة.

‏يذكر أن عملية «الفارس الشهم 3» هي عملية إنسانية قدمت دولة الإمارات من خلالها العديد من المساعدات الإنسانية، حيث تم إنشاء مستشفى ميداني في غزة، ومستشفى عائم في مدينة العريش في جمهورية مصر العربية الشقيقة مجهزين بمختلف الأقسام التخصصية لعلاج الحالات الطارئة وإجراء العمليات، بالإضافة إلى مبادرة نقل الحالات الحرجة لاستكمال العلاج في مستشفيات دولة الإمارات، إضافة إلى مبادرات مشروعات المياه، وأبرزها إنشاء محطات تحلية في رفح المصرية بقدرة إنتاجية بلغت مليوني جالون يومياً، بالإضافة إلى مبادرة «طيور الخير»؛ وهي عملية إسقاط جوي للمساعدات الإنسانية للمناطق التي يصعب الوصول إليها براً، وأبرزها مناطق شمال القطاع، والعديد من المبادرات الأخرى.

وتواصل «عملية الشهم 3» جهودها الإنسانية لإغاثة النازحين في قطاع غزة، مستهدفة أكبر التجمعات السكانية المتضررة في المخيمات، وتهدف العملية إلى تلبية الاحتياجات العاجلة للنازحين، خاصة في ظل التحديات الصعبة التي يعيشها القطاع نتيجة الأوضاع الراهنة.

ونشرت «عملية الفارس الشهم 3» على حسابها الرسمي في منصة «إكس»: عملية الفارس الشهم 3 تنفذ حملة إغاثية كبرى في أكبر تجمع لمخيمات النازحين بمحيط جامعة الأقصى جنوب قطاع غزة، للتخفيف من وطأة الظروف الصعبة التي يواجهها النازحون».

الإمارات تخفف برد الشتاء عن 12500 نازح في غزة

الصورة

اختتمت دولة الإمارات العربية المتحدة، أمس الأول السبت، إحدى حملاتها لتوزيع الكسوة الشتوية على سكان مخيمات الإيواء في جنوب قطاع غزة، ضمن المرحلة الأكبر من عملية «الفارس الشهم 3»، المشروع الإغاثي الأضخم في القطاع.

واستهدفت الحملة، أكبر تجمع للنازحين جنوب القطاع بمحيط جامعة الأقصى في خان يونس، واستفاد منها 12 ألفاً و500 شخص.

وأكد حمد النيادي، رئيس البعثة الإماراتية، أن دولة الامارات، وتنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مستمرة في تقديم المساعدات الغذائية والدواء وخيام الإيواء لمساعدة الأهالي في قطاع غزة والتخفيف من معاناتهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية.

وكان قد أفاد بأن المرحلة القادمة ستشهد تنفيذ إصلاحات حيوية تشمل خطوط المياه وشبكات الصرف الصحي، إلى جانب دعم المخابز والتكيات لضمان توفير الغذاء للنازحين والعائدين إلى موطن سُكناهم وبيوتهم.(وام)

مقالات مشابهة

  • الأب أو الأم..هذا هو الداعم المالي الأكبر للأبناء الجزائريين !
  • بن حبتور يعزّي الدكتور محمد سالم اللحجي في وفاة ابنته
  • أستاذ فقه: التدين المنضبط هو الالتزام بأوامر الله ونواهيه ظاهرًا وباطنًا
  • رجل ينهي حياة ابنته ويطعن زوجته أثناء دفاعها عنها
  • فتح: الشعب الفلسطيني دفع الثمن الأكبر في العدوان الإسرائيلي
  • متحدث "فتح": الشعب الفلسطيني دفع الثمن الأكبر في العدوان الإسرائيلي
  • الإمارات تغيث سكان غزة بالمرحلة الأكبر من «الفارس الشهم 3»
  • أب يطلق النار على ابنته وزوجته ثم ينتحر في سوريا
  • السفير الفلسطيني الأسبق: الرئيس السيسي كان سدا منيعا أمام مخططات التهجير
  • تشييع جثماني الشهيدين العقيد عزان والملازم ناجي بصنعاء