شهد مؤتمر الأطراف "COP28"، الذي استضافته دولة الإمارات في دبي عام 2023، إنجازاً تاريخياً تمثَّل في تحقيق توافق بين الدول كافة على تفعيل عمل وآليات تمويل صندوق عالمي يختص بالمناخ ومعالجة تداعياته، بعد أن ظلت فكرة دعم الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ مدار نقاش لنحو ثلاثة عقود منذ طرحها لأول مرة على جدول أعمال مؤتمرات الأطراف.

ويمثل هذا الصندوق خطوة حاسمة نحو تحقيق العدالة المناخية وتعزيز التضامن الدولي لمواجهة أزمة تغير المناخ التي تتزايد تداعياتها في كافة أنحاء العالم يوماً بعد يوم.

وتعاني مختلف مناطق العالم بسبب العواصف والفيضانات وحرائق الغابات وارتفاع مستوى سطح البحر والظواهر الجوية الحادة وموجات الجفاف، وغيرها من الآثار السلبية لتغير المناخ، ورغم أن الدول الأكثر عرضة لتلك التداعيات، مثل الدول الجُزرية والنامية، هي الأقل مسؤوليةً عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لكنها تواجه تهديدات وجودية بسبب تداعيات تغير المناخ.

ولأكثر من 30 عاماً، واجهت الدول النامية صعوبات تفاوضية متعددة حالت دون التوصل إلى اتفاق دولي، من خلال منظومة عمل الأمم المتحدة، ينص على منحها الدعم اللازم لمعالجة الخسائر والأضرار التي تتعرض لها نتيجةً لتداعيات تغير المناخ.

وفي مؤتمر "COP27" في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية الشقيقة، اتفق قادة الدول على إنشاء صندوق لدعم الدول النامية، خاصة في الجنوب العالمي، للتعامل مع التأثيرات المدمرة لتغير المناخ، ورأى المراقبون أن تحويل هذا الاتفاق إلى إجراءات فعلية ملموسة قد يستغرق مدة طويلة.

لذا، كان تفعيل الصندوق وبدء تمويله في مستهل "COP28" مفاجأة سارة للعالم، ودليلاً على جدية دولة الإمارات وكفاءة رئاسة المؤتمر، وعلامةً مبشرةً بقوة نتائجه التي فاقت التوقعات، حيث قوبل قرار تفعيل الصندوق بتصفيق متواصل داخل قاعة المؤتمر، وذلك لإدراك جميع الحاضرين صعوبة إبرام هذا النوع من الاتفاقات التي يتم إنجازها عادةً في اللحظات الأخيرة وبعد أيام طويلة من المفاوضات.

وقد تحقق ذلك نتيجة لتوصل الأطراف إلى اتفاق مبدئي قبل أسابيع قليلة من انطلاق “COP28” في دبي، وذلك بفضل الجهود الدؤوبة لرئاسة “COP28”، والمساهمة الإماراتية في تمويل الصندوق بمبلغ 100 مليون دولار، مما حفَّز الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأطراف أخرى على تقديم تعهدات سريعة بمساهمات بلغ مجموعها حوالي 400 مليون دولار للصندوق فور الإعلان عن تفعيله وبدء تمويله.

وقد تم الاتفاق على أن يستضيف البنك الدولي هذا الصندوق لفترة أولية مدتها أربع سنوات، وسيتولّى الصندوق توزيع الموارد بناءً على الأدلة المتاحة، مع تخصيص نسبة محدّدّة منها لدعم الدول الأقل نمواً والدول الجُزرية الصغيرة النامية، وقد تعهدت 19 دولة بتقديم التزامات يبلغ مجموعها 792 مليون دولار لتفعيل الصندوق وترتيبات تمويله منها 662 مليون دولار للتمويل، ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة ماسّة إلى مزيد من الدعم لتلبية احتياجات الدول النامية، لذا تستمر رئاسة COP28 في دعوتها للدول والجهات القادرة إلى الإسهام في تمويل الصندوق.

أخبار ذات صلة خبراء: التغير المناخي يستوجب خطوات أوروبية أكثر فاعلية «شخبوط الطبية» توصي بالتكامل بين السلامة المهنية والممارسات المناخية

وكانت رئاسة "COP28" قد قامت بدور محوري في دفع مفاوضات إنشاء الصندوق، خلال الجولة العالمية للاستماع والتواصل وتقصِّي الحقائق التي قامت بها، وشملت أكثر من 100 دولة لتحديد احتياجات الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ ورصد وجهات نظرها، وعمل فريق رئاسة المؤتمر والمفاوضون الإماراتيون بلا كلل لضمان حصول تلك الدول على دعم عادل من خلال الصندوق، وواجهت هذه الجهود تحديات جسيمة، ساهم في التغلب عليها حرص دولة الإمارات على تحقيق العدالة المناخية وتكاتفها مع الدول الأكثر احتياجاً للدعم.

وكانت رئاسة "COP28" قد خصصت فريقاً من الشباب الإماراتي للتفاوض مع الأطراف المعنية حول هذا الموضوع الحيوي.. ولدى متابعتهم لفعاليات الاجتماع الأول التاريخي الذي شكّل ثمرةً غالية لجهودهم، أكد المفاوضون الإماراتيون الشباب أن مشاركتهم كفريق في مفاوضات موضوع "معالجة الخسائر والأضرار" كانت رحلة لا تُنسى، شهدوا فيها عن قرب إنجازات تاريخية تتحقق، كما أعربوا عن سعادتهم لرؤية نتيجة التوافق الذي تم التوصل إليه، وإمكانية تحقيق تغيير جذري فعّال، وثقتهم بقدرة الصندوق ومجلس إدارته على القيام بدور حاسم في مساعدة الدول النامية على مواجهة الآثار السلبية المتزايدة لتغير المناخ.

وأعرب المفاوضون عن سعادتهم باستضافة الاجتماع الأول لمجلس إدارة الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته في أبوظبي، بعد المخرجات التاريخية التي تحققت في اليوم الأول للمؤتمر وتضمنت تفعيل الصندوق وترتيبات تمويله، والتي جاءت نتيجةً لجهود رئاسة “COP28” وفريق التفاوض وتعاونهم البنّاء مع جميع الأطراف، لتعكس هذه النتيجة التكاتف العالمي لدعم الدول النامية الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ.

ويتطلب نجاح عمل "الصندوق العالمي المختص بالمناخ ومعالجة تداعياته" ضمان استدامة التمويل، إذ يُقدر إجمالي احتياجات الدول النامية لمواجهة تداعيات تغير المناخ بتريليونات الدولارات، مما يوضح الحاجة الماسّة إلى إدارة الصندوق بكفاءة وشفافية والتزام كافة الأطراف بدعمه وتسهيل مهامه مع زيادة التمويل المقدم له من الدول الغنية والقطاع الخاص، لتمكينه من المساهمة بفاعلية في تحقيق مستقبل واعد وحماية كوكب الأرض من أخطار تغير المناخ.

ويناقش الاجتماع الأول لمجلس إدارة الصندوق، الذي عقد في أبوظبي، مهام إدارة الصندوق التي ستتضمن تحديد الآليات اللازمة لتوزيع موارده بعدالة، ومتابعة التنفيذ الفعال للمشروعات التي يساهم فيها وتقييم نتائجها.

ويحتاج تحقيق أهداف الصندوق إلى جهد دولي متضافر يتجاوب مع تزايد حدة وتواتر الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، وتطوير آليات مرنة لتلبية الاحتياجات المتغيرة للدول ومواكبة التطورات السريعة في مجال تغير المناخ.

ومع الدعم الدولي الواسع الذي حظي به الصندوق وزيادة الوعي العالمي بأهمية العمل المناخي في السنوات القادمة، فإن فرص زيادة المساهمات في تمويله والحرص على نجاحه ستكون عالية، حيث يمثل ذلك اعترافاً بالمسؤولية الأخلاقية للدول المتقدمة في مساعدة الدول النامية على مواجهة تحديات تغير المناخ، وسيُساعد الصندوق الدول الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ على تمويل جهودها لتحقيق المرونة المناخية والتعافي من الكوارث المرتبطة بالمناخ.
 

المصدر: وام

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: كوب 28 صندوق المناخ التغير المناخي الأکثر عرضة لتداعیات تغیر المناخ الدول الأکثر عرضة الدول النامیة تفعیل الصندوق إدارة الصندوق ملیون دولار

إقرأ أيضاً:

سياسات البنك المركزي التحوطية لمواجهة تاثيرات المتغيرات في الاقتصاد العالمي

 

 يشهد النظام العالمي منذ عدة سنوات ازمات اقتصادية ومالية وامنية معقدة تركزت اسبابها المتراكمة في ارتفاع اسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب الروسية الاوكرانية والعقوبات الامريكية والاوربية على روسيا وعدوان الكيان الصهيوني على فلسطين ولبنان وسوريا ومازال يعمل باستراتيجية استخدام الحرب وآلته العسكرية وبدعم من امريكا واوروبا لرسم خارطة الشرق الاوسط الجديد سياسيا وامنيا واقتصاديا .

اضافة الى تاثيرات الصراع الامريكي الصيني للسيطرة على اقتصاد العالم والانقسامات في الرؤى والاستراتيجيات لمجموعة العشرين والسبعة الكبار اقتصاديا ومجموعة بريكس والمجموعات الدولية الاخرى التي تعمل لتشكيل اقطاب اقتصادية جديدة واخيرا سياسات ترامب الجديدة في زيادة الضرائب والرسوم الكمركية على بعض الدول الصناعية المنافسة مما ادى الى ارتباك في خارطة الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية .

والدليل هو الازمات الحالية التي اضرت باقتصاديات الدول الكبرى قبل الصغرى ومانتابعه الان من ارتفاع التضخم الركودي في اغلب دول العالم وبشكل بارز في امريكا ودول الاتحاد الاوربي ودول الاقليم الجغرافي وانخفاض القدرة الشرائية للعملات المحلية لهذه الدول . لذلك نعتقد ان اقتصادنا في الامد القريب سوف يعاني من التاثيرات السلبية للنظام الاقتصادي العالمي من عدم السيطرة على توريدات الغذاء والسلع الاساسية وقد تنخفض اسعار النفط الى اقل من المخطط في الموازنة العامة لعام 2025 وفي ضوء متغيرات الاوضاع وهذه التاثيرات ستؤدي الى تاثيرات سلبية على اقتصادنا ومنهجية الاصلاح المالي والمصرفي .

وبما ان الاستقرار الاقتصادي يتحقق بالاستقرار في النظام المالي والنظام النقدي لذلك كانت اجراءات التحوط من قبل البنك المركزي في 2023و2024 واهدافه المرسومة في استراتيجيته الثالثة لغاية 2026 لما متوقع من التطورات في الازمات المقبله ان يكون الاعتماد اساسيا على بناء احتياطيات اجنبية بمستوى يغطي العملة المحلية في التداول والاستيرادات وتسديدات الدين الخارجي والالتزامات الدولية الاخرى . كذلك العمل على تنويع الاحتياطيات لتشمل سلة من العملات والذهب والسندات والاوراق المالية. كذلك اعتماده سياسات وآليات لتنظيم تمويل التجارة الخارجية والامتثال للمعايير الدولية .

وهذا فعلا ماقام به البنك المركزي خلال هذه الفترة حيث بلغت احتياطياته النقدية الاجنبية بحدود اكثر من 107مليار دولار و162.7طن من الذهب حيث اعلن مجلس الذهب العالمي ان العراق يحتل المرتبة الرابعة عربيا والثامنة والعشرون عالميا .وهذا يؤكد ان البنك المركزي يسير بخطى ثابتة لتحقيق اهداف السياسة النقدية في الحد من التضخم والسيطرة على المستوى العام للاسعار وهذا مااعلنه اخيرا بان المعدل السنوي للتضخم بلغ 2.8%والمعدل الاساس 2.5 %كذلك السيطرة على عرض النقد والمحافظة على سعر صرف الدينار ضمن السعر المتوازن في سوق التداول بالرغم من التذبذب بين فترة واخرى في سعر صرف الدولار النقدي في السوق السوداء .

ومتابعة وتحليل سعر الفائدة المحددة من قبل البنك المركزي بشكل مستمر . وهذا يتطلب من السياسة المالية والقطاعات الاقتصادية الاساسية والوزارات المسؤولة عنها العمل بشكل مشترك وبتنسيق واضح ومحدد مع ادارة البنك المركزي على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتحوط وتجاوز الازمة الاقتصادية العالمية والحد من تداعياتها المستقبلية المتوقعة للسنوات الثلاثة القادمة .


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مقالات مشابهة

  • لدعم استراتيجية تغير المناخ.. صندوق النقد يوافق على تمويل جديد لمصر بـ 1.3 مليار دولار
  • جامعة السلطان قابوس تحقق تقدما في تصنيف كيو إس العالمي في تخصصين
  • سياسات البنك المركزي التحوطية لمواجهة تاثيرات المتغيرات في الاقتصاد العالمي
  • دراسة: 6 مدن من بين الـ10 الأكثر تلوثا عالميا في دولة واحدة
  • العراق في صدارة الدول الأكثر تلوثاً في الشرق الأوسط
  • تغير المناخ يهدد انتاج العسل
  • توافد ممثلى الدول على مقر الأمم المتحدة بفيينا للمشاركة فى اجتماعات اللجنة الدولية للرقابة على المخدرات
  • دراسة تحذر: تغير المناخ قد يزيد من خطر الزلازل
  • كيف يؤثر تغير المناخ على التنوع البيولوجي؟
  • ما هو ترتيب الدول العربية على مؤشر الإرهاب العالمي 2025؟