لا يخلو إنسان في هذه الحياة من المتاعب والأحزان والآلام، وتقلب الأطوار وتغير الأحوال من قبض وبسط وعسر ويسر وفرج وكرب وشدة ورخاء وسراء وضراء. ولا شك أن ذلك كله يظهر أثره على وجهه ولكن ما سبب ذلك؟ وماعلاجه؟ يقول الشيخ مبارك علي محمد علي، إمام وخطيب مسجد سيدي أبي الحجاج الأقصري، لا شك أن القبض الذي يصيب الإنسان له أسباب كثيرة منها:

القرآن الكريم تاج اللغة وحارسها (القرّاء والقراءات) (5) شيخ عموم المقارئ المصرية يثمن دعم وزير الأوقاف لنقابة القراء وتكريمه لأهل القرآن

 1- كثرة الذنوب وهذا يزول بالتوبة والاستغفار.

أخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أبِي مُوسى أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «لا يُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ فَما فَوْقَها أوْ دُونَها إلّا بِذَنْبٍ وما يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أكْثَرُ. وقَرَأ: ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى»: ٣٠] وذكر الإمام القرطبي عن ابن صبيح قال : "شكا رجل إلى الحسن الجدوبة : فقال له : استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً فقال له : استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له : استغفر الله، فقال له الربيع بن صبيح أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار ! فقال : ما قلت من عندي شيئاً ! إن الله عز وجل يقول في سورة نوح : " قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " ( سورة نوح، الآيات: 10-12 ) . 

2- وقد يكون القبض والكرب بسبب أمل ضاع أو مرض ألم بالإنسان وعلاج ذلك يكون في التسليم لأمر الله وفي ذلك يقول الإمام الشافعي: دَعِ الأَيّامَ تَفعَلُ ما تَشاءُ وَطِب نَفساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ وَلا تَجزَع لِحادِثَةِ اللَيالي فَما لِحَوادِثِ الدُنيا بَقاءُ وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ وَرِزقُكَ لَيسَ يُنقِصُهُ التَأَنّي وَلَيسَ يَزيدُ في الرِزقِ العَناءُ وَلا حُزنٌ يَدومُ وَلا سُرورٌ وَلا بُؤسٌ عَلَيكَ وَلا رَخاءُ إِذا ما كُنتَ ذا قَلبٍ قَنوعٍ فَأَنتَ وَمالِكُ الدُنيا سَواءُ وَمَن نَزَلَت بِساحَتِهِ المَنايا فَلا أَرضٌ تَقيهِ وَلا سَماءُ وَأَرضُ اللَهِ واسِعَةٌ وَلَكِن إِذا نَزَلَ القَضا ضاقَ الفَضاءُ. 3- وقد يكون القبض والكرب بسبب ظلم وقع على الإنسان لا يستطيع دفعه وعلاج ذلك الصبر وسعة الصدر فدعْوةُ المظلومِ تُحمَلُ علَى الغَمامِ و تُفتَحُ لها أبوابُ السَّماءِ و يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى وعزَّتي وجلالي لأنصرَنَّكَ ولَو بعدَ حينٍ. 

4- وهناك قبض لا يعرف له سبب وهذا يزول بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد28. أخرج أحمد والترمذي في سننه من حيث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: «ما شئت». قال: قلت: الربع، قال: «ما شئت فإن زدت فهو خير لك»، قلت: النصف، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قال: قلت: فالثلثين، قال: «ما شئت، فإن زدت فهو خير لك»، قلت: أجعل لك صلاتي كلها قال: «إذا تُكْفَى همَّكَ، ويُغْفرُ لك ذنبك»: «هذا حديث حسن».وفي رواية: «إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك». والمتدبر للقرآن الكريم والفاهم لسنة النبي الكريم يعلم: أن كل شيء بقدر الله والله سبحانه قسم للعبد سعادته وشقائه ورزقه وعمره، فما كان لك سوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوّتك. قال تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّۢ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍۢ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِۦ ۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ).

 والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأذكار والأدعية لتفريج الكربات وأهل البيت وصحابته الكرام تعلمنا منهم في الشأن الكثير فمن ذلك قول سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه: وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ وَكَم يُسرٍ أَتى مِن بَعدِ عُسرٍ فَفَرَّجَ كَربَهُ القَلبُ الشَجيِّ وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَوماً فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ تَوَسَّل بِالنَبِي في كُلِ خَطبٍ يَهونُ إِذا تُوُسِّلَ بِالنَبيِّ وَلا تَجزَع إِذا ما نابَ خَطبٌ فَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيِّ وقال الحافظ السيوطي رحمه الله في تاريخ الخلفاء: أخرج البيهقي وابن عساكر من طريق أبي المنذر هشام بن محمد عن أبيه قال: أضاق الحسن بن علي رضي الله عنهما وكان عطاؤه في كل سنة مائة ألف فحبسها عنه معاوية رضي الله عنه في إحدى السنين فأضاق إضاقة شديدة، قال: فدعوت بدواة لأكتب إلى معاوية رضي الله عنه لأذكره نفسي ثم أمسكت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: " كيف أنت يا حسن" فقلت بخير يا أبتِ وشكوت إليه تأخر المال عني، فقال: " أدعوت بدواة لتكتب إلى مخلوق مثلك تذكره ذلك" فقلت نعم يا رسول الله فكيف أصنع، فقال: (قل اَللَّهُمَّ اقْذِفْ في قَلْبِي رَجَاءَكَ وَاقْطَعْ رَجَائِي عَمَّنْ سِوَاكَ حَتى لا أَرْجُو أَحَدًا غَيْرَكَ اَللَّهُمَّ وَمَا ضَعُفَتْ عَنْهُ قُوَّتِي وَقَصُرَ عَنْهُ عَمَلِي ولَمْ تَنْتَهِ إِلَيْهِ رَغْبَتِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي وَلَمْ يَجْرِ عَلَى لِسَانِي مِمَّا أَعْطَيْتَ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنَ الْيَقِينِ فَخُصَّنِي بِهِ يا رَبَّ الْعَالَمِين )قال: فوالله ما ألححت به أسبوع


 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: آيات من القرآن القرآن أسباب وعلاج تقلب الأطوار المتاعب رضی الله عنه استغفر الله فقال له ما شئت

إقرأ أيضاً:

مدرسة النبوة.. وتلميذُها القائدُ الشهيد

يمانيون ـ بقلم ـ طارق مصطفى سلام *

في ذكرى شهيد القرآن وسيد الشهداء يتبادرُ إلى الأذهان حجمُ التضحيات الكبيرة التي قدَّمَها الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” في ظروف صعبة وغاية في التعقيد مستندًا على الثقة بالله والتوكل عليه والاستجابة له والجهوزية للتضحية في سبيله.

إن المشروعَ القرآني الذي قدَّمه شهيدُ القرآن لينيرَ طريقَ هذه الأُمَّــة ويحدّدَ مساراتِها المستقبليةَ مثَّل لحظة فارقة ومفصلية في تاريخ الأُمَّــة الإسلامية، وملحمة جهادية تجسَّدت بعظمةِ التضحيات الكبيرة التي قدَّمها عظماءُ الأُمَّــة في سبيلِ عزتِها وكرامتها، وفي مقدمتهم رفيق القرآن الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي “سلام الله عليه”.

لقد مثّل استشهاد القائد حسين بدرالدين الحوثي “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”.. -وهو يدافع عن معتقدات الإسلام ومعاني القرآن التي حاول الأعداء طمسها من نفوس المسلمين واستبدالها بأفكار ومعتقدات تخدم مصالح اليهود وتعزز هيمنتهم على أُمَّـة الإسلام والمسلمين- لحظة فارقة ومظلومية هزت عروش الطغاة وأربكت حساباتهم والتي أراد من خلالها المجرمون والعملاء، ومن ورائهم أمريكا و”إسرائيل”، أن يطفئوا نور الله، لكن الله أبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

إن الجهد المبارك الذي قدمه الشهيد القائد في سبيل هذه الأُمَّــة وما بذله من عطاء عظيم؛ مِن أجلِ إحياء روح الأُمَّــة وتحريك بُوصلتها نحو العدوّ الأوحد لها المتمثل باليهود والنصارى ومن تآمر معهم تجسد في إدراك الشهيد بمكامن الضعف في هذه الأمة، حَيثُ كان “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ” يرقب تلك التحَرّكات للأعداء بنظرة قرآنية، ويقيمها، ويعي خطورتها.

وعندما تحَرّك كانت نعمة عظيمة بما قدم من خلال القرآن الكريم من وعي وبصائرَ وحلول للأُمَّـة حتى تخرج من حالة التيه والعمى، وتعود إلى مسارها الذي أراده الله وأمر به نبيه؛ ما يجعلها محصَّنةً من السقوط في مشاريع الأعداء؛ فكان للدروس والمحاضرات التي غيَّرت في مسار هذه الأمة الأثرُ الكبير في رفع وعي أبناء الأُمَّــة، وعرفها بعدوها الحقيقي الذي حدّده الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا).

لقد كان الشهيد القائد قرينُ القرآن، سليلُ بيت النبوة، رمزًا للجهاد والثبات على الحق والتمسك بالمبادئ القرآنية، في زمن تخاذلت فيه الأممُ وتكالب فيه الأعداء وأصبح الخنوع والارتهان للأعداء وسيلةً للتقرب من اليهود والنصارى الذين حاولوا تشويهَ هذا الدين وطمس أخلاقه ومبادئه على يد المسلمين أنفسهم حتى كان لا يوجد للإسلام سوى اسمه، ولهذا كان صوتُ الشهيد القائد وحوله ثلةٌ من المؤمنين يصدح بكلمة الحق في وجه المستكبرين، داعيًّا الأُمَّــةَ إلى العودة الصادقة لله تعالى، وجعل القرآن الكريم منهجَ حياة للأُمَّـة الإسلامية، محذرًا من مخاطر التساهل مع مخطّطات العدوّ ومؤامراته الخبيثة التي استشرت في جسد الأُمَّــة حتى باتت رهينةً لأطماع الأعداء ذليلةً مكسورةً أمامَ إجرام العدوّ وغطرسته.

إنها دروسٌ نستلهمُ منها كُـلَّ معاني البذل.. وتمُدُّنا بالكثير من صور الجهاد والصبر والتضحية ذكرى استشهاد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي “عليه السلام” التي بمثابة محطة يتزود منها كُـلّ المجاهدين في مختلف الثغور وعلى كُـلّ الجبهات، هي مدرسة يتعلم منها كُـلّ أحرار العالم كيفية الاستعانة بالله على مواجهة الطغاة وكيف تستطيعُ الأُمَّــةَ أن تحول ضعفَها وهزيمتها أمام العدوّ إلى نصر وفتح عظيم بعد التوكل على الله والاقتدَاء بنهج النبي وآل بيته الأطهار.

 

* محافظ محافظة عدن

مقالات مشابهة

  • ” الحِكمة ” في مشروع الشهيد القائد
  • الشهيد القائد وسيكولوجية الجماهير
  • دراسة: تقلب مستوى الكوليسترول مؤشر خطر على الخرف
  • أحمد الشاكر: بحري نظيفة وما تنسو تشغلو القرآن♥️
  • عضو كبار العلماء: القرآن معجزة علمية تُدرك بالبصيرة
  • شهيدُ القرآن
  • حاصروك بـ مَرَّان فانجرفوا.. وحاصرتهم بالبحر فاحترقوا
  • ما هي أنواع الملائكة وحكم الإيمان بهم؟ علي جمعة يكشف
  • مدرسة النبوة.. وتلميذُها القائدُ الشهيد
  • رمــــال الشَّتات نُصَيْبُ بن رَباح العَبْدُ الحُرّ