مع تضخم الحرب الإعلامية التي تساند الضياع وتقدم المواد الهابطة التي لا نفع منها سوى انهيار الشخص ثقافيا وإنتاجيا، وفي عصر مُددت فيه مرحلة الطفولة لتجعل من الأجيال متماهين في شخوصهم ومسؤوليتهم؛ لتحقيق رغبة العدو في انتزاع نضجهم المبكر، هنا تبزغ دوراتنا الصيفية لتعطي نماذج تُشّرف وتتشرف بها الأجيال ولتكن قدوة لمن يلحقها في نفس المسار، دورات هي الأضخم معرفة للأحداث والوقائع والحقائق وترفيهٌ للعقل بالعلم والمعرفة وصقل للجوارح بالعمل، وتهذيب للنفس باستغلال النافع والمفيد من العلم والعمل وتقييد الرغبة في استنزاف الوقت وطاقة الإنسان للتحول إلى مرحلة إدراك كل منهما وأهميتهما .
قدّم العدو حروبه بشتى الأساليب والوسائل إغراءً وترغيبا، ووقع في مصيدته عدد كبير من شباب أمتنا وأصبحت مواده عادات وسلوكيات في تصرفات أجيالنا، لتتعاقب الأجيال وهي خالية من أي شيء يربطها بثقافتها وهويتها، ولم تعد ثوابت تلك الأجيال سوى مسميات ومصطلحات عابرة، حيث نلحظ أن العدو استهدف مسبقا المناهج التعليمية وقدّم الإعلام الطفولي الشاذ وانتهج الحرب الناعمة والفكرية وجسد الطفولة في مصطلح ترفيه وتمييع؛ كل ذلك ليكون الناتج أجيالاً يحركها العدو ويأمن من أن تكون يوما محمية بفكر أو حاوية لقضية! والأمثلة نراها اليوم في وطننا العربي والإسلامي! فما المخيف في دوراتنا الصيفية والتي كشر العدو عن أنيابه وأبواقه الإعلامية تجاهها؛ ولمَ الرعب ينتابه حين رؤية صغارنا يلتحقون بها؟! وعلى سبيل المقارنة، أي منهما أحق علم ينتهج منه الجيل ثقافته ويتشرب منه هويته ويصبح ذا قيمة في الحياة أم ضياع في الملاهي وأمام شاشات التلفزة وبين العاب الهواتف إلى الضياع الكامل؟..
رأينا كيف أصبح من تخرجوا من تلك الدورات قادة وكيف أذاقوا العدو الويلات فكيف بشعبٍ كبيرهُ في الجبهات وصغيرهُ في المراكزِ الصيفية! وذاك الصغير يتجهز ليكون بذلك المستوى القرآني من الوعي والبصيرة في قيادة الحياة ومواجهة العدو الذي يحاول أن يجعل من أمته وحضارته ودينه مجرد ماض لا قيمة له .
إن القادم لن يكون بخير للعدو الأخطبوط فأذرعه التي اليوم تُبَتّر أطرافها، قادما سيكون في مواجهة مع جيل سيمحي جذوره، جيل يعرف معنى الحرّية والكرامة والقضية ومعنى واجبهُ الديني والأخلاقي والقَيّمِي في عالمٍ فُقِدّتْ كل معالم أخلاقه وإنسانيته، جيل هو اليوم يرى حجم المآسي! التي تعيشها أُمته ويتعلم كيفية الدفاع عن نفسه وعرضه وعرض وكرامة المسلمين وهو في حصانة من حروب العدو اللينة بِسُمها الناعم وتأثيرها المريع! محاط بهويةٍ لن تجعله يسقط في مستنقع الوَهن ومحمي بثقافةٍ ستجعله قوة ضاربة مميزة لكل ألاعيب العدو وأنواع مكره وحروبه.
هي المراكزُ الصيفية التي تُعادل في فائدتها ومدى نُضّج الأجيال فيها أضعاف ما تَهِبْهُ المدارسُ لأجيالِنا من وعيٍ وعلمٍ وإدراكٍ، مراكزٌ يكتسح فيها أبنائنا وصغارنا مرحلة الرجولة مبكراً؛ ليكونوا لَبِنة قويةٌ وأساساً متيناً لوطنٍ وأمةٍ حُق لها أن تنّهض من جديد، وهي تعايش مقدار جبروت العدو وغطرسته ودمويته وتمكنه من دم وعرض الأمة، فبينما هناك شعوب مسلمة تباد أجسادها وتدمر بنيتها، هناك شعوبٌ مسلمة أخرى يُباد فِكرها وتُمحى هويتها! وجيلنا أصبح اليوم يعي ذلك وحجم المأساة ويعد نفسه للمواجهة بعنفوانيةِ المؤمن الذي يأبى الضيم وتهون لديه حياته في ظل أمة يغزوها الذّل، فيأبى إلا أن ينتصر لدينه وعرضه، وفي خضم ما يحدث يَدرك العدو أن أجيالنا تعد نفسها لمواجهته، وتَدرك أجيالنا جيدا ما يجب أن تكون عليه في عُدَّتها للمواجهة ..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
من بدر الأمس إلى ابن البدر اليوم: اليمن في مواجهة العدو الإسرائيلي والعدوان الأمريكي
يمانيون/ تقارير
في خطابٍ يجسد روح الجهاد ويُحاكي تطلعات الأمة، حلَّق السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي فوق تفاصيل الأحداث الراهنة، راسمًا خريطةً استراتيجيةً لموقف اليمن الثابت في مواجهة العدوان الأمريكي المُتصاعد، ورابطًا إياه بِحبلٍ إيماني وَثيقٍ بالله، ومتصلٍ بإسناد فلسطين كمحنة لابتلاء المواقف واختبار الضمائر وتمحيص الشعائر وفرز الشعارات.
(لا يمكن لأصحاب الضمائر ولأهل الدين أن يسكتوا عما يجري في فلسطين) يقول السيد ويمد حججه البالغة مخاطباً شعوبا ومعاتباً أنظمة، في خطاب لم يكن مجرد رَدٍّ عابرٍ على غاراتٍ عسكرية، بل كان بيانًا وجوديًّا يُجسِّد “صراع الإرادات” بين قوةِ إيمان الشعوب ومشاريع الهيمنة الصهيونية، حيث تَبرُز اليمن كقلعةٍ من قلاع الصمود، تُعيد إنتاج تاريخ المجد بسيوف مشهورة بأياد المؤمنين المرابطين في صفوف الجهاد من الشام الى اليمن، في الضفة المقابلة لجهة التطبيع والارتهان والخنوع.
التصعيد الأمريكي.. أدوات الضغط وكسر الإرادةبدايةً، يُعرِّف السيد القائدُ العدوان الأمريكي الأخير على اليمن باعتباره حلقة في سلسلةٍ طويلةٍ مِن “حروب الإخضاع” أو كما سماه جولة جديدة من الحرب، التي تُدار مِن قِبَل واشنطن حماية للعدو الإسرائيلي، بهدف إعادة تشكيل المنطقة وفق معادلة الاستباحة في مضمار إقامة مشروع الصهيونية الكبرى. فالقصف الجوي والبَحري الذي استهدف المدنيين والبنية التحتية في صنعاء ومحافظات يمنية أخرى، ليس سوى محاولةٍ لِوَأد أي صوتٍ رافضٍ للانصياع للهيمنة الأمريكية، ويُشكِّلُ عائقًا أمام المخططات الصهيونية التوسعية في زمن الطاغية ترمب
في هذا الإطار، يؤكِّد السيد أن اليمن، ومنذ انطلاق “معركة طوفان الأقصى”قبل15 شهرًا، اختارت أن تكون في خندق المواجهة المباشرة، عبر تبني استراتيجيةٍ ثنائية المحور:
الأول: محور ضغط عسكري عبر حظر الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي في البحر الأحمر والبحر العربي، واستهداف السفن المتجهة إلى فلسطين المحتلة، كأداةٍ لِكسر الحصار الظالم عن غزة.
الثاني: محور دعم معنوي برفع سقف الخطاب الدولي المُندِّد بالصمت العربي والدولي إزاء جرائم الإبادة الجماعية، ومحاولة إيقاظ ضمير الأمة المُغَيَّب، ووضعها في مسؤوليتها من خلال تذكير الأنظمة وتحذيرها وتنوير الشعوب وتثويرها.
يُشير كلام السيد هنا إلى أن واشنطن، التي تَعتبر البحر الأحمر شريانًا حيويًّا لمصالحها، تُدرك أن نجاح اليمن في تعطيل الملاحة “الإسرائيلية” يُهدِّد مشروعها الإقليمي، لذا تُسارع إلى تصعيد العدوان، حماية للكيان ودفاعا عنه، مُستغِلَّةً انشغال الأنظمة العربية بِمُناكفاتها الداخلية ومستثمرة لحظة خنوع عربي واستسلام غير مسبوق للمشيئة الترامبية، وتواطؤ بعضها مع العدو الإسرائيلي.
الحضور اليمني من رد الفعل إلى فرض معادلة الردععلى الصعيد العسكري، يُقدِّم الخطاب رؤيةً واضحة مبنية بحتمية أن اليمن تنتقل مِن مرحلة الدفاع إلى مرحلة “صناعة الردع”، عبر دخولها الضاغط وفعلها المؤثر، وأحدها تحويل البحر الأحمر إلى ساحةٍ لموازنة الرعب وتحقيق الأمن القومي العربي. فبعد أن كانت الضربات الأمريكية تُلقى دون ردٍّ مُباشر، ها هي السفن الحربية الأمريكية تُواجه صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة، تُصنَع محليًّا بِإمكانيات يمنية، في إشارةٍ إلى تطور غير مسبوق في أدوات المجابهة والتصدي، بعض هذه الأسلحة جرى ابتكارها واستخدامها للمرة الأولى في تاريخ الحروب، بإقرار الأمريكي نفسه، وفي لحظة فعل يمني إسنادي إنساني لا محل له من التباهي والمفاخرة في مقام الانتصار لمظلومية فلسطين الكبرى وقضية المسلمين الأولى.
ولفهم هذه المعادلة، يُوضح السيد أن اليمن اعتمدت على:
– الخبرة التراكمية: مِن حرب السنوات الثمانِ ضد التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي، والتي مهَّدت وهيأت لبناء ترسانة عسكرية نوعية بالإفادة من خبرة تراكمية ميدانية عملياتية قلما توفرت في جيش من الجيوش وحرب من الحروب الكبرى.
– الحرب النفسية: عبر إثبات القدرة في غير موضع ومكان وفي شتى الظروف الجغرافية والزمانية والاقتصادية والأمنية، ومن بين أمثلتها الزاخرة بالدلائل استهداف حاملات الطائرات الأمريكية، (أكثر من حاملة ولأكثر من مرّة)، ما يُقلِّل إن لم يقتل هيبة “القوة العظمى” في عيون الشعوب المُستضعفة ويضع الغول الأمريكي على مذبح نهايته وسقوطه المزمع والمرتقب بأعين شماتة مناوئيه الدوليين في الشرق والغرب.
– توسيع ساحة المواجهة: بتهديد المصالح الاقتصادية للعدو الإسرائيلي وحماته، عبر شلّ حركة الملاحة التي يستحيل على الكيان البقاء بدونها لفترة دون سداد فواتير عجزه وأرقام خسائره من مخازن الأمريكيين التي لا تنقطع إمداداتها من أموال النفط الخليجي وضريبة الحماية والبقاء.
غير أن الأهم هنا هو الرمزية والبعد الديني الذي يستمدها السيد مِن “غزوة بدر”، حيث يُحوِّلُ التفوق العسكري المادي للعدو إلى هزيمة معنوية، عبر توظيف الإيمان كسلاحٍ استراتيجي. فكما انتصر 300 مجاهد مؤمن حول الرسول على ألف مُشرك، قد تُكتب الهزيمة لأكبر القوى العسكرية على نحو مماثل ومعجز، ونشير هنا إلى أن خطاب السيد جاء بين سلسلة دروس نبي الله إبراهيم عليه السلام التي فيها ما فيها من محطات الصراع والكفر بالطاغوت على طريق توحيد الله وتحرير الوجود البشري من عبودية الشرك والخضوع والارتهان، وهي أعلى قيمة إنسانية يرجى تحقيقها بالقتال وبذل التضحيات الجسام في سبيل الوصول اليها.
فلسطين: الخيط الرفيع بين التضامن الإنساني والأمن القومييُعتبر الربط بين أمن المنطقة ودعم فلسطين مِن أكثر النقاط التي أثارها الخطاب، لكن السيد يُقدِّم تحليلًا استباقيًّا لهذه العلاقة، حين أشار مفصلاً إلى: إن الصمت على جرائم العدو الإسرائيلي وشريكه الأمريكي اليوم، يعني غدًا تكرارها في أي دولة عربية وإسلامية وتكرار الخذلان الذي تلاقيه فلسطين اليوم من أشقائها المسلمين أنظمة وشعوبا، فلسطين حلقة في مسلسل المشروع التوسعي الصهيوني الكبير، والدور على البقية مسألة وقت، ويرى ترامب أنه قد تأخر كثيرا، لذا يستعجل اليوم تحقيقه باكثر من وسيلة وأداة، فالمشروع الصهيوني بحكم الواقع والوقائع، ليس استيطانيًّا فحسب، بل هو “رأس حربة” لتفكيك الدول العربية، وإخضاعها للعدو الاسرائيلي، وتجاهل الخطر لا يدفع الخطر بل هو خطأ وخطيئة سرعان ما ستدّفع الأنظمة أثمانها. يقول السيد ويرى أن لووكان الصمت يجدي لأمنت سوريا الساكتة من شر الصهيوني وأطماعه التي يبدو أن حدودها بحدود المشروع الصهيوني الكبير.
هنا، تبرز فكرةٌ محورية: إن انهيار صمود غزة سيكون إيذانًا بانهيار كل خطوط الدفاع العربية، فالقضية الفلسطينية هي “البوصلة الأخلاقية” للأمة، وفقدانها يعني فقدان الهوية والشرعية لأي نظامٍ عربي.
لا يخلو الخطاب مِن رسائل توبيخ موجهة للأنظمة العربية على صمتها المُريب، وتذكيرٌ بأن الصهيونية لا ترى لأحد جميلا، وليس في قاموسها شكر لخدمتها أيا تكن خدماتهم وتفانيهم وخياناتهم العظمى لأوطانهم وشعوبهم.
وللمجتمع الدولي يجدد السيد كشف عوار العالم وفضحٌ ازدواجية شعارات حقوق الإنسان، التي تتبخر حين يكون الجاني العدو الإسرائيلي والمظلوم الشعب الفلسطيني، ومن هذه الحقيقة يجدد السيد القائد مشروعية وقانونية وإنسانية الموقف اليمني الذي يزيد وهجه كلما زاد صلف الظلم على الشعبين الفلسطيني واليمني.
وفي إطار نفسي، يُمهِّد الخطاب لِمرحلةٍ جديدةٍ مِن التصعيد، عبر الإعلان عن مسيرات مليونية في ذكرى غزوة بدر، في سياق استعراضٍ للقوة الشعبية المساندة لخيارات التصدي والمواجهة العسكرية وتجديد التزكية الجماهيرية لقرارات القيادة الثورية في لحظة حضور إقليمي وعالمي مشهود.
مِن بدر التاريخ إلى بدر اليوم التاريخ يتجدديختتم الخطاب باستشرافٍ لمستقبل الصراع، حيث يُلقي السيد بِسؤالٍ استفزازي: هل ستُكرر أمريكا و”إسرائيل” سيناريو هزيمة التحالفات الكبرى أمام إرادة المؤمنين المجاهدين؟ الجواب يقول السيد، ويشرح بالتفصيل والشواهد والتجارب، لا يعتمد على ميزان القوى العسكري ومعادلات القوة، بل على ميزان الإيمان، التاريخ حافل بالأمثلة، والسنن الإلهية جارية لا تتبدل إنما يكابر عنها الإنسان، يتجاهلها أو يغفل عنها.
اليمن، بهذا المنطق، لم تعد مجرد دولةٍ تُدافع عن سيادتها، بل هي “مختبرٌ حي” لإثبات فشل المشاريع الصهيونية المهددة لأمن بلداننا العربية وهويتنا الإسلامية، والسؤال الذي يطل مع كل منعطف وجولة من الصراع هو: هل ستُدرك الأمة أن حبل نجاتها الوحيد هو العودة إلى الله وتصديق وعوده، أم ستستمر في انتظار “نصرٍ غربي” لن يأتي؟!.
نقلا عن موقع أنصار الله