في الوقت الذي غادر عبد الوهاب المسيري جامعة الملك سعود متوجهاً إلى جامعة الكويت ، كانت المنطقة تعيش أحلك أزماتها إذ بعد أقل من سنة من استلام عمله في جامعة الكويت، قام صدام حسين في صيف 1990 باجتياح الكويت. كان المسيري وقتذاك يقضي إجازته الصيفية في القاهرة، لكنه كان أمام مشكلة كبيرة إذ أن نسخة الموسوعة الوحيدة التي قضى جلّ وقته في الرياض يكتبها قد تركها في الكويت.
كان مضطراً إلى قطع إجازته والعودة للكويت أثناء الغزو لاستعادة هذا الكنز الذي تركه هناك حيث مكث هناك بالكويت واتفق مع مجموعة من أصدقائه على استئجار شاحنة حملت أوراقه وموسوعته النفيسة التي بلغت أكثر من ثلاثين صندوقا وذهب بها إلى بغداد ثم إلى الأردن ثم القاهرة في موقف عصيب لا ينساه.
لم يعرف طلّابه في جامعة الملك سعود عن هذه الموسوعة الثمينة التي صدرت لاحقاً بعد انتهاء فترة عمله في الرياض بثماني سنوات، لكن هؤلاء الطلاّب أدركوا عبقرية هذا الأستاذ الذي عرفوه عن قرب من خلال محاضراته في الجامعة والتي كانت تعج بالكثير من المصطلحات الطازجة التي كان ينحتها في موسوعته. يعترف المسيري في أحد كتبه أنه تفرّغ تماماّ لكتابة الموسوعة أثناء وجوده في الرياض، رغم أنه كان يكتب مقالات ثقافية متنوعة في مجموعة من الصحف والمجلات مثل جريدة الرياض وغيرها. يقول سعد الغامدي، وهو أحد طلاّب المسيري في قسم اللغة الإنجليزية، أنه ذهب ومجموعة من الطلاب إلى رئيس القسم من أجل المطالبة ببقاء أستاذهم المسيري وتمديد عقد العمل معه إلا إن طلبهم هذا اصطدم بالكثير من العراقيل البيروقراطية التي تعيق مثل هذا الأمر. كانت جامعة الملك سعود وقتها تعجّ بالعديد من الأساتذة الكبار في العالم العربي كان المسيري أحدهم. يمكنك أن تقابل في ممرات كلية الأداب بالجامعة أسماء قوية لامعة تعرفها في الإعلام عبر التلفزيون أو الصحافة مثل عمر الخطيب أو حسن ظاظا أو نذير العظمة أو شكري عياد وأسماء قوية أخرى لا يمكن حصرها.
شعر الطلاب بسعادة كبيرة عندما علموا أن أستاذهم سيأتي من الكويت إلى الرياض من جديد بعد فترة قصيرة من مغادرتها لإلقاء محاضرة عن اليهود السوفيت بعد أن تلقى دعوة من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض وكان الطلاب في انتظاره بالقاعة حيث طلبوا من رئيس الجلسة في مداخلة لهم اللقاء به بعد المحاضرة.
وكانت علاقة الأستاذ الفذ بطلابه مستمرة حتى بعد مغادرته للكويت أو حتى في مصر إذ يقول الغامدي أنه بقي على تواصل معه، مثل الكثيرين غيره من الطلاب الذين درّسهم، عبر الرسائل البريدية أو عبر البريد الإلكتروني أو عبر الزيارات الشخصية لمنزله في القاهرة.
يلتقي المسيري كثيراً بطلابه خارج أسوار الجامعة، كما يقول عصام النجار، الطالب الفلسطيني الذي كان يدرس عنده في الرياض والذي أخذ معه أخوه عاطف القادم من غزة لزيارة المسيري في بيته. مازال النجّار يتذكر السؤال الذي طرحه المسيري على عاطف عن النهاية المتوقّعة للانتفاضة التي نشبت آنذاك، فكانت الإجابة الغزّاوية الجاهزة بأنها لن تنتهي أبداً: “إما أن نقضي عليهم أو أن يقضوا علينا.”.
khaledalawadh @
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: فی الریاض
إقرأ أيضاً:
تحدَّثَ عن نصرالله.. ما الذي يخشاه جنبلاط؟
الكلامُ الأخير الذي أطلقه الرئيس السابق للحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط بشأن أمين عام "حزب الله" السابق الشهيد السيد حسن نصرالله ليس عادياً، بل يحمل في طياته الكثير من الدلالات. جنبلاط أورد 3 نقاط أساسية عن نصرالله في حديثٍ صحفي أخير، فالنقطة الأولى هي أنه بعد اغتيال نصرالله لم يعد هناك من نحاوره في الحزب، أما الثانية فهي إشارة جنبلاط إلى أنه قبل اغتيال "أمين عام الحزب" كانت هناك فرصة للتحاور بين حزب الله وبعض اللبنانيين بشكل مباشر، أما الثالثة فهي قول "زعيم المختارة" أن نصرالله كان يتمتع بالحدّ الأدنى من التفهم لوضع لبنان ووضع الجنوب.ماذا يعني كلام جنبلاط وما الذي يخشاه؟
أبرز ما يخشاه جنبلاط هو أن يُصبح الحوار مع "حزب الله" غير قائمٍ خلال الحرب الحالية، أو أقله خلال المرحلة المقبلة. عملياً، كان جنبلاط يرتكز على نصرالله في حل قضايا كثيرة يكون الحزبُ معنياً بها، كما أنّ الأخير كان صاحب كلمة فصلٍ في أمور مختلفة مرتبطة بالسياسة الداخلية، كما أنه كان يساهم بـ"تهدئة جبهات بأمها وأبيها".
حالياً، فإنّ الحوار بين "حزب الله" وأي طرفٍ لبناني آخر قد يكون قائماً ولكن ليس بشكلٍ مباشر، وحينما يقول جنبلاط إن الأفضل هو محاورة إيران، عندها تبرز الإشارة إلى أن "حزب الله" في المرحلة الحالية ليس بموقع المُقرّر أو أنه ليس بموقع المُحاور، باعتبار أنَّ مختلف قادته والوجوه الأساسية المرتبطة بالنقاش السياسيّ باتت غائبة كلياً عن المشهد.
إزاء ذلك، فإن استنجاد جنبلاط بـ"محاورة إيران"، لا يعني تغييباً للحزب، بل الأمرُ يرتبطُ تماماً بوجود ضرورة للحوار مع مرجعية تكون أساسية بالنسبة لـ"حزب الله" وتحديداً بعد غياب نصرالله والاغتيالات التي طالت قادة الحزب ومسؤوليه البارزين خصوصاً أولئك الذين كانت لهم ارتباطات بالشأن السياسي.
الأهم هو أن جنبلاط يخشى تدهور الأوضاع نحو المجهول أكثر فأكثر، في حين أن الأمر الأهم هو أن المسؤولية في ضبط الشارع ضمن الطائفة الشيعية تقع على عاتق "حزب الله"، ولهذا السبب فإن جنبلاط يحتاج إلى مرجعية فعلية تساهم في ذلك، فـ"بيك المختارة" يستشعر خطراً داخلياً، ولهذا السبب يشدد على أهمية الحوار مع "حزب الله" كجزءٍ أساسي من الحفاظ على توازنات البلد.
انطلاقاً من كل هذا الأمر، فإنّ ما يتبين بالكلام القاطع والملموس هو أن رهانات جنبلاط على تحصين الجبهة الداخلية باتت أكبر، ولهذا السبب تتوقع مصادر سياسية مُطلعة على أجواء "الإشتراكي" أن يُكثف جنبلاط مبادراته وتحركاته السياسية نحو أقطاب آخرين بهدف الحفاظ على أرضية مشتركة من التلاقي تمنع بالحد الأدنى وصول البلاد نحو منعطف خطير قد يؤدي إلى حصول أحداثٍ داخلية على غرار ما كان يحصلُ في الماضي.
في الواقع، فإنّ المسألة دقيقة جداً وتحتاجُ إلى الكثير من الانتباه خصوصاً أن إسرائيل تسعى إلى إحداث شرخٍ داخلي في لبنان من بوابة استهداف النازحين في مناطق يُفترض أن تكون آمنة لكنة لم تعُد ذلك. أمام كل ذلك، فإن "الخشية الجنبلاطية" تبدأ من هذا الإطار، وبالتالي فإن مسعى المختارة الحالي يكون في وضع كافة القوى السياسية أمام مسؤوليتها مع عدم نكران أهمية ودور "حزب الله" في التأثير الداخلي، فهو العامل الأبرز في هذا الإطار.
المصدر: خاص لبنان24