لجريدة عمان:
2025-02-03@22:25:16 GMT

هل تغيب شمس النفوذ الأمريكي ؟

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

ربما تترنَّح الولايات المتحدة نحو تدهورٍ، قليلة هي القوى العظمي التي سبق لها أن تعافت منه. إنها تملك العديد من أدوات التعافي الوطني. لكن لم يتوافر لها بعد إدراكٌ عام بالمشكلة وطريقة حلها.

ما ذكرته أعلاه ليس اقتباسًا من إحدى نشرات حركة ماغا (حركة لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) أو التقدميين ولكنه ملخص لدراسة جديدة أعدتها مؤسسة راند بتكليف من مكتب التقييم الشامل في البنتاجون.

ينبغي أن تكون هذه الدراسة «نداء استيقاظ» بالصوت العالي لأمريكا في عام انتخاباتٍ حاسمة.

دراسة راند التي يتصدرها عنوان هادئ هو «مصادر الدينامية الوطنية المتجددة» تنشر الثلاثاء (30 أبريل 2024) إنها جزء من سلسلة تقارير طلبها مكتب البنتاجون لتقييم الموقف التنافسي للولايات المتحدة فيما هي تواجه الصين الصاعدة. قُدِّمت لي نسخة منها؛ لأنني سبق أن كتبت عن هذا المشروع البحثي وعن مايكل مازار الذي يشرف عليه في مؤسسة راند.

على الرغم من أن التقرير الذي انطوت عليه الورقة كتب في معظمه بلغة علم الاجتماع الجافة إلا إنه يحوي نتائج مثيرة وغير متوقعة. وتقييمه الصريح يتّسق مع تقاليد مكتب التقييم الشامل الذي تأسس عام 1973 خلال أيام الحرب الباردة الكئيبة «لكي يفكر في اللا مُفَكّر فيه». كان المدير المؤسس للمكتب آندرو مارشال المفكِّر الذي اشتهر بآرائه المخالفة للسائد وغرابتها. ويتولى رئاسته الآن جيمس بيكر وهو ضابط متقاعد في القوات الجوية. يحظى بيكر باحترام واسع النطاق وسبق له أن عمل مستشارًا استراتيجيًا لاثنين من رؤساء هيئة الأركان المشتركة الأمريكية.

السؤال الذي طرحه التقرير هو «ما الذي قاد إلى التدهور النسبي في مكانة الولايات المتحدة»؟ الفصل الأول أوضح مشكلة أمريكا تمامًا. فموقفها التنافسي «مهدد من الداخل (بتباطؤ الإنتاجية وشيخوخة السكان والنظام السياسي الاستقطابي والبيئة المعلوماتية التي يزداد فسادها. ومهدد أيضًا من الخارج (بالتحدي المباشر والمتصاعد من الصين وانحسار خضوع عشرات البلدان النامية للنفوذ الأمريكي). يحذر التقرير من أن هذا التدهور «يتسارع». والمشكلة الجوهرية «يُنظَر إليها بطرائق مختلفة جدًا من جانب مختلف شرائح المجتمع وجماعات القادة السياسيين». فهنالك سردية يمينية عن التدهور وأخرى يسارية. وعلى الرغم من اتفاق الجانبين على أن هنالك شيئًا معطوبًا في أمريكا إلا أنهما يختلفان بشدة في أحايين كثيرة حول ما يجب عمله. ما لم يتمكن الأمريكيون من الاصطفاف على صعيد واحد لتحديد وعلاج هذه المشاكل سنخاطر بالسقوط في دوامة من التردِّي.

يشير معدُّو التقرير الى أن «التعافي من تدهور طويل الأجل وكبير شيء نادر ومن الصعب رصده في سجلات التاريخ». فكِّروا مثلا في روما أو إسبانيا تحت حكم سلالة هابسبورج أو الإمبراطوريتين العثمانية والمجرية -النمساوية أو الاتحاد السوفييتي. فعندما تفقد «القوى العظمى موقع التفوق والزعامة بسبب عوامل محلية نادرا ما تستعيد مكانتها». ما الذي يتسبب في التدهور الوطني؟ يشير مؤلفو تقرير راند إلى أسباب معهودة جدا في عام 2024. إنها «إدمان الترف والانحطاط والفشل في مواكبة المطالب التقنية والبيرقراطية المتكلِّسة وفقدان الفضائل المدنية والتمدد العسكري المفرط والنّخَب الأنانية المتحاربة والممارسات البيئية غير المستدامة». هل هذا يبدو مثل أيِّ بلد تعرفونه؟ يحاجج التقرير بأن التحدي هو «الإحياء الوطني الاستباقي». بكلمات أخرى إنه معالجة المشاكل قبل أن «تعالجنا». ويحدد استعراضه للأدبيات التاريخية والسوسيولوجية أدواتٍ جوهرية للإحياء مثل التعرف على المشكلة وتبني موقف يسعى إلى حلها بدلا من اتخاذ موقف أيديولوجي وأن تكون هنالك هياكل حوكمة جيدة وأيضًا (وربما هذا هو الأصعب منالًا) الحفاظ على التزام النخبة تجاه الصالح العام. لسوء الحظ يعتبر معدو تقرير راند في قائمة الإصلاحات هذه أداءَ الولايات المتحدة «ضعيفًا» و«مهدَّدًا» وفي أفضل الأحوال «بَيْنَ بين». وإذا نظرنا بأمانة إلى المرآة الوطنية فإننا في الغالب سنشاطرهم هذا التقييم. إذن ما المخرج؟ يقدم تقرير مؤسسة راند مثالين للدرس والاعتبار تقضي فيهما الإصلاحات العاجلة على أوضاع الفساد والفوضى والتي ربما أصبحت كارثية بخلاف ذلك. المثال الأول بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر. لقد أسَّست امبراطورية ناجحة على نحو باهر. لكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر كانت تتفسخ في الداخل «من التكلفة البشرية والبيئية الباهظة للصناعة والفساد المتصوَّر وانعدام فعالية المؤسسات السياسية والتحكم في السياسة من قبل مجموعة صغيرة من نُخَب ملاَّك الأراضي وتصاعد اللامساواة الاقتصادية وغير ذلك». لكن بريطانيا نهضت بموجة من الإصلاحات التي اكتسحت الحياة البريطانية وأحدثت تحولا في السياسة. وشارك قادة الفكر في هذا الشغف بالإصلاح من توماس كارلايل إلى شارلس ديكنز.

المثال الثاني يمكن إيجاده في الولايات المتحدة نفسها بعد عصر الثراء الفاحش والفقر المفرط (العصر المُذهَّب) في أواخر القرن التاسع عشر. أحدث الازدهار الصناعي وقتها تحولا في أمريكا. لكنه أوجد أوضاعًا مؤذيةً من اللامساواة وأضرارًا اجتماعيةً وبيئيةً وفسادًا فادحًا.

قاد الرئيس الجمهوري ثيودور روزفلت حركة «تقدمية» أصلحت السياسة والعمل التجاري وحقوق العمل والبيئة وجففت المستنقع السياسي للفساد.

نقل معدُّو تقرير راند عن المؤرخ جاكسون ليرز قوله: إن التقدميين كان لديهم توق إلى الإحياء وسعوا إلى بثّ شيء من الحيوية العميقة في ثقافة حديثة بدت هشة وعلى وشك الانهيار». الرسالة التي تبعث بها هذه الدراسة بالغة الوضوح. فأمريكا تنزلق في منحدر يمكن أن يقضي عليها. ما يمكن أن ينقذنا هو التزام عريض، يبدأ بالنخبة، بالعمل للصالح العام والإحياء الوطني. لدينا الأدوات لذلك لكننا لا نستخدمها. وإذا لم يكن بمقدورنا إيجاد قادة جدد والاتفاق على حلول مناسبة للجميع ستأفل شمسُنا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الإرهاب الأمريكي عبر التاريخ: وقائع وأحداث تاريخية

 

لطالما تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية المشهد العالمي كقوة عظمى، ولكن خلف شعارات الديمقراطية والحرية تكمن فصول من الإرهاب والوحشية والانتهاكات التي خلفت آثارًا دامية على الدول والشعوب. تبرز هذه الوحشية من خلال سياسات استعمارية واستغلال اقتصادي وحروب مدمرة، متجسدة في أحداث تاريخية لا يمكن تجاهلها.
1. إبادة السكان الأصليين :-
في بدايات تأسيس الولايات المتحدة، عانت الشعوب الأصلية (الهنود الحمر) من واحدة من أكبر حملات الإبادة الجماعية في التاريخ. تعرضت هذه المجتمعات إلى التطهير العرقي والتشريد القسري، بدءًا من مذبحة ووندد ني (1890)، حيث قُتل ما يزيد عن 300 من السكان الأصليين، بمن فيهم النساء والأطفال. كما تم استخدام الأمراض مثل الجدري كأسلحة بيولوجية للقضاء على هذه الشعوب.
2. العبودية والاستغلال العنصري :-
منذ القرن السابع عشر وحتى الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، قامت أمريكا بتأسيس نظام اقتصادي قائم على استعباد ملايين الأفارقة. نُقل هؤلاء العبيد عبر رحلات الأطلسي القاسية، ليتم استغلالهم في مزارع القطن والسكر تحت ظروف غير إنسانية. هذا الاستغلال لم ينتهِ بانتهاء الحرب الأهلية، بل استمر بطرق أخرى عبر قوانين جيم كرو والفصل العنصري في القرن العشرين.
3. حروب التوسع والاستعمار :-
خلال القرن التاسع عشر، تبنت أمريكا سياسة توسعية عُرفت بـ”القدر المتجلي”، حيث قامت بضم أراضٍ شاسعة مثل تكساس وكاليفورنيا بعد الحرب المكسيكية-الأمريكية (1846-1848). أسفرت هذه الحرب عن مقتل آلاف المكسيكيين واحتلال أكثر من نصف مساحة المكسيك التاريخية.
4. القصف النووي لليابان:-
في الحرب العالمية الثانية، ارتكبت أمريكا إحدى أكبر الجرائم الإنسانية في التاريخ الحديث بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي بالقنابل النووية عام 1945. أودت هذه الهجمات بحياة ما يزيد عن 200 ألف شخص بين قتلى ومصابين، معظمهم من المدنيين. كانت هذه الجريمة مبررة بالنسبة للولايات المتحدة بأنها لإنهاء الحرب، لكنها أكدت استعدادها لاستخدام أسلحة الدمار الشامل لتحقيق أهدافها.
5. التدخلات العسكرية في فيتنام وكوريا:-
خلال الحرب الباردة، شنّت أمريكا حروبًا بالوكالة تحت شعار مكافحة الشيوعية. في حرب فيتنام (1955-1975)، استخدمت أمريكا أسلحة كيماوية مثل العامل البرتقالي، مما تسبب في تشوهات خلقية وأمراض مميتة للأجيال الفيتنامية. تسببت الحرب في مقتل ملايين المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية.
أما في الحرب الكورية (1950-1953)، فقد قامت القوات الأمريكية بقصف مكثف استهدف المدنيين والبنية التحتية، مما أدى إلى خسائر هائلة في الأرواح.
6. حروب الشرق الأوسط:-
منذ أواخر القرن العشرين وحتى اليوم، لعبت الولايات المتحدة دورًا مدمرًا في الشرق الأوسط، بدءًا من دعم إسرائيل ضد الفلسطينيين إلى غزو العراق عام 2003. في العراق، دُمرت البلاد تحت ذرائع واهية مثل “أسلحة الدمار الشامل”، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من العراقيين وتشريد الملايين.
كما شاركت أمريكا في دعم الحروب في أفغانستان واليمن، حيث ساهمت في مفاقمة الأزمات الإنسانية عبر ضربات الطائرات بدون طيار والدعم العسكري للتحالفات المتورطة.
وقد شاهد العالم أجمع مشاركتها المباشرة مع إسرائيل في العدوان الأخير على غزة ليكون شاهدا جديدا على إرهابها وتوحشها .
7. العقوبات السياسية والاقتصادية والحروب غير المباشرة:-
عبر التاريخ، استخدمت أمريكا العقوبات السياسية والاقتصادية كوسيلة لإخضاع الشعوب والدول. تعاني كوبا وإيران وفنزويلا من آثار هذه العقوبات التي استهدفت المواطنين قبل الحكومات، مما أدى إلى أزمات إنسانية واسعة النطاق.
ختاما؛ تاريخ الولايات المتحدة مليء بالأحداث التي تكشف عن وجهها الحقيقي كدولة لا تتردد في استخدام الوحشية لتحقيق مصالحها. من الإبادة الجماعية للسكان الأصليين إلى الحروب الدامية في الشرق الأوسط، يظل التاريخ شاهدًا على معاناة شعوب دفعت ثمن أطماع هذه القوة العظمى. بينما ترفع أمريكا شعارات الحرية والديمقراطية، فإن أفعالها تكشف واقعًا مغايرًا، حيث تتغلب المصالح على المبادئ، تاركة وراءها إرثًا من الألم والدمار.

مقالات مشابهة

  • الإرهاب الأمريكي عبر التاريخ: وقائع وأحداث تاريخية
  • هذه أبرز النزاعات التي تواجه العالم في عام 2025.. حروب ترامب من بينها
  • رئيسة المكسيك تعلن تجميد الرسوم التي أعلنها ترامب لمدة شهر
  • ما الذي تقترحه الصين على ترامب لتجنب حرب تجارية؟
  • مشجعون كنديون يقاطعون النشيد الوطني الأمريكي بسبب جمارك ترامب (شاهد)
  • كندا تردّ على الرسوم الجمركية التي فرضتها عليها أميركا
  • رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية قانون الاستثمار الذي يشجع ويدعم رأس المالي الوطني والأجنبي
  • مدير إدارة الأمن العام بحمص: توقيف لؤي طلال طيارة الذي كان يعمل ضمن صفوف الدفاع الوطني في مدينة حمص لعدم تسوية وضعه القانوني وحيازته أسلحة غير مصرح عنها، وتم نقله إلى مركز الاحتجاز تمهيداً لإحالته إلى القضاء.
  • مقال في فورين أفيرز: هذا ثمن سياسة القوة التي ينتهجها ترامب
  • سر حقيبة الهدايا الثانية التي أرسلتها حماس مع الأسير الأمريكي