الاحتجاجات الطلابية ومسار القطب الأمريكي
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
لا تمثل الاحتجاجات الطلابية التي شهدها عدد من الجامعات الأمريكية العريقة ظاهرة جديدة، بل إن تلك الاحتجاجات حدثت خلال حروب وصراعات الولايات المتحدة الأمريكية خارجيا.
ولعل حرب فيتنام تمثل قمة تلك الاحتجاجات خلال عقد الستينيات، ومنتصف السبعينيات، حيث كان لتلك الاحتجاجات الصاخبة تأثير كبير على صانع القرار الأمريكي، وكانت من العوامل الموضوعية التي أدت إلى إنهاء الحرب القاسية في فيتنام وانهزام الولايات المتحدة الأمريكية سياسيًا وأخلاقيًا واستراتيجيًا والفشل الذريع في تحقيق النصر العسكري الحاسم، وهي نفس الحالة الصهيونية الحالية في قطاع غزة، رغم أن فوارق الحرب كبيرة من حيث الجغرافيا وأطراف الحرب والتحالفات المختلفة.
اندلاع الاحتجاجات في جامعات عريقة مثل جامعة هارفارد وكولومبيا وجنوب كاليفورنيا وتاكساس ونيويورك وغيرها عشرات الجامعات تمثل عودة قوية لطلبة الجامعات من الأمريكيين وغيرهم من طلبة الدول العربية والإسلامية والغربية وأمريكا اللاتينية، علاوة على احتجاجات عشرات من أساتذة الجامعات في مشهد يعطي مؤشرات بأن القوة الأولى عالميا بدأت في الانحسار، وهو الأمر الذي شهدته كل الإمبراطوريات الحديثة كبريطانيا وفرنسا وحتى الاتحاد السوفييتي السابق.
ومن هنا فإن أصوات الطلبة التي تنادي بوقف حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني هي مؤشر كبير على متغيرات اجتماعية وسلوكية داخل المجتمع الأمريكي علاوة على صعود دور الأجيال الجديدة التي سوف تغير المشهد السياسي الأمريكي خلال السنوات القليلة القادمة.
كما أن تلك الاحتجاجات تعطي مؤشرا على مدى فداحة التضليل الإعلامي الذي مارسته الدولة الأمريكية ووسائل الإعلام الداعمة للكيان الصهيوني على مدى عقود.
ولعبت التقنية والهاتف الذكي دورًا محوريًا للمرة الأولى خلال الحرب على قطاع غزة لتعرية العدوان الإسرائيلي الهمجي ضد الأطفال والنساء وتدمير البنية الأساسية من مستشفيات ومنازل، بل أحياء سكنية كاملة، علاوة على قيام الكيان الصهيوني باستهداف عشرات الصحفيين الفلسطينيين.
وعلى ضوء ذلك تشهد الولايات المتحدة الأمريكية متغيرات حيوية على صعيد مشهد الداخل كما أن الدولة الأمريكية التي تتشدق بالحريات وحقوق الإنسان وحرية التعبير قامت بسلوكيات قمعية ضد تلك الاحتجاجات الطلابية حيث تم احتجاز أكثر من ٩٠٠ طالب وأيضا عدد من الأكاديميين.
وانكشف زيف قضايا حقوق الإنسان وحماية الحريات من خلال تدخل الشرطة الأمريكية العنيف ضد الطلبة وأيضا ضد أساتذة الجامعات.
ومن هنا سقط قناع المثاليات المزيف الذي تسلطه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على حكومات وشعوب الدول العربية والإسلامية وفي آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ومن خلال هذا المقال فإنني أدعو الدول العربية إلى عدم الاكتراث بالتقارير التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية حول حرية التعبير وحقوق الإنسان والاتجار بالبشر لأن كل تلك المثاليات الغربية سقطت أخلاقيا، وتلك المواقف الغربية وتحديدا موقف واشنطن المنحاز للعدوان الصهيوني، بل وتزويد الكيان الإسرائيلي بالمساعدات العسكرية والاقتصادية وفي مجال المعلومات الاستخباراتية وأيضا على صعيد استخدام حق النقض الفيتو لعدة مرات في مجلس الأمن ضد قرارات الشرعية الدولية، التي تهدف إلى وقف الحرب والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ومن هنا فإن دعوة الإدارة الأمريكية إلى خفض التصعيد وحل الدولتين هي دعوة لا تحمل أي مصداقية مع ذلك الانحياز السافر كما أن سلوك الحكومة الأمريكية وحتى ضد طلبة الولايات المتحدة الأمريكية يعطي مؤشرا على التضحية بسمعة واشنطن لإرضاء نتنياهو وحكومته المتطرفة.
ولذا فإن القوة الناعمة الأمريكية التي تسلطها الدولة الأمريكية على الدول النامية ومنها الدول العربية أصبحت لا قيمة لها وأن على كل الدول العربية أن تنتهج سياسات وقوانين تتماشى مع مصالح شعوبها ومصالحها الوطنية.
لقد شكّل سلوك السلطات الأمريكية تجاه الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية صدمة كبيرة لعشرات الملايين حول العالم، وهم يشاهدون عبر شاشات التلفزة وشبكات التواصل الاجتماعي سلوك الشرطة المشين تجاه أساتذة الجامعات وخاصة النساء علاوة على فض تلك الاحتجاجات بالقوة، رغم أن الدستور الأمريكي ينص في عدد من مواده على حرية التظاهر والتعبير عن الرأي، لكن الذي حدث هو أن تلك الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية جاءت مناصرة للشعب الفلسطيني وضد الإبادة الصهيونية في قطاع غزة.
وهنا يمكن الحديث بشكل خاص عن قوة اللوبي الصهيوني ممثلًا في منظمة الايباك في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة أن الانتخابات الأمريكية أصبحت على بعد أشهر قليلة وبالتحديد في نوفمبر القادم، وبالتالي فإن الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي يركزان على كسب النفوذ اليهودي وقضية الدعم والتبرعات المالية.
إن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال متابعة دقيقة لمواقفها السياسية على مدى عقود لا يمكن أن تحسم موضوع الصراع العربي-الإسرائيلي ولا قضية حل الدولتين بل ستظل هي العقبة الأساسية للحل السياسي كما أن دعمها للكيان الصهيوني هو جزء أساسي من نظرتها الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وعلى ضوء ذلك فإن الدول العربية مطالبة بموقف موحد تجاه مصالحهم الوطنية وأيضًا التمسك بقضيتهم المركزية وهي القضية الفلسطينية والتي تعد حجر الزاوية في الصراع العربي-الإسرائيلي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة الاحتجاجات الطلابیة الدول العربیة الأمریکیة ا علاوة على قطاع غزة کما أن
إقرأ أيضاً: