لجريدة عمان:
2024-07-05@22:36:58 GMT

البنوك المركزية في عالم بلا نقود

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

ماريانا مازوكاتو -

ديفيد إيفز -

كانت علاقة الاقتصاد بالمال دوما غريبة ومثارا لمناقشات محتدمة. لفترة طويلة، كان أهل الاقتصاد - بما في ذلك حائزون على جائزة نوبل مثل ميرتون ميلر وفرانكو موديجلياني ــ ينظرون إلى المال باعتباره مجرد وسيط للتبادل. ولكن من خلال البناء على عمل جون ماينارد كينز وهيمان مينسكي، انتقل الاقتصاديون منذ ذلك الحين إلى ما هو أبعد من التركيز الضيق على كم المال للنظر في تأثيره البنيوي على الاقتصاد الحقيقي والنظام المالي.

يصبح الفهم البنيوي للمال والتمويل أكثر أهمية في عالم رقمي بلا نقود مادية على نحو متزايد، بسبب الحاجة المتنامية إلى أن يعمل صناع السياسات ليس فقط كمصححين لعمل السوق، بل كصناع استباقيين للسوق.

إن العالـم بلا نقود لا يغير علاقة الناس بالمال ويخلق فرصا جديدة لكيفية إدارته أو حتى تصوره فحسب؛ بل يفرض أيضا ضغوطا جديدة على البنوك المركزية تحملها على إعادة تصور دورها وتنمية قدرتها على الإبداع. في حين جرى تكريس قدر كبير من الاهتمام للتجارب مع العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية، فإن التدخل الأكثر أهمية يتمثل في إنشاء وتشكيل بنية أساسية رقمية جديدة حول أنظمة دفع قابلة للتشغيل البيني. ونظرا للمكون البنيوي في رأس المال، فإن هذا من شأنه أن يزيد من المنافسة المصرفية، والشمول، وسهولة الوصول، وربما يقدم أدوات جديدة لإدارة الاقتصادات في مواجهة الأزمات.

تنمو المعاملات غير النقدية بسرعة أكبر من أي وقت مضى مع انخفاض الاعتماد على الأموال النقدية المادية. ومن الواضح أن الحكومات والشركات والمستهلكين يفضلون فعالية التكنولوجيا غير النقدية من حيث التكلفة وسهولة استخدامها.

الواقع أن أنظمة الدفع القائمة على البطاقات الذكية غير التلامسية، والتي كانت ذات يوم مقتصرة على عالم سكان المناطق الحضرية البارعين في استخدام التكنولوجيا، أصبحت الآن منتشرة حتى في أكثر الاقتصادات بدائية. وتبرز أنظمة الدفع القابلة للتشغيل البيني بسرعة باعتبارها البنية التحتية الاقتصادية الأساسية لاقتصاد العصر الرقمي، وهذا يمثل خروجا عن نظام النقد المادي الذي تصدره الحكومات والذي دام طوال الألفي عام الأخيرة. كما هي الحال مع كل تغير تكنولوجي، فإن هذا التغيير ليس حياديا. فهو يملك زخما خاصا به، وإذا لم يوجهه صناع السياسات لتحقيق الصالح العام، فقد يؤدي إلى أشكال أعمق من الإقصاء وغير ذلك من المشكلات البنيوية في مختلف قطاعات الاقتصاد.

على سبيل المثال، أنظمة الدفع الرقمية في كثير من البلدان غير قابلة للتشغيل البيني، وهذا يعني أن المالكين يمكنهم تحديد من يمكنه الوصول إليها وبالتالي يستخلصون ريعا غير مستحق. ثم يُـدفَع بأولئك الذين يعيشون على الهامش بالفعل إلى خارج العالم غير النقدي، أو ما هو أسوأ من ذلك، خارج الاقتصاد الرسمي بالكامل. هنا، يستطيع البنك المركزي أن يخدم باعتباره أكثر من مجرد جهة تنظيمية، من خلال التأثير على البنية الأساسية المشتركة أو حتى إنشائها. فلا يجوز له أن يكتفي بخفض تكاليف المعاملات الرقمية، بل ينبغي له أيضا أن يعمل على خلق فرص جديدة لتحسين الكفاءة والشمول المالي لصالح أولئك الذين يعيشون على هامش الاقتصاد الرسمي. هذا هو ما فعلته الهند مع نظام UPI، الذي يشكل البنية الأساسية للمدفوعات الرقمية القابلة للتشغيل البيني والذي جرى تشكيله بقوة من قِـبَـل البنك المركزي.

وهذا أيضا ما فعلته البرازيل من خلال نظام Pix، وهو عبارة عن خدمة دفع فوري قابلة للتشغيل البيني وتسمح للأفراد والشركات بإرسال واستقبال الأموال في أي وقت من اليوم، عادة بالمجان أو بتكلفة منخفضة للغاية. وفقا للبنك المركزي البرازيلي، يُـعَـد نظام Pix الآن طريقة الدفع الأكثر شيوعا في البلاد، فيتفوق على بطاقات الائتمان والخصم وغير ذلك من طرق التحويل التي تنافس الأموال النقدية. ويستخدمه أكثر من 66% من السكان.

قد يبدو هذا وكأنه قصة نجاح نموذجية في مجال التكنولوجيا المالية. بيد أن البنك المركزي البرازيلي هو الذي تدخل بشكل استباقي لبناء نظام Pix، بعد أن أدرك أن اللاعبين من القطاع الخاص لن يجعلوا أنظمتهم قابلة للتشغيل البيني من تلقاء أنفسهم. قبل نظام Pix، كانت كل مؤسسة مالية تستخدم نظام المعاملات الخاص بها وتحدد رسومها بشكل منفرد. ولكن الآن تحولت المنافسة بعيدا عن الرسوم إلى التركيز على نوعية وكمية الخدمات التي تقدمها المؤسسات المالية. ويقدم نظام Pix، باعتباره بنية أساسية، وفورات حقيقية ومباشرة للمستهلكين، ويدعم الشمول والقدرة على الوصول. من خلال دفع عجلة هذا التغيير، يساعد البنك المركزي البرازيلي في تشكيل اتجاه أكبر كثيرا نحو خدمة الصالح العام. وعندما يصبح إطار الصالح العام الأساس لأغلب الأنشطة الاقتصادية، فسوف تنشأ فرص أعظم كثيرا للتعاون والتنسيق والاستثمار المشترك بين الحكومات والشركات الخاصة والمجتمع المدني والمنظمات الدولية. بطبيعة الحال، يتحدى هذا الدور الذي تضطلع به البنوك المركزية وجهة النظر التقليدية التي تزعم أنها جهات إصلاح وتثبيت للسوق قائمة على التنظيم، وينبغي لها أن تركز فقط على ضمان الاستقرار المالي، فتترك بالتالي مسائل العدالة والقدرة على الوصول والإدماج للقطاع الخاص. كان القطاع العام مكلفا لفترة طويلة بمهمة تقتصر على إزالة المخاطر لصالح منشئي القيمة، وليس المجازفة أو خلق القيمة في حد ذاتها.

كان ينظر إليه على أنه الملاذ الأخير للإقراض، وليس الملاذ الأول للاستثمار. كانت هذه النظرة الضيقة لدور الدولة في خلق الثروة السبب وراء الحد من فهم صناع السياسات لمجموعة واسعة من الأدوات المتاحة لهم لتحفيز النمو الاقتصادي المستدام. ورغم أن ضمان استقرار النظام المالي سيظل يشكل ضرورة أساسية، فإن الجهود التي تبذلها البرازيل والهند في تشكيل السوق حول البنية الأساسية للمدفوعات القابلة للتشغيل البيني تثبت أن البنوك المركزية تمتلك الأدوات اللازمة لتمكينها من مضاعفة جهودها في تعزيز الصالح العام.

في المملكة المتحدة، يتلخص الهدف الثانوي المعلن حديثا لبنك إنجلترا في تسهيل الإبداع في توفير خدمات البنية الأساسية للأسواق المالية عندما يمارس صلاحياته باعتباره جهة تنظيمية. يبدو أن الرغبة في تشكيل السوق بقدر أكبر من الطموح ربما تكون آخذة في الانتشار. ونحن نأمل ذلك بكل تأكيد، لأن جلب مستقبل عادل يتطلب وجود بنوك مركزية أشد طموحا.

ماريانا مازوكاتو أستاذة اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة في جامعة كوليدج لندن، ومؤلفة العديد من الكتب منها كتاب قيمة كل شيء: التصنيع والأخذ في الاقتصاد العالمي واقتصاد المهمة: دليل القمر لتغيير الرأسمالية.

ديفيد إيفز نائب المدير المشارك وأستاذ مشارك للحكومة الرقمية في معهد UCL للابتكار والغرض العام.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البنیة الأساسیة البنوک المرکزیة البنک المرکزی الصالح العام من خلال

إقرأ أيضاً:

مجلس الذهب العالمي: 12% ارتفاعا بأسعار الذهب منذ بداية 2024

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أعلن مجلس الذهب العالمي، أن أداء الذهب كان جيدًا بشكل ملحوظ في عام 2024، حيث ارتفع بنسبة 12% منذ بداية العام، متجاوزًا معظم الأدوات المالية الرئيسية. 

وقد استفاد الذهب حتى الآن من استمرار شراء البنوك المركزية للذهب، وتدفقات الاستثمار الآسيوية، والطلب الاستهلاكي المرن، بالإضافة إلى استمرار عدم اليقين الجيوسياسي.

ويعتقد مجلس الذهب العالمي أن الحافز بالنسبة للذهب خلال النصف الثاني من عام 2024 يمكن أن يأتي من انخفاض أسعار الفائدة في الأسواق المتقدمة، التي تجتذب تدفقات الاستثمارات الغربية، بالإضافة إلى الدعم المستمر من المستثمرين العالميين الذين يتطلعون إلى التحوط من المخاطر المتصاعدة والتوترات الجيوسياسية المستمرة.

وكان طلب البنوك المركزية المحرك الرئيسي لأداء الذهب في السنوات الأخيرة وفقا لمجلس الذهب العالمي، حيث يقدر أن البنوك ساهمت بما لا يقل عن 10% في أداء الذهب في عام 2023 وربما حوالي 5% حتى الآن هذا العام. ومع ذلك أعلن البنك المركزي الصيني عن تباطؤ في مشتريات الذهب خلال الأشهر الأخيرة، قبل أن يتوقف عن شراء الذهب في مايو. 

ويتوقع مجلس الذهب العالمي أن يظل طلب البنوك المركزية العالمية أعلى من الاتجاه المتوسط هذا العام، وفي حين أن إجمالي المشتريات المبلغ عنها قد يكون أقل من العام الماضي، إلا أن إجمالي المبيعات قد تباطئ أيضًا.

يحاول سعر الذهب العالمي اختراق المستوى 2340 دولار للأونصة الذي يعد الحد العلوي لمنطقة تذبذب التداولات التي سيطرة على حركة السعر منذ نهاية الأسبوع الماضي، ليستهدف الآن الوصول إلى المستوى 2350 دولار للأونصة.

إذا نجح سعر الذهب في الاغلاق اليومي فوق المستوى 2350 دولار للأونصة يفتح الباب لمزيد من المكاسب مستهدفاً المستوى 2365 دولار ثم المستوى 2380 دولار للأونصة.

مقالات مشابهة

  • التغير المناخي يرفع أسعار الغذاء ويثير قلق البنوك المركزية
  • النائب العام يبحث سبل التعاون مع رئيس اللجنة المركزية للشؤون السياسية الصيني
  • النائب العام يلتقي رئيس اللجنة المركزية للشؤون السياسية والقانونية في الصين
  • دعوة صينية روسية إلى عالم متعدّد الأقطاب ليكون على الجانب الصحيح من التاريخ
  • اليابان تنتج أول نقود ثلاثية الأبعاد.. حماية مضاعفة ضد التزوير
  • عرض مذهل حول "عالم الحيوان" على مسرح "الأوبرا السلطانية".. الخميس
  • عرض مذهل حول "عالم الحيوان" على مسرح "الأوبرا السلطانية"
  • مجلس الذهب العالمي: 12% ارتفاعا بأسعار الذهب منذ بداية 2024
  • بمشاركة ليبيا.. اختتام الاجتماعات السنوية لبنك التسويات الدولي
  • زعيم كوريا الشمالية يجري تفتيشا على مصانع للذخيرة (صورة)