لجريدة عمان:
2025-04-01@05:54:14 GMT

رسالة إلى مولاي

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

بالأمس أرسل لي الصديق الروائي مولاي أحمد المديني كتابًا لإيميل سيوران (غسق الأفكار)، وهو من كتبه التي أنجزها باللغة الرومانية قبل انتقاله الجغرافي واللغوي إلى عاصمة الفرنسيين التي استقطبت في تلك المرحلة وقبلها معظم مثقفي تلك البلاد الذين أثْروا لغة فولتير وهوجو بنبرتهم التراجيديّة المفعَمة بالارتطام المدوّي بحائطِ العبث الوجودي الأقصى، من (ترستان تزارا) ذلك الغاضب والشاعر الكبير الذي أسّس للدادائيّة مطلع القرن الفائت.

واللافت أن سيوران لم يتطرّق إلى تزارا في أيٍّ من كتبه العديدة في حدود علمي، إلى يونسكو والعالم الأنثروبولوجي ميرسيا إلياد... إلخ.

(غسق الأفكار) من ترجمة الشاعر التونسي عبدالوهاب الملوّح، وهناك ترجمات لكثيرٍ من كتب الفيلسوف بتوقيع مواطنه الشاعر آدم فتحي، وأذكر أنّني منذ أكثر من ربع قرنٍ بدأت في قراءة هذا المنفرد، فأصاب هوىً جريحًا في نفسي وتفاهمتُ مع أصدقاء بترجمته لمجلة (نزوى)، بدءًا بترجمة مقابلةٍ مطوّلةٍ معه ترجمها الشاعر محمد الصالحي، وملفّ أنجزه المترجم والشاعر محمد علي اليوسفي، وتوالت الموادّ التي تندرج في هذا السياق. الملاحظ أنّ الثلاثة من هؤلاء المترجمين الذين وردوا بمحض الصدفة هم من تونس.

هل يمكن القول إن سيوران وخطابه الفلسفي لقيَ تفاعلًا أكثر لدى الوسط الثقافي التونسي؟

لا أجزم القول، ولا أيّ قول، لكن اللهجة التونسية رغم أنّها إحدى اللهجات المغاربية والعربية تاليًا، لها نبرتها الخاصّة؛ فهي لا تعرف المُراوغة في التعبير عن الواقع والأحداث، ولا تعرف التّنميق والكنايات الكثيرة بقدر ما هي مباشرة فوريّة، تغادر نبرة الرثاء، لصالح ما يشبه الغثيان الوجودي والسخرية... اللهجة هنا تجسيد لنمط التفكير الأعمق والسلوك.

ولا أنسى بالطبع ترجمة الصديق لقمان سليم، شهيد البحث عن الحقيقة والحريّة مع أقران له مثل، سمير قصير الذي التقيته في باريس قبل عودته إلى بيروت ليستقر ويعانق مصيره في سلسلة الاغتيالات الإجرامية، التي طالت تلك العقول النيّرة الطليعية، وما أكثرها في تلك الأرض المكلومة التي انقذفت في أسوأ المصائر وأكثرها قتامة.

تلك الترجمة المبكرة والمبتكرة في صيغها الأكثر حداثة وهجانة؛ إذ تضرب في تراث اللغة العربية، متوغّلة في استجلاء الدلالات الخبيئة المراوغة البعيدة، بقدر ما هي أكثر قربا من حبل الموت والفناء والاضمحلال؛ لاستجلاء مقالة الفيلسوف الذي طوّح به لا وعيه الجامح إلى الحنين في إعادة الكون إلى (الكاووس) والسديم، ليعيد تشكيله ربّما، أو يتحجر هناك، في أحفورات العدم السحيق.

كان لقمان يقول لأطفاله الذين

لم يُولدوا بعد:

هذه يا أبنائي أرض طفولتي وأسلافي

التي كنت أحلم تحت سمائها التي تتدافع في فضائها الأحلام والغيوم

حين فاجأته بنادق التتار، خفافيش الجحيم

لا، لم تفاجئه، كان عارفا بإشراقة المصير والهاوية.

مولاي أحمد كتبَ ملاحظة في البداية تقول، أعتقد أنك تشاركني الرأي أننا نحتاج بين الفترة والأخرى لمجانين الفلسفة؟

وأعتقد نعم أيها الصديق، إننا في هذه البرهة الحالكة من تاريخ البشر والعالم الذي تقوده قوىً رهيبةٌ واضحةٌ بقدر ما هي غامضة، مستنيرةٌ بالعقلِ والعلمِ بقدر ما هي ظلاميّة بالغةُ التوحُّش والإبادة، عابرة للقارات، والمدن والأرياف والمحيطات، متعددة الجنسيات بنسبيّة عالية، تقود العالم بوسائل شتّى لهيمنة القوة والبطش. أكون بحاجة أكثر إلحاحًا لجنون الفلسفة والشّعر، وحكمة هذا الجنون الرّائية العاقلة على نحوٍ يحدّق في عيون الكارثة الجاحظة بشرر القيامة التي يُقاد إلى جحيمها الصارم هذا العالم الحائر الدائخ المترنّح، ليس عن نشوة وغيبوبة روحيّة، بقدر ما هي آتية من دُوارِ المستقبل القاتم والمصير.

إننا، مولاي أحمد، وأنت المثقف العميق قضيتَ خمسين عامًا في أروقة البحث وسراديب الكتب والمعرفة في بلاد النور حقًا؛ لكن الظلمة ليست بعيدة؛ سواء ظلمة الوجود وأشباحها وأسئلتها المُبْهمة، أو ظلمة أولئك الذين لا يملكون المال اللازم لاستمرار الحياة.

هذه القوى المهيمِنة الكاسرة للرأسمالية المعوْلمة، وليست الأخرى التي ادّعت الاشتراكية والشيوعيّة، وما زال بعضها يتقنّع بالتّسميات التي تزعُم التعارض مع تلك، بأقل وحشيّة؛ بل أكثر فتكًا وسُحقًا للأفراد والجماعات والنُزوعات الحرّة للانفصال عن القطيع الذي تقوده. في الأخير هي تكتّلات لمصالح كونيّة كبرى يلتقي أطرافها في التدمير الذي يصل حدّ الإبادة والتّصفية والاجتثاث لشعوب وجماعاتٍ بشريّة أين منها شريعةُ الغاب الأكثر تواضُعًا أمام إمكانات العقل الباهرة للافتراس والتدمير... بعض مفكري أوروبا منذ القرن الثامن عشر نظّروا (للدولة) كونها الوحش ذا الأنياب المُخيفة والشرّ الذي لا بد منه، كي لا تنحدر الجماعات البشرية إلى شريعة الغرائز والغاب.

هل أصبح الغابُ في ضوء عُنف الراهن بكل صُعُد هذا العنف ما يشبه الماضي اللطيف؟

خاصةً تجاه شعوب مُحتلّة من الخارج، ومقهورة مقمُوعة من أنظمتها المحليّة حتى دفعتها إلى استحضار الزّمن الكولونياليّ المُباشر، بشيءٍ من الرقّة والحنين؟ وهي مُفارقة تدخل في سياق الكوميديا السوداء من فرط مأساويّتها وفظاعتها.

نعم، نحن بحاجةٍ إلى جنون الشّعر والفلسفة والفنون جميعها، الأكثر حكمةً وصدقًا من أطنان التّنظيرات المتشدّقة بمعايير العقلِ والقياس والقيم والمنطق.

دعك من الخبراء والمحللين (الاستراتيجيين العرب) فحدّث بلا حرج، يظهرون فجأة وقت الأزمات الكبرى، وكأنها أعياد موسميّة لهم، هكذا بلا عدٍّ ولا إحصاء تستطيعه حتى الحواسيب الإلكترونية، على هذه الأرض المنكوبة بالمحارق والدماء المُراقة المُستباحة من كل حدبٍ وصوب، ليزيدوا الضحايا تنكيلًا وتعذيبًا. إذ لا حقيقة على هذه الأرض إلا حقيقة هؤلاء الضحايا المفجوعين على كل المستويات.

وإلا طالما لدينا كل هذا الكم من (الاستراتيجيين الحكماء) تكون مآلات الأوضاع بمثل هذه الكارثة والانحطاط؟

يأتيك الجواب المعلَّب منذ قرون، أنها مؤامرات (الإمبريالية العالمية)، لكن لماذا هذه الإمبريالية المتوحشة المتغطرسة تتآمر على بلدان حوَّلَها زعماؤها الكُثر وأنظمتها الطائفية والفئوية من مشروعِ أملٍ ومستقبلٍ إلى (مسلخٍ همجيّ)؟

لماذا تُجهد نفسها في التآمر وهي التي حين تقرر الغزو والحرب تقرره بوضوح ساطعٍ مثلما حصل في غزو العراق الذي دمّر البلاد والعباد وأعاده إلى الوراء عقودًا طويلةً كالحة، ويحصل الآن في دعم العدوان على غزة وفلسطين؟

هذا الاندفاع البركاني في الرؤية والرؤيا هو المقاربة الأكثر دقّة لجُمُوح الأحداث والوقائع الدمويّة التي تسود سلوكَ العالم وسلوك قادته الأكثر نفوذًا وبطشًا في سحق الشّعوب والجماعات المغلوبة والمغلولة، إلا ما تبقّى من إرادة الحياة والاستمرار التي بقيت بعد مِحن ومجازر ما زالت قائمة، وربما هي مقدمة لأن يفترس (الأقوياء) بعضهم في حروب كبرى على غرار الحربين العالميّتين وما بعدهما من تحضيرات في الخفاء غالبًا. لكن عبر هذه القفزات الضوئية لتطور آلة الحرب والإبادات، لن يكون هناك عودة أو أملٌ ضئيل في العودة إلى التقدم والحضارة.

إلا إذا ذهبنا إلى المقاربة والافتراض الآخر كون شبكات القوى ذات النفوذ الكوني من التماسك العقلاني المحسوب وبلوغ الرشد بعد تلك التجارب المريرة الكبرى، بحيث لو جمحت أحيانا إلى مناطق بعينها من التنافس والصراع التي تصل إلى الخطوط الجحيميّة التي لا تبقي ولا تذر أخضرَ أو يابسًا؛ إذ كل شيء يتحوّل إلى قاعٍ صفصف، كما فعلت ودَفعتْ بما حلّ (بالآخر) البعيد راهنًا أو في جغرافيّة تلك الحضارة نفسها من الشعوب الأصلية مثل الهنود الحمر في الأمريكتين وغيرهم حين قامت أعمدة العمران وأركانه الكبرى على بحر من جماجم وعظام تلك الشُّعوب الهالكة.

في كل الأحوال والاحتمالات يا صديقي مولاي أحمد، الإنسانيّةُ أو البشرية تترنّح مُنهكة تتخبّط في التيه واليباب الإليوتي، حين تفكر في اليوم والغد وما بعد الغد، حتى إنها استنفدت وفقدت معظم أحلام يقظتها ومنامها: تيه الأعمى وعصيان الصيد في الظلام.

«منذ ولادتي وأنا أحمل جنازة، جنازة هذا العالم» يقول الفيلسوف المجنون، على نمط الأقرب في رؤيته التراجيدية حول الوجود إلى سلفه الكبير (شوبنهاور) في ظني من (نيتشه) صاحب (غسق الأوثان) الذي يدين له بالكثير؛ لكنّه يهاجمه أحيانًا حين يتحول هذا الأخير وهو من وُصِفَ بمطرقة القرن العشرين وما تلاه، مطرقة للثوابت الفلسفيّة والمفاهيم القارة، حين يتحول إلى واعظ ومُرَبٍّ في النظر والسلوك. لكن سيوران لم يترك أحدًا إلا انقضّ عليه، حتى حبُّه للكثيرين من أسلافه حبُّ انقضاض عدائيٍّ حنون.

(سيوران) الذي هجا نفسه حين اكتشف أنه صار مشهورا ويُشار إليه في الأوساط الثقافية الفرنسيّة وغيرها كونه كاتبًا مُهمًا أو مفكرًا، ورثى لحال (بورخيس) الذي يكنّ له على ما يبدو إعجابًا خاصًا، على المنوال ذاته، واعتبر أن ذلك الأرجنتيني الفريد كانت الشهرة والدعوات والمؤتمرات حوله أكبر أذيّة أُلحقت به مبرزًا علوّ مكانته وموقعه في مشهد الثقافة العالمي.

وأختتم هذا المقطع الصباحي الأقرب إلى الأُفول والمغيب منه إلى إشراقة الصّباح، في طقس ما زال يهبنا هداياه بتأجيل حرارته القاسية، أختتم بتلك المقولة الأثيرة على قلوب البعض: «كل الجرائم مغتفرة ما عدا جريمة الإنجاب».

ولم يضف في هذا العالم القذر، فقد تجاوز هكذا توصيفات جاهزة سهلة مستقصيًا أثر كائنات المنفى الميتافيزيقي وأيتام التاريخ.

أشرتُ إلى شيءٍ عن الطقس لدينا، بعد مفاجأة الأمطار المبهجة التي أجّلت زحف طلائع الصّيف، عبر المنخفض الجوي الأخير، الذي غمرت أمطارُه عُمان والكثير من مناطق الخليج والجزيرة العربيّة، جعلت أشجار الأودية والجبال والصحارى مثل الغاف (الميموزا) والسّمر (الأكاسيا) والسدر وأعشابًا وأشجارًا أخرى أصغر حجما، وتلك التي ذكرت، أشجار قارّة في أزل المكان، كأنّما وُلدتْ من رحمٍ واحدٍ برهةَ نشأة الكون الأولى. وهي التي بمقدورها تحمّل قسوة الطقس البالغة التي تحول تضاريس المكان والفصول إلى قطعة من جحيم حقيقيّ لا مجازي. جعلتها الأمطار الأخيرة تخضرّ وتورق في السهول والوديان وكثبان الرمال.

هل أسألك عن الطقس في باريس؟ أعتقد أن موجات البرد القارس انخفضت باتجاه طقسٍ معتدلٍ حتى يصل إلى ربيع يختال مُورقًا ضاحكًا حيث أحلم بالقدوم وتصفية الحساب مع الحر والجفاف بعيدًا أيضا عن الصقيع.

جزء من افتتاحية العدد (١١٨) من مجلة نزوى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ة التی

إقرأ أيضاً:

(مناوي) الذي لا يتعلم الدرس

الخطاب السياسي لمناوي هو خطاب مرتجل وعشوائي، لكنه يظل عينة مناسبة لفحص المرض، فخطاب مناوي نموذج مكشوف لمستتر مكنون خطاب السودان الجديد، وهو في حالته العارية بلا رتوش المثقفين وفي ذات الوقت بدون حس التعبئة والحشد، وسبب ذلك أن مناوي يرجو منه أن يكون خطابا سياسيا لحركته لكن الخطاب يأتي متفجرا وخطيرا، وخصوصا حين تضيف له حس الهزل والهذر عنده. أن صفة التفجر والعنف هي أصل الخطاب وحقيقته، وأظن مناوي جاهل بذلك ولكن يجب في كل الحالات أخذه بجدية.

فيما يخص مناوي نفسه فليس المقام مناسب لتحليل تام وطويل لحالته، ولكنه اختصارا عبارة عن رجل أعمال سياسي مسلح، يتحرك وفق منطق براغماتي نحو الدولة، حركته حركة عرقية تلبست لباس السودان الجديد وبذلك فهي تحالف مصالح نخبوي هدفه تحقيق العوائد من السياسة، وهذه الحالة يطول شرحها لأنها تختلف في صيغة مناوي البراغماتية عنها في صيغ الحلو وعبدالواحد، ومهما كان فصيغة مناوي قابلة للتسوية وهناك بعيدا ستجد ثوابت معقولة، وربما ارتباط أكثر بعناصر محلية. لكن في كل الحالات تظل هي ظاهرة تحالف مصالح عرقي مسلح لا يحمل أي صفة شرعية للحديث عن دارفور وتحتاج لإصلاح.

المهم بالنسبة لي هو مضمون الخطاب الذي قدمه، ولي فيه ثلاث نقاط، ثم ختام بخلاصة نهائية ونصيحة للرجل وحركته وأتباعه:

أولا: تفسير الصراع:
ثمة خلط مفاهيم كبير يحدث في عقل مناوي لأنه لا يملك فرصة للفهم، ولا يوجد من حوله من يساعده في ذلك، إن مفاهيم مثل لعبة الأمم والتدخل الخارجي واستغلال التناقضات الداخلية هي مفاهيم صحيحة، لكن من يقولها لا يمكن منطقيا أن يردد دعايات الآخرين حول وجود سياسات متعمدة عرقيا ويربطها بالشمال ضمنيا في حديثه، ولو فرضنا جدلا صحة الحديث المبتور عن زمن الإنقاذ، فما معنى ذلك سوى رغبة في ابتزاز الدولة من جديد. دعك عن أن حركة مناوي نفسها تقوم على علة قديمة، فهي حركة عرقية صرفة وارتكبت انتهاكات كثيرة أيضا بل وكانت تصنف جزء من الجنجويد أنفسهم كما أشارت الصحفية جولي فلينت في ورقتها الشهيرة، أيضا فإن اتفاق أبوجا الذي تحدث عنه مناوي ظلم عرب دارفور ومطالبته بنزع سلاح الجنجويد كانت جزء من دعاية غربية، وظفت مناوي ودعته لزيارة أمريكا ووقتها وكان هو قطعة في رقعة شطرنج أو (كلبا في لعبة الضالة) كما قال، كان مطلوبا نزع السلاح من الجميع وفهم مخاوف مجتمعات العرب هناك، وقد كان مناوي يتغاضى عن ذلك ويفكر في قسمة سريعة للسلطة والثروة فالنفظ وقتها كان وعدا بثمن غال وكان مدفوعا بمنظمات وجهات خارجية تساعده فنيا وسياسيا. إن مسألة العمالة لم يكن بعيدا عنها وهي كانت في نوع من التحالف مع مشروع غير وطني، على مناوي أن يعيد القراءة والنظر في تفسير الصراع والتواضع أكثر فمن كان بيته من زجاج لا يرمي الآخرين بحجر، وهذا الفهم سيمنحه قدرة لتشخيص الأبعاد المركبة وفهم كيف أنه قبل يوما أن يكون أداة في يد الآخرين.

ثانيا:خريطة دارفور.
خريطة دارفور التي ظهرت في خطابه أيضا تثير استفزازا كان في غير محله، ومناوي يخدم بذلك خطوطا تقسيمية خطيرة، وحتى لو فرضنا أنه ظنها مسألة خلافية فما معنى بعثها اليوم؟ في الحقيقة فإن خريطة دارفور حدودها شمالا حتى خط ١٦ عرض وتبدأ جنوبا من خط ١٠ عرض، وشرقا حدودها خط ٢٧ ثم غربا حتى خط ٢٢. وأدناه صورة من كتاب موسى المبارك عن دارفور يعود بمصدره لبحث مهم عن تاريخ دارفور للبريطاني لامبن. G.D.Lampen بعنوان تاريخ دارفور. لكن المهم أن مناوي أن مناوي يظن أنه يتحدث بذكاء حين يقول أن أهل دارفور هم وكلوه بهذا الحديث، وهذا ابتزاز وتذاكي خبيث فمناوي لم يفوضه أحد ومن المهم له أن يكون أكثر تواضعا أيضا في هذا الأمر، لا يمكن له أن يتحدث عن السودان ككل وحين يأتي لدارفور يتحدث كأنه الصوت الوحيد.

ثالثا:مراجعات مطلوبة.
ما سبق هو مناقشة لماورد في خطابه لكن القصة أكبر من ذلك، مطلوب من مناوي وحركته مراجعات أعمق كنت قد طالبتهم بها من قبل، إن مسألة تحرير السودان، والأبعاد العرقية في التفسير، وابتزاز السلطة وعدم الوعي بالمخطط الخارجي كل ذلك يمنع تحول مناوي من براغماتي ذو بوصلة وطنية إلى وطني حقيقي، فالحالة الأولى قابلة للانتكاس في أي لحظة.

الختام:
على مناوي وحركته ضبط الخطاب جيدا، ويجب أن يترك طريقة الهذر والسخرية والارتجال والعشوائية وإدعاء الخفة والمرح، ليكون مسؤولا عن أفعاله وخطابه، المسألة ليست هذرا ولعبا بل مسؤولية وجد، وعلى أعضاء حركته ألا يكونوا مجرد حراس لمصالح وموظفين برواتب أمام مديرهم التنفيدي، بل عليهم مراجعة هذا المدير التنفيذي وتطوير وعيهم بهذه الأمور.

نقول ما سبق لأننا نؤمن إيمانا قاطعا، بأن ما يوحد السودان أعظم وما يجعل المصير مشتركا أكبر بكثير وأن كل مداخل التفكيك متشابهة كيفما كانت، سواء من الشمال أو الغرب أو الشرق، فإنها ستتوسل مفاهيم مضللة في تفسير الواقع، ثم وةتغذي هذه الحالات بعضها البعض بردود فعل ومتتالية هندسية تصاعدية تفكك البلد وتخدم الغير. مناوي إذا لم يتطور فهو جزء من هذه المتتالية وفي كل الحالات فإن مجتمع دارفور ومعنى وجودها في التاريخ السوداني كل ذلك أكبر من مناوي ومن حركته.

هشام عثمان الشواني
الشواني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • (مناوي) الذي لا يتعلم الدرس
  • بعض الأسئلة التي تخص قادة الجيش
  • أول رد فعل من رمضان بعد الموقف المحرج الذي جمعه مع ياسمين صبري
  • حماس توافق على مقترح وقف إطلاق النار الذي تلقته قبل يومين
  • الدول التي اعلنت غدا رمضان
  • اليُتْمُ الذي وقف التاريخُ إجلالًا وتعظيمًا له
  • أكاديمية السينما تعتذر بعد إغفال اسم المخرج الذي اعتدت عليه إسرائيل
  • الجزيرة ترصد الدمار الذي لحق بمقر إقامة عبد الفتاح البرهان في الخرطوم
  • توقف الحرب… من الذي كان وراءه
  • تعرف على القنابل الخمسة التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزة