لجريدة عمان:
2025-05-01@16:24:29 GMT

مهمة الناقد

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

مهمة الناقد

الموضوع الرئيسي لعلم الجمال Aesthetics هو الخبرة الجمالية aesthetic experience، وهذه الخبرة تشمل ثلاثة مجالات رئيسية هي: خبرة المبدع للفن بما في ذلك الأدب، وخبرة المتلقي أو المتذوق للموضوع الجمالي في الفن (وكذلك في البيئات الطبيعية أو المشيَّدة)، وخبرة الناقد. فالخبرة الجمالية ينبغي أن تكون حاضرة في كل مجال أو مستوى من هذه المستويات الثلاثة، ولكنها في كل مستوى يكون لها خصائصها وشروطها.

مهمة الناقد هي تحسين الصلة بين المبدع والمتلقي، بهدف حسن فهم المتلقي للعمل الإبداعي على نحو أكثر عمقًا من خبرته الجمالية البسيطة والمباشرة التي ربما لا يكون قادرًا على وصفها وتحليلها، ومن هنا يأتي دور الناقد الذي يضيء دلالة العمل من خلال تشكيله الجمالي والعلاقات الكامنة بين أجزائه. غير أن الناقد لا يمكن أن يقوم بمهمته هذه ما لم يكن متسلحًا من قبل بالنظريات الجمالية التي يمكن أن تعِينه على قراءة العمل، والتي تنبع منها رؤيته النقدية، وتكون قدرة الناقد وجدارته هنا مرهونة بمدى خصوبة النظريات أو الاتجاهات الجمالية التي يلجأ إليها، وبمدى مرونتها وانفتاحها على الفهم والتأويل بمنأى عن النزعات الدوجماطيقية التي تسعى إلى تأطير النص أو العمل الفني من خلال أطر مسبقة. وعلى الرغم من أن هذا الشرط المعرفي بالنظريات الجمالية يعد شرطًا ضروريًّا لممارسة الناقد لمهمته النقدية، فإننا نلاحظ أن أغلب من يمارسون النقد في عالمنا العربي يمتهنونه؛ لأنهم يستبيحون ممارسته من دون علم أو معرفة، وهذا ما نجده عادةً في النقد الانطباعي الشائع في الكتابات النقدية في الصحف.

غير أننا ينبغي أن نلاحظ في الوقت ذاته أن هذا الشرط المعرفي ليس شرطًا كافيًا لممارسة النقد؛ لأن الناقد ينبغي أن يتمتع بذائقة جمالية. ولذلك فإن الناقد يمر أولًا بالخبرة الجمالية بالعمل بوصفه متلقيًّا، ولكنه في مرحلة تالية يقوم بإخضاع العمل للدرس والفحص والتحليل والتشريح من خلال خبرة أخرى يمكن أن نسميها «خبرة فوق-جمالية» (مع ملاحظة هنا أنني لا أسميها «خبرة لا جمالية»؛ ببساطة لأنها مؤسسة على خبرة جمالية تسبقها)، وتلك مهمة شاقة تستغرق وقتًا طويلًا؛ لأنها لا تكون وليدة انطباعات عابرة. ذلك أن النقد ليس وظيفة يمكن أن نحصل عليها من خلال الدراسة وحدها على أهميتها، تمامًا مثلما أن الإبداع ذاته ليس وظيفة: فليست هناك وظيفة يمكن أن نسميها «كاتب» أو«ناقد»؛ هذا إذا استبعدنا من أذهاننا صورة الكاتب الذي يكتب ليؤدي وظيفة ما، وصورة الناقد الذي يكتب عن كل ما يرد إليه من أعمال بصرف النظر عن قيمتها الفنية أو الأدبية. ولنقارن حال مثل هؤلاء النقاد بحال النقد الذي مارسه كبار الفلاسفة من أمثال مارتن هيدجر: لقد تناول هيدجر باستفاضة سبعة أبيات للشاعر الألماني شتيفان جيورجه في قصيدة بعنوان «الكلمة»، ليبين لنا قدرة الكلمة عند الشاعر على تسمية الأشياء والموجودات؛ كما تناول لوحة فان جوخ بعنوان «حذاء الفلاحة»، ليبين لنا قدرة الفنان على التعبير عن عالم الفلاَّحة من خلال بيان ارتباط هذا الحذاء بالأرض، أي بالتُربة. ولا شك في أن مقاربة هيدجر هنا كانت تنبع من رؤيته الفلسفية الخاصة للعالم والوجود، ولكن تناوله النقدي المحدود لأعمال بعينها قد أسس لتيار نقدي كبير في ثقافتنا المعاصرة. وهذا يعني أن الناقد الأصيل ينبغي أن ينتقي النصوص الأدبية والأعمال الفنية التي يتعاطف معها والتي يمكن أن تؤسس لرؤية نقدية، بدلًا من الكتابة عن كل ما يأتي إليه أو يُعرَض عليه، فيكتب عنه كما لو كان يؤدي وظيفة ينغي الوفاء بها.

ويظن بعض العوام، بل بعض النقاد أنفسهم، أن النقد يعني الانتقاد، من خلال إظهار نقاط القوة والضعف في العمل الإبداعي! وربما يصدق هذا على تقييم مذهب فلسفي أو مقال علمي، ولكنه لا يصدق على نقد عمل إبداعي فني أو أدبي؛ لأن العمل الإبداعي ينبغي أن يؤخذ على النحو الذي يكون عليه، وتكون مهمة الناقد هي حسن فهم هذا العمل وتأويله بحيث يمكن تقريبه إلى الخبرة الجمالية لدى المتلقي. ولهذا فإن الناقد ينبغي أن يكون على ألفة بالعمل، ومن ثم على تعاطف معه؛ أما إذا كان يفتقر إلى هذا التعاطف، فإنه ينبغي أن يدع هذا العمل جانبًا إلى ناقد غيره.

والحقيقة أن بعض النقاد- خاصةً في عالمنا العربي- يتصورون أن مهمة الناقد هي إصدار أحكام على العمل الإبداعي وكأن عمل الناقد يشبه تحقيق القاضي في واقعة ما، وهم بذلك يضعون أنفسهم في مكانة أعلى من مكانة الفنان أو المؤلف؛ في حين أن الناقد لا يكون ناقدًا بحق إلا إذا كانت فيه نفحة من الحس الجمالي الذي يكون لدى المبدع. ولهذا نرى بعض النقاد بدلًا من أن يعكفوا على دراسة العمل الفني أو النص الأدبي ذاته، نراهم يلجأون إلى التنقيب في حياة الفنان أو المؤلف من أجل تفسير شيء ما في العمل! وعلى هذا أقول: ليس من حق الناقد ولا من مهمته أن يفتش في ضمير الكاتب أو الفنان، ولا في أن يخلع معتقداته وتصوراته الخاصة على العمل من دون أن يكون لذلك أساس في العمل نفسه. وذلك قليل مما يمكن أن يُقَال عن مهام الناقد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن الناقد ینبغی أن یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

مصر تدرس خفض الانبعاثات باحتجاز وتخزين الكربون CCS | تفاصيل مهمة

عقدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة، والمنهدس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية،  اجتماعًا مشتركًا بمقر وزارة البترول والثروة المعدنية ، لعرض ومناقشة الدراسة الخاصة باحتجاز وتخزين الكربون (CCS) في مصر، وذلك بحضور الدكتور على أبو سنة الرئيس التنفيذى لجهاز شئون البيئة ، والجيولوجي علاء البطل وكيل أول وزارة البترول والمشرف على السلامة والبيئة وكفاءة الطاقة والمناخ والدكتور عمرو أسامة مستشار وزيرة البيئة للتغيرات المناخية والمهندس محمد عبدالمنعم مدير عام بإدارة كفاءة الطاقة والمناخ بوزارة البترول و المهندسة سارة نجيب مدير عام بإدارة كفاءة الطاقة والمناخ بوزارة البترول والمهندس أيمن رفاعى مدير عام آلية التنمية النظيفة بوزارة البيئة والدكتور أحمد عبد ربه مدير مشروع تحويل الأنظمة المالية للمناخ في مصر.

وأكد الوزيران أن هذا الاجتماع يأتي في إطار العمل التكاملي المثمر والمستمر بين الوزارتين في عدد من الملفات البيئية، وعلى رأسها خفض الانبعاثات الكربونية، وذلك تنفيذا لتكليفات المجلس الوطني للتغيرات المناخية بشأن إعداد دراسة متكاملة حول ملف احتجاز وتخزين الكربون، تمهيدا للمضي قدماً نحو وضع وتنفيذ خارطة طريق وطنية في هذا المجال.

وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة ان مشروعات احتجاز وتخزين الكربون تتماشى مع اهداف مصر في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ومواجهة آثار تغير المناخ، وتعد احد نماذج المشروعات المذكورة في خطة المساهمات الوطنية والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠.

وأوضحت وزيرة البيئة أنه من الضروري اجراء الدراسات اللازمة لتحديد الآثار البيئية للمشروع بما يضمن عدم مواجهة اية آثار بيئية محتملة، موضحة أن الدراسة التي اعدها مشروع تحويل الأنظمة المالية للمناخ في مصر التابع لوزارة البيئة الهدف منها ليس فقط تقييم الوضع الحالي للسوق وتحديد الاحتياجات في مجال احتجاز وتخزين الكربون، ولكن توفير بيانات حول الآثار البيئية المحتملة للمشروع من واقع نماذج تطبيقية في الدول الأخرى، وطرح نموذج الأعمال المناسب الذي يمكن تطبيقه في مصر في هذا المجال.

وأضافت الدكتورة ياسمين فؤاد أنه يتم أيضا دراسة علاقة المشروع من الناحية الفنية بالانبعاثات الكربونية وآليات السوق وشهادات الكربون، باعتباره من مشروعات المناخ التي طرحت في مؤتمر المناخ الأخير COP28، وما سيقدمه لخطة المساهمات الوطنية، وخاصة مع بدء تطبيق آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) في الأسواق الأوروبية ، بالإضافة إلى أهمية تنفيذ حملات توعية بالمشروع لضمان المشاركة المجتمعية.

ومن جانبه أكد المهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية، أهمية العمل على خفض الانبعاثات الكربونية من خلال تطبيق تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (CCS)، في إطار التعاون والتكامل مع وزارة البيئة، وبما يعكس روح الفريق الواحد في التعامل مع هذا الملف الحيوي.

وأوضح أن خفض الانبعاثات أصبح ضرورة ملحة لدعم تنافسية المنتجات الصناعية المصرية في الأسواق الخارجية، خاصة الأوروبية، مع قرب بدء تطبيق آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) في الأسواق الأوروبية وأهمية التوافق مع متطلباتها.

أكد المهندس كريم بدوي خلال المناقشات علي أهمية إعداد تصور فني اقتصادي شامل لمنظومة احتجاز الكربون وتخزينه بما يساعد في دفع وتسريع جهود التنفيذ وفقا للتصور الذي تم إعداده.

تابع الوزيران خلال الاجتماع عرض تقديمي حول محاور الدراسة التي تم إعدادها حول احتجاز الكربون وتخزينه في مصر من خلال مشروع تحويل الأنظمة المالية المتعلقة بالمناخ في مصر و عرضتها الدكتورة رحاب المغربي الأستاذة بكلية هندسة البترول والتعدين بجامعة السويس.وقد تم استعراض دراسة مشروع احتجاز وتخزين الكربون التي تم اعدادها من خلال مشروع تحويل الأنظمة المالية للمناخ في مصر التابع لوزارة البيئة، بهدف تحديد المخاطر البيئية المحتملة لتطبيق المشروع وتحديد أنسب الإجراءات، حيث تضمنت الدراسة عرضا لآلية تخزين الكربون، والمشروعات المماثلة حول العالم، والدراسات الخاصة بهذه الآلية في مصر.

طباعة شارك وزارتى البيئة والبترول وزيرا البيئة والبترول الإنبعاثات الكربونية

مقالات مشابهة

  • مصر تدرس خفض الانبعاثات باحتجاز وتخزين الكربون CCS | تفاصيل مهمة
  • الجماز: جيسوس وجوده في الهلال كارثة
  • الحد اليومي للجلوس الذي يُنذر بآلام الرقبة
  • مسؤولة أممية: لا يمكن احتواء الوضع في غزة الذي يزداد سوءًا
  • الرئيس السيسي: وقعنا مع أنجولا عددا من مذكرات التفاهم في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.. أحمد موسى عن سوء حالة الطقس: خليكوا في البيت والخروج يكون للضرورة فقط | أخبار التوك شو
  • عواصف وأتربة في الطريق.. نصائح مهمة لتفادي أضرار الطقس السيئ
  • الحد اليومي للجلوس الذي يُنذر بآلام الرقبة ..! 
  • بارة: لا ينبغي تسليم أصحاب السوابق الجنائية السلاح في أي صورة
  • ما هو صاروخ “بار” الذي استخدمه الاحتلال لأول مرة في غزة؟
  • آداب ينبغي التحلى بها الحاج في تأدية المناسك.. تعرف عليها