لجريدة عمان:
2024-07-10@03:48:16 GMT

يُتم الروائيين العرب «1»

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

لم يكن في خاطري وأنا أكتب هذه المقالة أن أعرض إلى جائزة البوكر في نسختها العربية ولا إلى قائمتيها القصيرة والطويلة ولا إلى الفائز فيها، ذلك أنّ الزمن عوّدني ألاّ أساير الفقاقيع الناشئة عن خيارات الجوائز، وأن أعالج الفائزين بعد مدّة من فوزهم، وأن أقول قولي فيهم بما تقتضيه ذائقتي الأدبيّة والفكريّة والاجتماعيّة، وأن أشكّك دوما في ذائقة لجنة تحكيم تقرأ مئات الأعمال لتختار منها عملا فريدا (ولم تكن في أغلب الأحيان تبحث عن فرادة)، وكنت أقول قولي الذي يُغضب أصدقائي قبل أعدائي، ولهذا عبّرتُ مثلا عن شدّة استيائي من اللجنة التي فوّزت قصدًا وحسابًا روايةً ضعيفة مثل رواية محمد النعاس «خبز على طاولة الخال ميلاد»، وكتبت عن قلّة حيلة الرواية والروائي، ولكنّي اليوم أشيد بتفويز الكاتب الفلسطيني الواقع في الأسر لعقدين من الزمان باسم خندقجي عن روايته «قناع بلون السماء»، الرواية التي استحسنّا تفويزها لا لقيمتها ولا لفنيّتها ولا لجِدّتها (التي أجهلها، فأنا لم أقرأ الرواية بعد) ولا لعُدولها عن مسار الرواية العربيّة التي بدأت تأكل نفسها، ولا لأنّها ضمّت حكاية غير مألوفة، ولا لكلّ الأسباب المنطقيّة التي يُمكن أن تجعل عملا روائيّا يفوز، بل لأنّها قادمة من أرضٍ تآمر الكون على محْوِها من خارطة الوجود، لأنّها قادمة من أرض مُقدّسة فيها تُقَطَّع أوصال الأطفال والنساء كلّ ساعة والعالم في لهوٍ وضحك، لأنّها قادمة من أرضٍ مقدّسة، فيها الدم يُسَال ويسيل ويُهدَر وتُغتَصب النساء ويُشَرّد الأطفال ولا معتصم يغيث من يطلب الغوث، ولا غيمة تمطر حيث شاءت، ولا واو النداء تنفع، ولا واو الندبة، ولا واو الاستغاثة، كلّ الواوات أضحت ويلات، عادت إلى أصلها ليّنةً مطواعة، وبات العالم في حِلٍّ من قِيَمه التي قَتَلنا بها، ويأتي الغوث دوما من غير مكانه، من طلبة حملوا وعيًا وفكرًا قد يسهمون في تغيير نظريّات نهاية الكون.

فازت روايةُ السجين -التي لا أعرف تفاصيلها- التي نعرف مقامها، واستحسان المثقّفين لتفويزها، راجع إلى أن الجائزة هذه المرّة لم تكن محض جائزة، بل كانت رسالة وخطابا، كانت اعترافا بأدبِ مَن يقبع ظلمًا وقهرًا خلف القضبان، وإيمانا بنضالِ شعب خانه الأقربون قبل الغرباء. هذه كلمة أردتُها على الحساب قبل أن أقرأ الكتاب في شأن فوز الأسير الفلسطيني بجائزة البوكر للرواية العربيّة.

وأعود إلى أصل مقالتي حول يُتم الروائيين العرب، وقصدي من العبارة، أنّ حالةً من عدم الرعاية والعناية بالروائيين العرب تجعل الجيّد منهم يشعر بِيُتم واغتراب، فقد مضى عهدٌ من الزمان، كان الأدباءُ والفنّانون والمثقّفون والصحفيّون والمسرحيّون والسينمائيّون وغيرهم من أهل الفكر والفنّ يتواجدون (أقصد تفاعل الوجْد) ويتواصلون ويتحدّثون ويتبادلون الأفكار والآراء.

ما صرناه اليوم هو أنّ الروائيّ الذي يحتاج إلى صخب الواقع أصبح يعيش بمنأى عن الفضاء الذي منه يتغذّى، تقلّ تدريجيّا العلائق بين المسرحيين والروائيين، بين الموسيقيين والروائيين، تقلّ صلات الفنّانين، والأدهى من ذلك، وهو قصدي من هذا المقال، هو الطلاق البائن بين النقد والرواية، الطلاق بين الرعاية النقديّة والتعهّد العالم بالرواية وعالم التخييل.

قد يبدو كلامي سائبا في ظِلّ وفرة النقد الروائيّ وسيْله، غير أنّه نقد في الغالب الأعمّ منه كأُفٍّ، هو محض ممارسة طفوليّة انطوائيّة انطباعية انفعالية تقوم بها كائنات ورقيّة، تجعلها هبّات العلم الرقيقة تسقط متداعية.

لقد انتبهت وأنا أقرأ كتابا بعنوان «ورد ورماد» جمع رسائل متبادلة بين الكبيرين المغربيين الروائي محمد شكري والناقد والمبدع محمّد برّادة إلى هذه العناية الفائقة التي يخصّ بها الناقدُ الأديب، ويخصّ بها -تبادلا- الأديبُ الناقدَ.

فلقد أبدت الرسائل حوارًا قائمًا لسنوات بين المبدعيْن، من بدايتهما إلى بلوغهما مراتب عالية في الأدب والنقد.

كان محمد شكري في بداياته يعيش فاقةً وحاجةً ونقمةً على الوجود، وكان برّادة في بداياته يعيش رفضا ورغبة في تحقيق الأفضل، وكان الحوار الجامع بينهما مُظهر عدميّة محمد شكري وإيجابيّة برّادة، حتّى بلغا خطّا مشتركا تحقّق فيه برّادة الناقد الحصيف الواعي، المُدرك لهمّ الروائيّ، وتحقّق فيه الروائيّ العدمي الذي كان في أمسّ الحاجة إلى عقل يُؤطّر «شطارته».

لقد كان محمد شكري -على طريقته في الإفصاح عمّا يراه ويشعره- واضحا بيّنا، فإضافة إلى اختياره حياة الهامشيين، فقد كانت هنالك حياة أخرى لمحمد شكري أدركها بفطنته محمد برادة وحاول استخراجها من باطن الأديب، هذه الحياة هي روح الفنّان الذي يُترجم عن الإسبانية والفرنسية، هي روح الفنّان التي تكتب السيَر، هي روح الفنّان التي تُوجِد أواصر صلةٍ مع الأرواح الشبيهة، ومن هذا المنطلق فقد كان هنالك في حياة الروائي السير ذاتي محمد شكري فضاءٌ من الفوضى ورعايةٌ من نقّاد آمنوا به وكان لهم قسط وفير في صدور أعماله، وكان هناك أيضا فضاءٌ من التعجيز والتقزيم، عبّر عنه في رسالة من رسائله بقوله: كدت أنسى أن أخبرك أيضا عن المقال الذي كتبه الطاهر بنجلون في «لومند» عن الحياة الثقافية في المغرب. إنّه يجهل الأدب المغربي المكتوب بالعربيّة، قال عنّي مثلا: شكري روى حياته لبول بوولز! وإنّني مجرّد «حكواتي»، كتبت توضيحا قصيرا في الموضوع وأرسلته إلى «المحرر» لكنهم لم ينشروه. لا أعرف ردّ محمد شكري على الأديب الروائي الطاهر بنجلون، ولكن ما الضرر أن يروي شكري حياته لبول وولز، والروائي يجب أن يكون حاملا لروح الحكواتي.

هذا جانبٌ من الألم في صلات النُظراء والأشباه، وأمّا الجانب الأنجع والأنجح فهو الصلة مع المختلفين، صلةُ شكري ببول بوولز الكاتب الأمريكي الذي قضّى أكثر من نصف قرن من حياته مقيما في طنجة، هي صلةٌ تُظهر منزلته ومكانته التي عبّر عنها بكتاب جميل أظهر هذه الصلة وكشف جوانب من حياة الأديب الأمريكي، وقد حمل الكتاب عنوانا «بول وولز وعزلة طنجة».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محمد شکری ة التی لأن ها

إقرأ أيضاً:

غزة فلسطين .. عار العرب والمسلمين والإنسانية..!

 

 

في فلسطين معركة بين الحق والباطل، معركة ليس لها شبيه، ولم يحدث أن عرف التاريخ لها مثيلا.. معركة تجاوزت كل معارك التاريخ، لم تحدث مثلها لا في عهد ( نبوخذ نصر) ولا في عهد (جنكيز خان وهولاكو)، لم يرتكب ما يرتكب في غزة لا (هتلر) بأفرانه، ولا أي من طغاة التاريخ ارتكبوا من الجرائم ما يرتكب في (غزة)، هناك حيث ينتصر الدم على السيف وعلى الميركافا وعلى النمر وعلى طائرات الـ”إف 16” والـ”إف 35” وعلى أحدث الأسلحة، هناك حيث تخضبت الأرض بدماء أهلها أطفالا ونساء وشيوخاً ومدنيين عزلاً يدفعون ثمن انتمائهم للأرض، يواجهون طغاة العالم، أطفال يتلقون بأجسادهم الطرية أكثر أسلحة العالم المتطور فتكا وتدميرا، على رؤوسهم هدمت منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم ودمرت طرقاتهم وجفت آبارهم من المياه وبحارهم من الأسماك، وسماؤهم غابت عنها النجوم ولم يعد هناك غير غبار الموت ورذاذ الآهات المتطايرة..
الأرض حرثت بجنازير الدبابات، والأدخنة تغطي سماء القطاع، والنفوس المترعة تبحث عن بقايا رغيف مخضب بالدم والدموع والآهات..!
ثمة عيون زائغة تبحث عن بقايا عرب وعروبة، ومآذن مهدمة تسأل عن بقايا مسلمين..؟!
هناك لا صوت يعلو على صوت الموت لمن يستحقون الحياة، وهناك الحياة تقدس لمن يستحقون الموت..!
إجرام يومي بحق أطفال ونساء غزة أمام أنظار العالم الذي خلع عن نفسه رداء الإنسانية، عالم انحط في غزة، وتجرد من إنسانيته، وهو من شغلنا بالأمس حديثا وصخبا عن الإنسانية المهدورة في (ميانمار) وفي (إقليم الايغور الصيني)، لكن هذه المشاعر الزائفة تبخرت حين تعلق الأمر بأطفال غزة الذين يتساقطون ويقتلعون من جذورهم كما تقتلع أشجار الزيتون، ومآذن المساجد وأجراس الكنائس..!
لم يكن للصهاينة القدرة في ارتكاب جرائمهم ولن يكون رغم كل المآسي والجرائم، لأن أطفال فلسطين ولدوا كبارا وهذا قدرهم ولأنهم كذلك فقد استطاعوا وحدهم أبناء غزة أن يذلوا الجيش الذي لا يقهر وقهروا قادته كما قهروا رعاته، استطاع أبطال فلسطين أن يثبتوا للعالم أن الحق فوق القوة وأن القوة مهما كانت غطرستها فإنها مهزومة أمام أصحاب الحق وهذا ما حدث ويحدث في غزة وفلسطين..!
غزة التي قدمت ما يقارب خمسين الف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء، غزة التي قدمت أكثر من مائة ألف جريح وفلسطين التي يعيش أكثر من عشرة آلاف أسير من أبنائها في سجون الاحتلال، غزة التي تواجه ليس جيش الاحتلال، بل جيوش العالم، رغم الحصار وحرب الإبادة الجماعية الممنهجة، حرب أحقر البشر على وجه الأرض مما خلق الله من عباده الذين خلقهم ولعنهم، لكنهم يصرون كذبا على أنهم (شعب الله المختار) وما هم كذلك ولم يكونوا كذلك منذ خسف الله بأسلافهم وجعل منهم (القردة والخنازير..!!
لكن طوفان الأقصى كشف حقائق كانت مجهولة وهي أن هناك (قردة وخنازير) آخرين غير من يحتلون فلسطين، أولئك هم الحكام والأنظمة العربية الإسلامية، فكثير منهم أثبتوا أنهم (قردة وخنازير) وأنهم أكثر دناءة وانحطاطاً من (صهاينة) المرحلة..!
إن فلسطين ليست مجرد أرض محتلة، بل هي أرض مقدسة ولها قدسية مثل قدسية مكة والمدينة، لأنها أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى خاتم الأنبياء والمرسلين الذي اتخذ من فلسطين نقطة انطلاق نحو الملأ الأعلى، وهذا الاختيار ليس مصادفة، بل له أهمية لا يدركها عرب التطبيع والتبعية الذين يتوهمون أن الله غافل عما يعملون..!
إن لعنة دماء أطفال غزة ستطال الجميع عربا ومسلمين، كما ستطال عالم النفاق والمنافقين.. فترقبوا أي منقلب ينقلبون، لأن ما يجري في غزة وفلسطين سيبقى عارا في جبين العرب والمسلمين والمجتمع الدولي، عار لن تمحيه كل الحلول أيا كانت وأياً كان مصدرها، عار لن يمحيه إلا رفرفة علم فلسطين فوق قبة الصخرة وعلى أركان المسجد الأقصى.. عار ستمحيه المقاومة الفلسطينية التي تصنع مجد أمة، أمة وجوه حكامها من أصحاب الجلالة والفخامة والسموء لا تساوي مجتمعة (حذاء مقاوم عربي فلسطيني) وقطرة دم سقطت من جسد طفل فلسطيني تعادل ثروات الأمة بكاملها.. فويل لأمة لم تغر على أطفال فلسطين ولم تلب نداء امرأة ثكلى رددت بصوت متهدج مقهور “أين العرب والمسلمين”..!

مقالات مشابهة

  • غزة فلسطين .. عار العرب والمسلمين والإنسانية..!
  • معجبين محمد عبده في لندن : محبتك إرث وطني تربينا عليه .. فيديو
  • القاهرة: لا بد من وقف إطلاق النار في غزة بشكل فوري
  • المخرج محمد بن عطية عن فيلم وراء الجبل.. أن تطير يعني أن تتحرر
  • ما هي رسالة الناخبين العرب والمسلمين في بريطانيا للحزب الحاكم الجديد؟
  • هل التصالح في المتناثرات يتيح توصيل المرافق؟.. طارق شكري يوضح
  • “مبارك مارين” يشارك في بطولات زوارق فورمولا 4
  • مصطفى بكري يوجه التحية لـ سامح شكري: تعظيم سلام لأسد الخارجية المصرية
  • ماذا تقول الغزيّات في القدس بعد 9 أشهر من الإبادة؟
  • محمد عبده يستمتع بأجواء لندن رفقة ابنته .. فيديو