لجريدة عمان:
2025-04-24@20:38:26 GMT

يُتم الروائيين العرب «1»

تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT

لم يكن في خاطري وأنا أكتب هذه المقالة أن أعرض إلى جائزة البوكر في نسختها العربية ولا إلى قائمتيها القصيرة والطويلة ولا إلى الفائز فيها، ذلك أنّ الزمن عوّدني ألاّ أساير الفقاقيع الناشئة عن خيارات الجوائز، وأن أعالج الفائزين بعد مدّة من فوزهم، وأن أقول قولي فيهم بما تقتضيه ذائقتي الأدبيّة والفكريّة والاجتماعيّة، وأن أشكّك دوما في ذائقة لجنة تحكيم تقرأ مئات الأعمال لتختار منها عملا فريدا (ولم تكن في أغلب الأحيان تبحث عن فرادة)، وكنت أقول قولي الذي يُغضب أصدقائي قبل أعدائي، ولهذا عبّرتُ مثلا عن شدّة استيائي من اللجنة التي فوّزت قصدًا وحسابًا روايةً ضعيفة مثل رواية محمد النعاس «خبز على طاولة الخال ميلاد»، وكتبت عن قلّة حيلة الرواية والروائي، ولكنّي اليوم أشيد بتفويز الكاتب الفلسطيني الواقع في الأسر لعقدين من الزمان باسم خندقجي عن روايته «قناع بلون السماء»، الرواية التي استحسنّا تفويزها لا لقيمتها ولا لفنيّتها ولا لجِدّتها (التي أجهلها، فأنا لم أقرأ الرواية بعد) ولا لعُدولها عن مسار الرواية العربيّة التي بدأت تأكل نفسها، ولا لأنّها ضمّت حكاية غير مألوفة، ولا لكلّ الأسباب المنطقيّة التي يُمكن أن تجعل عملا روائيّا يفوز، بل لأنّها قادمة من أرضٍ تآمر الكون على محْوِها من خارطة الوجود، لأنّها قادمة من أرض مُقدّسة فيها تُقَطَّع أوصال الأطفال والنساء كلّ ساعة والعالم في لهوٍ وضحك، لأنّها قادمة من أرضٍ مقدّسة، فيها الدم يُسَال ويسيل ويُهدَر وتُغتَصب النساء ويُشَرّد الأطفال ولا معتصم يغيث من يطلب الغوث، ولا غيمة تمطر حيث شاءت، ولا واو النداء تنفع، ولا واو الندبة، ولا واو الاستغاثة، كلّ الواوات أضحت ويلات، عادت إلى أصلها ليّنةً مطواعة، وبات العالم في حِلٍّ من قِيَمه التي قَتَلنا بها، ويأتي الغوث دوما من غير مكانه، من طلبة حملوا وعيًا وفكرًا قد يسهمون في تغيير نظريّات نهاية الكون.

فازت روايةُ السجين -التي لا أعرف تفاصيلها- التي نعرف مقامها، واستحسان المثقّفين لتفويزها، راجع إلى أن الجائزة هذه المرّة لم تكن محض جائزة، بل كانت رسالة وخطابا، كانت اعترافا بأدبِ مَن يقبع ظلمًا وقهرًا خلف القضبان، وإيمانا بنضالِ شعب خانه الأقربون قبل الغرباء. هذه كلمة أردتُها على الحساب قبل أن أقرأ الكتاب في شأن فوز الأسير الفلسطيني بجائزة البوكر للرواية العربيّة.

وأعود إلى أصل مقالتي حول يُتم الروائيين العرب، وقصدي من العبارة، أنّ حالةً من عدم الرعاية والعناية بالروائيين العرب تجعل الجيّد منهم يشعر بِيُتم واغتراب، فقد مضى عهدٌ من الزمان، كان الأدباءُ والفنّانون والمثقّفون والصحفيّون والمسرحيّون والسينمائيّون وغيرهم من أهل الفكر والفنّ يتواجدون (أقصد تفاعل الوجْد) ويتواصلون ويتحدّثون ويتبادلون الأفكار والآراء.

ما صرناه اليوم هو أنّ الروائيّ الذي يحتاج إلى صخب الواقع أصبح يعيش بمنأى عن الفضاء الذي منه يتغذّى، تقلّ تدريجيّا العلائق بين المسرحيين والروائيين، بين الموسيقيين والروائيين، تقلّ صلات الفنّانين، والأدهى من ذلك، وهو قصدي من هذا المقال، هو الطلاق البائن بين النقد والرواية، الطلاق بين الرعاية النقديّة والتعهّد العالم بالرواية وعالم التخييل.

قد يبدو كلامي سائبا في ظِلّ وفرة النقد الروائيّ وسيْله، غير أنّه نقد في الغالب الأعمّ منه كأُفٍّ، هو محض ممارسة طفوليّة انطوائيّة انطباعية انفعالية تقوم بها كائنات ورقيّة، تجعلها هبّات العلم الرقيقة تسقط متداعية.

لقد انتبهت وأنا أقرأ كتابا بعنوان «ورد ورماد» جمع رسائل متبادلة بين الكبيرين المغربيين الروائي محمد شكري والناقد والمبدع محمّد برّادة إلى هذه العناية الفائقة التي يخصّ بها الناقدُ الأديب، ويخصّ بها -تبادلا- الأديبُ الناقدَ.

فلقد أبدت الرسائل حوارًا قائمًا لسنوات بين المبدعيْن، من بدايتهما إلى بلوغهما مراتب عالية في الأدب والنقد.

كان محمد شكري في بداياته يعيش فاقةً وحاجةً ونقمةً على الوجود، وكان برّادة في بداياته يعيش رفضا ورغبة في تحقيق الأفضل، وكان الحوار الجامع بينهما مُظهر عدميّة محمد شكري وإيجابيّة برّادة، حتّى بلغا خطّا مشتركا تحقّق فيه برّادة الناقد الحصيف الواعي، المُدرك لهمّ الروائيّ، وتحقّق فيه الروائيّ العدمي الذي كان في أمسّ الحاجة إلى عقل يُؤطّر «شطارته».

لقد كان محمد شكري -على طريقته في الإفصاح عمّا يراه ويشعره- واضحا بيّنا، فإضافة إلى اختياره حياة الهامشيين، فقد كانت هنالك حياة أخرى لمحمد شكري أدركها بفطنته محمد برادة وحاول استخراجها من باطن الأديب، هذه الحياة هي روح الفنّان الذي يُترجم عن الإسبانية والفرنسية، هي روح الفنّان التي تكتب السيَر، هي روح الفنّان التي تُوجِد أواصر صلةٍ مع الأرواح الشبيهة، ومن هذا المنطلق فقد كان هنالك في حياة الروائي السير ذاتي محمد شكري فضاءٌ من الفوضى ورعايةٌ من نقّاد آمنوا به وكان لهم قسط وفير في صدور أعماله، وكان هناك أيضا فضاءٌ من التعجيز والتقزيم، عبّر عنه في رسالة من رسائله بقوله: كدت أنسى أن أخبرك أيضا عن المقال الذي كتبه الطاهر بنجلون في «لومند» عن الحياة الثقافية في المغرب. إنّه يجهل الأدب المغربي المكتوب بالعربيّة، قال عنّي مثلا: شكري روى حياته لبول بوولز! وإنّني مجرّد «حكواتي»، كتبت توضيحا قصيرا في الموضوع وأرسلته إلى «المحرر» لكنهم لم ينشروه. لا أعرف ردّ محمد شكري على الأديب الروائي الطاهر بنجلون، ولكن ما الضرر أن يروي شكري حياته لبول وولز، والروائي يجب أن يكون حاملا لروح الحكواتي.

هذا جانبٌ من الألم في صلات النُظراء والأشباه، وأمّا الجانب الأنجع والأنجح فهو الصلة مع المختلفين، صلةُ شكري ببول بوولز الكاتب الأمريكي الذي قضّى أكثر من نصف قرن من حياته مقيما في طنجة، هي صلةٌ تُظهر منزلته ومكانته التي عبّر عنها بكتاب جميل أظهر هذه الصلة وكشف جوانب من حياة الأديب الأمريكي، وقد حمل الكتاب عنوانا «بول وولز وعزلة طنجة».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محمد شکری ة التی لأن ها

إقرأ أيضاً:

حملة تطوعية لتشجير البصرة وضفافها

بقلم: كمال فتاح حيدر ..

انطلقت هذه الحملة الوطنية منذ عام 2023 تحت شعار (من أجل بصرة خضراء) بجهود تطوعية من لتحسين الواقع البيئي في البصرة. .
وقد انفرد المهندس الزراعي الاقدم (محمد فالح شبيب البيضاني) بقيادتها وتوجيهها في حدود إمكاناته المتواضعة، وبمشاركة مجتمعية مخلصة، فنجح مع فريقه في زراعة آلاف الأشجار في الساحات والشوارع العامة، وفي الأحياء السكنية، وداخل المؤسسات العلمية والتربوية (بضمنها رياض الأطفال حتى الجامعات)، وفي دور العبادة ودوائر الدولة المدنية والعسكرية. .
شملت حملتهم التطوعية توزيع بذور الأشجار المحلية، والبذور المقاومة للظروف المناخية القاسية (مجاناً داخل البصرة، وبعض المحافظات الأخرى)، وذلك في إطار نشر ثقافة التشجير والوعي البيئي. .
نذكر أيضاً ان الحملة توجهت نحو تعزيز الغطاء النباتي الساحلي، اعتمادا على غرس شجيرات المانگروف (Mangrove) على سواحل دلتا شط العرب في مدينة الفاو، لأهميتها البيئية والاقتصادية العالية، ودورها في حماية السواحل، وتحسين جودة المياه، ومكافحة التغير المناخي، وإضفاء الطابع الجمالي على سواحلنا البحرية. .
وقد تكللت جهودهم، بغرس شجيرات المانگروف في المواقع التالية:

سواحل رأس البيشة (السيطرة البحرية). ⁠سواحل رأس البيشة (المخفر الحدودي). ⁠سواحل حوز العشار (أحد فروع شط العرب). ⁠سواحل ناحية الخليج (منتزه الفاو السياحي).
ولا تزال الحملة مستمرة في التوسع باتجاه سواحل مصب شط العرب في حوض الخليج العربي، وتسعى لدعم النظام البيئي الساحلي وتعزيز استدامته. وهي بطبيعة الحال حملة تطوعية شعبية غير حكومية، لكنهم يتطلعون إلى تثبيت هذه النشاطات ضمن المشروع الوطني لزراعة المانگروف على السواحل العراقية، بإشراف مديرية البيئة في البصرة، ويتطلعون للتعاون مع المؤسسات المعنية، وذلك لما يحمله مشروعهم من فوائد لا تحصى على المدى البيئي والاقتصادي. .
من هنا نهيب بالجهات المعنية تقديم الدعم والعون لهذه المجموعة التي عملت ومازالت تعمل مجانا بلا مقابل. ينبغي على اقل تقدير تخصيص سيارة او سيارات لنقلهم وتخفيف الأعباء عليهم. وتوفير مستلزمات الدعم والإسناد على قدر المستطاع. . د. كمال فتاح حيدر

مقالات مشابهة

  • المقاولون العرب يصطدم بوادي دجلة وكهرباء الإسماعيلية يواجه الداخلية بدوري المحترفين
  • حملة تطوعية لتشجير البصرة وضفافها
  • (صدق أو لا تصدق)…!
  • 100 عام من مهاتير محمد صاحب نهضة ماليزيا الذي لم يفلت من قسوة التاريخ
  • الروائي "غيث حمور" يشارك في معرض مسقط الدولي للكتاب ويوقّع "فولار وعصا غليظة"
  • مصدر بالزمالك يكشف حقيقة التفاوض مع محمد عبد المنعم
  • إسلام شكري : بيراميدز اعتاد اللعب أمام الفرق الجماهيرية |فيديو
  • ما التحديّات التي تنتظر البابا الجديد؟
  • السور العربي الواقي!
  • “جلسات ثنايا” تجمع فنان العرب محمد عبده في أمسية طربية خلابة بالعلا