شهدت الهواتف المحمولة العديد من القفزات التقنية في السنوات الماضية، بداية من الاعتماد على معالجات أكثر قوة وقدرة على تنفيذ العمليات بشكل أسهل وأسرع كثيرا عن الماضي وحتى تطور عدسات الكاميرا وتقنيات التقاط الصور بها.

ورغم التطور الكبير الحادث في تقنيات الهواتف والذي شمل جميع جوانبها تقريبا لدرجة أن الهواتف المحمولة التي نمتلكها اليوم لا تشبه تلك التي استخدمناها منذ 10 سنوات، إلا أن هناك جانبا واحدا ظل متشابها بين هواتف الأمس واليوم، إذ تُركت البطاريات خارج سباق التطور ولم تحصل على تحديثات تواكب بقية مكونات الهاتف.

تقنية تستخدم لأكثر من 30 عاما

تنتمي بطاريات الهواتف الذكية في عصرنا الحالي إلى فئة بطاريات أيونات الليثيوم، وذلك نسبة إلى المواد الكيميائية السائلة الموجودة بها، ورغم غرابة هذا المفهوم، إلا أن بطاريات الهواتف تضم مكونات كيميائية سائلة تتيح لأيونات الليثيوم التحرك بين أقطاب البطارية من أجل توليد الطاقة ونقلها بين القطبين.

في الواقع، لا تستخدم بطاريات أيونات الليثيوم في الهواتف المحمولة فقط، بل يتسع مدى استخدامها ليشمل جميع الأجهزة المحمولة أو المتحركة التي تحتاج إلى الطاقة بداية من الساعات الذكية والسماعات اللاسلكية وحتى بطاريات السيارات الكهربائية ذات المدى الواسع، وذلك مع اختلاف حجم البطارية.

يمكن تتبع اللحظات الأولى لظهور بطاريات أيونات الليثيوم إلى عام 1970، عندما استطاع العالم الكيميائي جون جوديناف تحسين النموذج الأولي لبطاريات الليثيوم وجعلها مستقرة؛ ممهدا الطريق لاستخدامها بشكل تجاري حول العالم، ومن الجدير بذكره أن جوديناف حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2019 لتطويره هذه التقنية الثورية ليصبح أكبر فائز بجائزة نوبل في التاريخ، وذلك قبل أن توافيه المنيّة عن عمر يناهز 100 عام في يناير/كانون الثاني 2023.

ورغم أن الابتكار العلمي وراء بطاريات الليثيوم كان في عام 1970، إلا أن استخدامها التجاري تأخر حتى عام 1991، عندما استطاعت شركة “سوني” اليابانية بالتعاون مع شركة “يوشينو” تطوير النماذج الأولى لهذه البطاريات وإتاحتها بشكل تجاري حتى تتمكن جميع الشركات من استخدامها والاستفادة منها.

بالطبع، خلال تلك الأعوام شهدت بطاريات الليثيوم عدة تحسينات من أجل خفض حجمها ووزنها حتى يصبح من الممكن استخدامها بسهولة في الأجهزة الصغيرة مثل الساعات الذكية والسماعات الذكية وجعلها أكثر استقرارا لتحمل الصدمات وحالات الاستخدام السيئ، ولكنها في النهاية ظلت كما هي، تعتمد على سائل بداخلها من أجل نقل أيونات الليثيوم بين قطبي البطارية.

بزوغ الحاجة لتقنية بطاريات جديدة

استطاعت بطاريات الليثيوم حتى يومنا هذا تلبية متطلبات القطاعات التقنية المختلفة بداية من الهواتف المحمولة والحواسيب المحمولة وحتى السيارات الكهربائية التي تسير لمئات الكيلومترات بشكل جيد حتى السنوات الماضية، ولكن مع تسارع التطور التقني في العديد من القطاعات، تزايدت المخاوف من عجز بطاريات الليثيوم على تلبية المتطلبات.

وكان الفضل في كشف قصور أداء بطاريات الليثيوم يعود للسيارات الكهربائية، إذ بزغت الحاجة إلى بطاريات قادرة على تزويد مكونات السيارة بالطاقة لفترة طويلة ومسافات كبيرة بدون النظر إلى حجم البطارية، كون السيارة تضم العديد من الأماكن التي تسع حمل بطاريات كبيرة.

ورغم إهمال عامل الحجم، عجزت بطاريات الليثيوم عن تلبية احتياجات السيارات الكهربائية، وتركت المصنعين عاجزين عن زيادة مدى السيارات الكهربائية بشكل واسع يلبي احتياجات المستخدمين ووصمت هذا القطاع بالتلف السريع في البطاريات وخطر الانفجار في أي وقت.

ولم يختلف الأمر كثيرا في قطاع الهواتف الذكية والمنتجات التقنية بشكل عام، إذ مثلت البطاريات واستهلاك الطاقة حاجزا يمنع الشركات من إضافة المزيد من المزايا إلى منتجاتها خوفا من استهلاك البطارية السريع، إذ كلما زادت المزايا في الهاتف، أصبح استهلاك البطارية أسرع.

ومن أجل التغلب على قصور أداء بطاريات الليثيوم، أوجد المصنعون حلولا عديدة مبتكرة، بداية من استخدام البطاريات الخارجية وما تعرف اصطلاحا بـ”بنوك الطاقة” (Powerbank)، وحتى تقديم حلول شحن سريع وشحن لاسلكي يجعل المستخدم يشحن هاتفه بدون الشعور بوجود أي قصور واضح في الاستخدام.

وبالطبع، لا يجب أن نهمل حالات الانفجار والتلف التي تحدث لبطاريات الليثيوم في حال استخدامها بشكل خاطئ، إذ تظل في النهاية سائلا كيميائيا مضغوطا في مساحة صغيرة يتعرض لتيارات كهربائية ودرجات حرارة مرتفعة.

ظهور بطاريات الحالة الصلبة

انتشر في الآونة الأخيرة مفهوم بطاريات الحالة الصلبة بعد أن أعلنت “تويوتا” عن صفقة مع شركة تطوير بطاريات الحالة الصلبة وكيف تنوي استخدامها في جميع سياراتها الكهربائية المسبقة، كما لحقتها “بي إم دبليو” بعد استحواذها على شركة “سولد باور” (Solid Power) التي تعمل في القطاع ذاته ونيتها إطلاق 800 ألف سيارة تعتمد على هذه التقنية بحلول عام 2028، كما أن “سامسونج” أعلنت نيتها استخدام التقنية ذاتها في الهواتف والمنتجات المستقبلية الخاصة بها.

ورغم الصعود المفاجئ لهذا المفهوم، إلا أن التقنية التي تعتمد عليها بطاريات الحالة الصلبة ليست حديثة العهد، بل كانت موجودة منذ مطلع القرن الـ19 على يد مايكل فاراداي الذي قدم التقنية للمرة الأولى في صورتها البدائية.

من ناحية طريقة العمل، فإن بطاريات الحالة الصلبة لا تختلف كثيرا عن بطاريات الليثيوم، إذ تستند على الفكرة العلمية ذاتها بوجود أقطاب مختلفة الشحنة يتم فصلها عن بعضها البعض مع وجود مادة موصلة تعمل على نقل الشحنة بين القطبين.

الاختلاف الأبرز يكمن في حالة المادة الفاصلة بين القطبين، إذ تعتمد بطاريات أيونات الليثيوم على سائل الليثيوم لنقل الشحنة، بينما تعتمد بطاريات الحالة الصلبة على الليثيوم في حالته الصلبة، وهو ما يتيح للبطارية أن تحمل كثافة أعلى من الشحنة الكهربائية.

وبفضل التحول إلى الحالة الصلبة، فإن المخاطر الممزوجة مع بطاريات أيونات الليثيوم السائلة تقل تماما، إذ تظل أيونات الليثيوم الصلبة ثابتة في مختلف أوضاع الاستخدام، ومع غياب مخاطر الانفجارات أو الاحتراق، فإن الحاجة إلى أنظمة تبريد متطورة وحماية للبطارية تصبح أقل.

ناهيك عن أن بطاريات الحالة الصلبة قادرة على حمل الشحن الكهربائية بداخلها لفترة أطول وتخزين شحنات كهربائية أعلى من بطاريات أيونات الليثيوم السائلة، وهو ما ينتج عنه بطاريات ذات سعات أكبر دون الحاجة لزيادة حجم البطارية.

فوائد جمة

الانتقال لاستخدام بطاريات الحالة الصلبة يعود بالنفع على مختلف القطاعات التي تحتاج إلى البطاريات، بداية من الهواتف المحمولة، التي يصبح صانعوها قادرين على إضافة العديد من المزايا في الهاتف بدون الخوف من البطارية.

إذ يستطيع المصنعون استخدام الفائض في الطاقة الكهربائية الموجود في بطاريات الحالة الصلبة في عدّة جوانب أبسطها جعل مدة استخدام الهاتف أطول وتقديم شاشات ذات سطوع أعلى مع معدلات تحديث أعلى، وهما من المزايا التي تقضي على عمر بطارية الهاتف.

كما يمكن خفض حجم ووزن البطاريات بشكل كبير، وهو ما يتيح حرية إضافية للشركات المصنعة في تصميم الهاتف، لذلك قد نرى هواتف أصغر في حجم الهيكل أو أخف وزنا وأنحف من الوضع الحالي، ناهيك عن الاستخدامات العديدة في قطاع الساعات الذكية والأجهزة القابلة للارتداء بشكل عام.

وأما في قطاع السيارات، فإن هذا يعني بطاريات ذات مدى أكبر وخطورة أقل، إذ تنخفض مخاطر الانفجارات والحرائق التي تعاني منها السيارات الكهربائية، كما يمكن خفض حجم البطارية دون التأثير على مداها، وهو ما يمهد الطريق أمام سيارات كهربائية أكثر قوة وسرعة.

وفي الوقت الحالي، تعمل عدة شركات على تطوير بطاريات الحالة الصلبة آملة في تحقيق السبق في هذا القطاع، ولكن حتى الآن، لم تستطع أيّ شركة تقديم قفزة حقيقية تتيح استخدام بطاريات الحالة الصلبة بشكل مكثف في أجهزتها.

إذ تظل تكلفة صنع بطاريات الحالة الصلبة مرتفعة، وهو السبب الرئيسي لعدم استخدامها بكثرة في الأجهزة التقنية، كونها تستخدم بالفعل في بعض الأجهزة الطبية باهظة الثمن، وحتى تصبح صناعتها أقل تكلفة وتقترب من بطاريات أيونات الليثيوم السائلة، فإننا قد لا نراها منتشرة.

 

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

أكثر من 300 موظف في غوغل يحتجون على بيع تقنيات ذكاء اصطناعي للاحتلال الإسرائيلي

#سواليف

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرًا مفصلًا حول احتجاج موظفي “ #ديب_مايند ” في المملكة المتحدة على #صفقات الشركة مع جهات أمنية مرتبطة بحكومة #الاحتلال الإسرائيلي.

وفقًا للتقرير، يسعى حوالي 300 موظف في “ديب مايند” بلندن للانضمام إلى نقابة عمال الاتصالات (Communication Workers Union) بهدف معارضة قرار الشركة ببيع #تقنيات #الذكاء_الاصطناعي لمجموعات أمنية مرتبطة بحكومة الاحتلال الإسرائيلي.

يأتي هذا التحرك بعد أن تخلت “ #غوغل ” في فبراير 2025 عن تعهدها السابق بعدم تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي قد تسبب ضررًا، بما في ذلك الأسلحة والمراقبة.

مقالات ذات صلة مظاهرات تضامنية مع غزة في مدن أميركية وأوروبية وإسلامية وعربية 2025/04/26

أثار قلق الموظفين تقارير إعلامية تفيد بأن “غوغل” تقدم خدمات سحابية وتقنيات ذكاء اصطناعي لوزارة حرب الاحتلال الإسرائيلي ضمن مشروع “نيمبوس” (Project Nimbus)، وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار تشترك فيه مع “أمازون”.

ويخشى الموظفون من أن تُستخدم هذه التقنيات المتقدمة في حرب الإبادة على قطاع غزة، خاصة في عمليات تحديد الأهداف العسكرية.

وأدى هذا القلق إلى استقالات بين الموظفين، حيث استقال خمسة موظفين خلال الشهرين الماضيين احتجاجًا على الصفقة. كما تم فصل بعض الموظفين في الولايات المتحدة بعد احتجاجهم على مشروع “نيمبوس”.

وتسعى حركة التنظيم النقابي للحصول على اعتراف رسمي من الشركة، وإذا لم تنجح المفاوضات، قد يُنظر في اتخاذ إجراءات إضراب. من جهتها، أكدت “غوغل” التزامها بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مشيرة إلى أن البيئة قد تغيرت منذ تعهدها في عام 2018 بعدم تطوير تقنيات أسلحة أو مراقبة.

هذا التحرك يُعد جزءًا من اتجاه أوسع لزيادة النشاط النقابي داخل قطاع التكنولوجيا، حيث يتحدى الموظفون التزامات الشركات الأخلاقية في ظل تزايد استثمارها في تقنيات الذكاء الاصطناعي.

مقالات مشابهة

  • أكثر من 300 موظف في غوغل يحتجون على بيع تقنيات ذكاء اصطناعي للاحتلال الإسرائيلي
  • جوجل تطلق برنامجًا لاستبدال بطاريات Pixel 7a المنتفخة.. متاح في هذه الدول فقط
  • الثلاثاء.. مؤتمر ثقافي بالغربية يناقش «الإبداع الأدبي بين الخيال والهوية»
  • مراد مكرم يكشف عن تجربته الفريدة بعد 24 ساعة دون هاتف محمول
  • تقنيات حديثة لتطوير العمل القضائي في أبوظبي والشارقة
  • محافظ الدقهلية: لجان المرور على مصانع تدوير المخلفات لمتابعة أداء الشركة المصرية لتدوير المخلفات
  • وزير الكهرباء يبحث مع شركة صينية تحديث الشبكات واستخدام بطاريات التخزين
  • على غرار ‏FBC‏.. تجديد حبس المتهمين بإدارة 3 ‏منصات للنصب الإلكتروني بالقاهرة
  • تجديد حبس 39 متهمًا بالنصب والاحتيال على المواطنين بالقاهرة
  • اعترافات عاطل بسرقة الهواتف المحمولة: أراقب الضحايا حتى استولى على ما أريد