الكرسي زائل والمناصب لاتدوم
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
عمر آل قايد
إنها أشبه بكرسي الحلاق تلك هي المناصب عندما يتقلدها البعض من الناس إلى حين، ثم يترجلون عنها إما قسرًا أو طواعية فليست لهم الخيرة في ذلك!.
غريبٌ أمر هذا الكرسي الدوار، فهو محط أنظار الغالبية من البشر، وشغلهم الشاغل والحلم الذي لا يفارقهم، له سحرٌ خاص، تتهافت القلوب بشكل عجيب للوصول إليه.
لائحة الكراسي قد تطول منها على سبيل المثال كرسي الوزير، والنائب، والوكيل، والأمين العام، والمدير العام، والرئيس، وحتى رئيس القسم.
والمضحك المبكي هو التنكر لماضيهم وصداقاتهم السابقة، ويستحيلون إلى مستبدين يستهويهم اعتلاء الكرسي، ومنبر الخطابة، والإعجاب إلى حدَّ الغرور والهوس بالمديح والثناء والتصفيق!
عجباً لأمر من يناقش كل شيء، ويتكلم في كل شيء، ويفهم في كل شيء، ويدعي أنه الوحيد الذي يقوم على أمور الناس، وبدونه تضيع الحقوق، وتتوقف الأرض عن الدوران، والشمس عن السطوع!؛ ثم يرتفع به غروره القاتل إلى التنكر لحاله الماضية، والاعتقاد أن الكرسي الذي يعتليه إرث له ولأولاده.
وهنا نسأل: لماذا يركب البعض منا حب الاستبداد، والغطرسة والاستكبار، كلما ترقى في سلم المناصب؟!
و في المقابل، لا نملك إلا أن نقف تقديراً وإجلالاً لهامات عظام من الرجال والنساء الذين ظلوا – رغم ترقيهم في «مدارج السالكين» إلى رحاب السلطة والمسؤولية- أوفياء لماضيهم وصداقاتهم، ومنازلهم الضيقة التي يسكنونها؛ وعائلاتهم ما زالت تسكن في القرى والجبال والقفار، ويزورونهم في كل مناسبة بمزيد من خفض الجناح، والتواضع الجم؛ رغم المنصب المرموق، وهم من خيرة أبناء هذا الوطن؛ يأكلون بالمطاعم، ويمشون في الأسواق، ويعاشرون عامة الناس؛ لم يغيرهم «الكرسي»، ولم يستبد بنفوسهم الخيِّرة حب التسلط، والرغبة في الاستبداد.
فلهؤلاء تحية وتقدير، ولمن سواهم، من المتمسكين بالكراسي الزائلة، العاضِّين عليها بالنواجذ، الظانين الخلاص فيها وبها؛ نقول: «تواضعوا، فإن الكراسي لا تدوم»!
إنّ الكرسي زائل وإن طال، وصاحبه نازل عنه وإن جلس فوقه أمداً؛ وأرجله ستغوص ذات يوم أرضاً؛ والعاقل من جعل الكرسي يطلبه، ويسعى إليه، والكيّس ينظر في من سيخلفه، لأنه في الأصل خلفٌ غيره، يصعد ثم ينزل ليترك مكانه لغيره.
*إعلامي سعودي
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: الكرسي
إقرأ أيضاً:
سجناء المُطالبات المالية
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يضم هذا الكوكب البشر ومخلوقات أخرى بعضها سخره الله تعالى لخدمة الإنسان، وإذا كان المولى عزَّ وجلَّ سخر الشجر والدواب ليكونا في خدمة الإنسان ومن أجل الإنسان، فمن باب أولى سخرنا لخدمة بعضنا البعض، وأن هذا الكوكب وهذه الحياة قائمة على هذا التسخير، وإلا لن تكون هنالك حياة إذا لم يكن كل منَّا بحاجة الآخر.
فمثلا الأعمال حتى تنجز بحاجة إلى البشر للقيام بها، وليس كل البشر بمقدورهم العمل أو خدمة ومنفعة نفسه، قس على ذلك الطفل حتى يكبر، يحتاج إلى من يخدمه ويعتني به، وينسحب ذلك على بقية المجالات الحياتية.
ولما كان الأمر كذلك، فإن من تمام الإيمان وكماله حب الخير والسعادة والهداية والصلاح لعموم البشر، والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال "لا يُؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
الحال- إذن- يقتضي أن نحب كل خير عندنا لغيرنا، وإن لم نستطع أن نجعله في مستوانا من العيش والكفاف والكفاية، لا نكون حجر عثرة في طريقه، أو نتسبب في أذيته وإلحاق الضرر به، أو نكون سيوف ذل ومهانة وقهر تغرس في خاصرته.
فمتى ما علمنا عن ذي كربة، علينا أن نسارع بفك كربته بالحال والمال والكلمة فورا، ومتى ما علمنا عن محتاج أو متعسر أو يعيش أوضاعا حياتية مأساوية وصعبه، علينا أن لا نتردد في مد يد العون له.
ومن الشهامة والنخوة والرجولة والكرم والخيرية، أن يفزع الإنسان لخدمة الآخر ونجدته وإنقاذه ومساعدته، ولو بالقليل والبسيط والمتيسر، فليس بالضرورة المساعدة بالمال إن لم يكن متوفرًا كل حين؛ بل حتى المساعدة بالكلمة الطيبة خير، والتحرك من أجل حل مشكلته وقضاء حاجته خير، فخير الناس أنفعهم للناس.
واليوم ونحن نعيش نِعمًا شتى، ينبغي ألا ننسى غيرنا من الناس، حتى المُستغني مالًا وحالًا وجاها ومنصبا، يجب أن لا ننساه من الدعاء له في ظهر الغيب بما يجعله قريبًا من الله تعالى، وبما يجعله في خيرٍ وصحة وعافية وسلامة.
والإنسان مطالب أن يستأنس بقرب الله تعالى، فليس كل ذي مال موفق لذلك، وليس كل ذي منصب ودرجة ومكانة اجتماعية وعلمية وعملية وصاحب شهادة وعلم موفق إلى ذلك.
وقيل إذا أردت أن تعرف مع الله مكانك، فانظر في ماذا أقامك وأوجدك، إذن لطالما نظرتنا يجب أن تكون نظرة رحمة للجميع، فأولئك الذين يقبعون اليوم في السجون من مسندم إلى ظفار بسبب المطالبات المالية، نقول ليس من الخير فينا والشهامة والمروءة والكرم بيننا، أن يكونوا في السجن بسبب مطالبتهم بسداد ما عليهم من ديون، وهم لا يملكون شيئًا، ولا حول ولا قوة لهم إلا بالله تعالى.
في السجون اليوم أناس كبار في السن تجاوزوا الستين سنة، وهناك الشباب ومتوسطو الأعمار، قادتهم الظروف ليكونوا في السجن بسبب مطالبات مالية مختلفة.
اليوم الذي سُرِّح من عمله وعليه قروض بنكية أو تمويل نجده بعيدًا عن أولاده وزوجته وأهله يقبع في السجن، والذي عليه إيجارات متأخرة، أو دين لأحد أو نفقة شرعية أو تنفيذ مدني أو التزام مالي أي كان ولم يستطع الوفاء به، نجده في السجن.
لقد تعودنا أن يبادر الناس واللجان والجمعيات الخيرية بفك الكُرَب في شهر رمضان، وإذا انتهى الشهر فترت الناس وضعفت الهمم، وظل من في السجن مكانه لسنوات طويلة يعاني ويتألم ويفكر في مصيره ومصير أولاده وأسرته.
إن الأمر لم يتوقف عند سجن المدين؛ بل تعدى الى ضياع أسرته وخرابها وتشردها؛ فالسجين الذي ضاع أولاده بسبب لجوء الزوجة إلى طلب الطلاق، وترك الأولاد مع أهلهم من أبيهم، أمر يحُز على النفس ويخلق أناساً ضعيفي الانتماء للأصل والفرع، وهذا الوطن لا يقوم إلا بسواعد الجميع.
لقد سمعنا وتصلنا الكثير من الاتصالات والقصص الموجعة والمؤلمة التي لا نرضاها على أنفسنا، ولا نرضاها في غيرنا من الناس، وللأسف أصبح الوضع وكأن لا حياة لمن تنادي، وكأنه إذا سلمت ناقتي ما عليَّ من ناقة رفاقي.
إن الله تعالى يقول "وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ".. فيا أصحاب المال والجاه والمنصب والكلمة والقرار، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
ابحثوا للناس عن حلول غير الزج بهم في السجن، وجدوا لهم مخارج غير السجن، ضعوا أنفسكم في مكانهم لو جار عليك الزمان ودارت عليك الدوائر، أو على أولادك ورميت في السجن لأي سبب أو آخر.
من هذا المنبر ندعو إلى إنشاء هيئة أو لجنة وطنية مهمتها إبعاد الناس عن دخول السجن من خلال ابتكار حلول عملية، واتخاذ خطوات فعَّالة لحفظ كرامة المواطن والحيلولة دون دخوله السجن بسبب المطالبات المالية.
اجلسوا على طاوله واحدة واطرحوا الآراء والحلول، واستنبطوا الأفكار حتى تصلوا للحل، ومتى عُقدت النية، تأكدوا أن الله تعالى سيلهمكم الصواب، وسيكون التوفيق حليفكم لا محالة، وتذكروا أن الرحمة فوق القانون.