كيفية الإجابة على سؤال: أين الله؟ دار الإفتاء ترد
تاريخ النشر: 1st, May 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (كيف يكون الجواب على سؤال: أين الله؟ وما الفهم الصحيح للنصوص الشرعية الوارد في هذا الشأن؟
وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، إنه إنْ قُصد بهذا السؤال طلب معرفة الجهة والمكان لذات الله تعالى بما تقتضي إجابته إثبات الجهة والمكان لله سبحانه فإنه لا يصحُّ؛ إذ لا يليق بالله أن يُسأَل عنه بـ "أين" بهذا المعنى؛ لأن الجهة والمكان من الأشياء النسبية الحادثة، بمعنى أننا حتى نصف شيئًا بجهة معينة يقتضي أن تكون هذه الجهة بالنسبة إلى شيء آخر، فإذا قلنا مثلًا: السماء في جهة الفوق، فستكون جهة الفوقية بالنسبة للبشر، وجهة السفل بالنسبة للسماء التي تعلوها وهكذا، وما دام أن الجهة نسبية وحادثة فهي لا تليق بالإله الخالق سبحانه وتعالى.
وذكرت دار الإفتاء، أن من ثوابت عقيدتنا أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا يحدّه زمان؛ لأن المكان والزمان مخلوقان، وتعالى الله سبحانه أن يحيط به شيء من خلقه، بل هو خالق كلِّ شيء، وهو المحيط بكل شيء، وهذا الاعتقاد متفق عليه بين المسلمين لا يُنكره منهم مُنكِرٌ، وقد عبَّر عن ذلك أهل العلم بقولهم: "كان الله ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان؛ لم يتغير عما كان".
وقد تواردت عبارات السلف الصالح التي تُقرر ذلك المعنى:
يقول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه: "مَنْ زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك؛ إذ لو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان على شيء لكان محمولًا، ولو كان من شيء لكان مُحْدَثًا" اهـ. يُنظر: "الرسالة القشيرية" (1/ 29، ط. دار المعارف بالقاهرة).
وقيل ليحيى بن معاذ الرازي: "أَخْبِرْنا عن الله عزَّ وجلَّ، فقال: إلهٌ واحدٌ، فقيل له: كيف هو؟ قال: ملكٌ قادرٌ، فقيل له: أين هو؟ فقال: بالمرصاد، فقال السائل: لم أسألك عن هذا؟ فقال: ما كان غير هذا كان صفة المخلوق، فأما صفته فما أخبرت عنه" اهـ. يُنظر: "الرسالة القشيرية" (1/ 28).
وسُئِل ذو النون المصري رضي الله عنه عن قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، فقال: "أثبت ذاته ونفى مكانه؛ فهو موجود بذاته والأشياء بحكمته كما شاء" اهـ. يُنظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للإمام السبكي (9/ 42، ط. دار هجر).
والمسألة هنا هي في فهم اللغة، والقرآن نزل بلغة العرب، والعربي عندما يسمع وصف الله تعالى بأنه ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ فإنه يفهم منه أنه سبحانه وتعالى قَهَر كلَّ شيء، وأن كل المخلوقات تحت سلطانه وقدرته؛ لأنه إذا كان العرش مقهورًا تحت قدرته وهو أعظم المخلوقات فغيره من المخلوقات من باب أولى؛ يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب" (22/ 9-10، ط. دار إحياء التراث العربي-بيروت): [لما خاطبنا الله تعالى بلسان العرب وجب أنه لا يريد باللفظ إلا موضوعه في لسان العرب، وإذا كان لا معنى للاستواء في اللغة إلا الاستقرار والاستيلاء، وقد تعذّر حمله على الاستقرار، فوجب حمله على الاستيلاء، وإلا لزم تعطيل اللفظ، وهذا غير جائز، ولما قامت الدلالة العقلية على امتناع الاستقرار، ودل ظاهر لفظ "الاستواء" على معنى الاستقرار، فليس أمامنا إلا أربعة مسالك؛ إما أن نعمل بكلِّ واحدٍ من الدليلين، وإما أن نتركهما معًا، وإما أن نرجح النقل على العقل، وإما أن نرجح العقل ونؤول النقل.
والأول: باطل، وإلا لزم أن يكون الشيء الواحد منزَّهًا عن المكان وحاصلًا في المكان؛ وهو محال.
والثاني: أيضًا محال؛ لأنه يلزم رفع النقيضين معًا وهو باطل.
والثالث: باطل؛ لأن العقل أصل النقل فإنه ما لم يثبت بالدلائل العقلية وجود الصانع وعلمه وقدرته وبعثته للرسل لم يثبت النقل، فالقدح في العقل يقتضي القدح في العقل والنقل معًا، فلم يبق إلا الرابع، وهو أن نقطع بصحة العقل ونشتغل بتأويل النقل، وهذا برهان قاطع في المقصود.
والقانون: أنه يجب حمل كل لفظ ورد في القرآن على حقيقته إلا إذا قامت دلالة عقلية قطعية توجب الانصراف عنه، وليت مَن لم يعرف شيئًا لم يخض فيه] اهـ بتصرف.
ورحم الله تعالى حجة الإسلام الإمام الغزالي حيث قال في "المستصفى" (ص: 18، ط. دار الكتب العلمية): [اعلم أن كل مَن طلب المعاني من الألفاظ ضاع وهلك، وكان كمن استدبر المغرب وهو يطلبه، ومن قرر المعاني أولًا في عقله ثم أتبع المعاني الألفاظ فقد اهتدى] اهـ.
وعليه: يكون ما ورد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على علو الله عز وجل على خلقه مرادًا بها علو المكانة والشرف والهيمنة والقهر؛ لأنه تعالى منزَّهٌ عن مشابهة المخلوقين، وليست صفاته كصفاتهم، وليس في صفة الخالق سبحانه ما يتعلق بصفة المخلوق من النقص، بل له جل وعلا من الصفات كمالُها ومن الأسماء حُسْنَاها، وكل ما خطر ببالك فالله تعالى خلاف ذلك، والعجز عن درك الإدراكِ إدراكُ، والبحث في كنه ذات الرب إشراكُ، فسبحان مَن لم يجعل للخلق سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء أين الله السلف الصالح دار الإفتاء الله تعالى
إقرأ أيضاً:
عمرو الورداني: الحجاب فريضة وخلعه ليس معناه أن المرأة بلا أخلاق وليس نهاية دينها
تلقى الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية سؤالًا تقول صاحبته: «بنتي خلعت الحجاب وأنا حزينة جدًا، فكيف أتعامل معها ؟.
وأجاب"الورداني" فى تصريح تليفزيونى له عن السؤال قائلا: إن ابنتك مسؤولة عن علاقتها مع الله، ويجب عدم تهديدها، بل عليك تذكيرها بهذه العلاقة، وأنها مسؤولة وسوف تقف أمام الله وحدها.
ولفت الى أن الحجاب بلا شك فريضة مثل باقي الفرائض، قد كرم الله به المرأة، ولكنه ليس مرتبطًا بأخلاق الناس، وتبع قائلا: «لازم الابنة تكون عارفة إنها تركت فريضة، ولكن هذا ليس نهاية دينها».
وبين أن خلع المرأة الحجاب ليس معناه أنها بلا دين أو أخلاق «فهذا كلام فارغ وفاسد ومحدش يقوله لأولاده».
قالت دار الإفتاء المصرية، إن ما يقال على المرأة التي تلبس الحجاب في الصلاة فقط ، هو يقال على المرأة التي تتحجب في رمضان ثم تترك الحجاب بعد انتهاء شهر الصيام، منوهة بأنه ينبغي على المرأة المسلمة أن تلتزم بـ الحجاب الشرعي في رمضان وغير رمضان، وهو ما كان ساترًا لكل جسدها عدا وجهها وكفيها، بحيث لا يكشف ولا يصف ولا يشف عما تحته ولا يكون لافتًا للأنظار مثيرًا للفتن والغرائز.
وأوضحت «الإفتاء»، في إجابتها عن سؤال: «ما حُكم من ارتدت الحجاب في رمضان فقط أي المرأة التي تلبس الحجاب في رمضان ثم تخلعه بعد انتهائه؟»، أن المرأة التي ترتدي الحجاب في شهر رمضان فقط، وتخلعه بعده، صيامها صحيح، كما أنها تُثاب على لبسه في رمضان، وخلعها للحجاب بمجرد انتهاء شهر رمضان المبارك، وخروجها بعد ذلك حاسرة الشعر أمام الآخرين فهو مخالفة صريحة لأمر الله سبحانه وتعالى.
واستشهدت بما قال الله تعالى في كتابه العزيز: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ» الآية 31 من سورة النور.
وأضافت أن كشف المرأة لشعر رأسها معصية من المعاصي أو ذنب من الذنوب لا تُخرجها من الدين ولا تنفي عنها وصف الإسلام، ما دامت تعتقد أن الحجاب مأمور به شرعًا، وأنها مقصرة في الاستجابة لهذا الأمر، مشيرة إلى أنه لو أصرّت المرأة على أن تخرج بدون حجاب واستمرت على ذلك، إلى أن وافاها الأجل فأمرها مفوَّض إلى الله تعالى ولا يمكن القطع بمصيرها فهو سبحانه إن شاء عفا عنها وغفر لها، وإن شاء عاقبها.
خلع الحجاب بعد رمضانوأفادت بأن الزى الشرعي للمرأة المسلمة هو أمر فرضه الله تعالى عليها، وحرم عليها أن تُظهِر ما أمرها بستره عن الرجال الأجانب، مشيرة إلى أن الزي الشرعي هو ما كان ساترًا لكل جسمها ما عدا وجهها وكفيها؛ بحيث لا يكشف ولا يصف ولا يشف.
وتابعت: والواجبات الشرعية المختلفة لا تنوب عن بعضها في الأداء؛ فمن صلى مثلًا فإن ذلك ليس مسوِّغًا له أن يترك الصوم، ومن صلت وصامت فإن ذلك لا يبرر لها ترك ارتداء الزى الشرعي، منوهة بأن المسلمة التي تصلى وتصوم ولا تلتزم بالزي الذى أمرها الله تعالى به شرعًا هي محسنةٌ بصلاتها وصيامها، ولكنها مُسيئةٌ بتركها لحجابها الواجب عليها.
ونبهت إلى أن مسألة القبول هذه أمرها إلى الله تعالى، غير أن المسلم مكلَّفٌ أن يُحسِنَ الظن بربه سبحانه حتى ولو اقترف ذنبًا أو معصية، وعليه أن يعلم أن من رحمة ربِّه سبحانه به أن جعل الحسنات يُذهِبْنَ السيئات، وليس العكس، وأن يفتح مع ربه عهدًا جديدًا يتوب فيه من ذنوبه.
واستطردت : ويجعل شهر رمضان منطَلَقًا للأعمال الصالحات التي تسلك به الطريق إلى الله تعالى، وتجعله في محل رضاه. وعلى المسلمة التي أكرمها الله تعالى بطاعته والالتزام بالصلاة والصيام في شهر رمضان أن تشكر ربها على ذلك بأداء الواجبات التي قصَّرَت فيها؛ فإنَّ من علامة قبول الحسنة التوفيقَ إلى الحسنة بعدها.
نصيحة لمن تترك الحجاب بعد الالتزام به في رمضانوأردفت " الإفتاء " قائلة لمن تترك الحجاب بعد الالتزام به في رمضان
إن الحجاب الذي هو غطاء شعر المرأة واجبٌ في رمضان وغير رمضان، وكان المتوقع أن تستوحيَ من روح رمضان ما يشجعها على الاستمرار فيه والتمسك به؛ إرضاءً لله عز وجل، وتنفيذًا لأوامره، ومحاربةً لرغبات النفس الأمارة بالسوء وإيحاءات الشيطان وتضليلاته، ولعلها تفيد من أنوار هذا الشهر الكريم ما يدفعها إلى الالتزام بما شرعه الله في هذا الأمر.