بريطانيا في السودان: القاتل الصامت
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
(1)
عند تحليل الموقف البريطاني من الحرب الجارية في السودان وآخرها التأثير البريطاني مساء الاثنين (29 نيسان/ أبريل 2024م) وتغيير أجندة جلسة شكوى السودان ضد الإمارات إلى جلسة تشاور عن مدينة الفاشر، وبالتالي استبعاد حضور مندوب السودان، ولفهم الموقف بصورة عميقة لا بد من الوقوف والإشارة إلى عدة نقاط ومحطات لأنها تعطي صورة مكملة للمشهد:
- بحث بريطانيا عن دور في الساحة الدولية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتركيز جهودها على المستعمرات السابقة، ومناطق قلة الاستقطاب مع القوتين الكبيرتين (أمريكا وروسيا) وتجنب حساسية فرنسا، ولذلك انصب تركيزها على السودان، وهي محاولة للعودة للساحة الدولية كقوة فاعلة.
- والنقطة الثانية هي تحالف المال مع السلطة، ومن ناحيتين، منها قوة تأثير رجال الأعمال من أصول سودانية (مو إبراهيم وأسامة داؤد وأنيس حجار) في تشكيل الموقف البريطاني وصلتهم من ناحية أخرى مع دول في المحيط الإقليمي، وكلها مخططات لتفكيك الدولة السودانية منذ العام 2018م أو ما نسميها "خارطة الطريق"، ومعروف الدور البريطاني ومساهمته فيما جرى خلال خمس سنوات (2019م- 2024م)، لدرجة دفع بريطانيا رواتب رئيس مجلس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وفريق مكتبه.
- والنقطة الثالثة هي الشعور بالإذلال والرغبة في الانتقام، فمنذ مقتل غردون باشا في 26 كانون الثاني/ يناير 1885م على يد قوات المهدية لم تتوقف مغامرات بريطانيا ضد السودان والسودانيين، ولم تكفها كل مجازرها منذ 1885م وحصار السودان برا وبحرا وحملة كتشنر، واستخدام مدافع ضد مدنيين وحرق قرى ومناطق كاملة امتدت من عكاشة في أقصى الشمال وصولا إلى القلابات في الشرق. وبدأت المعارك في 1899م واستمرت عامين وقتل في كرري وحدها أكثر من 22 ألفا، وحتى الجرحى والأسرى تم قتلهم، ونُهبت العاصمة أمدرمان، وكتب ونستون تشرشل في مذكراته كيف نفذ كتشنر حملة بقتل الجرحى والأسرى.. هذا تاريخ قديم.. ودون أن ننسى فترة الاستعمار حتى 1955م، وفظائعها..
ومع مواقف نادرة للسلطات البريطانية أوائل حكم عبود (1958م-1964م)، فإن المواقف البريطانية عدائية ضد السودان مما أدى لطرد السفير البريطاني في حزيران/ يونيو عام 1995م، ومرة أخرى 2021م. وكان مصدر في مجلس السيادة الانتقالي قد كشف لوسائل إعلام سودانية أنهم طلبوا من د. حمدوك 3 مرات طرد السفير البريطاني ولكنه لم يستجب..
وهناك أسباب جوهرية تؤثر على قرار د. عبد الله حمدوك، فقد غادر إثيوبيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2018م إلى العاصمة لندن وبقي هناك لأكثر من شهرين، كانت تلك مرحلة تشكيل مجموعات الضغط الخارجي وتقوية التأثير البريطاني على مسار الأحداث في السودان، وخاصة بعد تسرب لقاء رجال أعمال سودانيين بريطانيين مع حمدوك في أديس أبابا وبصحبتهم الفريق أول صلاح قوش والذي أصبح دوره مؤثرا فيما جرى 11 نيسان/ أبريل 2019م..
(2)
لم تلتزم السلطات البريطانية بالدعوة لإيقاف الحرب، بل سعت في منابر دولية وإقليمية إلى تعزيز موقف مليشيا الدعم السريع، سواء كان ذلك في ابتدار مشروعات قرارات أو إفشال أخرى، أو دورها في منظمات حقوق الإنسان أو استضافتها لاجتماعات وناشطين من دعاة الحرب
في أيار/ مايو 2023م، وبعد اندلاع الحرب بأيام، فوجئ أعضاء مجلس النواب البريطاني بتحليل وقراءة متكاملة للمشهد أعدته جهة ما، وهو مشروع يعبر تماما عن وجهة نظر مليشيا الدعم السريع.. تلك كانت صورة لحجم تأثير أطراف "ما" على القرار البريطاني الرسمي والذي شعر بالغبن من مواقف المجلس العسكري الانتقالي من السفير البريطاني والمشروع البريطاني ممثلا في "الاتفاق الإطاري"، ولذلك لم تلتزم السلطات البريطانية بالدعوة لإيقاف الحرب، بل سعت في منابر دولية وإقليمية إلى تعزيز موقف مليشيا الدعم السريع، سواء كان ذلك في ابتدار مشروعات قرارات أو إفشال أخرى، أو دورها في منظمات حقوق الإنسان أو استضافتها لاجتماعات وناشطين من دعاة الحرب.. بل إن خبراء أشاروا إلى وجود صواريخ أرض جو جافلين من سلاح النخبة البريطاني في أيدي قوات المليشيا وفي مناطق سكنية وأعيان مدنية، لقد أصبحت بريطانيا "القاتل الصامت في السودان"..
صمتت بريطانيا عن مقتل 15 ألف مواطن سوداني في الجنينة وعن دفن ألفي جريح وأسير في أردمتا بعد إجبارهم على حفر قبورهم، وإبادة القرى في غالب إقليم دارفور..
صمتت بريطانيا وهي تستضيف منظمات حقوق الإنسان عن جرائم تهجير 8 ملايين واحتلال منازلهم والتحصن في مراكز خدمات كالكهرباء والاتصالات والبترول، ولم تنبس بريطانيا بكلمة..
صمتت بريطانيا عن القتل والنهب والسلب في ولاية الجزيرة ومحاولة إفقار المواطنين وإخضاعهم وابتزازهم..
صمتت بريطانيا عن القتل الممنهج في جنوب كردفان وهبيلا والدبيبات لمواطنين لا تربطهم صلة بالحكم.. وصمتت بريطانيا عن أكثر الجرائم الإنسانية بشاعة (الاغتصاب تحت تهديد السلاح وأخذ السبايا وبيعهن في أسواق النخاسة)..
ومع هذا ما زالت بريطانيا مساندة للتمرد المليشي وأعوانه، فقط لأن تحت سلاح المليشيا يمكن ولادة جديدة للمشروع الإطاري وأحلام السيطرة البريطانية..
ولذلك فإن الموقف البريطاني من شكوى السودان هو امتداد طبيعي لدورها ضد أهل السودان وتطلعاتهم منذ أيام الاستعمار، وهي غيبوبة عززتها غريزة الاستعلاء البريطاني على مستعمراتها السابقة دون أن تفكر في نتائج أفعالها وقراراتها..
وهذه حقيقة لا بد أن يدركها صناع القرار في السودان والفاعلون في المشهد، ودعاة حقوق الإنسان وجماعات الضغط وأحرار العالم..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السودان بريطانيا الدعم السريع جرائم بريطانيا السودان جرائم مليشيات الدعم السريع صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حقوق الإنسان فی السودان
إقرأ أيضاً:
مجلس الأمن الدولى نادى للكلام وقِلة الأفعال
الرأى اليوم
صلاح جلال
???? لقد تابع ملايين السودانيين جلسة مجلس الأمن الدولى أمس بخيبة أمل كبيرة *كل من ينظر لمجلس الأمن الدولى ونظامه القائم يتأكد أن النظام العالمى القديم لكى يكون قادر لحفظ الأمن وتحقيق السلام بكفاءة وفاعلية يحتاج إلى إصلاح جذرى* يؤهلة ليقوم بدوره، نظام *الفيتو* المستخدم كتعبير عن توازن القوة لما بعد الحرب العالمية الثانية الذى أعطى خمسة دول منفردة حق النقض أمام إرادة دول العالم مجتمعة غير عادل وغير منصف وغير عملى ، هذا النظام قد إنتهت صلاحيته وأصبح عبأ على مهام وواجبات مجلس الأمن الدولى فقد صار نادى للكلام
ومنبر للمساومات على حساب القضايا والحقوق يسقط الضحايا Fail الذين ينتظرون الدعم والسند منه ، فهو تعبير واضح عن أزمة النظام العالمى القديم ، أصبح كالبطة العرجاء لايتخذ قرارات حاسمة فى صميم واجباته *ولامقدرة له لإستخدام القوة الجبرية لضبط الإجرام الدولى* ، فأصبح مرتكبى المخالفات التى تهدد الشعوب والسلم والأمن الدوليين متحالفين مع واقع العجز فى مجلس الأمن الدولى ، فهو كالبطة العرجاء تزحف على بطنها حين يحتاجها الواقع أن تكون فى سرعة البرق وحِدة السيف ، المنتظر من مجلس الأمن الدولى علاج أزمة كالمنتظر للمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى ، طالما الفيتو فى يد دولة شمولية مثل جمهورية روسيا الإتحادية التى لا تعنيها مسئولية حماية المدنيين ، ولا مفاهيم حقوق الإنسان ، دولة ونظام حكم من الماضى البعيد فى عصر الشعوب وإحترام حق الحياة والعيش الكريم .
(٢)
???? لقد دعت الولايات المتحدة الأمريكية لجلسة خاصة لمجلس الأمن الدولى على مستوى وزراء الخارجية
ترأس الجلسة وزير الخارجية الأمريكية أنتونى بلينكن
وخاطبتها ممثلة مكتب الطوارئي بالأمم المتحدة وممثلة للمجتمع المدنى وسلطان قبيلة المساليت بالسودان ، لم يأتوا بجديد يذكر فى وصف مأساة أهل السودان ، كما تمت دعوة كل من جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودولة تركيا لمخاطبة المجلس ، فقد تناول وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن فى كلمته أهمية وصول الدواء والطعام للنازحين فى الداخل ومناطق الحرب واللاجئين فى الخارج ، كما تحدث عن اهمية إجبار المتحاربين على إحترام القانون الإنسانى الدولى لحماية المدنيين أثناء الحرب
وتحدث عن ضرورة عدم الإفلات من العقاب وتناول أهمية الوصول لوقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الحرب ، ومن ثم إقامة حكومة إنتقالية يقودها المدنيين ، كلام صحيح وممتاز ولكنه وقع على أذن صماء فى مجلس عاجز عن إتخاذ القرار الحاسم والملزم
لقد أعلن وزير الخارجية الأمريكى لتأكيد جدية الولايات المتحدة فى مواجهة ازمة السودان عن زيادة مساهمة الولايات المتحدة فى العون الإنسانى بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار ، ليتجاوز ال ٢ مليار دولار خلال العشرين شهر الماضية عمر الحرب العبثية وأعلن عن تخصيص مبلغ ٣٠ مليون دولار لدعم منظمات المجتمع المدنى السودانى التى مدح دورها فى حماية المدنيين .
(٣)
???? فى مقابل الحديث الطيب والمسئول من كل ممثلى الدول المتحدثين فى مجلس الأمن عن ضرورة وقف الحرب وحماية المدنيين
جاءت كلمة ممثل دولة روسيا مخيبة للآمال
ومعبرة عن إفلاس على المسرح الدولى ومتحدية للإرادة الدولية متوعدا بقطع الطريق أمام أى قرارات من مجلس الأمن الدولى لوقف الحرب ، ووصول المعونات للضحايا وحديث بتسفيه فكرة تأسيس حكم إنتقالى فى السودان بقيادة مدنية ، وقد بنى خطابه على أساس الحفاظ على سيادة السودان ، السيادة التى لا يعلم ممثل روسيا أنها تقوم على مسئولية حماية المدنيين ، دولة عاجزة عن حماية مواطنيها لاسيادة لها لإبادتهم ، لا يعلم ممثل روسيا أن السيادة ليست وجبة مجانية Free Meal بل ترتبط بواجبات وحقوق ، المضحك المبكى أن ممثل روسيا يدافع عن سيادة السودان ، فى الوقت الذى تنتهك قواته سيادة دولة جاره له فى أوكرانيا بغزو جائر على أراضيها ، نحن بإسم الشعب السودانى نعلن عن دعمنا ومساندتنا للهجمة البربرية الروسية على اراضيه ، وفرض الحرب والتشرد عليه من دولة لا تحترم حقوق حماية المدنيين مع جيرانها وتنتهك سيادتهم وتدافع فى ذات الوقت عن سيادة دول وشعوب أخرى فى مجلس الأمن الدولى .
(٤)
???? لقد عجز مجلس الأمن الدولى فى جلسته على المستوى الوزارى أمس فى الإجابة على أسئلة الساعة التى يطرحها الشعب السودانى وهو يواجه *النزوح واللجوء والمجاعة* *والموت بالقصف* *العشوائي*
* كيف يتم إجبار طرفى الحرب للجلوس على طاولة التفاوض لوقف القتال؟
* كيف يتم التدخل لحماية المدنيين بما يضمن الإلتزام بالقانون الإنسانى الدولى ؟؟
* كيف يتم ضمان عدم الإفلات من العقاب على كل جرائم الحرب الحالية والسابقة ؟
* كيف يتمكن مجلس الأمن من وقف تدفق السلاح لطرفى الحرب ؟
* كيف سيتمكن مجلس الأمن من محاصرة آثار حرب السودان من الإنتشار فى دول الجوار ومحاصرة آثارها من لجوء وإنزلاق فى حرب إقليمية ؟
*خمسة أسئلة محورية كانت على منضدة مجلس الأمن الدولى أمس الخميس ١٩ ديسمبر فى مواجهة الأزمة السودانية ، مازالت واقفة مكانها على باب المجلس تنتظر الإجابة ياسيادة الأمين العام للأمم المتحدة .
(٥)
????????ختامة
تزامنت جلسة مجلس الأمن الدولى أمس ١٩ ديسمبر مع يوم إعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان ، الإستقلال الذى لم نتمكن من الحفاظ عليه
بإقامة دولة للعدالة والمواطنة المتساوية ، دولة قادرة على حماية مواطنيها وإحترام حقوق الإنسان ، والشعب اليوم بين
لاجئي ونازح ومحبوس كدروع بشرية تحت القصف العشوائي .
*نتطلع لعمل دولى جاد وحاسم بخصوص وقف الحرب فى السودان* بتفعيل تحالف الراغبين Alps وبتنسيق كامل مع الإتحاد الأفريقى والإتحاد الأوربى وحلف النيتو ، لفرض حظر كامل على الطيران No Fly Zone , وحظر كامل لتوريد السلاح لطرفى الحرب جواً وبحراً Arms Embargo ، هذه حلول ممكنة وأقل تكلفة ، وأكثر فاعلية لوقف جنون الحرب فى السودان ، ومواجهة نزق القادة وعدم مسئوليتهم بشكل عملى لحل الأزمة وليست إدارتها .
#لاللحرب
#لازم_تقيف
٢٠ ديسمبر ٢٠٢٤م