تعد الحركة السريالية واحدة من أبرز التيارات الفنية في القرن العشرين، ويعود ذلك لكونها ظهرت في مرحلة تاريخية اندمج فيها العلمي والسياسي والفني، فعلاوة على أنها وليدة صراعات الساحة السياسية العالمية في الفترة ما بين الحربين العالميتين تأثرت السريالية بنظريات علم النفس عن العقل الباطن واللاوعي.

فكما أن العالم يحمل الناس في داخله يحمل كل إنسان عالما كاملا في داخله في المقابل.

وعليه، تعتمد المدرسة السريالية في جوهرها على استكشاف العقل الباطن وما ينطوي عليه من أفكار لا واقعية.

أما على المستوى الزمني فقد انطلقت الحركة السريالية في فرنسا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي واحتضنت فنانين من مختلف التخصصات والمذاهب الفنية، بما في ذلك الرسم والنحت والأدب والسينما والموسيقى.

يجمع الفن السريالي الخيال والحقيقة في إطار يتحدى القواعد الثابتة والأبجديات المتفق عليها، فالهدف هو تقديم تشكيلة بصرية تعبر عن حلم أو فكرة يصعب إظهارها بأسلوب واقعي.

ويعتبر رسام السريالية أن المهمة الرئيسية لفنه هي كشف الجوانب الغامضة للحواس واللاوعي والعقل الباطن، وهذا يظهر جليا في أعمال رواد المدرسة المشهورين، مثل رينيه ماغريت، وسلفادور دالي، ومان راي، وبول ناش، وفريدا كاهلو وغيرهم.

تمثيل الذات والإدراك

على سبيل المثال، تعد لوحة "ابن الإنسان" للرسام البلجيكي رينيه ماغريت واحدة من أكثر لوحات المدرسة السريالية شهرة، وهي عبارة عن رجل يغطي وجه تفاحة ويقف أمام سور وخلفه بحر وسماء.

أثارت تلك اللوحة الغامضة العديد من الشروحات والتفسيرات منذ رسمها عام 1964، حيث يخلق ماغريت وضعا مثيرا للفضول بين الرؤية والإخفاء، كما يتحدى اختياره المتعمد لإخفاء الوجه المفاهيم التقليدية للهوية، ويدعو المشاهدين إلى التشكيك في طبيعة تمثيل الذات والإدراك.

يوظف ماغريت من أجل هذا المعنى العميق "ابن الإنسان"، وهو مسمى يطلق على السيد المسيح في الإنجيل، بالإضافة إلى التفاحة وما لها من رمزية دينية أيضا، ليشير غالبا إلى أن البشر منذ آدم وحتى الآن يضعون الثمرة المحرمة نصب أعينهم بغض النظر عن هوياتهم.

انطلقت الحركة السريالية في فرنسا في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي (شترستوك) الزمن قاحل والأرض جدباء

نرى أيضا في لوحات سلفادور دالي -وهو أحد أشهر الفنانين السرياليين- تصويرا مضمرا للجوانب اللاواعية والأحلام والرغبات المكبوتة والتي صارت سمة مميزة لأعماله، وقد نجح دالي في توظيف الأفاعي والساعات المتساقطة كرموز للوقت النسبي والرغبات المكبوتة وعدم الاستقرار المتغلغل في العقل البشري.

في لوحته "إصرار الذاكرة" -التي رسمها في عام 1931- يقدم دالي منظرا طبيعيا قاحلا وساعات تذوب وهي ملفوفة على أشياء مختلفة، بما في ذلك شجرة جدباء وشكل وجه مشوه في المقدمة، تخلق الألوان الناعمة والحالمة وضربات الفرشاة الناعمة التي استخدمها دالي جوا سرياليا آسرا ومقلقا في الوقت نفسه.

لكن واحدا من أكثر العناصر اللافتة للنظر في "إصرار الذاكرة" هو الساعات التي تذوب، أصبحت تلك الساعات رمزا شهيرا لنسبية الوقت كما قدمه ألبرت أينشتاين، وتبدو هذه الساعات وكأنها في حالة من التميع كما لو أن الوقت نفسه يذوب، هذا التمثيل غير المفهوم للوقت يتحدى فهمنا التقليدي وتصورنا للواقع.

يجمع الفن السريالي الخيال والحقيقة في إطار يتحدى القواعد الثابتة والأبجديات المتفق عليها (رويترز) السينما السريالية

تروج السينما السريالية للغموض والفزع والغرابة في آن معا، حيث يتم تصوير العالم بطريقة غير معتادة عبر تقنيات تحرير مبتكرة لتوصيل الرسائل والمشاعر بطريقة فريدة، كما تزخر الأفلام السريالية بمشاهد لا تتبع قوانين الزمان والمكان المعتادة وتعيد ترتيب السلسلة الزمنية للأحداث بشكل جنوني.

وعلى سبيل المثال لا الحصر يأخذنا فيلم "بداية" للمخرج كريستوفر نولان الصادر في عام 2010 في رحلة مثيرة إلى عالم الأحلام ويستكشف الطبقات المعقدة للعقل البشري والنفس البشرية.

نولان المعروف برواياته المعقدة وأسلوبه البصري وتلاعبه بالزمن يخلق تجربة سينمائية سريالية لا مثيل لها، حيث يجعل بطل الفيلم "دوم كوب" -وهو لص ماهر- يستخدم التكنولوجيا المتقدمة لاختراق أحلام الناس وسرقة أسرارهم.

ومع ذلك، بدلا من السرقة تم تكليف كوب بزرع فكرة في ذهن رجل أعمال مشهور، لكن سرعان ما يصبح الخط الفاصل بين الواقع والأحلام غير واضح، وينتقل المشاهدون في رحلة مليئة بالتقلبات والمنعطفات غير المتوقعة لكنها تنتهي بنجاح كوب في زرع بذرة الفكرة في عقل ذلك الرجل.

ومن خلال التقنيات المذهلة والعروض السريالية العبقرية يتحدى الفيلم تصورنا للواقع ويستكشف قوة الخيال البشري، وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على خروج الفيلم للمشاهدين لا يزال "بداية" قادرا على جذب انتباه الجماهير كواحد من أكثر الأفلام السريالية تعقيدا ومهارة في العصر الحديث.

وتعد السينما السريالية تجربة فريدة ومثيرة للمشاهد، حيث يمكن للمشاهدين دخول عالم مليء بالأحلام والرؤى الفردية، وتستطيع هذه السينما أن تربط الشاشة بالواقع وأن تحولها إلى تجربة مذهلة وملهمة، وبفضل التفاعل المستمر مع الجمهور يمكن أن تستمر السينما السريالية في إلهام العديد من الأفلام المستقبلية ورسم ملامح مستقبل السينما.

وفي النهاية، يعد الفن السريالي من الفنون الجريئة والمبتكرة التي تستكشف العقل الباطن وتتحدى القواعد المقبولة والعادية، ويسعى الفنانون السرياليون إلى توسيع تصويرهم للواقع وإظهار أشياء يصعب أحيانا تخيلها على الرغم من أنها تتحكم في حياتنا بشكل كبير مثل العقل الباطن واللاوعي.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الحروب الجديدة وتأثيرها على الشباب والأمن القومي ... ندوة بإعلام أسيوط

نظم مركز النيل للإعلام والتعليم والتدريب بأسيوط اليوم الأربعاء بالتعاون مع توجيه التربية الاجتماعية بمديرية التربية والتعليم بأسيوط ندوة بعنوان " الحروب الجديدة وتأثيرها على الشباب والأمن القومى" بمقر مدرسة الشهيد أحمد فايز الثانوية بنات بأسيوط وذلك في إطار فعاليات الحملة الإعلامية القومية للتوعية بأهمية التصدى للشائعات تحت شعار (اتحقق قبل ما تصدق ) والتي انطلقت بتوجيهات من الدكتور أحمد يحيى رئيس قطاع الإعلام الداخلي وبرعاية الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات 

استهدف اللقاء التعرف على مفهوم الحروب الجديدة وانواعها، إلقاء الضوء على تأثير الحروب الجديدة على الشباب والأمن القومى وكيفية التصدى لها.

افتتح فعاليات اللقاء سحر حسين محمد-مدير مركز النيل للإعلام بأسيوط مشيرة إلى أهمية استهداف الشباب بالتوعية بآليات وأساليب الحروب الجديدة وكيفية التعامل معها من خلال فعاليات الحملة الإعلامية القومية للتوعية بأهمية التصدي للشائعات والتي يتم تنفيذها على مستوى جميع مراكز النيل للإعلام بمحافظات جمهورية مصر العربية. 

أدارت فعاليات اللقاء فاطمة أحمد حسين اخصائي إعلام أول ومسئول البرامج بمركز النيل للإعلام بأسيوط والتي حاضر فيها الدكتور رجب الكحلاوي وكيل كلية الحقوق بجامعة أسيوط والدكتورة سحر بدر عيد مدرس بكلية التربية بجامعة أسيوط.

حيث أكدا على المحاور التالية مفهوم الحروب الجديدة أشهر أنواعها حروب الجيل الرابع وأكثرها خطورة حروب الجيل السادس، سمات وعناصر وأهداف الحروب الجديدة وأهم اساليبها وادواتها مشيراً إلى تأثير الحروب الجديدة على الشباب والأمن القومي حيث تعمل على تغييب العقل، تزييف الوعى، نشر الفتن، نزع قيم الولاء والانتماء للوطن وبالتالي تؤدى إلى نشر الفوضى وتفتيت الوحدة الوطنية.

واوضح الكحلاوى إن من أهم أسباب نجاح الحروب الجديدة فى تحقيق أهدافها اعتمادها على وسائل التواصل الاجتماعى التى تنتشر بين الشباب بشكل كبير موضحاً أن الترويج للشائعات من أبرز أدوات الحروب الجديدة ومن الضرورى عدم الانسياق وراء الشائعات، تصحيح الأخبار الكاذبة،مراعاة المصداقية والشفافية عند نشر المعلومات والبيانات لتجنب انتشار الشائعات وزعزعة الأمن المجتمعي وأخذ المعلومات من مصادر رسمية موثوق منها.

وقد أوصى الحضور بأهمية التصدى للحروب الجديدة من خلال تفعيل دور الأسرة، المؤسسات التربوية والتعليمية فى الرقابة على سلوكيات الأبناء خلال استخدامهم لوسائل التكنولوجيا الحديثة.

وقد شهد اللقاء تفاعلا ايجابيا كبيرا بين الطالبات والمحاضرين تمثل ذلك من خلال كثرة المداخلات والاستفسارات والتساؤلات التى تم الإجابة عليها بكل وضوح وشفافية. 

وشارك فى اللقاء ممثلو من القيادات التعليمية بمديرية التربية والتعليم بأسيوط، القيادات التعليمية، المعلمين، الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وطالبات مدرسة الشهيد أحمد فايز الثانوية بنات بأسيوط ووسائل الإعلام المحلى بالمحافظة.

مقالات مشابهة

  • الفيلم الفلسطيني خطوات.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحايا الحروب
  • عواقب الصدمات النفسية على ضحايا الحرب في دول الجوار
  • تشاهدون اليوم.. الأهلي يتحدى المصري في الدوري ومواجهات قوية بالدوري الإنجليزي
  • طقس المنطقة الشرقية.. "الأرصاد" ينبه من رياح شديدة على حفر الباطن
  • "الدون" يتحدى البرد القارس في فنلندا
  • طقس الشرقية.. رياح شديدة على حفر الباطن صباح الخميس
  • الحروب الجديدة وتأثيرها على الشباب والأمن القومي ... ندوة بإعلام أسيوط
  • أخبار الفن.. رد رانيا فريد شوقى على أزمة ناهد السباعى وحورية فرغلى.. عمرو سليم يتحدى العمى.. التعدى على محمود البزاوى بليلة رأس السنة
  • الحروب الجديدة وتأثيرها على الشباب فى ندوة لمركز النيل للإعلام بأسيوط
  • العدوان على الزرق – جرس الانذار المبكر.!!