تكتيكات مشابهة ومطالب تتغير.. تاريخ حافل للقاعة التي احتلها طلاب بجامعة كولومبيا
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
تحمل القاعة التي استولى عليها طلاب في جامعة كولومبيا تاريخيا طويلا من الاحتجاجات الطلابية قبل عقود مضت، واللافت أن بعضها حدث أيضا في شهر أبريل.
ويعيد الطلاب المناهضون للحرب في غزة، الذين أعلنوا سيطرتهم على مبنى قاعة هاميلتون التاريخي، الذي يعود بناؤه إلى أكثر من قرن، التذكير بوقائع سابقة.
ويبدو أن هذا الأمر لم يكن من قبيل الصدفة، فقد أعلن بعض الطلاب أنهم دروسا بالفعل التكتيكات التي قام بها زملاؤهم السابقون وتعلموا منها.
وافتتحت القاعة عام 1907، وقد سُميت على اسم ألكسندر هاميلتون، أول وزير خزانة للولايات المتحدة.
وسيطر عشرات المتظاهرين على القاعة في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء، وأغلقوا المداخل ورفعوا علما فلسطينيا من نافذتها، في أحدث تصعيد للاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، التي كانت جامعة كولومبيا مركز انطلاقها.
وبثت مقاطع لعملية السيطرة على القاعة، وحثت منشورات على صفحة إنستغرام التابعة لمنظمي الاحتجاج، في منتصف الليل، الطلاب على حماية الاعتصام والانضمام إليهم في قاعة هاميلتون.
وكانت إدارة جامعة كولومبيا قد نفذت، الاثنين، عمليات توقيف للطلاب بعد أن فشلت المفاوضات بين الجانبين، بحسب ما أفادت وسائل إعلام أميركية.
وأعلنت رئيسة الجامعة، نعمت مينوش شفيق، الاثنين، فشل المحادثات مع المحتجين لإزالة الخيام التي نصبوها في حرم الجامعة، وحثتهم على إنهاء احتجاجهم طوعا وإلا سيُفصلون من الجامعة.
وتُعتبر جامعة كولومبيا نقطة انطلاق شرارة التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في جامعات عدة في الولايات المتحدة.
ويرفض المتظاهرون إنهاء احتجاجهم قبل تلبية 3 مطالب هي سحب الاستثمارات، والشفافية في ما يتعلق بالشؤون المالية للجامعة، والعفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين خضعوا لإجراءات تأديبية بسبب دورهم في الاحتجاجات.
وأظهرت لقطات مصورة متظاهرين في الحرم الجامعي بمانهاتن داخل جامعة كولومبيا يشبكون أذرعهم أمام قاعة هاميلتون، الثلاثاء، ويحملون أثاثا وحواجز معدنية إلى القاعة.
وتكمن المفارقة في كون القاعة واحدة من بنايات عدة سيطر عليها المتظاهرون خلال الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام عام 1968 داخل الحرم الجامعي.
بل كانت "هاميلتون" تحديدا أول مبنى يسطر عليه مئات الطلاب في أبريل 1968 خلال الاحتجاجات على حرب فيتنام والعنصرية، وخطط بناء صالة للألعاب الرياضية في حديقة مورنينغسايد القريبة، التي قال شطاء إنها سيتم فصلها عنصريا.
وبعد السير إلى موقع بناء صالة الألعاب وهدم السياج الخاص بها، عاد المتظاهرون إلى الحرم الجامعي وتحصنوا داخل القاعة، مما منع العميد بالإنابة، هنري كولمان، من مغادرة مكتبه، وفق رويترز.
وبحلول صباح اليوم التالي، طلب الطلاب السود من الطلاب البيض المغادرة لضمان سماع شكاواهم المحددة.
ونقل الطلاب البيض بالفعل مظاهرتهم إلى مبان أخرى في الحرم الجامعي، وفق نيويورك تايمز.
وبعد أسبوع من السيطرة على القاعة، استدعت الجامعة الشرطة التي دخلت المبنى عبر أنفاق وأخرجت الطلاب.
وغادر الطلاب السود المتحصنين بالقاعة بسلام، واتجهوا مباشرة إلى شاحنات الشرطة التي كانت تنتظرهم، لكن الطلاب في المباني الأخرى اشتبكوا بعنف مع الشرطة، وأصيب العديد منهم بجروح، وتم اعتقال المئات، وفق الصحيفة.
ويشير أرشيف جامعة كولومبيا إلى أنه عندما دخلت الشرطة القاعة في الساعات الأولى من يوم 30 أبريل، تجنب الطلاب الاشتباك معها، وخرجوا بهدوء من المدخل الرئيسي للمبنى إلى شاحنات الشرطة الواقفة لاعتقالهم.
وخلال احتجاجات جديدة، جرت في مايو 1968، احتل حوالي 250 طالبا قاعة هاميلتون مرة أخرى، قبل أن تخرجهم الشرطة من المبنى بعد حوالي 10 ساعات.
وفي أبريل 1972، أغلق الطلاب الأبواب على أنفسهم داخل القاعة لمدة أسبوع خلال الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام..
وأخذ المتظاهرون الأثاث من الفصول الدراسية والمكاتب لاستخدامه حواجز، وأغلقوا الأبواب بالسلاسل عندما طلب منهم المسؤولون المغادرة.
وأخلت الشرطة المبنى من المتظاهرين بعد حوالي أسبوع، بدعما دخلت عبر ممر تحت الأرض.
ولم يصب أحد أو يعتقل، لكن الجامعة قررت محاكمة الطلاب بتهمة التعدي وازدراء أمر قضائي يحظر احتلال مباني الجامعة.
وفي عام 1985، أغلق متظاهرون القاعة بالسلاسل، وطالبوا الجامعة بسحب استثماراتها من الشركات التي كانت تمارس أعمالا في جنوب أفريقيا التي كانت تمارس الفصل العنصري.
وأنهى المتظاهرون، الذين أطلقوا على المبنى اسم "قاعة مانديلا"، على اسم زعيم المعارضة المسجون آنذاك، نيلسون مانديلا، مظاهراتهم في نفس اليوم الذي أمر فيه القاضي الطلاب بإزالة السلاسل والأقفال من الأبواب الأمامية للقاعة.
وفي وقت لاحق من ذلك العام، صوت مجلس أمناء جامعة كولومبيا على بيع جميع أسهم الجامعة في الشركات الأميركية التي تعمل في جنوب أفريقيا.
وفي عام 1992، حاصر الطلاب قاعة هاميلتون احتجاجا على خطط الجامعة لتحويل مسرح وقاعة أودوبون، حيث اغتيل مالكولم أكس في عام 1965، إلى مجمع أبحاث للطب الحيوي.
واستمر الحصار أقل من يوم واحد.
وفي عام 1996، قام الطلاب الذين يطالبون بإنشاء قسم للدراسات العرقية في جامعة كولومبيا بإضراب عن الطعام، واحتل حوالي 100 متظاهر قاعة هاميلتون لمدة أربعة أيام.
Seemingly forgotten in all of this is the 1996 hunger strike (14 days) and 5-day takeover of Hamilton Hall to establish Ethnic Studies at #ColumbiaUniversity .
The students won. pic.twitter.com/6amYD1BOBo
ولم تلب الجامعة طلبهم في ذلك الوقت، لكنها وافقت لأول مرة على توفير مساحة فعلية لبرامج الدراسات الآسيوية واللاتينية.
وبعد ثلاث سنوات، تم إنشاء مركز دراسات العرق.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: جامعة کولومبیا الحرم الجامعی التی کانت فی عام
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)
فبراير 20, 2025آخر تحديث: فبراير 20, 2025
محمد الربيعي
بروفسور متمرس ومستشار علمي، جامعة دبلن
في قلب ولاية كاليفورنيا المشمسة، حيث تتراقص اضواء التكنولوجيا وتتلاقى عقول المبتكرين، تقبع جامعة ستانفورد، شامخة كمنارة للعلم والمعرفة. ليست مجرد جامعة، بل هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى صرح عظيم، يضيء دروب الاجيال.
منذ سنوات خلت، تشكلت لدي قناعة راسخة بجودة جامعة ستانفورد، وذلك من خلال علاقات علمية بحثية مشتركة في مجال زراعة الخلايا. فقد لمست عن كثب تفاني علماء الجامعة وتميزهم، وشهدت انجازات علمية عظيمة تحققت بفضل هذا التعاون المثمر.
ولعل ما يزيد اعجابي بهذه الجامعة هو شعار قسم الهندسة الحيوية (الرابط المشترك بيننا) والذي يجسد رؤيتها الطموحة: “بينما نستخدم الهندسة كفرشاة، وعلم الاحياء كقماش رسم، تسعى الهندسة الحيوية في جامعة ستانفورد ليس فقط الى الفهم بل ايضا الى الابداع”. انه شعار ينم عن شغف اعضاء القسم بالابتكار وتطوير المعرفة، ويؤكد التزامهم بتجاوز حدود المالوف.
البداية: قصة حب ملهمة
تعود جذور هذه الجامعة العريقة الى قصة حب حزينة، ولكنها ملهمة. ففي عام 1885، فقد حاكم ولاية كاليفورنيا، ليلاند ستانفورد، وزوجته جين ابنهما الوحيد، ليلاند جونيور. وبدلا من الاستسلام للحزن، قررا تحويل محنتهما الى منحة، وانشا جامعة تحمل اسم ابنهما، لتكون منارة للعلم والمعرفة، ومصنعا للقادة والمبتكرين.
ستانفورد اليوم: صرح شامخ للابداع
تقف جامعة ستانفورد اليوم شامخة كواحدة من اعرق الجامعات العالمية، ومنارة ساطعة للابداع والابتكار. فهي تحتضن بين جدرانها نخبة من الاساتذة والباحثين المتميزين الذين يساهمون بشكل فعال في اثراء المعرفة الانسانية ودفع عجلة التقدم الى الامام. ولا يقتصر دور ستانفورد على تخريج العلماء والمهندسين المهرة، بل تسعى جاهدة ايضا الى تنمية مهارات ريادة الاعمال لدى طلابها، لتخريج قادة قادرين على احداث تغيير ايجابي في العالم.
ويعود الفضل في هذا التميز لعدة عوامل، لعل من ابرزها تبنيها لمفهوم الحريات الاكاديمية. وكما اجاب رئيس الجامعة على سؤال لماذا اصبحت ستانفورد جامعة من الطراز العالمي في غضون فترة قصيرة نسبيا من وجودها اجاب لان: “ستانفورد تكتنز الحرية الاكاديمية وتعتبرها روح الجامعة”. هذه الحرية الاكاديمية التي تمنح للاساتذة والباحثين والطلاب، هي التي تشجع على البحث العلمي والتفكير النقدي والتعبير عن الاراء بحرية، مما يخلق بيئة محفزة للابداع والابتكار.
من بين افذاذ ستانفورد، نذكر:
ويليام شوكلي: الفيزيائي العبقري الذي اخترع الترانزستور، تلك القطعة الصغيرة التي احدثت ثورة في عالم الالكترونيات، وجعلت الاجهزة الذكية التي نستخدمها اليوم ممكنة.
جون فون نيومان: عالم الرياضيات الفذ الذي قدم اسهامات جليلة في علوم الحاسوب، والفيزياء، والاقتصاد. لقد وضع الاسس النظرية للحوسبة الحديثة، وكان له دور كبير في تطوير القنبلة الذرية.
سالي رايد: لم تكن ستانفورد مجرد جامعة للرجال، بل كانت حاضنة للمواهب النسائية ايضا. من بين خريجاتها المتميزات، سالي رايد، اول امراة امريكية تصعد الى الفضاء، لتثبت للعالم ان المراة قادرة على تحقيق المستحيل.
سيرجي برين ولاري بيج: هذان الشابان الطموحان، التقيا في ستانفورد، ليؤسسا معا شركة كوكل، التي اصبحت محرك البحث الاكثر استخداما في العالم، وغيرت الطريقة التي نجمع بها المعلومات ونتفاعل مع العالم.
هؤلاء وغيرهم الكثير، هم نتاج عقول تفتحت في رحاب ستانفورد، وتشربت من علمها ومعرفتها، ليصبحوا قادة ومبتكرين، غيروا وجه العالم. انهم شهادة حية على ان ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي منارة للعلم والمعرفة، ومصنع للاحلام.
وادي السيلكون: قصة نجاح مشتركة
تعتبر ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيلكون، الذي اصبح مركزا عالميا للتكنولوجيا والابتكار. فقد ساهمت الجامعة في تخريج العديد من رواد الاعمال الذين اسسوا شركات تكنولوجية عملاقة، غيرت وجه العالم. كما انشات ستانفورد حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لدعم الطلاب والباحثين وتحويل افكارهم الى واقع ملموس.
ولكن، كيف اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في هذا النجاح؟
الامر لا يتعلق فقط بتخريج رواد الاعمال، بل يتعدى ذلك الى عوامل اخرى، منها:
تشجيع الابتكار وريادة الاعمال: لم تكتف ستانفورد بتدريس العلوم والتكنولوجيا، بل عملت ايضا على غرس ثقافة الابتكار وريادة الاعمال في نفوس طلابها. وشجعتهم على تحويل افكارهم الى مشاريع واقعية، وقدمت لهم الدعم والتوجيه اللازمين لتحقيق ذلك.
توفير بيئة محفزة: لم تقتصر ستانفورد على توفير المعرفة النظرية، بل انشات ايضا بيئة محفزة للابتكار وريادة الاعمال. وشجعت على التواصل والتفاعل بين الطلاب والباحثين واعضاء هيئة التدريس، وتبادل الافكار والخبرات.
انشاء حاضنات الاعمال ومراكز الابحاث: لم تكتف ستانفورد بتخريج رواد الاعمال، بل انشات ايضا حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لتوفير الدعم المادي والمعنوي للطلاب والباحثين، ومساعدتهم على تحويل افكارهم الى شركات ناشئة ناجحة.
جذب الاستثمارات: لم تكتف ستانفورد بتوفير الدعم للطلاب والباحثين، بل عملت ايضا على جذب الاستثمارات الى وادي السيليكون، من خلال بناء علاقات قوية مع الشركات والمستثمرين، وعرض الافكار والمشاريع المبتكرة عليهم.
وبفضل هذه العوامل وغيرها، اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيليكون، وساهمت في تحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.
ومن الامثلة على ذلك:
شركة غوغل: التي تاسست على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما سيرجي برين ولاري بيج.
شركة ياهو: التي تاسست ايضا على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما ديفيد فيلو وجيري يانغ.
شركة هيوليت-باكارد: التي تاسست على يد اثنين من خريجي ستانفورد، وهما ويليام هيوليت وديفيد باكارد.
هذه الشركات وغيرها الكثير، هي دليل على الدور الكبير الذي لعبته ستانفورد في نجاح وادي السيليكون، وتحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.
ستانفورد: اكثر من مجرد جامعة
ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي مجتمع حيوي، يجمع بين الطلاب من جميع انحاء العالم، ليتبادلوا الافكار والخبرات، ويبنوا مستقبلا مشرقا لانفسهم ولوطنهم. كما انها مركز للبحث العلمي، حيث تجرى ابحاث رائدة في مختلف المجالات، تساهم في حل المشكلات العالمية، وتحسين حياة الناس.
الخلاصة: ستانفورد، قصة نجاح مستمرة
باختصار، جامعة ستانفورد هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى واقع ملموس. انها صرح شامخ للعلم والمعرفة، ومصنع للقادة والمبتكرين، ومركز للابداع والابتكار. وستظل ستانفورد تلهم الاجيال القادمة، وتساهم في بناء مستقبل مشرق للانسانية جمعاء.