احتجاجات جامعات أميركا.. الأسباب والدلالات والمآلات المتوقعة
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
انتفضت الجامعات الأميركية التي تشكل قلاع العلم والمعرفة احتجاجا على مشاهد الدماء والدمار والوحشية الإسرائيلية في غزة، وعلى استمرار الدعم اللامحدود الذي تقدمه الإدارة الأميركية للعدوان الإسرائيلي.
واللافت أن من قاد التحركات والاحتجاجات هم طلاب نخبة الجامعات الأميركية مثل كولومبيا وييل ونيويورك وهارفارد، وجميعها ينتمي لرابطة اللبلاب (ivy league) التي تضم أشهر وأقدم وأعرق جامعات الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم.
ثم امتدت الاحتجاجات وعمليات نصب الخيم إلى أكثر من 75 جامعة أميركية حتى الآن، فضلا عن انتشارها في جامعات دول العدوان مثل فرنسا وأستراليا وبريطانيا.
وهذا ما يفسر لجوء السلطات الأميركية لقمع هذه الاحتجاجات، والاستجابة لمطالب الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو بالتصدي لها.
وهذا يستدعي الإحاطة بدلالات هذه التحركات وتعامل السلطات الأميركية معها، ومحاولة استقراء مآلات هذا التحرك وتأثيره المستقبلي المحتمل في أميركا، وعلى سياسة الولايات المتحدة التي دعمت العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
مقدمات وأسباب
لم تنجح الرواية الإسرائيلية عن أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ومحاولات شيطنة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) باتهامها بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء وانتهاك حقوق المدنيين، ذلك أن الفضاء المشبع بوسائل التواصل مكن المنصفين من التصدي لهذه الروايات المفبركة وتفنيدها بالأدلة.
وكان ذلك أول ضربة للرواية الإسرائيلية، لتأتي بعد ذلك ممارسات الاحتلال الهمجية بقصف المستشفيات واقتحامها وتدمير المدارس والمساجد والمؤسسات، لتقلب الرأي العام ضد الاحتلال بعد أن حفلت وسائل التواصل بصور المجازر التي تستهدف الأطفال والنساء.
ولذلك غصت شوارع وميادين الولايات المتحدة، ودول الغرب، بالمتظاهرين الذين يدينون إسرائيل ويطالبون بإلزامها بوقف الحرب.
ولم تغب الجامعات الأميركية عن هذه الفعاليات التي تصاعدت مع استمرار المجازر، واستمرار تجاهل قادة الاحتلال دعوات وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، كان لنخبة الجامعات الأميركية فضل السبق في الاحتجاجات قبل أن تحذو حذوها بقية جامعات البلاد، وكذلك الأوروبية، حيث لا تزال هذه الاحتجاجات قائمة على الرغم من العنف الذي استخدم ضدها.
مطالبات
وقد طالبت هذه الاحتجاجات -التي تميزت بنصب الخيام في حرم الجامعات- بوقف الحرب على غزة، ووقف التعاون القائم بين هذه الجامعات مع مؤسسات تعليمية إسرائيلية، وسحب الاستثمارات في الشركات التي تدعم إسرائيل.
ولا شك أن هذا التحرك تغذى بالتيار الذي برز في الولايات المتحدة للدفاع عن دور واشنطن مبديا عدم رضاه أن يكون مرتهنا لإسرائيل بل ولنتنياهو نفسه، ويطالب بوقف المساعدات العسكرية لحكومة الاحتلال والتي يساهم فيها كل أميركي من خلال الضرائب التي يدفعها للحكومة، حيث سادت عبارة "ليس باسمي".
وقد تأثر هذا الموقف الرافض للعدوان لدى جيل الشباب في الجامعات، إلى حد كبير بوسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل حقيقة العدوان والمجازر الصهيونية التي تكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل، بعيدا عن وسائل الإعلام المرئية التي تسوق لرواية المظلومية الإسرائيلية التي كانت وما زالت تستند إلى اعتبار أن الكيان يدافع عن نفسه في محيط عربي معاد له.
فضلا عن أن هذا الجيل متحرر من الضغوط السياسة وإغراءات الرشوات المالية التي يدفعها اللوبي اليهودي للشخصيات السياسية وأعضاء الكونغرس لتبني الرواية الصهيونية، بل ويريد لجامعته وحكومته التحرر من هذه الضغوط، والانتباه لحقيقة ما يجري في فلسطين.
ولذلك رأينا شعارات مثل "فلسطين من النهر للبحر" و"فلسطين حرة" تتردد على ألسنة هؤلاء الشباب ويافطاتهم المرفوعة كنوع من التشدد في وجه الدعايات الصهيونية التي تحارب تحركاتهم وتدفع الأموال لسياسييهم لإسكات الطلاب، وربما أيضا كنوع من الإعجاب بأداء ودور المقاومة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في وجه آلة القمع والإرهاب الصهيونية.
الدلالات
واستخدمت السلطات الأميركية قوانين منع معاداة السامية لقمع المتظاهرين واعتقالهم وتخويفهم من خلال اعتبار المخيمات التي يقيمونها في الجامعات مخالفة للقانون ومعطلة للحركة ومهيجة للكراهية العرقية.
ولم تنجح محاولات فض الاعتصامات بالقوة في جامعة كولومبيا، بل أدت إلى زيادة اشتعالها وتمددها في العديد من الجامعات الأميركية، الأمر الذي يشير إلى عمق قناعة منفذيها بعدالة قضيتهم ومطالبهم، ولتشير إلى عمق التغيير في المجتمع باتجاه نقض ورفض الرواية الصهيونية والتحلل من ضغوط اللوبي، خصوصا وأن حكومة الاحتلال لا تزال تصر على المضي في سياسات القتل واستهداف البنية المدنية في قطاع غزة المحاصر، بل وحتى تجاهل مطالب الإدارة الأميركية بهذا الشأن.
وفي هذا السياق، يقول الأكاديمي الفلسطيني سامي العريان في منشور على إكس "عشت في الولايات المتحدة 4 عقود، منها 28 عاما في الأوساط الأكاديمية، في تلك الفترة، تقديم رواية مناهضة للصهيونية كان صراعا صعبا للغاية، لكن القبضة الصهيونية على المجتمع الأميركي بدأت تضعف وتتضاءل".
إن إصرار هؤلاء الطلاب على المضي قدما باحتجاجاتهم دفع بالعديد من أساتذتهم في كلياتهم الجامعية للتضامن معهم بل وحتى مشاركتهم في الاحتجاجات، وتشكيل حواجز بشرية بين الطلاب والشرطة التي تأتي لفض اعتصاماتهم وإزالة خيامهم واعتقالهم.
ويحضر في هذا الإطار مشهد وضع الأصفاد في يدي رئيسة قسم الفلسفة نويل ماكافي في جامعة ليروي بأتلانتا ليشكل نموذجا ملهما للأكاديميين الأميركيين.
دولة دكتاتورية
إن التعامل بالعنف المفرط مع هذه الفعاليات أظهر الولايات المتحدة كدولة دكتاتورية تقمع حرية الرأي والتظاهر، تحت حجة مواجهة معاداة السامية التي يجرمها القانون، وهو الأمر الذي يثير الانقسامات في مجتمع يعتز بديمقراطيته وحرية التعبير الواردة في التعديل الأول بالدستور الأميركي.
ويؤشر ذلك إلى الفشل الذريع الذي منيت به الدعاية الصهيونية التي أنفق عليها اللوبي اليهودي مليارات الدولارات منذ نشأة الكيان الإسرائيلي عام 1948 وحتى الآن في أميركا ودول الغرب، بل إن هذا اللوبي أنفق المليارات على جامعة كولومبيا التي يتخرج منها أعضاء كونغرس وقادة أميركيون مثل الرئيس السابق باراك أوباما، وذلك للتأثير على طلاب الجامعة من خلال برامج إعداد القادة، فإذا بهؤلاء المنفق عليهم يتصدرون الاحتجاجات وينددون بالكيان الإسرائيلي ويؤيدون النضال الفلسطيني.
كما انكشف زيف الادعاءات الصهيونية التي استندت إليها السلطات الأميركية في قمع المتظاهرين، وهي أن الجالية اليهودية تتعرض للتهديد، حينما خرج عدد من المتظاهرين اليهود ليعلنوا عن أنفسهم ويؤكدوا أنهم يشاركون في الاحتجاجات لأنهم يرفضون ما يقوم به الاحتلال ضد الفلسطينيين.
وظهرت أميركا وكأنها تابعة لإسرائيل وليس العكس، فما إن خرج نتنياهو للعلن ودعا للتصدي للمتظاهرين متهما إدارات الجامعات بالفشل في التصدي للظواهر المعادية للسامية، حتى باشرت إدارات الجامعات باستدعاء قوات الشرطة المحلية للجم المتظاهرين واعتقالهم، بينما دعا أعضاء بالكونغرس الرئيس جو بايدن لاستدعاء الحرس الوطني للتصدي للمحتجين تحت حجة أن اليهود يتعرضون للأذى. وهذا السلوك ألحق ضررا بصورة الولايات المتحدة وكشف عورة الإدارات الأميركية التي تتزلف للوبي اليهودي على أبواب الانتخابات.
تغيير له ما بعده
وحتى الآن أظهر المتظاهرون الطلاب إصرارا على المضي في تحركاتهم رغم اعتقال المئات منهم وتعرض بعضهم للطرد من جامعاتهم المرقومة مما يعني خسارة شهاداتهم. وما زلنا نرى الفعاليات تتسع في الجامعات، بينما تصدر المحاكم الأميركية العديد من القرار بإطلاق سراح المعتقلين بدون توجيه التهم لهم.
وهذا يعني أن هناك تغييرا عميقا يجتاح فئة الشباب في العالم الغربي، لصالح دعم الحق الفلسطيني ورفض العدوان، وأن محاولات القمع لم تنجح في إثنائهم عن تحركاتهم الداعمة لفلسطين والمطالبة بوقف الحرب، الأمر الذي يجعل الإدارة الأميركية في موقف حرج بين الاستمرار في قمع المتظاهرين بما يضر بالمبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها الدولة، وما بين محاولة إلزام الطرف الإسرائيلي بوقف جرائم الإبادة في غزة والقبول بالتوصل لهدنة مؤقتة على الأقل.
وبلا شك، فإن هذه الأوضاع سيكون لها ما بعدها على الصعيدين الشعبي والسياسي، إذ إن مكانة الاحتلال تعرضت للتآكل والتراجع، كما أن سطوة اللوبي اليهودي تراجعت، بينما تحلل جيل الشباب في أميركا وأوروبا من عقدة الخوف من فزاعة معاداة السامية، بما سيخفف من وطأة نفوذه.
وستتخرج هذه الفئة من شباب الجامعة لتدخل المجال العملي، وبعضهم سينخرط في السياسة وفي الكونغرس، وقد يتعرضون لضغوط اللوبي اليهودي. ولكن القناعات -التي شكلوها عن الكيان الإسرائيلي بهذه المرحلة والصورة السلبية التي أخذوها (كما أخذها غيرهم من الجمهور الأميركي) عن دولة الاحتلال واللوبي الإسرائيلي- ستكون سلاحا لبعضهم على الأقل لمواجهة الإغراءات والتهديدات، وربما إحداث تغييرات في سياسات الولايات المتحدة لصالح فلسطين، أو على الأقل تخفيف حدة الانحياز الأميركي للكيان، حتى وإن احتاج الأمر لسنوات.
وبفضل طوفان الأقصى والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، مع استمرار مجازر الاحتلال، فإن المزيد من أجيال الشباب وغيرهم سيحفرون في ذاكرتهم الصورة التي يستحقها هذا الكيان الإرهابي، وستسقط معها صورة البكائيات النمطية التي شكلها الاحتلال لنفسه على مدى السنين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الجامعات الأمیرکیة السلطات الأمیرکیة الولایات المتحدة الصهیونیة التی اللوبی الیهودی
إقرأ أيضاً:
أطفال فلسطين.. فصول قاسية من الوحشية الصهيونية الرهيبة
الأسرة /
احتفل العالم باليوم العالمي للطفل الـ 20 من نوفمبر الذي وافق الأربعاء الماضي وسط واقع أليم ومفجع يعيشه أطفال قطاع غزة وفي الضفة الغربية وكذلك في لبنان تحت نيران صواريخ وطائرات الكيان الإسرائيلي التي قتلت وأصابت ولا تزال إلى يومنا آلاف الأطفال وشردت عشرات الآلاف وجعلت الملايين منهم يعيشون تهديدات حقيقية بالموت جوعا.
أطفال غزة والضفة وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة، احتفلوا بالنسخة الثانية من هذه المناسبة العالمية وهم تحت حديد ونار الوحشية الصهيونية التي تواصل الفتك بالأطفال وبأمهاتهم وآبائهم بدون رحمة أو هوادة منذ 13 شهرا في أبشع الجرائم والمجازر التي ترتكب تحت أنظار العالم ومؤسساته الدولية والحقوقية دون أن يكون هناك موقف قوي ومؤثر يضع حدا للإجرام الصهيوني المتواصل، أما أطفال لبنان فأحيوا يوم الطفل العالمي للمرة الأولى بعد أن فقدوا المئات من أقرانهم خلال الشهرين الماضيين في الغارات الجوية الإسرائيلية على مختلف المدن والقرى والبلدات اللبنانية.
مناسبة عالمية وإجرام تاريخي
يحتفل شعوب العالم بيوم الطفل العالمي في الـ 20 من نوفمبر باعتباره اليوم الذي تم فيه إقرار الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل عام 1989م وهي الاتفاقية التي صادقت عليها كافة بلدان العالم وتؤكد على حق الأطفال في الحياة والرعاية الصحية والتغذية والتعليم، لكن كل تلك المبادئ والقيم الإنسانية انتهكها الكيان الإسرائيلي على مرأى ومسمع من العالم كله، وذلك بارتكابه جرائم ومذابح مروعة لم يشهد لها التاريخ الإنساني مثيلا.
ومنذ بداية عدوان الاحتلال على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023م، استشهد ما يزيد على 13.486 طفلا، بينهم 13.319 في القطاع، و167 في الضفة الغربية والقدس.. بحسب إحصائيات رسمية، أما في لبنان فتشير آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، إلى استشهاد أكثر من 200 طفل لبناني، وإصابة ألف ومائة آخرين، في غضون شهرين تقريبا، منذ تصاعد العدوان الصهيوني على لبنان في سبتمبر المنصرم وذلك بمعدل يزيد عن قتل ثلاثة أطفال يوميا، أما في فلسطين فتزيد النسبة عن ذلك بأضعاف.
وخلال العام الماضي، اعتقل الاحتلال الصهيوني ما لا يقل عن 770 طفلا من الضّفة، في حين لا تتوفر معطيات عن أعداد الأطفال المعتقلين من غزة، بحسب نادي الأسير.
وأضاف نادي الأسير أن هناك 100 طفل رهن الاعتقال الإداري، بينهم طفل يبلغ من العمر 14 عاماً في سابقة، استنادا للمعطيات المتوفرة لدى المؤسسات.. مشيرا إلى أن الاحتلال يحرم جميع عائلات الأطفال المعتقلين من زيارتهم منذ بدء الحرب، كما أن هناك آلاف المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ولفت إلى أن الأطفال المعتقلين يواجهون إلى جانب جريمة التعذيب والتجويع والجرائم الطبية، كابوس انتشار مرض الجرب “السكايبوس” تحديدا في قسم الأطفال في سجن (مجدو).
نسف التعليم
تؤكد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل على حق الطفل في التعليم وهذا المبدأ أحالته آلة القتل الصهيونية إلى سراب حيث قتلت آلاف الطلاب والطالبات في الأراضي المحتلة.
وتشير وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، إلى ارتقاء أكثر من 11 ألف طالب من الأطفال في قطاع غزة شهداء، و81 من الضفة الغربية، منذ بدء الحرب.
وبينت أن 171 مدرسة حكومية في غزة تعرضت لأضرار بالغة، ودمرت أكثر من 77 بشكل كامل، وتعرضت 126 مدرسة حكومية، إضافة إلى 65 من مدارس وكالة الأونروا للقصف والتخريب، وأشارت إلى أن 91 مدرسة في الضفة الغربية تعرضت للتخريب.
وأشارت وزارة التربية، إلى أن نحو 700 ألف طالب، ما زالوا محرومين من الذهاب إلى مدارسهم بسبب العدوان المستمر على القطاع.
وبحسب بيان لليونيسف، فإن الحرب في قطاع غزة تؤدي إلى تأثيرات كارثية على الأطفال والأسر، إذ يموت الأطفال بمعدل مقلق.
تهجير وتجويع
تفيد التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية العالمية والإقليمية بأن نحو 1.9 مليون شخص – حوالي 9 من كل 10 من سكان غزة – هُجّروا داخلياً، وأكثر من نصفهم أطفال، ولا يحصل هؤلاء على ما يكفي من الماء والغذاء والوقود والدواء، وأن هناك أكثر من 600 ألف طفل محاصرون في رفح وحدها، وليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه. لقد دمرت منازلهم وتشتتت أسرهم.
وأشارت المنظمة الدولية إلى أن الأضرار والدمار أدت إلى شل خدمات الرعاية الصحية في جميع أنحاء غزة، وسط نقص الإمدادات وانخفاض عدد الأسِرّة، إضافة إلى انتشار فيروس شلل الأطفال إلى قائمة التهديدات، وخاصة بالنسبة لآلاف الأطفال غير المحصنين، بعد أن ظل قطاع غزة خاليا من مرض شلل الأطفال منذ 25 عاما.
وأوضحت أن إمكانية الحصول على الأغذية شهدت تراجعاً شديداً، وإن الوفاة جوعاً خطر فعلي محدق للعديد من الأسر، وفي أواخر يونيو 2024م، وجد تقرير صادر عن “مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، أنَّ 96 % من السكان يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، بما في ذلك زهاء نصف مليون شخص يعانون من أوضاع كارثية، ويظل هناك خطر شديد بمواجهة مجاعة طالما استمر النزاع وظلت إمكانية الوصول الإنساني مقيدة.
وأشارت وزارة الصحة إلى أن 39 مواطنا استشهدوا جراء المجاعة، غالبيتهم من الأطفال.
وفي بيان صادر عن اليونيسف في 5 من نوفمبر الحالي، أورد أن مستشفى كمال عدوان في شمال غزة أصبح منطقة حرب محاصرة، وأن وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة تضررت، وهي آخر وحدة متبقية في الشمال، جراء هجمات عنيفة في الأيام الأخيرة.
وأضاف إن “أي طفل حديث الولادة يكافح للحفاظ على أنفاسه من داخل حاضنة المستشفى عاجز تمامًا عن حماية نفسه ويعتمد كليًا على الرعاية الطبية والمعدات المتخصصة للبقاء على قيد الحياة.
وأشار إلى أنه في قطاع غزة، يُقدر ما لا يقل عن 4000 رضيع انقطعوا عن رعاية الأطفال حديثي الولادة المنقذة للحياة في العام 2023م بسبب الهجمات المستمرة على المستشفيات التي تحاول بجد إبقاءهم على قيد الحياة، وبسبب انقطاع إمدادات الكهرباء ولأن القليل من الوقود الذي يتم تسليمه لمدّ المستشفيات بالطاقة غير كافٍ على الإطلاق، كان هذا مميتًا بشكل خاص في الأجزاء الشمالية من قطاع غزة.
وبين أن ثلاثاً من وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة – كلها في شمال غزة دمرت – وانخفض عدد الحاضنات المتاحة بنسبة 70% إلى حوالي 54 حاضنة في جميع أنحاء القطاع.
وأشار إلى أن ما لا يقل 6000 طفل حديث الولادة يحتاجون إلى رعاية مركزة في قطاع غزة كل عام، ولكن العدد الحقيقي قد يكون أعلى، وكان يقدر عدد وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة في قطاع غزة بـ8 وبإجمالي 178حاضنة.
جرائم تفوق الوصف
كشفت منظمة “اليونيسف” التابعة للأمم المتحدة، يوم الأربعاء الماضي بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للطفل، أن نحو 17 ألف طفل فلسطيني في غزة انفصلوا عن عائلاتهم بسبب العدوان المتواصل على القطاع للشهر الـ 13 على التوالي، مشيرة إلى أن ما يحصل للأطفال في قطاع غزة بفعل المجازر الدموية الإسرائيلية يفوق الوصف.
وأفادت “اليونيسف” بأن هناك 2500 طفل في قطاع غزة بحاجة إلى السفر لتلقي العلاج في الخارج، مشددة على أن الأطفال يدفعون الثمن الأعلى في الحرب الدائرة بقطاع غزة.
وأشارت إلى أن 64 مدرسة ومركز إيواء تعرضت للقصف خلال شهر أكتوبر الماضي.
من جهته قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” فيليب لازاريني، الأربعاء الماضي في هذه المناسبة العالمية، إن “قطاع غزة أصبح مقبرة للأطفال”.
وأضاف لازاريني أن أطفال القطاع يتعرضون للقتل ويصابون بجروح ويجبرون على الفرار ويحرمون من الأمان والتعلم.
وأكد المفوض العام للأونروا أن أطفال غزة سلبت منهم طفولتهم وهم على وشك أن يصبحوا “جيلًا ضائعًا”، مضيفاً: إن «حقوق الأطفال الفلسطينيين تنتهك يومًا بعد يوم».
وكتب لازاريني في تدوينة له عبر صفحته الرسمية بمنصة «إكس»، إن «غزة أصبحت مقبرة للأطفال»، مضيفًا: «إنهم يتعرضون للقتل والإصابة، ويجبرون على الفرار، ويحرمون من الأمان والتعلم واللعب».
وأضاف: «أطفال غزة سُلبوا من طفولتهم، وهم على وشك أن يصبحوا جيلًا ضائعًا حيث يخسرون عامًا دراسيًا آخر».
ونوه بأن الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية يعيشون في خوف وقلق، لافتًا إلى استشهاد أكثر من 170 طفلًا في الضفة منذ أكتوبر لعام 2023م.
وأشار إلى أن «آخرين فقدوا طفولتهم في مراكز الاعتقال الإسرائيلية»، مختتمًا: «إن الأرض الفلسطينية المحتلة ليست مكانا للأطفال، إنهم يستحقون الأفضل، إنهم يستحقون السلام والعدالة».
هذه الأرقام والحقائق الصادمة حول ما يتعرض له أطفال فلسطين تحت العدوان الإسرائيلي المتواصل، تُقابل بمواقف وتنديدات خجولة من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته الفاعلة، ما جعل العدو الصهيوني يواصل جرائمه وانتهاكاته الجسيمة دون أي خوف من إمكانية التعرض مستقبلا للمساءلة والعقاب.