قالت دار الإفتاء المصرية، إنه  لا مانع شرعًا من الدعاء بعد الإقامة للصلاة قبل الشروع فيها، بل هو من الدعاء المستحب المستفاد من السنة النبوية ونصوص الفقهاء، والقول بتبديع ذلك هو قولٌ مبتدَعٌ باطلٌ لا تعويل عليه ولا التفات إليه.

وأضافت دار الإفتاء في إجابتها على سؤال: هل الدعاء بعد إقامة الصلاة بدعة؟ أن البدعة هي ما حَدَثَ مِمَّا لا أصل له في الشرع يَدُلُّ عليه، وأما ما كان له أصلٌ في الشرع يَدُلُّ عليه فليس ببدعةٍ شرعًا وإن كان يُسَمَّى بدعةً لغة؛ قال الإمام أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي" (10/ 147، ط.

ولقد قسَّم علماء الإسلام البدعة إلى: بدعةٍ حسنة، وبدعة سيئة، أو إلى: بدعة ضلالة، وبدعة هدى.

فبِدعة الهدى: هي التي توافق تعاليم الإسلام وأصول الشريعة، وهي المرادة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ».

وأما بِدعة الضلالة: فهي التي لا تتفق مع مقاصد الشريعة وأصولها، وهي التي عناها الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم بقوله في حديث مسلم: «وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»، وبقولـه صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه: «وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»، قال الترمذي: [هذا حديث حسن صحيح] اهـ.

وبهذا الفَهم للحديثيْن والتوفيق بينهما سار السلفُ الصالح؛ قال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيما أخرجه الإمام البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (ص: 206، ط. دار الخلفاء) من طريق الربيع بن سليمان عنه: [المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث يخالف كتابًا أو سُنةً أو أثرًا أو إجماعًا؛ فهذه لَبِدعة الضلالة. والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا؛ فهذه محدثةٌ غير مذمومة] اهـ.

وعلى ذلك: فإن قول الدعاء المأثور: "اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، اللهم أقمها وأدمها ما دامت السماوات والأرض" بعد الإقامة ليس هو من السنن السيئة التي لا تتفق مع أحكام الشريعة وأصولها حتى توصف بأنها بدعة مذمومة، كما أن لها أصلًا من السنة ومن كتب الفقهاء.

قد ورد استحباب قول هذا الدعاء في السنة النبوية الشريفة بعد سماع الأذان على وجه الإطلاق؛ فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ».

إذا كانت الأحاديث الشريفة أطلقت استحباب هذا الدعاء بعد الأذان، فإنه من التنطُّع الموغِل في الضلال والمبالغةِ في التمسك بالحرفية المجردة للنصوص والمصادرةِ على المقصود أن يُقَيَّد ما أطلقته السنة بما قبل الإقامة ويوصف من قال الدعاء بعد الإقامة وقبل الشروع في الصلاة بأنه صاحب بدعة، بل إن ذلك على الحقيقة هو البدعة المنكرة، على أنه قد ورد في السنة النبوية الشريفة ما يجعل للإقامة نفسَ ما للأذان من آداب؛ كالإجابة بمثل ما يقول المُقيم، وكالدعاء أيضًا.

وذلك فيما أخرجه أبو داود في "سننه" عن أبي أمامة رضي الله عنه -أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: أن بلالًا رضي الله عنه أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَقَامَهَا اللهُ وَأَدَامَهَا»، وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان، وفي هذا الحديث أيضًا مشروعية قول: "اللهم أقمها وأدمها ما دامت السماوات والأرض"؛ فهو أمرٌ ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشروعٌ كما ورد في الحديث الشريف بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَقَامَهَا اللهُ وَأَدَامَهَا».

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء الدعاء بعد الإقامة الدعاء المستحب البدعة النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه الدعاء بعد

إقرأ أيضاً:

إقامة صلاة الاستسقاء ببلدة النبأ في ولاية القابل

أدى أهالي بلدة النبأ بولاية القابل صباح اليوم ، صلاة الاستسقاء بوادي هدّاد، تضرعًا إلى المولى عز وجل طلبًا للغيث، إثر ما شهدته المنطقة من تأخر في هطول الأمطار خلال الفترة الماضية، وذلك استجابة لدعوة ولاة الأمر بإحياء سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام في مثل هذه الأحوال.

وقد أمّ المصلين فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن سعيد المعمري، الذي ألقى عقب الصلاة خطبة بيّن فيها فضل التوبة والرجوع إلى الله، داعيًا إلى الإكثار من الاستغفار، وشكر النعم، والابتهال إلى الله تعالى بإخلاص النية وحسن الظن به سبحانه، كما أشار إلى أهمية استشعار حاجة العباد إلى رحمة الله، وأن القلوب إذا صدقت في توبتها، فتحت لها أبواب الرحمة والرزق.

واختتم فضيلته خطبته برفع الأكف بالدعاء، مبتهلًا إلى الله أن يغيث البلاد والعباد، وأن يجعل ما ينزل عليهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، وأن يبارك لهم فيما رزقهم، ويعم بخيره أرجاء الوطن.

وقد اتسمت الأجواء عقب الصلاة بروح جماعية وإقبال من الأهالي على اللقاء والتواصل، حيث بادرت عدد من الأسر بإعداد وجبة جماعية شملت أطباقًا تقليدية تنم عن كرم الضيافة، مما أسهم في تعزيز أواصر المحبة والتآلف بين أفراد المجتمع المحلي، وأعرب الأهالي عن أملهم أن تكون هذه الصلاة بادرة خير وموسم بركة، داعين الله أن يستجيب الدعاء، ويروي أرض عُمان الغالية بفيض من رحمته وخيره.

مقالات مشابهة

  • رأى نجاسة على ثوبه بعد الصلاة فهل يُعيدها؟.. دار الإفتاء تجيب
  • هل يجوز أداء الصلاة فور سماع الله أكبر .. الإفتاء تجيب
  • ما هو بديل سجود التلاوة عند تعذر أداؤه؟.. دار الإفتاء تجيب
  • ما حكم قول آمين عند قراءة آية دعاء في الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • هل صلاة ركعتين سنة الوضوء مستحبة أم بدعة .. الإفتاء توضح
  • ما حكم ترديد الصلاة على النبي أثناء الصلاة؟.. الإفتاء تجيب
  • دار الإفتاء تكشف حكم سجود التلاوة بدون وضوء
  • هل الحج يغني عن الصلاة الفائتة لشخص كان لا يصلي؟.. الإفتاء ترد
  • إقامة صلاة الاستسقاء ببلدة النبأ في ولاية القابل
  • دعاء لصلاح الحال .. ردده بيقين وسترى العجب في حياتك