فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
في باديء الأمر ظن بعضٌ/كثيرٌ من السودانيين و آخرين ، أو ربما خدعوا حتى ظنوا ، أن الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان هي قتالٌ بين مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) المتمردة الرافضة للحل و الدمج و القوات المسلحة السودانية ”جيش السودان“ ، لكنه قد أصبح جلياً الآن أن الحرب قد نشبت بسبب تضارب المصالح و التنافس حول السلطة و النفوذ بين عناصر جماعة الأخوان المتأسلمين (الكيزان) في القوات المسلحة السودانية و أجهزة الأمن و العمليات و الشرطة و كتآئب الظل من جهة و مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) و قآئدها محمد حمدان دَقَلُو (حِمِيدِتِي) في الجانب الآخر.
في بداية الأمر و عقب إنتفاضة/ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية و خلع البشير في أبريل ٢٠١٩ ميلادية كان هدف و مبتغى الطرفين المتحالفين: الكيزان و الجنجويد هو القضآء على الثورة و الثوار و الحيلولة دون قيام حكم مدني و دولة أركانها القانون و العدل و المؤسسات التي تحكم و تحاكم و تعاقب المسيئيين و المفسدين ، ثم من بعد الإنقلاب على الثورة و إزاحة المكون المدني الشريك إسمياً في حكم الفترة الإنتقالية أصبح هم الطرفين الإفلات من العقاب ثم إنقلب إلى صراع حول السلطة و الإنفراد بها و ما يتبع ذلك من نفوذ و هيمنة و إمتيازات و إستغلال لموارد البلاد...
و قد إستخدم الطرفان كل الأساليب القذرة في إدارة الحرب بينهما من تجنيد المجرمين و المسجونين و المعتوهين و المهووسيين و المتطرفين دينياً و عرقياً و الأرزقية ، و قد أجاد الطرفان إستخدام العنف المفرط و الإرهاب و القتل العشوآئي و الذبح على طريقة ذبح بهيمة الأنعام و التمثيل بالجثث و التدمير العشوآئي للمباني الحكومية و ممتلكات المواطنين و الإعتقال و التعذيب و الإذلال و ممارسة الإغتصاب و نهب المواطنين و ترويعهم و سرقة ممتلكاتهم و تشريدهم...
و قد وظف الطرفان الإعلام و النشطآء و الوسآئط الإجتماعية في تسويقهم للعالمين و في تزييف الحقآئق و إنتاج الڨيديوهات عن الإنتصارات العسكرية و المكاسب الوهمية ، و قد وَثَّقَ الجنود من الطرفين الإنتهاكات و المجازر الجماعية و حوادث النهب و الإغتصابات دون موارة أو مداراة ، و قد تبارى الطرفان في بث خطابات الكراهية و التفرقة و التمييز العنصري و العرقي ، و في نشر الأكاذيب و الإشاعات و أحاديث الإفك المفبركة و بما يخدم أغراض الطرفين حتى ضاع الحق و اختلطت الأمور على السودانيين و المراقبين ، و كانت النتيجة أن أصبحت الحرب أكثر قذارة و تعقيداً حيث أضحى القتل يتم على الهوية و السحنة و لون البشرة و لهجة اللسان و الإنتمآء العرقي و الإعتقاد الديني و اللون السياسي...
و نتيجة لذلك مات ألاف من السودانيين و تَعَوَّق مثلهم أو أكثر ، و أصبحت جميع بقاع بلاد السودان غير صالحة للسكن الآمن المستقر ، و انقطعت الدخول و الموارد و قل الطعام و عم الخوف ، و أصاب الناس الفقر و البؤس ، و كانت المحصلة النهآئية النزوح و التهجير و اللجوء و إنتشار ملايين السودانيين في كل بقاع و أرجآء الأرض ، و أصبح السودانيون هآئمين في البقاع و الأنحآء و البلدان يحملون معهم آثار و إفرازات الحرب اللعينة و أثقال من مآسيهم و ألامهم و متاعبهم و معاناتهم الإقتصادية و العضوية و النفسية...
و يعلم كثيرون أن إنتصار أي من الطرفين لا يعني السلام ، بل يعني المزيد من المعاناة لجميع السودانيين ، فإنتصار العناصر الكيزانية في القوات المسلحة و جهاز الأمن و العمليات و كتآئب الظل تعني عودة الجماعة (الكيزان) إلى السلطة ، و هي شبه مستحيلة إن لم تكن حقاً مستحيلة ، و هي تعني أيضاً إستمرار/معاودة القمع و البطش و الإعتقال و التعذيب و القتل و الفساد و الخراب و الدمار على الطريقة الكيزانية المعروفة و مجربة ، أما تغلب مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) ، و هو أيضاً أمر غير وارد و بعيد الإحتمال ، فهو يعني حتماً نهاية دولة جمهورية السودان و تقسيمها إلى دويلات على خطوط/فواصل العرق و الأجناس ، و كذلك ضم بعض الأجزآء و النواحي من بلاد السودان إلى دول الجوار...
و ليست هنالك جهة سودانية غير ضالعة في الحرب بمقدورها إيقاف القتال ، و لكن هنالك الكثير من الجهات السياسية و المدنية السودانية و بعض/حفنة من دول الجوار و الإقليم و العالم تسعى جادة إلى إيقاف الحرب و إلى إيجاد حل و مخرج للأزمة السودانية ، و لكن يبدوا أن المجتمع الدولي لا تهمه كثيراً الحرب السودانية ففي طاولة المجتمع الدولي مشاكل و أمور هي أكثر أهمية من الحرب السودانية ، و الأرجح/الغالب هو أن الحرب السودانية لن تتوقف إلا من بعد الإرهاق التآم و من بعد أن يعدم الطرفان الحيلة و نُفَاخ النار ، و معلومٌ أن ذلك الأمر سوف يستغرق زمناً ، مما يعني أن الحرب سوف يطول أمدها ، لذا فإن على السودانيين تجهيز أنفسهم لعدة مواسم عجاف قادمات فيها الكثير من العذاب و المعاناة...
و من بعد توقف الحرب يجب أن لا تُنسِي مآسيها و معاناةُ النزوحِ و اللجوءِ و الإغترابِ و التهجيرِ و تطاولُ الأزمانِ السودانيين إنفاذَ عمليات تفكيك و إزالة. نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية و تفعيل أليات العدالة و القانون التي تحاسب و تعاقب القتلة و المسيئيين و المفسدين ، أو أن يتقاعسوا عن إتخاذ الإجرآءات القانونية و التشريعية المناسبة و الضرورية التي تضمن إبعاد العسكريين و المسلحين عن ممارسة السياسة و الإقتصاد ، كما أن عليهم أن يصروا على أن تكون إدارة الحكومة الإنتقالية المنوط بها إعادة تأسيس مؤسسات الدولة السودانية الجديدة على دعآئم القانون و العدالة و المهنية من صميم عمل و مسئولية القوى المدنية السياسية و النقابية المنحازة و المؤيدة للثورة و التغيير...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
لجنة المعلمين تتهم الحكومة بتزييف أعداد طلاب الشهادة السودانية
وأضافت اللجنة في بيان اليوم، إن الحكومة السودانية في بورتسودان مصرة على جعل التعليم مدخلا لتقسيم السودانيين، ورافدا من روافد الحرب، في محاولة لشرعنة الحرب ونتائجها
التغيير: كمبالا
اتهمت لجنة المعلمين السودانيين وزارة التربية والتعليم الاتحادية بتزييف أعداد الطلاب الممتحنين للشهادة السودانية عن العام المؤجل 2023، وقالت إن العدد الحقيقي لا يتجاوز الـ 200 ألف بينما ذكرت الوزارة (٣٠٠ و٣٠ الف طالب وطالبة).
وأضافت اللجنة في بيان اليوم، إن الحكومة السودانية في بورتسودان مصرة على جعل التعليم مدخلا لتقسيم السودانيين، ورافدا من روافد الحرب، في محاولة لشرعنة الحرب ونتائجها.
وأوضحت أنه بناء على التقارير الواردة من الولايات وإفادات مديري التعليم ببعض الولايات نؤكد على عدم صحة الرقم المعطى لعدد الطلاب الممتحنين وعدم دقة النسبة التي تم ذكرها وهي (٨٣ ٪).
فالجميع يعلم أن العدد المرصود قبل الحرب بلغ ما يقارب (٥٠٠ و٨٠ ألف طالب وطالبة)، ونؤكد أن العدد المسجل حتى الآن لم يتجاوز الـ(٢٠٠ ألف على أحسن الفروض).
وأعلنت لجنة المعلمين رفضها تصميم عملية تعليمية تقصي عددا مقدرا من السودانيين، بواسطة الجهة المنوط بها توفير التعليم كحق لكل السودانيين.
واتهمت الحكومة بعدم وجود تخطيط سليم منذ البداية، أرغمت بسببه على تغيير مواعيد جلسات الامتحان، بسبب تضارب الزمن المعتاد مع التقويم المدرسي في جمهورية مصر العربية، مشيرة إلى أن عطلة المدارس في مصر تبدأ منتصف يناير، ما يؤكد على ضعف التنسيق والترتيب، وأن هذه الشهادة ليس القصد منها العملية التعليمية، بل الهدف الأساسي منها سياسي بامتياز.
وحمل البيان ما وصفها بـ حكومة الأمر الواقع كامل المسؤولية عن أي تقصير أو أي نتائج تترتب على هذا القرار وهذه الإجراءات غير المدروسة والمتعجلة.
الوسومالشهادة السودانية لجنة المعلمين السودانيين مصر