من الشام إلى المهجر البرازيلي..
تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT
بدأت "التغريبة" العربية من بلاد الشام إلى البرازيل في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، واتسع حجمها خلال الحرب العالمية الأولى، وما تلا ذلك من تفكك الإمبراطورية العثمانية.
إقرأ المزيديوصف الشتات العربي في البرازيل بأنه جاء في إطار حركة هجرة أكبر لسكان منطقة الشام إلى الأمريكتين، وكانت الولايات المتحدة والأرجنتين والبرازيل، تتمتع بالأولوية بالترتيب، وكانت الأكثر شعبية في الأوساط العربية المشرقية.
الدراسات التي تتناول موضوع الهجرة العربية إلى الأمريكتين تشير إلى صعوبة العثور على تقديرات موثوقة لعدد العرب الذين هاجروا إلى البرازيل، بسبب قلة السجلات التي حفظت، وأيضا بسبب الافتقار إلى توحيد وثائق السفر وكذلك التصنيفات الديموغرافية.
كان عرب الشتات في البرازيل ودول أمريكا اللاتينية يطلق عليهم اسم "سفريوس" أي سوريون، وأيضا "سوريون لبنانيون" وأيضا يدعون باسم "تركوس" أي أتراك، لأن المنطقة كانت خاضعة حينها للدولة العثمانية.
الباحثة والأكاديمية البرازيلية سيلفيا فيرابولي لفتت في محاضرة في عام 2023 إلى ان الهجرة العربية إلى البرازيل بدأت في القرن التاسع عشر، وتحديدا في أعقاب زيارة إمبراطور البرازيل دوم بيدرو الثاني إلى بلاد الشام في عام 1870، حيث شجع حينها العرب المسيحيين على الهجرة إلى بلاده.
من جهته، يشير الصحفي والباحث البرازيلي ديوغو بيرسيتو في دراسة صدرت عام 2021، إلى أن "حوالي 150 ألف شخص من شرق البحر المتوسط هاجروا إلى البرازيل ابتداء من أواخر 1870. جاء معظمهم من المناطق التي أصبحت فيما بعد أجزاء من لبنان المعاصر وسوريا. الآن قد يعد أحفادهم بالملايين. في العام الماضي (2020)، أصدرت غرفة التجارة العربية البرازيلية أول تعداد على الإطلاق لهذا المجتمع، مدعية وجود 12 مليون شخص من أصل عربي يعيشون في البرازيل. وبحسب وزارة الخارجية البرازيلية، يعيش في البلاد ما بين 7 ملايين و 10 ملايين شخص من أصل لبناني، على وجه التحديد".
الباحث البرازيلي يذكر أن "أحد الأمثلة الأكثر وضوحا على هذه التشابكات هو العدد الكبير من السياسيين البرازيليين من أصل لبناني. ومن بين هؤلاء الرئيس السابق ميشال تامر، وحاكم شيمو باولو السابق باولو معلوف، ورئيس بلدية شيمو باولو السابق فرناندو حداد... خلال بعض الفترات، وصلت نسبة الممثلين من أصل لبناني في الكونغرس البرازيلي إلى عشرة بالمائة".
ديوغو بيرسيتو يرصد مفارقة تتمثل في أن "لبنان قضى فترات طويلة من دون رئيس بينما كان المنحدرون من أصل لبناني يحكمون البرازيل في كثير من الأحيان".
أحفاد المهاجرين العرب من لبنان لم يقتصر دورهم على المجال السياسي، "على سبيل المثال، نشر المهاجرون اللبنانيون وذريتهم مجموعة من الصحف باللغة العربية في البرازيل، ما ساهم في النهضة الثقافية. بين عامي 1880 - 1929، كان هناك 82 صحيفة ومجلة عربية منشورة في فلسطين، في حين بلغ العدد 95 في البرازيل. بحلول عام 1944، نشر العرب في البرازيل وأحفادهم، معظمهم من اللبنانيين، ما لا يقل عن 156 كتابا باللغة العربية".
الباحث والصحفي البرازيلي يشير أيضا إلى تأثير المهاجرين اللبنانيين على طرق الطعام البرازيلية، لافتا إلى أن هؤلاء وأحفادهم "منذ أواخر القرن التاسع عشر، كانوا يعدون أطباقهم في مدينتي مثل ساو باولو وريو. الكبة التي أصبحت فيما بعد واحدة من الأطباق الوطنية في لبنان، منتشرة على نطاق واسع في أجزاء من البرازيل لدرجة أنها تؤكل جنبا إلى جنب مع المواد الغذائية المحلية مثل خبز الجبن".
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أرشيف من أصل لبنانی إلى البرازیل فی البرازیل
إقرأ أيضاً:
عصفور التين.. واحد من أهم طيور بلاد الشام تحت التهديد
تنتشر حاليا، في منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تظهر اصطياد طائر صغير يسمى "عصفور التين". البعض يذبحه ليأكله، والبعض يحتفظ به، والبعض يبيعه، والبعض يتركه لحاله معلنا أن التجربة كانت على سبيل التسلية. لكن في الواقع، فإن هذا الطائر تحديدا يمثل رمزا للتنوع الحيوي في بلاد الشام، ويحظى بحماية دولية بموجب اتفاقيات تعنى بالحفاظ على الطيور المهاجرة.
في الواقع، فإن تداول عصفور التين واستهلاكه بهذه الطريقة يشكل انتهاكًا قانونيًا ويُسهم في تهديد التنوع البيولوجي واختلال التوازن البيئي.
عصفور التينيُعرف علميًا باسم أبو قلنسوة أو آكل النحل، يُعتبر من الطيور المهاجرة التي تمرّ عبر سوريا ولبنان، كما أن بعض الأفراد تبقى فيهما خلال فصل الشتاء، ويُعد من الطيور المُفرخة محليًا، مما يبرز أهميته البيئية والتكاثرية في المنطقة.
ويقول الخبير في التنوع الحيوي والحياة البرية السورية، أحمد إيدك إن الهجرة الربيعية لهذا الطائر تبدأ مع أوائل شهر أبريل/نيسان، وتبلغ ذروتها في النصف الثاني من الشهر، وتستمر حتى نهاية مايو/أيار.
أما الهجرة الخريفية، فتنطلق من منتصف سبتمبر/أيلول، وتصل ذروتها في الثلث الأخير من الشهر، وتستمر حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول، إذ يهاجر الطائر من مناطق الشمال الأوروبي نحو أفريقيا وشبه الجزيرة العربية في الشتاء، ويعود إلى الشمال في الربيع، وفق حديثه.
إعلانوكشفت الدراسة المعنونة بـ"النمط الأوروبي لهجرة الخريف لطائر أبو قلنسوة " في دورية "ذا رينج" التي تعنى بعوالم الطيور، عن مجموعة من النتائج المهمة تتعلق بهجرة هذا الطائر في فصل الخريف داخل أوروبا، وامتداد مساراته إلى مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أظهرت أن الطائر لا يتبع مسارًا واحدًا خلال هجرته، بل يسلك 8 طرق مختلفة.
معظم هذه الطرق يتجه نحو الجنوب والجنوب الشرقي، إلا أن بعض الطيور تتجه نحو الغرب، بل وظهر اتجاه غير تقليدي يسير بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب مباشرة. هذا التنوع في الاتجاهات يعكس مرونة واضحة في نمط الهجرة لهذا النوع من الطيور.
وإلى جانب ذلك، وجد أن المسار الأكثر استخدامًا من قِبل الطائر هو ذاك الذي ينطلق من أوروبا الشرقية متجهًا نحو الشرق الأوسط وشبه الجزيرة العربية، وقد ظهر هذا المسار في 27 من أصل 28 موقعًا شملتها الدراسة.
كما بيّنت النتائج أن طيورًا أخرى تتجه نحو شمال أفريقيا، في حين يتجه بعضها نحو الجزء الغربي من البحر الأبيض المتوسط، وقلة قليلة تهاجر باتجاه الشرق الأقصى مثل مناطق في آسيا.
من الظواهر الملفتة التي تم توثيقها في الدراسة، وجود مسار طولي غير مألوف يسلكه بعض الطيور من مناطق جنوب أوروبا والشرق الأوسط، ويتجه بشكل مستقيم من الشمال إلى الجنوب.
كما تبيّن أن الطيور تحافظ على خطوط طيران دقيقة ومستقيمة، حيث إن الاتجاه الذي تصل منه إلى المواقع هو نفسه تقريبًا الذي تغادر منه، بفارق لا يتجاوز درجة واحدة. وقد أظهرت النتائج أيضًا أن أعداد الطيور الوافدة إلى كل موقع تعادل تقريبًا أعداد الطيور المغادرة منه، مما يعكس وجود توازن مستقر في حركة الهجرة عبر المواقع المدروسة.
على الرغم من أن طائر أبو قلنسوة لا يُصنف كنوع مهدد عالميًا، فإنه يواجه تهديدات محلية كبيرة، خصوصًا خلال مواسم الهجرة. تتعرض الطيور في هذه الفترات لخطر الصيد غير المشروع، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لها.
إعلانوتؤثر هذه الممارسات بشكل سلبي على توازن النظام البيئي المحلي، مما يسهم في تقليص أعداد الطيور المهاجرة في المنطقة.
وحسب الخبير في التنوع الحيوي، إيهاب عيد، فإن التهديدات المحلية قد تؤثر بشكل ملموس على أعداد هذا الطائر، خاصة خلال فترات الهجرة، حيث يُصطاد بكثرة في بعض دول الشرق الأوسط، لا سيما في مواسم الخريف والربيع، وذلك ضمن حملات صيد الطيور المهاجرة. كما تستخدم في هذه الحملات أساليب صيد عشوائية مثل الشباك، التي تؤدي إلى اصطياد أعداد كبيرة من الطيور.
بالإضافة إلى ذلك، يشير عيد إلى أن التسمم بالمبيدات الزراعية يشكل تهديدًا آخر لهذا الطائر، نظرًا لاعتماده في غذائه على النباتات والفاكهة مثل التين والعنب، التي قد تحتوي على مواد سامة نتيجة لاستخدام المبيدات الزراعية. وهذا التهديد يزداد بشكل خاص في مناطق مثل الأغوار أو الشفا الغوري، حيث يتم استخدام المبيدات بشكل مكثف.
وعن أساليب اصطياد طائر أبو قلنسوة، يقول إيدك إن الصائدين يعتمدون على تكتيكات معينة لجذب الطيور، مثل إطلاق أصوات مشابهة لصوته لجذبها بسرعة. أما عن طرق تحضير هذا الطائر، فيعتبر الشوي أو القلي من أشهر الطرق التقليدية المتبعة في بلاد الشام. ويتميز لحم هذا الطائر بغناه بالدهون، حيث يفرز كميات كبيرة من الدهون، مما يجعله مطلوبًا في الأسواق ويتم عرضه للبيع بأسعار مناسبة.
طائر أبو قلنسوة يتغذى على الحشرات واليرقات خلال موسم التكاثر، مما يسهم بشكل غير مباشر في تقليل أعداد بعض الآفات الزراعية والحشرات الضارة في الغابات والأراضي الزراعية. وهذا يسهم في الحفاظ على توازن النظام البيئي من خلال السيطرة على الحشرات الضارة والمنافسة للملقحات مثل النحل.
في فترات معينة من السنة، مثل أواخر الصيف والخريف، يتحول النظام الغذائي للطائر نحو تناول الفواكه الطرية مثل التين والعنب والتوت. من خلال ذلك، يقول عيد إنه يلعب دورًا مهمًا في نثر بذور النباتات المختلفة، مما يعزز تجديد الغطاء النباتي الطبيعي في المناطق الشفوية والوديان.
إعلانكما يسهم الطائر في الحفاظ على استقرار الغابات والنظم البيئية الحرجية عبر تغذيته على اليرقات القارضة، مما يقلل الضغط على النباتات والأشجار. وبالإضافة إلى ذلك، يعتبر الطائر مصدر غذاء للحيوانات المفترسة الصغيرة مثل العصافير الجارحة والثدييات الصغيرة، وفق حديثه.
وتشير الدراسات وفق الخبيرين إلى أن غياب طائر أبو قلنسوة له تأثير غير فوري على توازن التنوع البيولوجي، ولكن على المدى الطويل قد يؤدي إلى:
زيادة أعداد الحشرات الضارة، مما يتسبب في اختلال توازن النظام الغذائي. انخفاض معدل نثر البذور، خاصة في المناطق التي تحتوي على نباتات مثل التين البري والشفلح والعليق، مما يؤثر سلبًا على تجدد النظم النباتية. إضعاف السلاسل الغذائية المرتبطة به، خاصة الطيور الجارحة الصغيرة أو الثدييات التي تتغذى على الطيور.أما على المستوى التشريعي، فقد فرض البرلمان الأوروبي في توجيهاته لعام 2009 حظرًا على استخدام أغصان الجير كوسيلة لصيد الطيور البرية. بموجب هذا التوجيه، أصبح من غير القانوني صيد طائر أبو قلنسوة الأوراسي في قبرص، وهو الطائر الذي يُصطاد في المنطقة منذ أكثر من 750 عامًا.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة صنّف هذا الطائر في فئة "القلق الأقل" وأشار إلى تزايد أعداده، يقول الخبيران إن الصيد التقليدي له يعد جزءًا من التراث المحلي ويشكل مصدر دخل إضافي للعائلات الزراعية.
ومع ذلك، يُعتبر هذا النشاط تهديدًا للتنوع البيولوجي من قبل بعض الجهات الرسمية، مما يثير تساؤلات حول تأثير تجريم هذه الممارسة على الحفاظ على الأنواع الطبيعية، ومدى صحة تقييم وضع هذا النوع البيئي.