عربي21:
2024-07-01@18:27:25 GMT

لماذا الطلاب الأمريكيون أكثر عروبة من الطلاب العرب؟

تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT

لا، ليس الطلاب الأمريكيون الذين يخوضون حركة احتجاج عظيمة لمناصرة الشعب الفلسطيني أكثر عروبة من نظرائهم العرب. ولكن ثمة أسبابا تاريخية وسياسية تجعل قدرتهم على الاحتجاج والتظاهر أكثر من قدرة الطلاب العرب.

بالطبع، هذا لا يعني أن الطلاب العرب قاموا بواجبهم كاملا تجاه المجزرة المستمرة منذ أكثر من نصف سنة في غزة، ولكن الفرق بين الحالة الطلابية في الغرب وأمريكا تحديدا وبين مثيلتها في الدول العربية، كبير وجوهري، وله أسباب متجذرة، عمرها عشرات السنوات.



حرية الاحتجاج
خاضت الشعوب في أوروبا والولايات المتحدة حروبا أهلية وبينية كثيرة امتدت لعقود، انتهت بها للوصول للديمقراطية الليبرالية بكافة أشكالها وتفصيلاتها المختلفة. حسمت هذه الحروب أهم القضايا الكبرى التي كانت مثار خلاف بين شعوب تلك المنطقة في العالم، كنظام الحكم، والعلاقة بالدين، والنظام الاقتصادي بخطوطه العامة، والحريات العامة والشخصية. وبعد حسم المسائل الجذرية في المجتمع والدولة، بقيت الخلافات على قضايا أقل جوهرية، يتم تنظيمها من خلال الانتخابات التي تفرز الأحزاب الحاكمة، إضافة إلى وسائل الاحتجاج المختلفة ومن بينها التظاهر.

هذا يعني أن الديمقراطيات -بكل عيوبها ومثالبها- تستوعب الاحتجاج مهما علا سقفه. حتى لو استخدمت السلطات العنف ضد المحتجين كما يحصل الآن في بعض الجامعات الأمريكية، أو مارست التحريض كما يحصل في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، فإن الاحتجاج يظل ممكنا، وعندما يصل ضحايا عنف السلطة من المحتجين للقضاء يحصلون على حقوقهم بالعادة.

بالمقابل فإن الشعوب العربية لا تزال تخوض معركتها مع منظومة السلطة في معظم الدول، بحيث أن مسألة "الشرعية" وطبيعة نظام الحكم لم تحسم بعد في هذه الدول. لم يدفع العرب حتى الآن ثمنا يوازي حجم الثمن الذي دفعه الأوروبيون خلال حروبهم قبل الوصول للدولة الحديثة والديمقراطية، ولهذا فإنهم لم يحصلوا بعد على حقهم وحريتهم بالاحتجاج.

ومع هزيمة الموجة الأولى من الانتفاضات الشعبية العربية "ما يسمى بالربيع العربي" وانتصار الثورات المضادة، فقد ازدادت حالة التوحش عند الأنظمة العربية. لقد شعرت الأنظمة بالزهو بعد انتصارها على "كابوس الحرية" الذي خيم على المنطقة بين عامي 2011 و2013، وفي نفس الوقت هيمن عليها الخوف الدائم من عودة هذا "الكابوس"، ولذلك فإن لديها حساسية عالية تجاه أي احتجاج لأنه قد يقود لاحتجاج على الأنظمة نفسها. حالة التوحش هذه جعلت ثمن التظاهر غاليا جدا، فهو يعني في كثير من الدول العربية السجن الطويل، والمحاكمات الباطلة، وضياع المستقبل للشباب، والذهاب إلى المجهول، في ظل عدم القدرة على "توقع" درجة القمع الذي ستمارسه السلطات ضد المتظاهرين.

الطالب الأمريكي ليس أكثر عروبة من الطالب العربي، ولكنه يعرف الثمن "القليل" الذي سيدفعه بسبب تظاهره لأجل فلسطين، بينما لا يعرف الطالب العربي حجم الثمن الباهظ الذي سيدفعه إذا قام بواجبه تجاه قضيته المركزية.

خبرة طويلة
مثلت الولايات المتحدة منذ منتصف القرن العشرين البيئة الأكثر خصوبة للحركات الاجتماعية. وتعود ثقافة الاحتجاج في أمريكا وأوروبا لنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي الاحتجاجات التي ساهمت في ظهور نقابات العمال في أكثر من دولة غربية، ولكن فترة الخمسينات شهدت ازدهارا كبيرا في حركات الاحتجاج في أمريكا تحديدا.

ظهرت في تلك الفترة حركة الحقوق المدنية للدفاع عن حقوق الأمريكيين من أصول أفريقية، ولمع نجم العظيم "مالكوم إكس" و"مارتن لوثر كينج"، ثم ازدهرت حركات اجتماعية مختلفة مثل الحركات النسوية وحركات دينية مختلفة وغيرها، لدرجة أن هذا الازدهار أدى لتأطير حركات الاحتجاج وظهور "نظرية الحركات الاجتماعية" في أمريكا قبل انتقالها لأوروبا.

أدى هذا التأطير النظري وتراكم الخبرات لصناعة نماذج للاحتجاج قابلة للانتقال من جيل لآخر، مع تطويرها وفق أدوات كل عصر، ولكن مع وجود إرث طويل ومستدام لحركات الاحتجاج.

لم تشهد الدول العربية بالمقابل حالة مشابهة لما حصل في الغرب، لأسباب كثيرة من بينها ما ذكرناه آنفا عن حرية الاحتجاج. لا يعني هذا أن الشعوب العربية لم تمارس التظاهر والاحتجاج، فقد كان المتظاهرون العرب حاضرين في مفاصل تاريخية كثيرة تتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية، وقضايا محلية مثل انتفاضات الجوع في مصر وتونس ودول أخرى، ثم في "الربيع العربي". ولكن كل هذه المواسم لم تشكل حركة احتجاج دائمة ومستمرة، وبالتالي لم تترك إرثا وتجربة تاريخية يمكن للأجيال الاستفادة منها والبناء عليها.

ولو أخذنا بريطانيا كمثال آخر، فقد تأسست بعض الحركات المناهضة للحروب والمؤيدة لفلسطين منذ عام 2001 و2004، وظلت تمارس الاحتجاج بشكل مستمر منذ التأسيس، ولها أجسام هيكلية وموظفون وعمل دائم على الحشد والتبشير بالقضايا التي تدافع عنها، وهو ما أدى لتراكم خبرات الاحتجاج وانتقالها من جيل لآخر.

لم تزدهر في المنطقة العربية أي حركة اجتماعية تقريبا سوى الحركات الإسلامية، وتعاني هذه الحركات الآن من القمع وسجن كوادرها وتحطيم هياكلها في معظم الدول العربية، ولم تعد قادرة على لعب الدور الذي لعبته تاريخيا في قيادة حركات احتجاج الشعوب العربية.

لا يقل الطلاب العرب حبا لفلسطين وعروبة عن نظرائهم الغربيين، ولكنهم لا يمتلكون الخبرة التي راكمتها حركات الاحتجاج في الغرب، ولا المنظمات أو الهياكل التي تقود هذه الحراكات وتنقل أساليبها عبر الأجيال.

قيادات مغيبة
يحتاج العمل الاحتجاجي لقيادات تحركه وتدعو له وتنظمه وتؤطر مطالبه. التظاهرات بدون قيادات غير قادرة على الاستمرار، والعالم العربي يفتقد الآن لمثل هذه القيادات.

لقد استطاعت منظومة السلطة في الدول العربية تفريغ المنطقة من القيادات المكرسة أو التي كان يمكن أن تتكرس مع الوقت، فأصبح هؤلاء القادة إما في القبور أو في السجون أو في المنافي.
ليس المشكلة إذن في عروبة الطلاب العرب وحبهم لفلسطين، ولكن في غياب قيادات تؤطرهم وتقود عملهم الاحتجاجي.

ولكن هل تعني هذه الأسباب أن ليس بالإمكان أفضل مما كان؟ بالطبع لا. يمكن للشبكية التي خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي أن تكون بديلا عن المنظمات التقليدية الهرمية والحركات الاجتماعية في صناعة الحراك الجماهيري الداعم لفلسطين، ويمكن لما أنتجته أدبيات حركات الاحتجاج الغربية والعربية أن تمثل إرثا يلهم تجربة جديدة للطلاب العرب، ليس لأجل فلسطين فقط، ولكن لأجل حرية الشعوب العربية نفسها أيضا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة امريكا فلسطين غزة الاحتجاجات الطلابية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعوب العربیة الدول العربیة الطلاب العرب

إقرأ أيضاً:

تفاصيل خطة غالانت التي قدمها للأمريكيين لادارة غزة

سرايا - كشفت صحيفة واشنطن بوست عن خطة اليوم التالي لإدارة قطاع غزة بعد الحرب، التي عرضها وزير الجيش الإسرائيلي على كبار المسؤولين الحكوميين في واشنطن خلال زيارته الاخيرة.

وجاء في التقرير أن غالانت اقترح أن الإدارة المؤقتة في غزة ستشرف عليها قوة مشتركة من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة. وستتولى قوة فلسطينية محلية الحكم المدني.

وبحسب التقرير أيضًا، سيتم تدريب القوة الفلسطينية على يد أمريكيين يتمركزون حاليًا في القدس. ويعتقد الأميركيون أن الدول العربية لن توافق على المشاركة إلا إذا وافقت إسرائيل على مشاركة السلطة الفلسطينية في غزة.


وأفادت التقارير أن غالانت رفض الطلب السعودي بإدراج "أفق سياسي" لإقامة دولة فلسطينية في الخطة الخاصة بغزة.

وسيتم تنفيذ الخطة تدريجياً من شمال القطاع إلى جنوبه. سيتم تقسيم القطاع إلى 24 منطقة. وستوفر القوات الأميركية القيادة والسيطرة إلى جانب الخدمات اللوجستية من خارج غزة، ربما من مصر. وتدريجيا ستتولى قوة فلسطينية مسؤولية الأمن المحلي.

وأيد المسؤولون في إدارة بايدن الفكرة. واتفق غالانت والمسؤولون الأميركيون على ضرورة تدريب قوة أمنية فلسطينية في إطار برنامج المساعدة الأمنية للسلطة الفلسطينية، الذي يقوده الضابط الأميركي مايكل فينزل، المنسق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وقال مسؤولون أميركيون إنهم يؤيدون جوهر خطة غالانت، لكنهم أشاروا إلى أن الدول العربية المعتدلة لن تدعمها إلا إذا شاركت فيها السلطة الفلسطينية بشكل مباشر. وحذروا أيضًا من أن تلك الدول تريد ما يسميه السعوديون "أفقًا سياسيًا" تجاه الدولة الفلسطينية وهو ما لا يدعمه غالانت ومعظم الإسرائيليين.

ويعمل الشاباك منذ أشهر على إيجاد بدائل محلية غزية تتولى مهمة توزيع المساعدات دون التعاون مع حماس.وبحسب التقرير، فإن الشاباك على اتصال منذ أشهر بعشرات العائلات الكبيرة وعدد من الوجهاء والإصلاحيين في قطاع غزة.


مقالات مشابهة

  • لماذا ترفض الجزائر الحكم الذاتي للصحراء المغربية؟
  • لماذا فقد أكثر من 100 ألف مسافر في كندا رحلاتهم الجوية فجأة؟
  • ألا موت يُباع فأشتريه.. لسان حال جامعة الدول العربية
  • الجيوش العربية بين المطرقة والسندان
  • الكيلاني تدعو نظرائها العرب للمشاركة في مؤتمر العمل التطوعي في ليبيا
  • لماذا تقوم الصين بتخزين الموارد الرئيسية وهل هو تكرار لسيناريو ألمانيا النازية؟
  • دعوة ملغومة للحلفاء العرب
  • تطبيع الإعلام تطويع للسياسة!!
  • تفاصيل خطة غالانت التي قدمها للأميركيين لادارة غزة
  • تفاصيل خطة غالانت التي قدمها للأمريكيين لادارة غزة