عربي21:
2024-11-02@21:33:34 GMT

لماذا الطلاب الأمريكيون أكثر عروبة من الطلاب العرب؟

تاريخ النشر: 30th, April 2024 GMT

لا، ليس الطلاب الأمريكيون الذين يخوضون حركة احتجاج عظيمة لمناصرة الشعب الفلسطيني أكثر عروبة من نظرائهم العرب. ولكن ثمة أسبابا تاريخية وسياسية تجعل قدرتهم على الاحتجاج والتظاهر أكثر من قدرة الطلاب العرب.

بالطبع، هذا لا يعني أن الطلاب العرب قاموا بواجبهم كاملا تجاه المجزرة المستمرة منذ أكثر من نصف سنة في غزة، ولكن الفرق بين الحالة الطلابية في الغرب وأمريكا تحديدا وبين مثيلتها في الدول العربية، كبير وجوهري، وله أسباب متجذرة، عمرها عشرات السنوات.



حرية الاحتجاج
خاضت الشعوب في أوروبا والولايات المتحدة حروبا أهلية وبينية كثيرة امتدت لعقود، انتهت بها للوصول للديمقراطية الليبرالية بكافة أشكالها وتفصيلاتها المختلفة. حسمت هذه الحروب أهم القضايا الكبرى التي كانت مثار خلاف بين شعوب تلك المنطقة في العالم، كنظام الحكم، والعلاقة بالدين، والنظام الاقتصادي بخطوطه العامة، والحريات العامة والشخصية. وبعد حسم المسائل الجذرية في المجتمع والدولة، بقيت الخلافات على قضايا أقل جوهرية، يتم تنظيمها من خلال الانتخابات التي تفرز الأحزاب الحاكمة، إضافة إلى وسائل الاحتجاج المختلفة ومن بينها التظاهر.

هذا يعني أن الديمقراطيات -بكل عيوبها ومثالبها- تستوعب الاحتجاج مهما علا سقفه. حتى لو استخدمت السلطات العنف ضد المحتجين كما يحصل الآن في بعض الجامعات الأمريكية، أو مارست التحريض كما يحصل في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، فإن الاحتجاج يظل ممكنا، وعندما يصل ضحايا عنف السلطة من المحتجين للقضاء يحصلون على حقوقهم بالعادة.

بالمقابل فإن الشعوب العربية لا تزال تخوض معركتها مع منظومة السلطة في معظم الدول، بحيث أن مسألة "الشرعية" وطبيعة نظام الحكم لم تحسم بعد في هذه الدول. لم يدفع العرب حتى الآن ثمنا يوازي حجم الثمن الذي دفعه الأوروبيون خلال حروبهم قبل الوصول للدولة الحديثة والديمقراطية، ولهذا فإنهم لم يحصلوا بعد على حقهم وحريتهم بالاحتجاج.

ومع هزيمة الموجة الأولى من الانتفاضات الشعبية العربية "ما يسمى بالربيع العربي" وانتصار الثورات المضادة، فقد ازدادت حالة التوحش عند الأنظمة العربية. لقد شعرت الأنظمة بالزهو بعد انتصارها على "كابوس الحرية" الذي خيم على المنطقة بين عامي 2011 و2013، وفي نفس الوقت هيمن عليها الخوف الدائم من عودة هذا "الكابوس"، ولذلك فإن لديها حساسية عالية تجاه أي احتجاج لأنه قد يقود لاحتجاج على الأنظمة نفسها. حالة التوحش هذه جعلت ثمن التظاهر غاليا جدا، فهو يعني في كثير من الدول العربية السجن الطويل، والمحاكمات الباطلة، وضياع المستقبل للشباب، والذهاب إلى المجهول، في ظل عدم القدرة على "توقع" درجة القمع الذي ستمارسه السلطات ضد المتظاهرين.

الطالب الأمريكي ليس أكثر عروبة من الطالب العربي، ولكنه يعرف الثمن "القليل" الذي سيدفعه بسبب تظاهره لأجل فلسطين، بينما لا يعرف الطالب العربي حجم الثمن الباهظ الذي سيدفعه إذا قام بواجبه تجاه قضيته المركزية.

خبرة طويلة
مثلت الولايات المتحدة منذ منتصف القرن العشرين البيئة الأكثر خصوبة للحركات الاجتماعية. وتعود ثقافة الاحتجاج في أمريكا وأوروبا لنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي الاحتجاجات التي ساهمت في ظهور نقابات العمال في أكثر من دولة غربية، ولكن فترة الخمسينات شهدت ازدهارا كبيرا في حركات الاحتجاج في أمريكا تحديدا.

ظهرت في تلك الفترة حركة الحقوق المدنية للدفاع عن حقوق الأمريكيين من أصول أفريقية، ولمع نجم العظيم "مالكوم إكس" و"مارتن لوثر كينج"، ثم ازدهرت حركات اجتماعية مختلفة مثل الحركات النسوية وحركات دينية مختلفة وغيرها، لدرجة أن هذا الازدهار أدى لتأطير حركات الاحتجاج وظهور "نظرية الحركات الاجتماعية" في أمريكا قبل انتقالها لأوروبا.

أدى هذا التأطير النظري وتراكم الخبرات لصناعة نماذج للاحتجاج قابلة للانتقال من جيل لآخر، مع تطويرها وفق أدوات كل عصر، ولكن مع وجود إرث طويل ومستدام لحركات الاحتجاج.

لم تشهد الدول العربية بالمقابل حالة مشابهة لما حصل في الغرب، لأسباب كثيرة من بينها ما ذكرناه آنفا عن حرية الاحتجاج. لا يعني هذا أن الشعوب العربية لم تمارس التظاهر والاحتجاج، فقد كان المتظاهرون العرب حاضرين في مفاصل تاريخية كثيرة تتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية، وقضايا محلية مثل انتفاضات الجوع في مصر وتونس ودول أخرى، ثم في "الربيع العربي". ولكن كل هذه المواسم لم تشكل حركة احتجاج دائمة ومستمرة، وبالتالي لم تترك إرثا وتجربة تاريخية يمكن للأجيال الاستفادة منها والبناء عليها.

ولو أخذنا بريطانيا كمثال آخر، فقد تأسست بعض الحركات المناهضة للحروب والمؤيدة لفلسطين منذ عام 2001 و2004، وظلت تمارس الاحتجاج بشكل مستمر منذ التأسيس، ولها أجسام هيكلية وموظفون وعمل دائم على الحشد والتبشير بالقضايا التي تدافع عنها، وهو ما أدى لتراكم خبرات الاحتجاج وانتقالها من جيل لآخر.

لم تزدهر في المنطقة العربية أي حركة اجتماعية تقريبا سوى الحركات الإسلامية، وتعاني هذه الحركات الآن من القمع وسجن كوادرها وتحطيم هياكلها في معظم الدول العربية، ولم تعد قادرة على لعب الدور الذي لعبته تاريخيا في قيادة حركات احتجاج الشعوب العربية.

لا يقل الطلاب العرب حبا لفلسطين وعروبة عن نظرائهم الغربيين، ولكنهم لا يمتلكون الخبرة التي راكمتها حركات الاحتجاج في الغرب، ولا المنظمات أو الهياكل التي تقود هذه الحراكات وتنقل أساليبها عبر الأجيال.

قيادات مغيبة
يحتاج العمل الاحتجاجي لقيادات تحركه وتدعو له وتنظمه وتؤطر مطالبه. التظاهرات بدون قيادات غير قادرة على الاستمرار، والعالم العربي يفتقد الآن لمثل هذه القيادات.

لقد استطاعت منظومة السلطة في الدول العربية تفريغ المنطقة من القيادات المكرسة أو التي كان يمكن أن تتكرس مع الوقت، فأصبح هؤلاء القادة إما في القبور أو في السجون أو في المنافي.
ليس المشكلة إذن في عروبة الطلاب العرب وحبهم لفلسطين، ولكن في غياب قيادات تؤطرهم وتقود عملهم الاحتجاجي.

ولكن هل تعني هذه الأسباب أن ليس بالإمكان أفضل مما كان؟ بالطبع لا. يمكن للشبكية التي خلقتها وسائل التواصل الاجتماعي أن تكون بديلا عن المنظمات التقليدية الهرمية والحركات الاجتماعية في صناعة الحراك الجماهيري الداعم لفلسطين، ويمكن لما أنتجته أدبيات حركات الاحتجاج الغربية والعربية أن تمثل إرثا يلهم تجربة جديدة للطلاب العرب، ليس لأجل فلسطين فقط، ولكن لأجل حرية الشعوب العربية نفسها أيضا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة امريكا فلسطين غزة الاحتجاجات الطلابية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعوب العربیة الدول العربیة الطلاب العرب

إقرأ أيضاً:

«إعلان عمّان» يشجب ما تتعرض له النظم الغذائية والزراعية بالمنطقة العربية

اختتمت المنظمة العربية للتنمية الزراعية فعالية المنتدى الإقليمي حول تسريع تحول النظم الغذائية في المنطقة العربية، الذي انعقد بالعاصمة الأردنية عمان خلال الفترة من 30-31 أكتوبر.

عقد المنتدى الإقليمي بالشراكة والتعاون مع وزارة الزراعة الأردنية ومجلس الأمن الغذائي الأردني ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، والبنك الدولي، ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، وبرنامج الأغذية العالمي.

وبعد اجتماعات ونقاشات مكثفة بين  وزراء الزراعة العرب ورؤساء الوفود العربية وممثلي المنظمات العربية والإقليمية والخبراء المشاركين خرج المنتدى، بتوصيات تحت عنوان "إعلان عمّان حول النظم الغذائية والزراعية في المنطقة العربية".

وأكد الاعلان أن النظم الغذائية والزراعية في الوطن العربي تواجه تحديات عدة وعلى رأسها شح المياه وتدهور الأراضي والتغير المناخي والتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية تحول دون تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالقضاء على الجوع الذي يتطلب تضافر الجهود من أجل الحد من تفاقمها والتقليل من تداعياتها السلبية على تحول النظم الغذائية والزراعية والأمن الغذائي، وبما يحقق الأمن والاستقرار لدولنا العربية. 

وشجب الوزراء والمشاركين ما تتعرض له النظم الغذائية والزراعية في بعض الدول العربية من اعتداء وتدمير وتخريب ممنهج،  ودعو المجتمع الدولي الى تحمل مسؤولياته إزاء ما يحصل وحثه على إعادة بناء النظم الغذائية والزراعية في هذه الدول. 

وأكد الإعلان، أن الغذاء حق للجميع وفق القانونين الدولي والإنساني ولا يجوز أن يحرم منه أحد لأي سبب كان، وعلى المجتمع الدولي صيانة وضمان هذا الحق من خلال اتخاذ إجراءات صريحة وواضحة باتجاه وقف الاعتداءات التي تمس هذا الحق. واكدوا على اهمية تطوير نظم الحماية الاجتماعية لضمان الحق في الغذاء الصحي والمستدام خاصة للفئات الأكثر احتياجا وذوي الإعاقة.

وشدد على ضرورة إيجاد طرق تمويل مبتكرة تدعم وتسرع التحول المنشود في النظم الغذائية والزراعية وخلق آليات تمويل لدعم الدول التي تشهد نزاعات.

وشددوا على ضرورة تفعيل التعاون العربي في مجال تحول النظم الغذائية والزراعية وجعلها أولوية متقدمة على أجنداتنا التنموية. مؤكدين على أهمية تبادل الخبرات والدروس المستفادة وقصص النجاح بين الدول العربية في مجال التحول الى نظم غذائية وزراعية أكثر استدامة وكفاءة.

وثمن الوزراء والمشاركين على ضرورة تعزيز البحث العلمي وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال في كافة المجالات الزراعية وخاصة ما يتعلق منها باستخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج والأصناف الملائمة لتعزيز القدرة على مواجهة التغيرات المناخية.

وشدد على ضرورة العمل على توفير قواعد البيانات وتبادل المعلومات المحدثة حول النظم الغذائية والزراعية في المنطقة العربية ودعم الدراسات الاستشرافية، بالاضافة الى تعزيز الشراكات الفاعلة بين الدول العربية في مختلف القطاعات وبينها وبين المنظمات العربية والإقليمية والدولية وحث المجتمع الدولي على تقديم الدعم للدول العربية المتضررة بالنزاعات خصوصا خلال الموسم الشتوي الحالي 2024-2025.

وشددوا على الحاجة لرسم خارطة طريق لتحول النظم الغذائية والزراعية في الدول العربية تساهم فيها الدول والمنظمات بشكل فردي وجماعي، وضرورة تعزيز التعاون الإقليمي وتفعيل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لزيادة التبادل التجاري وتسهيل انسياب السلع الغذائية والمنتجات الزراعية ما بين دولنا.

وأكد على أهمية دعم ومساندة القطاع الخاص والقطاع المدني لما لهما من دور محوري ومهم في تسريع تحول النظم الغذائية والزراعية في دولنا.

ورحب الاعلان بمبادرة التقارب بين النظم الغذائية والعمل المناخي لضمان أن تسهم النظم الغذائية والزراعية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وأهداف اتفاقية باريس للتغير المناخي.

مقالات مشابهة

  • أميركا.. جهود لإدراج الأصول العربية كـعرق في التعداد السكاني
  • نمرود اليهود وجرائمه ضد الإنسانية
  • «إعلان عمّان» يشجب ما تتعرض له النظم الغذائية والزراعية بالمنطقة العربية
  • عدم إيقاف تشغيل هاتفك أسبوعيا قد يعرضك للخطر ولكن هناك 4 قواعد أكثر أهمية لحماية بياناتك
  • وباء الوحدة الذكوري.. لماذا يشعر الرجال بالعزلة أكثر من النساء؟
  • الجامعة العربية: لا يمكن الاستغناء عن دور الأونروا إلى حين إقامة الدولة الفلسطينية
  • على الخريطة.. تعرف على الدول التي سجلت ظهور السلالة الجديدة من جدري القرود
  • جامعة الدول العربية ومصر تدينان “الانتهاكات الجسيمة” التي قامت بها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة السودانية
  • هل تعلم الأمريكيون شيئا بعد عقدين من الحروب؟
  • اتحاد خبراء الضرائب العرب يعقد ورشة عمل حول النظام الضريبى العالمى الجديد وأهمية التعاون الضريبى العربى بالقاهرة